يصومون على أذى المرضى و اعتداءات ذويهم أحيانا، و يفطرون على التمر و الماء و رائحة الأدوية و مواد التعقيم، هو واقع يومي لأطباء و شبه طبيين عاملين بمستشفى ابن باديس الجامعي بقسنطينة، ويتهمون بالتقصير و التخلي عن المرضى و يعاملون معاملة المذنب، رغم مشقة الصيام و ضغط العمل بالمستشفى، المكان الوحيد الذي يعلو فيه صوت الأنين على صوت الآذان و يفطر فيه الصائم داخل غرفة العمليات. ربورتاج : نور الهدى طابي مئات الرجال و النساء يلتزمون بضمان التغطية الكاملة على مستوى مختلف مصالح المستشفى، و ذلك بمعدل 5 أطباء على الأقل بكل مصلحة، غالبيتهم في مصلحتي الاستعجالات الطبية و الجراحية. علما أن الأطباء المقيمين يشكلون العصب الرئيسي و الشريان الذي يضخ الحياة في المصالح الطبية الحساسة، إذ يعملون وفق نظام مناوبة ضبط خصيصا لشهر رمضان، كما قال مسؤول مصلحة الموارد البشرية بمستشفى بن باديس السيد بن مسيعود، موضحا بأن مخططا تنظيميا خاصا برمضان أعد مسبقا و تضمن تسجيل أرقام هواتف كل الأطباء لاستدعائهم عند الحاجة، حتى وإن كانوا خارج الخدمة. فطور على وجبات باردة و سحور على وقع الاعتداءات خلال تواجدنا بمستشفى قسنطينة الجامعي سويعات قليلة قبل آذان المغرب، كانت فرق المناوبة الليلية قد التحقت بأماكن عملها، و بالأخص أطباء مصالح الاستعجالات، فشاركناهم اللحظات الأخيرة قبل الآذان و عشنا معهم أجواء الضغط و التوتر التي ترتفع حدتها قبيل نصف ساعة تحديدا من موعد الإفطار، و السبب حوادث المرور التي تكثر في هذا الوقت و يكثر معها عدد المصابين و الجرحى. في الأسبوع الأول من رمضان استقبلت مصالح الاستعجالات21 ضحية لحوادث المرور، أغلبهم أسعفوا لحظات قبل آذان المغرب، وهو ما حرم الأطباء من الإفطار بشكل طبيعي، فمنهم من اكتفى بحبة تمر، أو شربة ماء و منهم من أجل الإفطار إلى ما بعد الخروج من غرفة العمليات، كما علق الدكتور عز الدين رماح من مصلحة الاستعجالات، و أخبرنا بأن بعض الأطباء يقضون ثلاث ليال متتاليات في المناوبة، و يضطرون لتحمل مشقة الصيام و ضغط العمل الذي يتضاعف خلال رمضان و تتضاعف معه مخاطر العمل الليلي، خصوصا في مصالح الاستعجالات، بسبب الاعتداءات المتكررة لأولياء المرضى على الطواقم الطبية و اتهامهم بالتقصير، لعجزهم عن فهم طبيعة العمل و حساسيته، كما يفرضون منطقهم على برنامج الزيارات و يرفضون الالتزام بالقانون، كما أضاف مسؤول مصلحة الموارد البشرية بالمستشفى، السيد بن مسيعود. و قد تم تسجيل اعتداء على ممرض خلال أول جمعة من رمضان، إذ قام والد أحد المرضى بكسر أنفه، أما الفترة التي تعرف ذروة المشاكل، فهي تلك التي تأتي بعد منتصف الليل، فأغلب المسعفين يكونون ضحايا شجارات و اعتداءات بالأيادي و السكاكين، في أحيان كثيرة يكملون صراعاتهم داخل المستشفى و يحطمون المصالح، و قد سجلت 58 حالة لضحايا الاعتداءات منذ بداية رمضان، وفق ما علمنا ممن تحدثنا إليهم. الدكتور عز الدين قال بأن فترة الذروة تكون وقت الإفطار و بعده، إذ تستقبل مصلحة الاستعجالات الجراحية وحدها ما يزيد عن 100 حالة، منها ما يتطلب جراحة عاجلة، وهو ما يجعل عمل الطبيب من أصعب الوظائف التي لا يدرك صعوبتها إلا من يمارسها، أما في فترة ما بعد الإفطار، فإن العمل يكون دون توقف، حيث يتم التكفل بحالات مختلفة لمرضى، منهم من يطلب المعاينة و منهم ضحايا اعتداءات أو وعكات صحية. هذا وقد استقبل المستشفى 20 حالة لمرضى السكري خلال أول أسبوع من شهر الصيام، بالإضافة إلى 20 حالة تسمم غذائي. الدكتورة أسماء رماش، طبيبة مناوبة بمصلحة الاستعجالات، قالت بأن معاناة المرأة الطبيبة مع رمضان مضاعفة، فالتوفيق بين ضغط العمل و التزاماتها الشخصية و العائلية، أمر صعب وهو وضع يشمل جميع الزملاء، بما في ذلك الرجال، فالإفطار يكون غير مرتب و لا يحتكم لوقت معين، أما المكان، فيعبق برائحة الأدوية و المعقمات، " نفطر، كما عبرت، على وجبات باردة نحضرها معنا من منازلنا، بسبب رداءة الوجبات المقدمة في المستشفى، و أحيانا نعتمد على إمكانياتنا الخاصة لحفظ و تسخين طعامنا، فنجهز غرف الأطباء بمايكرويف أو ثلاجة، و أحيانا نضطر لأن نقصد نادي المستشفى لتناول الإفطار هناك، رغم غياب شروط النظافة، إلا أننا لا نجد بديلا، خصوصا إذا أجلنا إفطارنا إلى ما بعد الخروج من غرف العمليات". التحسينات في مطعم المستشفى لم تنس الأطباء معاناة سنوات ماضية بالمكان المخصص لتحضير الطعام للعاملين بالمؤسسة، التقينا بالشيف بزاز حسان، المسؤول عن المطبخ ، فأخبرنا بأن تحسينات كثيرة طرأت على المكان، سواء من ناحية التهيئة أو تنوع قائمة الأطعمة المقدمة للأطباء و العمال، غير أن غالبية الأطباء لا يزالوا محتفظين بالصورة السلبية القديمة عن المكان، لذلك يفضل غالبيتهم إحضار طعامهم من البيت، أو أخذ حصته و الانصراف لتناولها في غرفته الخاصة، فالقليلون، حسبه، يفطرون في مقر الإقامة الداخلية، بالرغم من أن المكان بات يتمتع بالنظافة و النظام و ما يعد يوميا من وجبات، يكفي لما يزيد عن 100 شخص، يساهم في تحضيرها يوميا 12 عاملا يبدؤون نشاطهم في السادسة صباحا. أما بخصوص قائمة الطعام، فقد أوضح المتحدث بأنها لا تختلف كثيرا عما يقدم في المنازل، وقد صادف خلال تواجدنا بالمستشفى أن تضمنت القائمة " شربة الفريك، طاجين شواء و سلطة، بالإضافة الى الفواكه و التحلية و المسفوف التقليدي من أجل السحور".