أخلطت الأحداث الأخيرة التي عرفتها تركيا، حسابات الوكالات السياحية التي كانت تراهن عليها إلى جانب تونس و وجهات سياحية أخرى لإنقاذ موسمها السياحي الذي تقلص هذه السنة بالنسبة لعديد العائلات إلى شهر ونصف فقط، والتي انتظرت انقضاء شهر رمضان، وظهور نتائج البكالوريا، وعمدت بعض الوكالات إلى اقتراح تخفيضات ترويجية لاستقطاب المزيد من السياح الجزائريين لإنقاذ موسمها التجاري، في ظل المخاوف من موسم كارثي بسبب الوضع الاجتماعي وتراجع القدرة الشرائية. دخلت اغلب الوكالات السياحية في سباق ضد الساعة، لاستقطاب أكبر عدد من الجزائريين الراغبين في قضاء عطلتهم الصيفية خارج الوطن، حيث كثّفت من حجم نشاطها للترويج للوجهات السياحية الخارجية، على رأسها تونس، تركيا، المغرب وإسبأنيا. وعمدت معظم الوكالات السياحية إلى وضع إعلانات خاصة على واجهات محلاتهم، تعرّض فيها أسعارا مغرية لمختلف الوجهات السياحية في العالم، كما نشرت العروض التفصيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يمنح للزبائن تفاعلية أكثر وإمكانية الاستفسار عن مواعيد الرحلات والأسعار والعروض السياحية. و تشهد مختلف الوكالات السياحية ومراكز بيع تذاكر حركية كبيرة مع نهاية شهر رمضان، استعدادا لقضاء عطلة الصيف. ولمعرفة الوجهات المفضلة لدى العائلات الجزائرية تجولت «النصر» عبر عديد المقرات التي تهتم بالسياحة واتصلت بالقائمين على الوكالات، الذين اجمعوا على أن الوجهة التونسية تبقى في الريادة ضمن أحسن وأفضل الوجهات السياحية لدى الجزائريين رغم المنافسة الشرسة للوجهة التركية التي أصبحت في موقع متقدم مع الأسعار المعروضة والخدمات المقدمة. أغلب الحجوزات في آخر جويلية و بداية أوت أكد حميد قاصدي صاحب وكالة «كاب تور» بالعاصمة، بأن الموسم السياحي هذه السنة تقلص إلى 45 يوما فقط، بسبب تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف، ثم تأخر موعد الإعلان عن امتحانات شهادة البكالوريا ما دفع الكثير من العائلات إلى تأجيل رحلاتها إلى أواخر شهر جويلية وبداية أوت، مضيفا بأن الأحداث الأخيرة التي عرفتها تركيا التي تعد إحدى أهم الوجهات السياحية للجزائريين، دفعت بعدد كبير من العائلات إلى إلغاء أو تأجيل سفرياتهم إلى حين استتباب الوضع هناك». وتعد تونس القبلة الأولى للسائح الجزائري، خاصة المتنقلين برا، حيث تفضل الكثير من العائلات الجزائرية التنقل بسياراتهم إلى تونس عبر الحدود، وهو ما يضيف من ميزة المقصد السياحي التونسي، ما يسمح بخفض التكاليف واقتصاد قيمة تذكرة الطائرة، ويقول إسماعيل بن علي، مسؤول بوكالة «حياة» السياحية، بالعاصمة، أن اهتمام الجزائريينبتونس كوجهة سياحية مفضلة يرجع لعدة أسباب أهمها سهولة التنقل لعدم وجود تأشيرة مفروضة، بالإضافة إلى الأسعار المغرية والخدمات المقدمة. وتابع أن أهم عامل يتحكم في هذه المعادلة هو إمكانية التحكم في تكاليف ومصاريف الإقامة بتونس التي تعتبر معقولة وفي متناول الجزائريين. عكس اغلب الوجهات السياحية الأخرى، فهي اقل بكثير من تكاليف قضاء عطلة بأحد شواطئ الجزائر، مشيرا إلى انه في السابق كانت سوسة وطبرقة هي المناطق التي تستقطب الجزائريين لكن توسع الأمر إلى الحمامات و المنستير ونابل. لكن الاعتداءات الإرهابية التي تحصل من حين لآخر، وآخرها الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطار أتاتورك بإسطنبول، دفعت العديد من الجزائريين إلى إعادة حساباتهم والتفكير في الوجهة التونسية. وأوضح مسؤول الوكالة السياحية، أن اغلب زبائنه في هذه الفترة هم «إما عائلات صغيرة يقل عدد إفرادها عن 5 أشخاص أو شباب يريدون قضاء أيام في شواطئ البحر والمسابح أو المتزوجون حديثا»، مضيفا بأن الوكالة قررت هذه السنة تنويع فروضها باقتراح صيغة التنقل برا على متن حافلات صغيرة مكيفة ومجهزة، وهو الاقتراح الذي لقي حسبه إقبالا كبيرا لان السعر اقل بكثير من الصيغة المقترحة بتذكرة جوية. ونحن نتحدث مع صاحب الوكالة وجدنا زبائن يحجزون أماكن لعائلاتهم لقضاء عطلة في تونس، سألتهم «النصر» عن وجهتهم وأسباب اختياراتهم، فكان رد (محمد س) و هو إطار في مؤسسة حكومية، انه يقضي عطلته مع العائلة كل سنة في تونس منذ فترة، وقال «دأبت على ذلك منذ أكثر من 10 سنوات، ومع الوقت أصبح لدي الكثير من الأصدقاء في تونس نلتقي بهم كل صيف». من جهته، أكد الموظف عادل، انه قضى 5 أيام مع زوجته وابنه في أفخم فنادق مدينة الحمامات، السنة الماضية، بميزانية لم تتجاوز 28 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 280 دولارا تقريبا، الأمر الذي جعله يحبذ تونس على وجهة أخرى لقضاء العطلة، مضيفا بأنه قرر الحجز ل 10 أيام هذه السنة. رغم اعترافه بأن الأسعار شهدت ارتفاعا نوعا ما هذه السنة.ويجمع أصحاب الوكالات، بأن تونسوتركيا هما الوجهتان المفضلتان لدى الجزائريين، وذلك قبل الأحداث الأخيرة التي عرفتها تركيا، تليها وجهات أخرى مثل المغرب واسبأنيا والإمارات ومصر وبعض الدول الآسيوية التي تلقى إقبالا من قبل الجزائريين في السنوات الأخيرة على غرار ماليزيا و تايلاندا و أندونيسيا. كما شرعت بعض الوكالات في تقديم عروض للسفر إلى الأردن. التقشف و مشاريع السكن ترهن الموسم السياحي وتحدث بعض أصحاب الوكالات عن تراجع في مستوى الإقبال هذه السنة، مقارنة بالأعوام الماضية، وأرجع بعض أصحاب الوكالات هذا الأمر الى الأسباب الاقتصادية، بسبب تدهور القدرة الشرائية جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد من جهة، وتراجع قيمة العملة الوطنية مقارنة مع العملات الأجنبية، وكذا النفقات التي ترتبط بالمواسم الدينية كشهر رمضان وعيد الفطر وكذا عيد الأضحى المبارك والدخول المدرسي، والتي تثقل كاهل العائلات الجزائرية بسبب المصاريف الكثيرة.وقال رئيس وكالة «كاب تور» أن الكثير من العائلات تضررت هذه السنة بفعل تراجع القدرة الشرائية، وأضاف أن بعض العائلات من الطبقة المتوسطة «انخرطت في مشاريع سكنية وسددت أقساط تلك السكنات ما صعب عليها تخصيص أموال إضافية لقضاء العطلة بالخارج هذه السنة»، خاصة وان نفقات أخرى تنتظر تلك العائلات مع الدخول المدرسي وعيد الأضحى، ما دفع بالعديد إلى التخلي هذه السنة عن فكرة السفر إلى الخارج. وأشار في السياق ذاته، إلى أن الإقبال على الحجوزات لقضاء عطلة الصيف خارج الجزائر تراجع بصفة ملحوظة هذه السنة مقارنة مع الأعوام الماضية، وبقي حكرا فقط على فئة قليلة من ميسوري الحال، وقال بأن الحجوزات تقتصر على العروض المغرية التي لا تتجاوز الأسبوع، وخاصة العروض التي تضمن التنقل برا لاقتصاد تكلفة التذاكر.وأكد رئيس نقابة الوكالات السياحية إلياس سنوسي، أن عطلة الصيف خارج الجزائر هذه السنة قد تستقطب فقط ميسوري الحال أو الأشخاص الذين يسافرون فرادى أو يقضون فترة عند الأصدقاء والمعارف، وقال بأن المواطن البسيط فلن يستطيع تحمل مصاريف العطلة أو السفر في ظل الظروف الراهنة، لافتا الانتباه إلى أن أقل سفر يكلف الشخص الواحد ما يقارب 12 مليون سنتيم، وإذا تعلق الأمر بعائلة مكونة من أربعة أفراد سيكلف السفر نحو 50 مليون سنتيم وهذا المبلغ- يضيف- ليس بمقدور أي عائلة بسيطة أن تؤمنه خاصة مع المصاريف التي أثقلت جيوب المواطنين في رمضان والعيد وبعدها المصاريف التي تنتظرهم مع الدخول المدرسي وعيد الأضحى المبارك. آلاف الجزائريين يلغون رحلاتهم نحو تركيا وظلت الوجهة التركية، إلى غاية الأحداث الأخيرة التي عرفتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وقبلها التفجيرات التي استهدفت مطار أتاتورك، من الوجهات الأكثر طلبا من قبل الجزائريين، ولكن تلك الأحداث أخلطت أوراق اغلب الوكالات السياحية، وذكر بعض أصحاب الوكالات، بأن عدد العائلات التي ألغت زياراتها يعد ضئيلا جدا إلا أنهم يتخوفون أكثر من استمرار الوضع المضطرب سياسيا في تركيا، وهو ما قد يدفع مزيدا من العائلات إما الى إلغاء الوجهة أو استبدالها برحلات أخرى. وقال صاحب وكالة «بشرى للسياحة» مجيد رمضاني، أن اغلب الطلبات التي وصلت الوكالة «تتمثل في طلبات تأجيل أو إرجاء بأيام أو أسبوع إلى حين اتضاح الأمور»، مضيفا بأن الوكالة سجلت إلغاء ثلاث عائلات فقط لرحلاتها إلى تركيا بسبب الأحداث الأخيرة، مضيفا بأن وكالته على اتصال دائم مع الوكالات التي يتعاملون معها، وكذا أصحاب الفنادق والمنتجعات، لبحث صيغ جديدة لنقل السياح بعيدا عن المناطق التي تشهد اضطرابات، والتفاوض حول تخفيضات أخرى وعروض جديدة لثني العائلات عن التخلي عن حجوزاتها بإضافة خدمات جديدة. وإمكانية تحويل الرحلات الجوية إلى ايطاليا مباشرة، دون المرور عبر اسطنبول، خاصة وان ايطاليا تعد الوجهة الأكثر طلبا من قبل الجزائريين رغم ارتفاع الأسعار في فنادقها مقارنة باسطنبول أو مدن أخرى في تركيا.من جانبه أوضح مسؤول نقابة الوكالات السياحية، الياس سنوسي، إن الحديث عن إلغاء الحجوزات سابق لأوانه، مشيرا بأن مدينة اسطنبول شهدت في الفترة الأخيرة تفجيرات دون أن يكون لذلك أي تأثير على إقبال الجزائريين، كما وقع مع تونس بعد الاعتداءات التي عرفتها مدينة سوسة، حيث مباشرة بعد الاعتداء سجل إقبالا من قبل الجزائريين، وأوضح سنوسي أن الزبائن الذين اتصلوا بالوكالات السياحية لم يقوموا بإلغاء الحجوزات بل فقط استفسروا عن الوضع وان كانت هناك تعليمات أمنية أو إجرائية يتوجب التقيد بها. و أكد بدوره مسؤول بالفدرالية الوطنية لجمعيات الوكالات السياحية والسفر، أنهم لم يتلقوا إلى الآن طلبات إلغاء حجوزات اليومين الماضيين، بل كانت مجرد استفسارات من سياح، وأوضح أن هذا «لا يعني إطلاقا بأن العائلات لن تتخلى عن حجوزاتها» مضيفا «الوضع لا يزال ضبابيا نوعا ما مع التداعيات السياسية للانقلاب»، وقال بأن التوجه العام سيظهر مع بداية هذا الأسبوع، مؤكدا بأن الوكالات السياحية بالجزائر أو حتى الوكالات التي يتعاملون معها في تركيا لم تتلق لحد الآن أي تعليمات خاصة سواء من الخارجية الجزائرية ولا حتى التركية. ودفعت تلك الأحداث الأخيرة، ببعض الوكالات إلى تعديل عروضها أو منح تخفيضات إضافية، وقال مسؤول وكالة «شرشال تور»، بأن وكالته خفضت عرضها لقضاء تسعة أيام في اسطنبول إلى 14 مليون سنتيم للشخص الواحد، وينخفض السعر أكثر كل ما زاد عدد الأفراد ليصل إلى اقل من 13 مليون سنتيم، أما بالنسبة للقصر يتراوح السعر بين 6 ملايين إلى 11 مليون للطفل، مع احتساب تكلفة التذكرة وتكلفة التأشيرة، على أن تبدأ أولى الرحلات في الفاتح من شهر أوت، ويتضمن العرض الإقامة في فندق فاخر في اسطنبول، ويتضمن البرنامج زيارات تثقيفية وسياحية إلى أماكن مختلفة، ويستفيد السياح من بطاقة ركوب مجانية عبر وسائل النقل. إسبأنيا المغرب و فرنسا وجهات أخرى للجزائريين وتعد المغرب ثالث وجهة مفضلة لدى الجزائريين رغم ارتفاع أسعار التذكرة، وتشير تقديرات بأن ما لا يقل عن 200 ألف جزائري يتنقلون إلى المغرب جوا خلال فترة الصيف، ويقول مسؤول وكالة «ريهام للسياحة والأسفار» بأن الوجهة المغربية تعرف إقبالا متزايدا في السنوات الأخيرة، وأضاف بأن ارتفاع تكلفة السفر هو العامل الوحيد الذي يحول دون زيادة عدد السياح إلى الجارة المغرب.ويقصد الجزائريون وجهات أخرى، ومنها فرنسا، وخاصة اسبأنيا التي تعد الوجهة الأقل تكلفة مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، لكن شريطة الحصول على التأشيرة في وقتها، وينجذب الجزائريون إلى الوجهة الاسبأنية بالنظر لنوعية العروض، خاصة كراء سكنات خاصة بمسابح أو بالقرب من البحر بأسعار جد مغرية تقل عن الأسعار المطبقة في الجزائر. كما توفر مرافقها السياحية الساحرة خدمات نوعية و مُغرية بأسعار معقولة. كما تشهد بعض الوجهات السياحية الأخرى إقبالا محدودا بالنظر للتكلفة، خاصة شرم الشيخ في مصر، أو دبي بالإمارات المتحدة، إضافة إلى وجهات أخرى في دول آسيا على غرار ماليزيا واندونيسيا، وهي وجهات يقصدها رجال الأعمال.