اضطرت السلطات العمومية إلى لجم بعض الأحصنة الجوامح التي أطلقت العنان لألسنتها الطويلة و راحت تجري وراء وسائل الإعلام الوطنية و غير الوطنية، قصد الخوض في قضايا متعلقة بالمصالح الحيوية للدولة الجزائرية، و هذا بعدما نزعت واجب التحفظ مثلما نزعت البذلة العسكرية التي احتمت بها لسنوات طويلة. الأحصنة هذه المندفعة أصبح يعرفها العام و الخاص من كثرة ضجيجها الإعلامي و ما تخلّفه من آثار غير حميدة بقوائمها الخشنة على الساحة الوطنية والإقليمية المتّسمة بالحساسية البالغة، والتي قد تساهم في تعقيد وضعية البلاد في محيط أمني دقيق يتطلّب التعامل معه بحكمة و روية. فقد عمد ضباط سامون متقاعدون، عن قصد أو عن جهل، و على مدار السنوات الماضية و بعدما اكتشفوا و استمتعوا بالحياة المدنية المليئة بمباهج الحياة المختلفة، إلى ممارسة السياسة السياسوية الضيقة بصفة علنية، و انتقاد أعمال السلطات العليا دون أدنى واجب التحفظ الأخلاقي الذي يمليه الحس العسكري و الأمني على كل ضابط انتسب لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش جبهة التحرير الوطني. و لعلّ ما أقلق أكثر السلطات العمومية ليس التعبير السياسي الذي قد يبديه أي مواطن تجاه أية قضية وطنية فقد تقدّم جنرال سابق في البحرية إلى الترشح لأعلى منصب في البلاد دون حرج، و لكن الإستمرار في النشاط غير الواضح باسم المؤسسة التي كان يعمل كل واحد فيها و الذي قد يتسبب في عرقلة عمل المؤسسة العسكرية نفسها من خلال التداخل. و من ذلك ما ذهب إليه متقاعدون غادروا المؤسسة الصامتة، فأصبحوا يتحدثون على أعمدة الصحافة و على القنوات الخاصة و حتى وسائل إعلام أجنبية لا تخفي عداءها الصريح للجزائر، عن أسرار عسكرية و أمنية مثل ذلك الجنرال المندفع الذي بلغت به الجرأة السياسية إلى حد الدعوة الصريحة إلى التمرد العسكري على قيادة الجيش و انتقاد أعمال هذه الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب و إدارة الأزمة الأمنية بصفة عامة، و اتضح الأمر و كأن هناك تصفية حسابات قديمة تسوّى اليوم.القضية هذه مطروحة على العدالة الجزائرية السيّدة في تكييف التهم من هذا النوع و إصدار الأحكام القضائية المناسبة، مع العلم أن هذا الضابط الألمعي عسكريا و غير المحظوظ سياسيا، أكد أن تصريحاته الإعلامية قد أسيء فهمها في خضم الترتيبات الإنتخابية. و يبدو أن القطرة التي أفاضت الكأس في موضوع الصمت العسكري و واجب التحفظ، هو ما كتب على لسان جنرال سابق منذ أيام قليلة في لحظة غضب و بعدما استفزّه أصدقاؤه القدامى الذين يريدون إدخاله في الخصام مكرها، حيث قال بأنه لن يسكت ..و أنه لن يكون مطيّة للمتسلقين أو دمية في يد المتلاعبين من وراء الستار!. و كأن هذا الضابط السامي الذي كان يصنّف من ضمن صنّاع الرؤساء في أوقات الأزمات، لا يريد أن يتقاعد و يخوض في ماضي الجزائر من ثورة تحرير البلاد من الإستعمار الفرنسي إلى ثورة تحرير البلاد من الإرهاب، مرورا بموضوع حقيقة توقيف المسار الإنتخابي في التسعينات و ما خلّفت من حرب خلّفت أكثر من 250 ألف قتيل. و يبدو أن هذا العسكري السابق و غيره من المتقاعدين الذين لا يريدون أن يتوقفوا عند حدود الأزمة التي كانوا شهودا عليها، يعتقدون أنه من حقهم توظيف معارفهم و أسرارهم التي اكتسبوها طوال سنوات الخدمة في إعداد طبخة سياسية ضيقة لا تراعي بالضرورة المصالح العليا للدولة و الشعب. و من ثمة،فإن الإسراع بتعديل القانون الأساسي العام لضباط الإحتياط و القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، كفيل بترويض الأحصنة الجوامح من جهة، و من جهة أخرى حماية الضباط السامين الذين خدموا الجيش الوطني الشعبي بإخلاص و تفان ، كما تصوّرهم رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني القائد العام للقوات المسلحة و هو يثني على العمل الدستوري الجبار الذي تقوم به المؤسسة العسكرية و هي صامتة تحت قيادة رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح.