الذهنية الذكورية تطغى على السينما الجزائرية اعترف المخرج سيد علي مازيف، المعروف باهتمامه بقضايا المرأة، بصعوبة الظروف المهنية التي تواجهها محترفات فن الإخراج و الإنتاج ببلادنا، مستشهدا بتجربة زوجته التي دفعتها الذهنية الذكورية للتخلي عن هوايتها ، حسبه، المخرج الذي حضر العرض الشرفي لفيلمه "وسط الدار"، المنتج في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، برّر تكرار أو تشابه عدة مشاهد في عمله الجديد، مع أعمال سابقة له صوّرت في سبعينات القرن الماضي، برغبته في إيصال رسالة للمشاهد، مفادها ركود بعض الذهنيات رغم التغيّرات الطارئة على المجتمع. كما تحدث عن سبب اختيار قسنطينة للعودة إلى فن الإخراج السينمائي. حاورته مريم بحشاشي النصر: كيف كانت العودة إلى الفيلم السينمائي، بعد مرور 30 سنة عن آخر أعمالك "حورية"؟ سيد علي مازيف: صعبة، لكن متعة العمل أعادتني إلى الأجواء التي أحب و أنستني كل ما مررت به، من ظروف، بداية بالعشرية السوداء التي حرمتني من تجسيد مشاريع سينمائية كثيرة، ثم معاناتي من المرض الذي أرقدني بالمستشفى لمدة سنة، ورغم كل ذلك لم أتوّقف و أخرجت أفلاما قصيرة و أخرى وثائقية، تعالج قضايا المرأة منها "العنف ضد المرأة"، "قضية نساء" ، و أعمال عديدة تعنى بالأطفال حققتها عندما كنت مدير إنتاج بشركة خاصة، حيث أشرفت على إخراج 200 عدد من برنامج "ساهلة ماهلة". يبدو أن لقسنطينة مكانة خاصة في قلبك، فقد اخترتها كمحطة للعودة إلى ميدان الإخراج السينمائي بعد غياب طويل؟ صحيح، لم أترّدد للحظة في المشاركة في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، خاصة بعد إحراز عملي "وسط الدار"، و بالإجماع على إعجاب لجنة القراءة، لأن لقسنطينة مكانة خاصة في قلبي، و سبق لي اختيارها لتصوير أعمالي، منها فيلم "حورية" المنتج عام 1986 الذي تناول عالم الطلبة و معاناتهم و انشغالاتهم كشباب، و فكرت سابقا في تجسيد تتمة لأعمال جسدتها في السابق مثل "ليلى و الأخريات" بذات المدينة، لكن الظروف لم تسمح بذلك، و عليه و بمجرّد أن سنحت الفرصة لتحقيق عمل جديد بها، لم أفكر مرتين، كما يقال، فحضرت العرض الشرفي لفيلم "وسط الدار" و هو ثمرة عمل فريق شاب ومتحمس. في سياق الحديث عن "وسط الدار"، ألا ترى بأنك راهنت على اختيار مؤلفة لم يسبق لها كتابة السيناريو من قبل، و إشراك وجوه شابة و تقنية صوت جديدة، لإنجاز أول فيلم يجسد في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية؟ أحب الرهان و أثق في الكفاءات التي أتعامل معها، فمثلا الأديبة زبيدة معامرية التي ساعدتني في كتابة سيناريو"وسط الدار"، أديبة معروفة و لها الكثير من المؤلفات، و كنت متأكدا من قدرتها على تحويل القصة إلى حوار، بقليل من التوجيه و النصائح. قدمت عملا جيدا في أول تجربة لها في كتابة السيناريو، و هي الخطوة التي شجعتها على تكرار التجربة في أعمال أخرى، سيتعرّف عليها الجمهور مستقبلا. أما عن الوجوه الجديدة في التمثيل، فأنا معروف بمثل هذه الرهانات و أحب منح فرص لطاقات ألمس فيها روح الإبداع و التميّز، مثلما هو الحال مع وسام مغانم التي لم يسبق لها الوقوف أمام الكاميرا و مع ذلك برزت بمستوى مقبول ضمن الممثلات المحترفات كلويزة حباني و تينهينان مثلا. ، و أعترف بأنني كنت خائفا من رفع الرهان الكبير في البداية، لأنه لم يسبق لأي منتج تجسيد عمل جزائري مائة بالمائة، دون الاستعانة بخبرات أجنبية أو استوديوهات و وسائل بالخارج. لقد عملت مع فريق تقني شاب في الصورة و الصوت في تحقيق كل المراحل التقنية داخل الوطن و بوسائل عالية التقنية، كنا أول من جربها في السينما الوطنية، منها تقنية الصوت المحيطي 5.1 التي أرى بأنها نالت إعجاب العارفين بالميدان. مشهد المقبرة و غيره من اللقطات ذكرتنا بمشاهد في أعمالك السابقة، هل نفهم من هذا أن مازيف لم يخرج من قالب سينما السبعينات، أم ثمة أسباب أخرى؟ صحيح تعمدت إعادة بعض المشاهد، و أردت إيصال رسائل من ورائها، أهمها عدم تغيّر الذهنية الذكورية مثلا، و استمرار العنف ضد المرأة، و غيرها من القضايا التي عالجتها و سلطت عليها الضوء طيلة سنوات، و سينما السبعينات كانت هادفة أكثر حسب رأيي، مقارنة بما نتابعه اليوم من أعمال خاوية المعنى. حسب تجربتك الطويلة في الدفاع عن قضية المرأة، كيف ترى واقع السينمائيات ببلادنا؟ إذا كنا نحن الرجال نجد صعوبة في التعامل مع الكثير من المهنيين في المجال السينمائي، و نضطر لرفع أصواتنا و فرض كلمتنا، لأجل ضمان العمل الجدي و احترام الأدوار و المسؤوليات، فكيف للنساء الجديدات في هذا المجال أن يقاومن و يصمدن. أنا أتحدث بحكم تجربة خاصة مع زوجتي التي اضطرت لاعتزال فن الإخراج، لأنها لم تتحمل سلوكيات بعض العاملين في الميدان، العاكسة للذهنية الذكورية السلبية. هل لديك مشاريع جديدة؟ نعم أنا بصدد التحضير لفيلم عن معاناة الشباب مع المخدرات و قد بدأت كتابة السيناريو منذ فترة.