حاورته مريم بحشاشي اعتبر الكوميدي و المنتج حكيم دكار بأن غيابه و تراجع إنتاجه الدرامي في السنوات الأخيرة، لا علاقة له برحيل مسؤول سابق في التلفزيون الوطني، و إنما بمشاكل و ظروف خاصة و عراقيل حالت دون تمكنه من العودة بالوتيرة التي ظهر بها سابقا وحقق بفضلها نجاحا تجاوز الحدود الجزائرية. صاحب سلسلة "جحا" الذي اختار العودة إلى جمهوره من الركح، من خلال إعادة بعث شخصية "خباط كراعو"التي اشتهر بها منذ 20 سنة، فأدخل عليها تعديلات تتلاءم مع المستجدات الراهنة، تحدث في حوار خص به النصر عن أهم المشاكل التي اضطرته للابتعاد عن الساحة الفنية لفترة طويلة، كما كشف عن مشاريعه الجديدة و أهمها خوض تجربة التنشيط التلفزيوني، و أرجع أسباب عجز المسرح عن استعادة جمهوره، كما في سبعينات القرن الماضي، إلى غياب التحكم في ملاحق العرض من «ماركيتينغ» و «مانجمنت» و إشهار و غيرها من الدعائم التي تساهم في إنجاح أي عمل إبداعي. هناك مبالغة في إقحام السياسة في المسرح النصر: هل بعث «خباط كراعو»الذي قدمته مؤخرا على ركح قسنطينة بعد مرور عشرين سنة عن عرضه الأول، إعلان عن عودة دكار لفن المونولوغ ؟ - حكيم دكار:أنا لم أتخل عن المونولوغ، لكنني توقفت عن العروض لعدة سنوات و اكتفيت ببعض العروض المحتشمة هنا و هناك. في السنة الماضية قدمت عرضين، الأول بسطيف و الثاني بالمدية و هذه السنة بقسنطينة، فأنا لم أغب كليا عن الركح و أفضل القول بأن بعث «خباط كراعو» محاولة لاسترجاع الذات على الخشبة. لماذا اخترت عملا قديما و إن جددت فيه لمواجهة جمهور يتوق لرؤية الجديد؟ - لدي العديد من الأعمال، لكن ظروف و مشاكل عائلية و خاصة، حالت دون تمكني من تجسيد الجديد، و هو ما جعلني اكتفي باسترجاع "خباط كراعو" لاستعادة ذاتي على الخشبة، ثم بعث الجديد فيما بعد. أما عن سر اختياري لخباط كراعو، فأنا أجدها شخصية تتلاءم مع كل الفترات و تتوافق و الوقت الراهن. أنا لم آخذ من المونولوغ القديم سوى اسم الشخصية التي كان لها صدى كبيرا و حققت نجاحا كبيرا، أما النص فكان مغايرا تماما. المسرح أنتج جمهورا سطحيا عدت إلى المسرح في وقت عجزت كل المحاولات لاستعادة جمهوره، كما في عصر يصفه الكثيرون بالذهبي، ألا تعتبر ذلك رهانا غير مضمون؟ - صحيح أنا و إن كنت ابتعدت لفترة عن الممارسة، فأنا لم أبتعد عن المشهد الثقافي، لذا أدرك جيدا صعوبة الرهان، في ظل التطوّر التكنولوجي و ظهور جمهور يجد كل ما يحتاجه للترويح عن نفسه بالبيت، دون الحاجة إلى التنقل إلى مكان آخر، إلا في حال تقديم عروض مغرية و في مستوى يستحق المشاهدة، لذا أجد نفسي متريثا لإطلاق أي جديد دون دراسة مسبقة أو محكمة حتى لا يكون الظهور لأجل الظهور، و رغم الدعم الذي حظي به المسرح في 10 أو 15سنة الأخيرة و الإمكانيات الكثيرة المتوّفرة له، غير أن المنتجين فشلوا في إنتاج أعمال ذات صدى، ما عدا بعض الأعمال المحتشمة. أين يكمن الخلل في رأيك و أنت من خاض تجارب عدة في الانتاج و الاخراج و التمثيل؟ - لا زلنا غير متحكمين في ملاحق العرض من «ماركيتينغ» و «مانجمنت» و إشهار و غيرها من الدعائم التي تساهم في إنجاح العمل، كما أن المسرح الناجح في العالم هو ما تصنعه الأسماء المعروفة لاستقطاب الجمهور، و العروض المسرحية اليوم عملية تسويقية. أما عندنا فالأمر بات أشبه بمساعدات اجتماعية، توّزع على وجوه غير معروفة، في أغلب الأحيان، هذا لا يعني أنني ضد منح الفرص للوجوه الجديدة للبروز، لكن يجب ألا يتم ذلك بتهميش من نجحوا في كسب شعبية و جمهور، و بالتالي يضيع الجمل بما حمل، و الخاسر الأول هو المسرح. كما أن المسرح فقد خصوصيته و الذات الجزائرية، بعد أن انساق وراء الاقتباس من ثقافة الغير، دون تكييفها مع الواقع المحلي، و كانت النتيجة أننا لم نفلح لا في استغلال نصوص عالمية مشهورة ،و لا إبداع نصوص محلية، رغم الامكانيات الكبيرة الموّفرة حاليا و التي تفوق بكثير ما كانت عليه في الماضي. لم نوفق في استغلال نصوص عالمية و لا إبداع نصوص محلية في رأيك عما يبحث الجمهور الجزائري؟ - الجمهور الجزائري في حاجة إلى مسرح شعبي، يروّح عنه و يجعله قادرا على الوقوف مع نفسه و ذاته و إعادة التفكير في الأمور التي تهمه، فمسرح اليوم أدى إلى خلق جمهور سطحي لا يكلّف نفسه عناء التفكير لفهم رسائل باتت تقدم له بطريقة مباشرة و ساذجة في قالب تهريجي استعراضي، بعيدا عن الكوميديا الهادفة، فالمسرح متعة و فكر، لكن عنصره الثاني بات شبه غائب للأسف، و المسرح الذي لا يثير الجدل و النقاش و ردود الفعل المثيرة، لا يمكن اعتباره مسرحا، فالقائمين على المسرح اليوم أصبح همهم الأكبر تقديم الحصيلة و الأرقام الصماء، دون الحديث عن الجودة، المسألة اليوم باتت مسألة كم، أكثر من الكيف، و الأمر لم يعد يتجاوز تقارير يتفاخر معدوها بعدد الانتاجات و العروض. لم أعتمد على وساطة أي مسؤول بالتلفزيون و ظروف شخصية وراء تراجع إنتاجي ما رأيك في إقحام السياسة في جل الأعمال المسرحية الأخيرة، و هل يعكس ذلك الجرأة في الطرح و المعالجة؟ - فعلا، هناك مبالغة في إقحام السياسة و غالبا ما تكون بشكل مباشر يعبّر عن مواقف غير مدروسة و في رأيي هذا ليس إبداعا و لا يضيف شيئا للمسرح، أما الجرأة المتحدث عنها اليوم لا تمت بصلة لجرأة الطرح الهادف الذي يخدم القضايا الحساسة، بعيدا عن التهريج و الرغبة في البروز بذكر أسماء شخصيات سياسية أو انتقادها بأسلوب هزلي ، فالمسرح يعالج شتى القضايا الإنسانية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لكن بطريقة فنية، تشرك المتفرّج و تحفزه على التفكير و البحث عن المغزى من العرض. ماذا عن مشاريعك الفنية؟ - أفضل استعمال عبارة أحلام بدل مشاريع، لأن لدي الكثير منها و أريد أن أتقاسمها مع جمهوري الوفي الذي يصنع بهجتي بقدر ما أصنع بهجته من خلال تقديره و تشجيعه لي و حفاوة الاستقبال التي أحظى بها في أي مكان أحل به. و من الأعمال التي سأقدمها له في 2017 مسلسلا تراثيا ضخما، سيكون من إنتاج مشترك مع دولة عربية، و سأكتفي بهذا القدر من التفاصيل إلى غاية تجسيد الخطوات الأولى و الأساسية منه، أما هذه السنة فسأطل على الجمهور في ثوب منشط في برنامج بإحدى الفضائيات الخاصة و هو برنامج ثقافي، فكري و ترفيهي متنوّع، تحمست كثيرا لخوض التجربة. لماذا تراجع إنتاج حكيم دكار بعد أن برز في السنوات الماضية بأعمال عربية ناجحة؟ - للأسف لم أعد أجد الدعم، بل بات طريقي مليئا بالعراقيل و مع ذلك لا زلت صامدا، كما أن مسؤوليتي اليوم باتت أكبر و لا يمكنني تقديم أعمال أقل مستوى عن تلك التي قدمتها من قبل. أحضر لمسلسل تراثي ضخم بمشاركة عربية هناك من يقول أن دكار المنتج انتهى برحيل مسؤول سابق بالتلفزيون الوطني، فما هو ردك؟ - فرضت اسمي كفنان و ممثل مسرحي و تلفزيوني، ثم كمنتج بالساحة الفنية، قبل تعاملي مع هذا المسؤول الذي لا يمكنني إنكار انتعاش الإنتاج الدرامي في عهده، بفضل فتحه الأبواب للمبدعين و كل من يقدم عملا متميّزا، و لم تكن لدي أي وساطة تذكر، و من يقول أن ذاك المسؤول صنع حكيم دكار فهو مخطئ و لو كان كذلك لكنت نجحت في تجسيد كل أجزاء سلسلة «جحا» و ما اكتفيت بخمسة أجزاء فقط، و ما كنت واجهت مشاكل كتلك التي عانيتها مع التلفزيون في نفس الفترة التي كان هو على رأسها، إنتاجي تراجع بسبب ظروف خاصة نجحت في تجاوزها بفضل دعم الجمهور و وفائه و مساندته لي.