سجلت مختلف مصالح الاستعجالات للمؤسسة العمومية الاستشفائية للثنية خلال العشرة أيام الأولى لرمضان من 800 إلى 1200 حالة مرضية من الثامنة والنصف مساء إلى حدود الثالثة والنصف صباحا، أي بمعدل 80 حالة في ست ساعات ما بين الإفطار والسحور يوميا، وإن كانت بعض الحالات تشكل استعجالا بالنسبة لمرضى القلب والقصور التنفسي أو حتى أمراض السكري، فإن حالات أخرى يكون سببها التُخمة. فيما تشكل 80% من المجموع حالات مرضية وهميّة، حسبما استقته "المساء" بالمصالح المتخصصة. ترددت "المساء" على مصالح الاستعجالات الطبية واستعجالات الجراحة وطب الأطفال وأمراض النساء والتوليد بمستشفى الثنية بالضاحية الشرقية للعاصمة في مساء يوم رمضاني يتميز بالحرارة وارتفاع الرطوبة، واتفق العاملون من أطباء وشبه طبيين على تزايد الضغط في رمضان بسبب انعدام الوعي الغذائي الصحيح المؤدي للإصابة بالتخمة، موضحين أن أكثر المترددين على هذه المصالح يعانون أمراضا وهميّة لا غير. عدم فهم كلمة استعجالات سبب الفوضى تشكل الاعتداءات اللفظية والمناوشات المؤدية أحيانا للاستنجاد بأعوان الأمن صورة يومية قد تقل أو تنقص بحسب المواسم وما يصاحبها من انتشار بعض الأمراض، ولأننا في موسم الصيام، فإن جل المترددين على مصالح الاستعجالات يجدون في حالات مرضاهم الأولوية حتى وإن كان سبب الزيارة لسعة نحلة أو سيلان أنف أو ألم في الرأس في ظل عدم فهم المعنى الحقيقي لكلمة "استعجالات"، حسب شهادة أهل الاختصاص. في السياق، يؤكد الدكتور عبد الحليم جداوي، رئيس المجلس الطبي بذات المستشفى، أن حالات الفوضى وفقدان السيطرة على الوضع تحدث بسبب مزاجية مرافقيّ المريض الذي يتم إجلاؤه للاستعجالات، يقول: "كل الطاقم الطبي وشبه الطبي يعمل تحت عامل الضغط بسبب تدخل مرافق المريض في عمل الأطباء، فالمريض الواحد قد يرافقه أحيانا خمسة أشخاص كل واحد منهم يتدخل وهو ما يحدث طوارئ في طب الطوارئ، أما في رمضان فالضغط يتضاعف مرتين إلى ثلاث مرات، وهو ما يولد الإرهاق والقلق وسط المهنيين لأنهم هم أيضا يصومون وسط الحرارة والرطوبة وطول اليوم الرمضاني ضف إليه ضغط العمل". ومرافِقو المريض يتسببون في حالات الضغط والقلق والتوتر، تقول من جهتها الدكتورة آسيا حمدي طبيبة عامة باستعجالات طب الأطفال، موضحة أن الكثير من الاعتداءات اللفظية المسجلة سببها مرافق المريض، كاشفة عن حالة ممرضة تعرضت مؤخرا للضرب من طرف جارة إحدى الأمهات التي أحضرت ابنها للمصلحة مستعملة في ذلك سلة مهملات. وتشير المتحدثة إلى أن فترة بعد الإفطار مباشرة بحوالي نصف ساعة تمثل ذروة الحالات المسجلة في المصلحة، مضيفة "إنه في المناوبة الواحدة نسجل ما قد يصل إلى 100 حالة مرضية في الاستعجالات، 90% منها تسجل ما بين التاسعة مساء إلى الحادية عشر ليلا، ونؤكد أنها ليست حالات استعجالية إطلاقا وإنما حالات تتطلب استشارة طبية بسيطة، وإن حصل وسجلنا حالة استعجالية حقيقيّة خاصة وسط المواليد الجدد وتم إدخالها مباشرة دون احترام الطابور تحدث جلبة كبيرة ثم نكون عرضة للسّب والشتم وحالات التهديد بالضرب"، تقول الطبيبة. من جهتها، تؤكد الدكتورة رفيقة بوطيش، طبيبة مختصة في الأمراض المُعديّة بذات مصلحة الاستعجالات، أن المواطنين يتناسون أن الطبيب أو شبه الطبي وغيرهم هم كذلك صيامًا، وتعب الصوم في يوم صيفي طويل يرهق الطبيب الذي يمضي مناوبة ل24 ساعة متتالية ليضاف له استقبال حوالي 200 مريض يوميا، أكثرهم مرضى وهميّين .. يترددون على الاستعجالات تحديدا لعلمهم المسبق أنهم سيحظون بالمعاينة الطبية ولن يتم إرجاعهم. الاستعجالات ليلا لتمضية سهرات رمضان وتعرف مصلحة الاستعجالات الطبية الجراحية تدفقا كبيرا للمرضى الوهميّين بعد الإفطار "لتمضية السهرة لوقت السحور"، حسب قول بوعلام بوشنب، مراقب طبي، موضحا أن التردد على هذه المصلحة تحديدا في رمضان يخضع لمزاجية الأفراد، يقول: "هناك حالات تردد على الاستعجالات الطبية الجراحية قبيل الإفطار بحوالي ساعة بسبب التعرض لضربات الشمس والإعياء الشديد بفعل التسكع في الأسواق نهارا، "والغريب أن نفس المواطن الذي جاء في حالة تعب وإرهاق يطلب استشارة استعجالية لحالته، ويصر على استعجال من نوع آخر أي يطلب من الطبيب أن يستعجل في الكشف عليه حتى يتمكن من الرجوع إلى منزله ولا يفوته موعد الإفطار! أما بعد الإفطار بساعة واحدة وأحيانا أقل من ذلك فنسجل حالات التخمة بسبب النهم في الأكل.. أحيانا نفس المريض الذي يأتينا قبل الإفطار يعود إلينا بعده، وكأنها مسألة "ولْف".. لتمضية الوقت". ويتسبب ضغط العمل في يوم رمضاني بإصابة الطواقم الطبية وشبه الطبية بالإرهاق مما يؤثر سلبا على الحالات النفسية للعاملين ومن ثم على أسرهم، مثلما يوضحه ناصر ريال، منسق طبي بمصلحة الاستعجالات الجراحية، الذي يؤكد أنه يحاول التحكم في أعصابه قدر المستطاع حتى لا تنفلت الأمور مع مرافقيّ المرضى، يقول: أكثر ما يسجل في الاستعجالات سواء في رمضان أو غيره عدم احترام مواقيت الزيارة، والغريب أن المواطن هنا يُزايد في الكلام معنا مما قد يعفن الأوضاع ونستنجد بالشرطة". وتسجل الاستعجالات الجراحية قبيل الإفطار حالات كثيرة للضرب والجرح العمدي باستعمال الأسلحة البيضاء، وأكثر حالات الاعتداء، يضيف ناصر تحدث بحوالي ساعة قبل الإفطار والطريف أن هذه الحالات التي تتطلب وقتا لتعقيم الجرح وأحيانا خياطته بإخضاع الضحية لعملية جراحية، يطلب مرافقيّ المريض الإسراع في تأدية العمل ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم للإفطار! وهكذا تتوالى الساعات في أيام رمضان ولياليه، أما ما بعد السحور، أي بدءا من الخامسة صباحا يتم تسجيل حالة واحدة إلى اثنين على الأكثر في الاستعجالات الطبية الجراحية، يقول عنها كمال حلوان منسق طبي أنها حالات استعجالية حقيقية لحالات مرضية مصابة بأمراض القلب أوالربو أوالسكري، سجلت لديها تعقيدات بسبب مضاعفات الصيام، موضحا أن الضغط يتناقص في آخر أيام رمضان مع اهتمام المواطنين بعيد الفطر..