من قال إن الجزائري غير “ذوّاق” ولا يحسن اختيار وجهة عطلته الصيفية خاصة إذا ما توفرت له الإمكانات المادية، ودليل ذلك تأهب نسبة من الجزائريين نهاية جويلية الحالي لتمضية سفر بأمريكا انطلاقا من مانهاتن بقلب نيويورك إلى فلوريداوميامي، ثم جزيرة “تاييتي” عبر رحلة بحرية، ليستمتع آخرون بجولة عبر البوسفور التركي.. وتبقى شواطئ الجزائر وجهة المغلوب على أمرهم. التقيناه بوكالة “حيدرة للأسفار” بحي سيدي يحي الراقي بالجزائر العاصمة، إحدى وكالات السفر التي اختصت بتنظيم رحلات إلى أمريكا دون غيرها، كان يحمل معه مجموعة من جوازات السفر لأفراد أسرته، وكان صاحب الوكالة منهمكا في شرح تفاصيل الرحلة التي تدوم 17 يوما وتنطلق من نيويورك لترسو على سواحل جزيرة “تاييتي”، مروا عبر شواطئ ميامي المعروفة وحدائق أورلاندو بفلوريدا، ناهيك عن زيارة افتراضية لمركز وكالة “النازا”، موضحا عبر فيديو أدق تفاصيل رحلة لا يمكن وصفها إلا ب”رحلة الأحلام”، والتي لا يقدر بطبيعة الحال على دفع مصاريفها إلا الأثرياء لأن تكلفتها لشخص واحد تقدّر ب68 مليون سنتيم شاملة كل المصاريف من ثمن تذاكر السفر والإقامة وكذا الرحلة البحرية التي تدوم 8 أيام.
الجزائري يدفع مقابل رفاهيته عن تجربة الاختصاص في تنظيم الرحلات إلى أمريكا دون غيرها من الاتجاهات الأخرى، أوضح لنا السيد موسى شيخ صالح، المسيّر العام لوكالة “حيدرة للأسفار”، أنها ثالث سنة لهم مع هذا النوع من الأسفار، مضيفا أنهم تعمّدوا الاختصاص في سفريات أمريكا فقط دون غيرها كون تنظيمها يتطلب وقتا طويلا وتركيزا، مشيرا إلى أن ما شجعهم على الاستمرار إقبال بعض الجزائريين عليها وطبعا يتعلق الأمر بفئة محدودة من الجزائريين المقتدرين ماديا، والمستعدين لدفع ما يلزم من المال مقابل التمتع بعطلة مميزة، ليشير إلى أنهم يحصوا سنويا أربع مجموعات تحوي كل مجموعة 45 شخصا من أعمار مختلفة من 3 إلى 60 سنة، وأن الأمر يتعلق عادة بسفريات عائلية يفضل أصحابها على وجه الخصوص إتمام هذه السفرية خلال عطلة الصيف حيث يسافر معهم أول فوج في 31 جويلية الحالي. أما عن تكلفة السفر التي تضاهي ال70 مليون سنتيم للشخص الواحد، أفاد محدثنا بأنهم يسعون للتفاوض حول كل الأسعار قدر المستطاع، بهدف الحصول على أرخصها كونها أسعارا خاصة بمجموعات وليس بأشخاص منفردين، موضحا أنه لو أراد شخصا ما التمتع بذات السفرية لوحده لكلفته أكثر من ذلك السعر نظرا لطول مدة السفرية والنوعية الممتازة للخدمات المقدمة خلالها.
رحلات بحرية على ضفاف المتوسط ولم يتوقف الأمر في تنظيم عطلة الجزائريين لصيف 2015 على الوكالات السياحية فقط، بل شمل حتى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ استغل بعضهم صفحته عبر “الفايسبوك” للإعلان عن ترويجات سياحية لتونس مع وضع تكلفة العطلة ووضع الرابط الذي يمكن التواصل عبره معهم، كما نشر موقع “واد كنيس” برنامج رحلة بحرية تدوم أسبوعا وتتزامن مع نهاية شهر جويلية، وتشمل عددا من دول أوروبا أطلق عليها “رحلة البحر الأبيض المتوسط”، والتي تنطلق من الجزائر العاصمة نحو برشلونة بإسبانيا ثم نابولي وروما بإيطاليا ومنها إلى كان بفرنسا ومحطات أوروبية أخرى، لتنتهي الرحلة المنظمة بميناء برشلونة ومنها إلى محطة الانطلاق بالجزائر العاصمة، وقد حرص أصحاب الصفحة على نشر كل ما يتعلق بهذه الرحلة من تفاصيل حول السعر الذي قدر ب185000 دج وغيرها من التفاصيل الأخرى، مقابل عديد الخدمات المغرية. ولم تستثن وكالات السفر التي تحدثنا لمسيريها وجهات عالمية أخرى يقصدها الجزائريون على غرار ماليزيا، تايلندا، دبي، إسبانيا وغيرها، لكنها تبقى وجهات تحت الطلب نظرا لأن طالبيها ليسوا من عامة الناس.
تونس قبلة الأغلبية و”الإرهاب لا يخيفنا” وبعيدا عن الحلم الأمريكي الذي لا يطاله إلا أصحاب الأموال الكثيرة، تبقى تونس قبلة غالبية الجزائريين خاصة مع العروض المغرية التي يقترحها عدد من وكالات السفر. وعنها أوضحت لنا السيدة ياسة سهام صاحبة وكالة “ياسة للسفر” الكائنة بقلب حي باب الوادي الشعبي، أن الأمر يتعلق بعروض جد مغرية جاءت بعد تخوف أصحاب المنتجعات السياحية من تراجع الجزائريين الذين يقصدونهم سنويا، إثر العملية الإرهابية التي مست أحد فنادق ميناء القنطاوي بسوسة، مضيفة أنهم كانوا متخوفين من إلغاء الجزائريين للحجوزات التي قاموا بها قبل شهر الصيام لتمضية عطلهم عبر مختلف المدن التونسية، لكن تفاجأوا بإصرارهم على تأكيد تلك الحجوزات، مشيرة إلى أن غالبية من اتصلت بهم لتأكيد حجزهم من عدمه أكدوا لها بأن “الإرهاب لا يخيفهم”، لتوضح المتحدثة ذاتها بأنها تحصي في الفترة الممتدة بين 31 جويلية و10 سبتمبر أكثر من 2000 جزائري أكد الحجز للتوجه إلى أشهر المدن الساحلية بتونس، على غرار سوسة والمونستير وغيرها، وتبقى الحمامات وياسمين الحمامات الأكثر طلبا، خاصة أن العرض الترويجي الخاص بفنادق المنطقة نزل حتى 45 ألف دج في فندق أربع نجوم خاص بثمانية أيام عطلة.
كما تبقى مراكش وأغادير بالمغرب إلى جانب تركيا ومدينة اسطنبول على وجه الخصوص، وجهة نسبة معتبرة من الجزائريين الميسورين ماديا. وعن ذلك أكدت لنا المدير التجاري لوكالة “الجزائر تور” أنها قبلة كثير من العائلات، خاصة أنها رحلات مرفقة بجولات سياحية عبر أشهر المناطق التاريخية مثل قصر السلطان سليمان. كما أوضحت، من جهتها، مسيرة وكالة “ياسة للسفر” أن العرض الذي لقي إقبالا هذه الصائفة والخاص بتركيا هو الممثل في سفرية مزدوجة بين اسطنبول وأنطاليا الساحلية، وتبقى أسعار السفريات التي لا تقل عن 150 ألف دج وراء احتكارها من قبل البعض دون الغالبية. ويبقى الجزائري المغلوب على أمره والذي لا يملك مالا يمكّنه من قضاء عطلته خارج التراب الوطني، مجبرا على ارتياد بعض مدننا الساحلية في ظل عدم توفر مقاييس السياحة النوعية رغم سحر شواطئنا.