تتمتع ولاية تيزي وزو بعادات وتقاليد تميزها عن المناطق الأخرى، وما أضفى عليها جمالا خلابا يأسر عيون زوارها هي المساحات الخضراء والجبال التي تجعل العديد من العائلات وحتى السياح ينجذبون إلى سحرها. تضم ولاية تبزي وزو مساحة جغرافية ذات طبيعة خلابة تزخر بمناظر طبيعية جميلة ومناطق شاسعة من الغابات والمساحات الخضراء، جبال ذات ارتفاع شاهق تطل على الشواطئ، فكل منطقة من هذه الولاية لها خصوصية جمالية تميزها عن المنطقة الأخرى، فإذا انتقلنا إلى منطقة عزازقة تلفت انتباهنا الغابات ذات الألوان الخضراء تتوسطها زهور مختلفة بألوان زاهية والغابات المنتشرة التي تصدر عنها سنفونية من زقزقة الطيور والهواء العليل والوديان ذات المياه العذبة، وعند توجهنا إلى منطقة أزفون تجذبنا فيها الجبال المكسوة ببساط أخضر والتي تطل على سواحل البحر، وعلى بعد أمتار نجد ميناء تيقزرت، وشاهدنا فيه جزيرة كأنها لوحة فنية ولكنها من صنع الخالق، فهذه اللوحة الطبيعية جذبت الكثير من الزوار، لها خصوصا مع اعتدال الجو بعد الانتقال من جو غائم وبرد قارس إلى جو دافئ. عائلات تفر من ضوضاء المدن نحو القرى للاسترخاء مع حلول فصل الربيع الذي يصحب معه الفرحة والشعور بالراحة النفسية مع الاستمتاع بجمال الطبيعة، قررنا زيارة إحدى الغابات والتي وجدنا بها الكثير من العائلات التي اصطحبت معها أطفالها للترويح عن أنفسهم خصوصا بعد فصل من الدراسة لتكون العطلة الربيعية فرصة للتخلص من الضغوطات اليومية، قررنا الاقتراب من إحدى العائلات التي التقينا بها داخل الغابة، حيث تقول السيدة «فاطمة» القاطنة بالعاصمة: «قررت زيارة عائلتي هنا في ولاية تيزي وزو واستغليت الأمر لأتمتع بالطبيعة هنا وأبتعد قليلا عن ضوضاء العاصمة بالإضافة إلى أني أحضرت معي أطفالي ليستمتعوا باللعب هنا وليرتاحوا قليلا من تعب الدراسة». عائلة أخرى تقطن في ولاية سكيكدة قطعت مسافات طويلة للاستمتاع بجمال طبيعة تيزي وزو، حيث وجدناها تضع فوق طاولتها أنواعا عديدة من الأطعمة والفواكه الخاصة بهذا الفصل بالإضافة إلى المشروبات، حيث تقول ربة الأسرة: «قررنا تغيير الجو بعيدا عن المدينة واخترنا هذه المنطقة، لأننا سمعنا عن جمال تيزي وزو، بالإضافة إلى أن الجو هنا طبيعي ونقي وأطفالي وجدوا مساحة كبيرة للعب وأحاول أن أشجعهم على الدراسة بعد العطلة من خلال الفسح خصوصا أن نفسيتهم سترتاح قليلا من تعب الدراسة وقد حضرت مستلزمات النزهة من أطعمة وحتى حلويات بالإضافة إلى فاكهة الفراولة، لأن سكيكدة مشهورة بها». وليس ببعيد عنهم، التقينا بعائلة قدمت إلى المنطقة من ولاية سطيف، مصطحبة أولادها، حيث تقول السيدة «مليكة»: «اخترنا منطقة تيزي وزو، لأننا سمعنا عن جمال طبيعتها بالإضافة إلى أني اغتنمت فرصة العطلة المدرسية للترفيه عنهم ولترتاح نفسية أطفالي بعد تعب الدراسة ليشعر الأطفال بحرية أكثر باللعب داخل الغابة، كما أنها تحتوي على حيوانات مسلية كالقرود وأطفالي يستمتعون بالركوب على الحصان، لأنهم يحبون الفروسية، كما أن ابنتي تستمتع وتفرح بقطف الأزهار لتصنع منها سلات». عادات وتقاليد مميزة للاحتفال بحلول الربيع في ولاية تيزي وزو يستغل سكان المنطقة كل سنة قدوم فصل الربيع للاحتفال به بطريقتهم الخاصة، وتمتلك ولاية تيزي وزو خصوصيات تميزها عن المناطق الأخرى، فقررنا الاقتراب من سكان المنطقة القروية لمعرفة المزيد عن عاداتهم هناك، فوجدنا خالتي زهور التي كانت تجني الزيتون ،وهي تغني باللهجة الأمازيغية، حيث أخبرتنا أنها تخرج في الصباح الباكر مع قدوم الربيع وتقوم بجمع ثمار الزيتون، ثم تصنع الزيت منه لتعطيه بعد ذلك لابنها ليبيعه في ولايات أخرى وهو مصدر رزق لعائلتها بعد وفاة زوجها، وقد أصبح زيتها مطلوبا عند الكثير من الزبائن، لأنه أصلي ومضمون، وتضيف أنها تستخدمه في تحضير الكثير من الأطباق وأنه مفيد للصحة، كما أنها تقوم بجني التين بعد نضوجه وتخلطه مع زيت الزيتون بالإضافة إلى جمع أنواع مختلفة من الزهور الخاصة بفصل الربيع، كما أنها تحترف صنع الزربية القبائلية بألوان مختلفة وبرموز أمازيغية، كما أنها تستخدم زيت الزيتون لعلاج الكثير من الأمراض. انتقلنا إلى بيت قروي آخر فوجدنا عجوزا تقوم بصنع الأواني الفخارية بآلات بسيطة، حيث أخبرتنا أن في قرية المعاتقة يقومون بالاحتفال بصناعة الفخار منذ تسع سنوات، وأن هذه الحرفة تمارسها النسوة وهن معروفات بجودة الأواني الفخارية، حيث يقمن بالبحث عن نوعية جيدة من الطين، ثم يبدأن بصنع هذه الأواني بألوان الزهور الربيعية المختلفة والإبداع في تزيينها برموز خاصة بالمنطقة، بالإضافة إلى امتلاكهم حرفة أخرى متمثلة في صناعة الزرابي برموز أمازيغية وبألوان تتعلق بالربيع. أما خالتي «مليكة» فقد التقيناها بالقرب من منزلها البسيط تنظف الحقول، مستغلة إشراق شمس الربيع وتزرع في أرضها، وتحكي عن عادات الربيع في منطقة تيزي وزو، حيث تقول: «باقتراب الربيع نخرج للزراعة، مستغلين اعتدال الجو ونقطف عشبة تسمى بالقبائلية «أذرييس» التي لها فوائد صحية كبيرة بالإضافة إلى أن نكهتها طيبة، ونحتفل بأول يوم من فصل الربيع عند قدوم شهر مارس ويعتبر يوم عيد ويرى سكان المنطقة أن الربيع هو جوهر الزراعة، ويفتتح سكان منطقة القبائل الربيع بجني الزيتون كتجسيد لعادة يطلقون عليها تسمية تاحمامت وذبح ثور وتقسيمه على أهل القرية قربانا لله سبحانه وتعالى بمساهمة رب كل أسرة وتقديم اشتراكات يقرر قيمتها شيخ القبيلة، وبعد ذلك تتوجه العائلات إلى حقول الزيتون للانطلاق في عملية جمع الزيتون، متعاونين فيما بينهم، وتستغل العائلات الفرصة للاستمتاع بدفء الجو والمناظر الطبيعية بالخروج إلى المساحات الخضراء في عطلة نهاية الأسبوع، وعادة أهالي المنطقة هو تحضير مستلزمات النزهة من المعجنات كالخفاف والحلويات التقليدية التي تحضر خصيصا لهذه المناسبة ووضع التين مع سكر بودرة بالإضافة الى قطف الفواكه الناضجة من الأشجار والبيض المسلوق وحلوى الكعك ووضعها في سلة، وتضع العائلات جميع ما حضرته على طاولة أو زربية مزينة بأزهار ربيعية تقطف من الحقول واجتماع جميع أفراد العائلة عليها فرحين بقدوم موسم الربيع الدافئ وتحضير طبق الكسكسي وتزيينه بالبيض المسلوق وعشبة أذرييس واللبن بالإضافة إلى تحضير المعارك بزيت الزيتون وتحضير أكلة «قطع وارمي» ولم شمل العائلة على مائدة واحدة». اقتربنا من خالتي فاطمة التي وجدناها تعصر الزيتون لتستخلص منه زيت الزيتون بالرغم من كبر سنها، حيث تقول: «نحن نعتمد بشكل كبير على زيت الزيتون في أطباقنا بالإضافة الى أننا نستخدمه في العلاج، كما أن فتيات المنطقة يضعنه على شعورهن، لأنه مفيد للشعر، كما أن من عادات أهل المنطقة اصطحاب الأطفال إلى السوق وإلباس العروس برنوسا أبيض، كما أن من خصوصية الربيع أن أهل المنطقة يعتبرونه بمثابة عيد، وتحرص النسوة على تحضير وجبة الكسكسي ويذبح الرجال الدجاج أمام عتبة المنزل وتقطف الفتيات الزهور البرية وتزين بها البيت، وتوجه العائلة دعوة لجميع أقاربها للم الشمل والالتفاف حول مائدة العشاء وطبق الكسكسى بالدجاج، كما يحرص سكان القرية منذ القدم على اصطحاب الإبن الأصغر لأول مرة إلى السوق قصد اقتناء رأس عجل لبلوغه الرجولة، كما تقوم الجدة بقص شعر الطفل كدليل على تحمله المسئولية منذ ذلك الوقت، كما يحظى بقية الأطفال الصغار بهدايا من طرف الأولياء، كما تجبر معظم العائلات القبائلية جميع أفراد العائلة بالخروج يوم عيد الربيع للتعاون على تنظيف الحقول وقطف بعض النباتات وزهور النرجس البري، خاصة للشابة المقبلة على الزواج أو تلك التي تزوجت حديثا، وهو ما يعتبر بمثابة إقحامها في الوسط العائلي الجديد، كما تعمد العائلات إلى إقامة الأعراس في هذا الموسم، ومن العادات أيضا قص شعر الطفل الصغير للمرة الأولى تبركا بقدوم الربيع إلى جانب وضع الحنة على أيدي الشابات اللاتي تجاوزن العشرين أملا في أن يحظين بفارس أحلامهن، كما يفضل البعض ختان أبنائهم الصغار خلال الاحتفال بالربيع لتكون الفرحة فرحتين، بالإضافة إلى أن العروس تزين رأسها بالزهور الربيعية وتزين نوافذ بيتها بأنواع مختلفة من الزهور المقطوفة من الحقول للتفائل بها». وعلى بعد أمتار، لاحظنا منظرا جميلا يسحر الزوار وهو جبال جرجرة التي تنزل منها ينابيع طبيعية من المياه الغنية بالعناصر المعدنيةو حيث اقتربنا من أهالي قرية «أث يني» المتواجدة على علو 900 متر في أعالي جرجرة، وتشتهر هذه المنطقة بمجوهراتها الفضية، حيث وجدنا السيدة مليكة التي تصنع المجوهرات برفقة ابنتها، حيث تقول عن المنطقة: «هذه القرية معروفة بصناعة المجوهرات وأنا لدي خبرة 15 سنة في هذه الحرفة، لذلك فمعظم أهالي المنطقة يستفيدون مني وأعلمهم كيفية تصنيعها بطريقة جيدة، وأنا أعلم حتى بناتي هذه الحرفة وأقوم بتصنيع مجوهرات فضية ممزوجة بالمرجان ومزينة بطلاء أصفر يرمز الى الشمس وأخضر كرمز للطبيعة وأزرق كرمز للسماء، ثم يقوم ابني بعرضها في المعارض وقد نالت إعجاب العديد من الزبائن وحتى السياح، وأتلقى طلبات عديدة من الزبائن وأقوم بتلبيتها لهم حسب أذواقهم، وأتلقى طلبات حتى من أهالي المنطقة المقبلين على الزواج، لأن هذه المجوهرات تعتبر الحلي التقليدية التي تتزين بها العروس مع الزي القبائلي في الأعراس وقد حازت هذه المصوغات القبائلية التقليدية على جوائز في كندا». عائلات كثيرة من مناطق أخرى قررت قطع مسافات طويلة لتبتعد عن ضوضاء وتلوث المدن الكبرى وتنعم بسحر وجمال طبيعة قرى تيزي وزو وهوائها النقي الذي يجذب إليها الكثير من الزوار وحتى السياح، كما أن الزائر لعدد من مناطق القبائل القروية يلاحظ تمسك أهلها بالعديد من العادات ومن أجملها العادات الاجتماعية التي تحث على التعاون والتسامح والتكافل الاجتماعي والتلاحم الكبير، والدور الذي لاتزال تلعبه وهو ما يسمى ب»تاجماعت» لاسيما بحلول الربيع، أين يلتقي رئيس مجلس القرية بالأطراف المتخاصمة ويحاول إحلال الصلح بينهم وهي عادة مازالت تتمسك بها العائلات القروية إلى يومنا هذا.