حكومات أوروبية تستغل الخوف الشعبي من الإسلام لتمرير قوانين جائرة أكد إمام مسجد فلورنسا الإيطالية و رئيس اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا، عز الدين الزير، بأن واقع المسلمين في أوروبا يزداد صعوبة بدليل القرارات و القوانين غير الدستورية، التي تتبناها الحكومات بصفة رسمية أو غير رسمية، مستغلة تنامي الإسلاموفوبيا التي يرعاها اليمين المتطرف، بعدما عزز مكانته في الشارع الأوروبي و داخل برلمانات كبريات الدول التي فككت لحمتها قضية اللاجئين السوريين. فرنسا جعلت من علمانيتها دينا جديدا النصر: نشرت صورة على حسابك في فايسبوك، فقلبت العالم لكنك لم ترفقها بتعليق لماذا؟ عز الدين الزير: بالفعل ساءني ما يحدث في فرنسا، و قررت الرد على طريقتي نشرت الصورة على موقع التواصل الاجتماعي، لكنني لم أرفقها بتعليق و ارتأيت أن أترك الكلمة للضمير الإنساني، بعدما خاطبت عقل و قلب الإنسان الأوروبي، الصورة انتشرت بسرعة و أثارت ضجة إعلامية إيجابية في ايطاليا، رغم أن صفحتي علقت بداية، بسبب بعض الاعتراضات، لكن إدارة الفايسبوك سرعان ما أعادت فتحها بعد ضغط مني و انتشار الخبر في وسائل الإعلام العالمية. رسالتي كانت موجهة للمتطرفين العلمانيين، و على رأسهم رئيس وزراء فرنسا، أبرزت من خلالها الجوانب المشتركة بين الثقافة الإسلامية و المسيحية، كما أردت القول، بأن بعض القيم الغربية تأتي من المسيحية، و أن جذور المسيحية تعود أيضا إلى أشخاص كانوا يغطون أجسادهم بالكامل تقريبا، وعليه فما يدعيه هؤلاء عن كون لباس البحر المحتشم، ليس من عادات و قيم أوروبا خطأ، و من هذا المنبر أقول لهم أنتم جاهلون حتى لقيمكم، فحتى مريم العذراء كانت تغطي رأسها و صورها في كبريات متاحف العالم خير دليل. عكس علمانية إيطاليا التي تعد أكثر تقبلا للآخر، و أقل تضييقا على حرية المعتقد الديني و الانتماء الحضاري و الثقافي، فرنسا اليوم تسير نحو خلق نموذج اجتماعي غير متوازن، بسبب انتهاجها لديانة جديدة هي العلمانية الأصولية المتطرفة، التي تؤسس للكراهية. أوروبا تعيش حالة خوف و الإعلام اليميني وراء تأجيج الإسلاموفوبيا هل جعلت الإسلاموفوبيا مسلمي أوروبا يحجمون عن إبراز هويتهم؟ قبل سنوات عندما غادرت فلسطين نحو إيطاليا، لدراسة تصميم الأزياء كان المجتمع أكثر تقبلا للآخر، الآن تنامت الإسلاموفوبيا بشكل كبير، و أصبح لليمين المتطرف تأثيرا كبيرا في الشارع و الإعلام و حتى في البرلمانات، أوروبا اليوم تعيش حالة من الفوضى الخلاقة، إن صحت تسميتها كذلك، و الجميع بات يميل الى الانطواء و العزلة و خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خير دليل على ما يحدث. الأمر لا يتعلق بمجرد اقتصادات دول، بل بنمط عيش و إيديولوجيات و سياسات. حياة المسلمين في القارة العجوز تزداد صعوبة، ومع كل محاولات الاندماج و التأثير الإيجابي في المجتمع، إلا أن حالة الخوف التي يعيشها الشارع الأوروبي بسبب بعض التصرفات المتطرفة الإرهابية غير المسؤولة، الهادفة إلى تشويه صورة الإسلام، فتعقد الوضع أكثر و أكثر، حتى أنها تبرر للكراهية و تعطي شرعية للخطاب الأصولي و العنصري. لكن لماذا يعلو الخطاب الإسلامي المتطرف في أوروبا عن الخطاب المعتدل، لما تعجزون كهيئات إسلامية عن مواجهة المد المعادي للدين؟ ببساطة، لأن قبضتنا ليست بقوة قبضة اليمين المتطرف، الذي يتخذ من الأعمال الإرهابية ذريعة لتأجيج الكراهية تجاه المسلمين، فيدفع بذلك وسائل الإعلام التي يتحكم فيها، إلى التركيز على إبراز الجانب السلبي للخطاب الديني غير العقلاني أو المتطرف لبعض الأئمة، حيث تروج لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالأخبار السوداء تحتل واجهات الجرائد و تفتتح نشرات الأخبار، بشكل يومي، و بصورة تتضمن الكثير من التضخيم و المبالغة، ما يعطي مصداقية أكثر لسياسة اليمينيين. هناك الآن في أوروبا توجه نحو الشعبوية، الأحزاب في الغرب يمينية و يسارية و وسطية، فشلت في تقديم برامج حقيقية لشعوبها التي تتجه نحو الفوضى، وقد وجد الخطاب المتطرف لليمين، مكانا له و أصبح أكثر تأثيرا في الشارع و في الأروقة و البرلمانات. وسائل الإعلام الآن تخدم سياسة هدفها إنتاج الصراع لخلق الفوضى. بالنسبة لنا كاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، نعمل جاهدين لتكريس مبدأ التسامح و التعايش في الإسلام و نشر الفكر المدني المعتدل، فضلا عن استبدال مصطلح الأقلية المسلمة، بتعريف الوجود الإسلامي في أوروبا، وذلك بالاعتماد على المساجد و الملتقيات و حتى وسائل التواصل الاجتماعي، لكن اليمين المتطرف يرفض الاستماع، لأن ذلك لا يخدم مصالحه و إيديولوجياته، و بالتالي فإنه يحاول تقويم فكرنا و التعتيم على صوتنا، مقابل دفع صورة الفكر المتطرف للأمام. أغلب الفلاسفة و الكتاب و الإعلاميون الأوروبيون معتدلون لكن صوت التطرف هو الذي بات يسمع ما درجة خطورة الخطاب الإسلامي المتطرف على الشباب المهاجرين؟ كما كنت أقول، الوضع ليس بالسوء الذي تروج له وسائل الإعلام، صحيح أن هناك أئمة يملكون أفكارا ضيقة و متشددة، تستقطب بعض الشباب في حالات معينة و تنجح في تضليلهم، إلا أن الواقع يعكس أيضا صورة مشرقة عن شباب المسلمين الذين يميلون أكثر للاعتدال و الاندماج الحضاري، دون الانسلاخ عن الهوية. تجدر الإشارة إلى أنه و بعد سلسلة من الجلسات، تم الاتفاق مع وزارة الداخلية الايطالية، على إخضاع الأئمة لدورات تكوينية في اللغة الإيطالية و القوانين التنظيمية و الدستور، من أجل جعلهم أكثر اندماجا في المجتمع الإيطالي و أكثر قربا منهن بحيث يزيد تفاعلهم بشكل إيجابي من خلال دورهم كمسيرين لمؤسسة المسجد، خصوصا و أن عددهم كبير، ويصل في أوروبا عموما إلى 15 ألف إمام. طرد الأئمة المتشددين و حظر البرقع و البوركيني، هل هي بداية لأوروبا علمانية منغلقة و ما موقف الحكومات الأوروبية مما يحدث؟ لا يمكن الجزم، لكن لا يمكن النفي بصورة مطلقة، الفكر المتطرف يتوسع بشكل كبير و متسارع و يلقى مؤيدين في مختلف الدول، وهو فكر يخدم مصالح قوى عظمى، هي عبارة عن لوبي صهيوني رأس مالي كنسي متشدد، يروج بكل وسائلها المادية و الإعلامية، لإيدولوجيا جديدة عدوها الأول هو الإسلام، لذلك فالحرب على الدين تحاك بتنسيق مشترك، و لا تزال في بدايتها، فهذه القوى لن تهدأ ، كونها لا تستطيع العيش دون صراع و إرهاب، فشخصيتها و هويتها تتكون من خلال معالمه. قرار إيطاليا القاضي بطرد الأئمة المتشددين و المثيرين للجدل، و قرار فرنسا و دول أخرى بمنع ارتداء البرقع و لباس السباحة المحتشم، ما هي إلا مفرقعات صغيرة لجس النبض و رسم معالم العلمانية الجديدة. اليوم تأثير المتطرفين اليمينيين في أروقة صنع القرار في أوروبا، أصبح كبيرا لدرجة أن الحكومات تضطر أحيانا للإذعان لهم، كما تستغل حالة الخوف من الإسلام في مجتمعاتها، لتمرير قوانين أقل ما يقال عنها، أنها مخالفة للدساتير، فأن يسمح لوزير الداخلية بطرد مواطن مهاجر، لمجرد أنه محل شك، خير دليل على مزاجية سياسية نطالب نحن كمواطنين إيطاليين مسلمين، بإعادة النظر فيها في ظل ما ينص عليه القانون هل صحيح أن الطبقة المثقفة في أوروبا لا تشجع أفكار المسلمين إلا إذا كانت معادية لحكومات الدول التي ينتمون إليها؟ ليس بالضوروة غالبية المثقفين الأوروبيين، ففي إيطاليا على وجه الخصوص، يوجد فلاسفة و كتاب و شعراء و رسامون و غيرهم معتدلون و أصحاب مواقف متحضرة و منفتحة، لكن صوتهم لا يصل إلى الغالبية العظمى من المواطنين، بقدر ما تصلهم الآراء و الأفكار المتطرفة، بفضل الإعلام طبعا الذي يمنح مساحة كبيرة لهؤلاء، حتى أنه أوجد صراعا حقيقيا بين المثقفين، يصل أحيانا لحد التهجم على البعض و تبادل الشتائم و بعض الألفاظ الجارحة، باسم حرية التعبير و التفكير و إبداء الرأي، وهو وضع يزداد سوءا يوما بعد يوم. صحيح أن الأعمال المثيرة للجدل، خصوصا تلك التي تغوص مباشرة في إشكالية الحريات و تنتقد دول العالم الآخر، تلقى اهتماما كبيرا، لكن الأمر لا يعد قاعدة للحكم. أزمة اللاجئين السوريين فخخت البيت الأوروبي كيف تتعاملون كهيئات إسلامية مع قضية اللاجئين السوريين، وهل صحيح ما قيل عن تمسيح من دخلوا ألمانيا؟ الأزمة السورية و بالتحديد أزمة اللاجئين، كانت لها انعكاسات مباشرة على أوروبا، آلاف اللاجئين الفارين من جحيم الحرب، يعانون فعليا و لا يحتاجون في بعض الأحيان لأكثر من ابتسامة، و للشهادة، فالعديد من الحكومات الأوروبية أعطت قرارات بإنقاذ اللاجئين من البحر و إسعافهم، و كذا فتح الممرات الإنسانية أماهم دون شروط، كما اتخذت إجراءات خاصة لاستقبالهم و التكفل بهم على أحسن وجه، حتى أننا اجتمعنا مؤخرا مع وزيري خارجية إيطاليا و ألمانيا و تدارسنا تفاصيل برنامج خاص لدمج و تشغيل المهاجرين. بخصوص اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا و ناهز عددهم مليون لاجئ خلال سنة واحدة، يمكنني القول بأن غالبيتهم ضحايا حرب، و ليس لأحد الحق في الحكم على ظروفهم، علما بأن الحديث عن اعتناق المئات منهم للمسيحية، أمر فيه الكثير من المبالغة، نحن كاتحاد هيئات إسلامية في أوروبا، نعمل جاهدين على توجيه اللاجئين و متابعة أوضاعهم، في حدود إمكانياتنا طبعا وهي محدودة. من جهة ثانية، يمكنني القول بأن الأوروبيين يستحقون الشكر على ما يقومون به من واجب إنساني تجاه اللاجئين، بالرغم من الصراع غير المعلن الذي أثارته قضية استقبالهم، أما بخصوص الدين فمئات الأوروبيين أيضا يعتنقون الإسلام سنويا، دون أي ضغوطات تذكر، وفي إيطاليا وحدها يتعدى عدد معتنقي الإسلام سنويا 2000 إيطالي و العدد في ارتفاع ، الحملة على الدين أو الإسلاموفوبيا أتت بنتائج عكسية، وزادت رغبة الفرد الغربي في اكتشاف الإسلام، وعادة ما ينتهي به المطاف إلى اعتناقه. تقصد أن القضية أثرت سلبا على علاقات الدول الأوروبية ببعضها؟ بالفعل قضية اللاجئين، خلقت توترا في علاقات دول الاتحاد ببعضها البعض، خصوصا في ظل محاولة بعض السياسيين الضغط على حكوماتهم، باستخدام ورقة الإرهاب و التطرف و استغلال العمليات الأخيرة في بروكسل و فرنسا و أمريكا، لتبرير رفضهم لاستقبال المهاجرين. الصراع موجود بالفعل و إشكاليه غلق الحدود خلفت توترا ،سببه موقف الدول حديثة العهد في الاتحاد الأوروبي وهي عموما دول مستقلة عن الإتحاد السوفياتي، وهو ما أثار موجة غضب و استهجان دول أخرى، ترى بأن المسؤولية لابد و أن تكون مشتركة و ليست عبئا على اقتصادات دون أخرى.