يحتفي سكان عديد القرى بتيزي وزو بقدوم فصل الربيع أو ما يسمى محليا ب «أمقار تفسوث»، بعادات متميزة لاستقبال هذا الفصل الجميل و حلته الزاهية تمكنهم من الاستمتاع بسطوع الشمس و دفئها المعتدل والتنزه في أحضان الطبيعة الساحرة مع جمع النباتات والزهور. و يبدأ فصل الربيع لدى السكان يوم 28 فيفري من كل سنة الموافق للخامس عشر فيفري بالتقويم الأمازيغي، أما بداية الاحتفالية تكون لدى الغالبية انطلاقا من 25 فيفري، وذلك على مدار أسبوع كامل بالخروج إلى الحقول و المساحات الخضراء لقطف الأزهار المتنوعة والبحث عن نبتة «اذرييس» الضرورية لطهي طبق الكسكسي كونها ذات نكهة طيبة . ولفتت العجوز سعدية من منطقة آث واسيف جنوب تيزي وزو، أن الاحتفال ب «ثافسوث» هو تقليد أزلي أصيل ترسخ لدى سكان المنطقة منذ القدم إلا انه بدا يتراجع خلال السنوات الأخيرة و لكن رغم ذلك فالعديد من العائلات القاطنة بالمرتفعات الجبلية والقرى لا تزال متمسكة بهذه العادة القديمة التي تجمع الأقارب والجيران من رجال ونساء وأطفال و شيوخ في الطبيعة وسط أجواء من الفرحة والتفاؤل، وتتيح هذه اللقاءات الفرصة للخصوم لتصفية خلافاتهم وإعلان الصلح. وعن طريقة الاحتفال تضيف محدثتنا أنه مع اقتراب التاريخ المحدد يتوجه أرباب العائلات إلى السوق لشراء أنواع مختلفة من الخضروات و الفواكه على غرار الفول و الحمص و البرتقال و الحلوى للأطفال الصغار و المكسرات، من جهتنهن تخرج العجائز إلى الحقول لجمع النباتات التي تتكاثر في موسم المطر مثل لحلاحل و ثراسث و ثغماس تمغارث ، ويقمن بتحضير أكلة «أمقفول» وهو الكسكسي الذي يخلط بهذه النبات التي تطبخ فوق البخار يوما قبل الاحتفال بعيد الربيع، كما يجلبن أيضا النبتة العطرية «اذرييس» التي توضع مع الماء داخل القدر لإعطاء نكهة خاصة لطبق الكسكسي و تكون ضرورية للاحتفال بثفسوث. و في اليوم الموعود يخرج جميع سكان القرية كبيرا و صغيرا بشكل جماعي إلى الطبيعة الساحرة لاستقبال الربيع و البحث عن هواء نقي وهم يستمتعون بالأجواء الربيعية التي تزيدها متعة و جمالا زقزقة العصافير، و يرتدي الأطفال أحلى لباس تقليدي وهم يحملون السلال مملوءة بالحلوى والبرتقال و أنواع مختلفة من المكسرات و يتسابقون لقطف كمية أكبر من الأزهار، أما النساء فيحملن الكسكسي الذي حضرنه يوما قبل التنزه، ليتناوله الجميع فوق البساط الأخضر، ويرى القرويون في الاحتفالية بالربيع تواصلا مع الطبيعة، حيث يعود الصفاء واعتدال الطقس بعد فصل من الأمطار و الثلوج والبرد ، وهو تقليد يمتد إلى آلاف السنين يلتقي فيه كل سكان القرية في المساحات الخضراء و الحقول التي تتزين بمختلف الأزهار و النباتات التي تعلن عن بداية فصل الربيع، و تردد النساء أجمل الأشعار الخاصة بهذا الفصل، كما تعتبر مناسبة تلتقي فيها العجائز ببعضهن البعض أما الفتيات العازبات فيخرجن في حلة لائقة لطرد العنوسة حيث يرتدين الجبة القبائلية المرفوقة بالحلي التقليدية وكأنهن خارجات لحفلات زواج، و ذلك بمثابة فأل خير عليهن، حيث يعتقد في العرف المحلي أن كل بنت تخرج في هذه الاحتفالية الجميلة تتزوج قبل العام المقبل. و عند غروب الشمس في المساء يعود الجميع إلى القرية بعدما قضوا يوما ممتعا واستمتعوا بالمناظر الطبيعية الخلابة وسط أجواء خاصة تتكرر عند كل ربيع .