لا أرسم إلا غضبي وحرية التعبير أبسط شروط العيش بكرامة لم ينل كاريكاتوري في تاريخ الجزائر ما ناله علي ديلام من مجد وحب وسخط أحيانا، غير أن الفنان يقول للنصر أنه لا يصغي للذين يقولون له أنت رائع ومميز ويرى في الاستجابة لإغراء من هذا النوع بداية للنهاية، وبالمقابل فإنه لا يسمح لمنتقديه بأن ينالوا من عزيمته. و يعترف مؤرق السياسيين بأن الغضب هو ملهمه الأول مسجلا أن الجزائر تتوفر على سقف من الحرية مقارنة بشقيقاتها العربية. حاورته: امينة جنان تصوير: الشريف قليب رغم أن أسلوبك و أسلوب بلانتو مختلفان تماما في الرسم الكاريكاتوري إلا أن هناك تأثير متبادل بينك وبين بلانتو ، ما الذي يجمعكما في هذا المجال ؟ أنا و بلانتو نتقاسم تاريخا مشتركا يجمع بين بلدينا و لكن في الواقع هناك العديد من الاختلافات الاجتماعية و الثقافية التي تؤثر حتما على طريقتنا و أسلوبنا في الرسم و طبعا اختيار المواضيع التي نتناولها في رسوماتنا و التي تفرضها علينا في الكثير من الأحيان التطورات و التغييرات الاجتماعية و السياسية اليومية، فمثلا أنا في الجزائر لا يمكنني التطرق للعديد من المواضيع الجريئة التي يرسم عنها بلانتو ، ليس لأن الجزائر تفتقر لحرية التعبير و لكن لأن المجتمع الجزائري مازال محافظا و ملتزما ببعض التقاليد و أنا أرى انه من واجبني كمثقف احترامها. أما النقطة التي تجمعنا فهي حبنا المشترك لهذه المهنة كما أننا نعمل سويا كأعضاء منذ بضع سنوات في منظمة " كارتونينغ فور بيس" الذي أنشاها بلانتو مع كوفي عنان و جلنا العالم سويا في إطارها لتقديم معارض مشتركة لرسومات سلمية تعبر عن غضبنا أو رفضنا لواقع ما خاصة بعد حلقة الرسومات المسيئة للرسول عليه الصلاة و السلام ، لأن الرسم لا يجب أن يؤدي إلى الحروب ، فهو مجرد وسيلة تعبيرية حرة الهدف منها ليس صناعة الأحقاد و التفريق بين الشعوب و إهانة الديانات بل بالعكس. علي ديلام من بين ابرز الريشات الكاريكاتيرية الجزائرية، لك جمهور كبير من القراء الذين يشترون جريدة " ليبرتي " كل صبيحة فقط ليروا رسوماتك أحيانا قبل أن يقرأوا عناوين الصفحة الأولى، كيف تتعامل مع هذه المسؤولية الملقاة على عاتقك و خاصة فيما يتعلق بترجمة الأوضاع الأمنية و السياسية الصعبة التي مرت بها الجزائر في الفترة الماضية؟ كرسام كاريكاتوري في الجزائر أنا أشعر بضغط يومي كبير و لذلك أحاول دائما أن أضع حدا بيني و بين الرسومات التي أنشرها ، فهي الوحيدة من بين الرسومات التي تنشر في الصحافة الجزائرية التي لا أراها في اليوم الموالي كما أني لا أقرأ جريدة " ليبرتي " لكي لا أصطدم بها. الرسم الكاريكاتيري هو جزء من حياتي اليومية لأنني أمارسه كعمل و كمهنة و لكنه ليس كل حياتي وإنما فقط وسيلة للتعبير عن مخاوفي ككل جزائري عاش في فترة تاريخية جد صعبة و شعر لا محالة بالخوف و بالرعب أيضا ، و لكني دوما مع الإبقاء على بعض المسافة بيني و بين الريشة و الجمهور ، فلا أصغي كثيرا للناس الذين يقولون لي أنني رائع و مميز و أن رسوماتي ممتازة و لا مثيل لها لأن هذا سيكون بداية نهايتي، و في نفس الوقت لا أسمح للناس الذين يبدون آراء سلبية حول بعض رسوماتي بالتأثير في لكي لا أصاب بالخيبة و أفقد ثقتي في نفسي و في أعمالي ، لأنني أعرف جيدا أن الجمهور الجزائري صعب جدا و لا يتردد لحظة في إبداء رأيه و انتقاداته. هل هناك شخصيات كرتونية اشتهرت كثيرا من بين رسوماتك و ما هي أكثر شخصياتك إثارة للجدل؟ الجميع يعلم أنني رسمت تقريبا كل الشخصيات السياسية الجزائرية، و أتصور أن هذا شيء عادي جدا بالنسبة لرسام كاريكاتوري و على الطرف الآخر أن يتعامل مع هذه الحرية في التعبير بطريقة متحضرة ، و يحدث في بعض الأحيان أن تفلت من الريشة بعض الرسومات المبالغ فيها ولكن تجربتي أثبتت أن كل الرسومات بما فيها الأكثر التزاما و الأكثر براءة تتعرض للانتقاد و تجرني أيضا للمساءلة في المحاكم عن الهدف منها . أنا لست هنا لأعجب الجميع، و من الطبيعي أن يكون هناك الكثير من الأشخاص غير الراضين عني ، أنا هنا فقط لأعلق برسوماتي على جديد الحياة اليومية و قد تتعرض أعمالي للرفض و لكن لا يمكن أن ألام على ممارستي لأبسط حقوقي وواجباتي في نفس الوقت و هي التعبير بحرية عن الواقع. بالنسبة لي ، من ناحية إنسانية حقبة الرئيس بوضياف رحمه الله هي الفترة التي كنت فيها أكثر ارتياحا و حرية و لكن للأسف رحيله المفاجئ يوم عيد ميلادي الخامس و العشرين سبب لي خيبة أمل و إحباط كبيرين خاصة لأنه كان من المفترض أن ألتقي به في الخامس جويلية القادم في لقاء كان سيجمعه بالعديد من الصحفيين و المثقفين في الجزائر، و هو الأمر الذي لم يتحقق للأسف الشديد. كيف تعاملت كرسام كاريكاتيري مسلم مع الرسومات المسيئة للرسول؟ خاصة و أن الرسام الدنماركي الذي جسدها اعتبر أنها حرية في التعبير؟ الإساءة لنبي من أنبياء الله و إهانة احد الأديان بهذه الصورة المخزية لا يمكنه أن يكون حرية في التعبير أو أي شكل من أشكال الديمقراطية. و أنا اتحدى الرسام الذي رسم النبي عليه الصلاة و السلام و في رأسه قنبلة أن يأتي للجزائر أو يذهب لأي بلد إسلامي آخر و يرسم أمورا مماثلة إن كان يدعي الشجاعة و حرية التعبير. مهما بلغت حرية التعبير في بلد ما تبقى هناك حدود لا يمكن تجاوزها و لا يمكننا في النهاية رسم كل شيء يخطر ببالنا ، الحدود هي احترام الآخر، ثقافته و دينه. و من جهة أخرى لا يجب أن نضخم الأمر كثيرا ففي النهاية ما قام به هذا الرسام الدنماركي هو مجرد رسم كاريكاتيري لا أكثر . كيف تواجه الانتقادات و حتى المتابعات القضائية ؟ تلقيت خلال مشواري انتقادات حول كل الخطوط و الأشكال التي ارسمها، و في أحد الجلسات المحاكم الكثيرة التي أقف فيها من حين إلى آخر بالعاصمة سألني القاضي قائلا: لماذا ترسم فقط عن الأشياء السلبية في الجزائر ؟ فقلت له أعطني شيء واحد فقط إيجابي في الجزائر و أعدك بأني سأرسم عنه فورا عند خروجي من هنا و سينشر في اليوم التالي، فكان رده: رفعت الجلسة!! كيف لا تنتقد دولة لديها مجلسان استشاريان فقط في السنة؟ النقد هو علاقة حيوية يجب أن تكون وطيدة بين الدولة و الشعب و هذه العلاقة و الحرية في التعبير هي التي تجعل موقف الرئيس بوتفليقة مميزا عربيا عن باقي الرؤساء. هل ترسم غضبك بطريقة مباشرة أو تتحايل على الرسم ليكون اقل استفزازا ؟ أنا في الواقع لا ارسم إلا غضبي ، لأن الغضب هو الحالة الوحيدة التي تسمح لي بالتعبير عن سخطي و انتقاداتي للواقع الذي لا يمكنني البقاء صامتا إزاءه، كما لا يمكنني أن أكون حياديا في التعامل معه . و أكثر المواضيع التي تناولتها في رسوماتي خلال حياتي المهنية هي موضوع الديمقراطية و حرية التعبير لأنني اختبرت شعور الوقوف وحدي في المحكمة لأتعرض للمسائلة عن رسوماتي في أدق تفاصيلها، حتى فيما يتعلق بعدد الذبابات التي تحيط بشخصياتي و شكلها و حجمها و ما إلا ذلك، الواقع المعوج هو الذي يستفزني لأرسم و لا أسعى لاستفزاز الناس برسوماتي، كما أني لست مطالبا بشكر المسؤولين على الحرية المتاحة لنا في العمل الصحفي لأن هذا أقل ما نحتاجه لنحيا بكرامة.