" قوليلي" نجح سنيمائيا لأنه يطرح تساؤلات الفتاة الجزائرية حول الجنس والحب تعمل المخرجة السينمائية الشابة صابرينة درواي على إعادة كتابة سيناريوها الثاني ، الذي سيكمل كما أخبرتنا قصة فيلمها القصير الأول " قوليلي" الذي حقق نجاحا باهرا بحصوله على 11 جائزة في 50 مهرجانا سينمائيا جاب خلالها أرجاء العالم ، كما أخبرتنا في هذا الحوار الخاص مع النصر عن سر اختيارها لموضوع " قوليلي " الجريء النابع من عمق ذاتها الأنثوية كفتاة جزائرية تحيا في ظل تقاليد محافظة و صارمة. فيلمك القصير " قوليلي" يناقش قضايا حميمية تغوص في عمق الذات الأنثوية و بطرح جريء و مباشر، حدثينا عن موضوع أول عمل لك في مجال السينما و الذي يحقق منذ أكثر من ثلاث سنوات نجاحات باهرة متواصلة ؟ - فيلم " قوليلي " هو أول ثمرة لي في عالم السينما ، أردت أن أطرح من خلاله موضوعا لطالما شغلني كفتاة جزائرية تعيش في ظل تقاليد محافظة و خانقة تدفعها باستمرار لطرح الكثير من التساؤلات حول خياراتها في الحياة منذ بداية إدراكها لذاتها كأنثى تحلم بالحب و بحياة جميلة تعيشها ملء رئتيها.هو تساؤل جاد و عميق حول هوية المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية ، يظهره الفيلم كما هو دون تقديم أجوبة أو حلول، أجهلها شخصيا و مازلت في رحلة بحث عنها ، تماما كشخصية " ندى" التي تبحث باستمرار عن الآخر، أي الرجل و الحب و لكنها في نفس الوقت، تضع حول نفسها حواجز من صنعها على ذوق ثقافتها و انتمائها الاجتماعي و الديني. هل هو إذن تساؤل وجودي ؟ -لا أعتقد أنه بلغ هذه الدرجة الفلسفية ليكون تساؤلا وجوديا، أفضل أن أسميه تساؤلا إنسانيا لأنه يطرح قضايا متعلقة بالإنسان بجسده و بوظائفه الحيوية كالأكل و الشرب، الرغبة و الإثارة، اللذان يعتبران هم أيضا أحد الأشياء الحيوية التي تبحث عنها المرأة مثلها مثل الرجل. و"قوليلي" يطرح الكثير من التساؤلات حول الجنس كجزء من الحب أو كطريقة لعيشه و التعبير عنه بالإضافة إلى المشاعر، كما يثير العديد من عناصر الشك التي تؤرق النفس البشرية عامة و المرأة على وجه التحديد، و التي أردت إبرازها بأكبر قدر من العفوية و التلقائية ليشعر المتفرج نفسه في عمق المشاهد و كأنها تحدث أمام عينيه في نفس الوقت، من داخل حميمية " ندى " و حواراتها الداخلية. الصديقة " السوفاجة " كما أسميتها في الفيلم، هل هي نقيض " ندى" أم الجزء السلبي في شخصيتها؟ - بالفعل، الصديقة التي تتحاور معها " ندى" هي الجانب المظلل في شخصيتها، هي نقيضتها و مكملتها في نفس الوقت ، من خلالها أردت القول أن القيام بالخيارات ليس بالأمر السهل في حياة المرأة الجزائرية. ندى تتعلق بقيمها الدينية التي يمليها عليها ضميرها دون أي تدخل خارجي من المجتمع أو الناس، أما الصديقة فتمثل الحياة بكل معانيها و عمقها ، هي الحب المرغوب و الممنوع في نفس الوقت الذي ترغب فيه ندى و تخشاه في نفس الوقت،تخاف أن تصبح صورة من صديقتها و تضيع مبادئها التي تؤمن بها من خلال ما تصفه هي "بالعهر و الانحلال"، و لكنها سرعان ما تعود للتساؤل قائلة لنفسها أنها و في عمر (27سنة) مازالت لم تتزوج و لم تحصل على حبيب. و تحاول من خلال ترددها هذا، أن تحقق وفاقا صعبا بين المتضادات و الخيارات المتناقضة التي تعيشها، من اجل تحقيق توازن صعب جدا بينهما، و هنا أيضا تطرح تساؤلا آخر عن ماهية و معنى التوازن النفسي و الجسدي لأنها في الحقيقة تعاني من اختلال واضح يجعلها لا تشعر بالرضي، بسبب غياب الحب و الجنس في حياتها بالإضافة إلى حاجتها الماسة للحرية التي تخشاها و تهرب منها لتختبئ تحت عباءة الصلاة و التدين. المشاهد ل " قوليلي" لا يجد الحب بل بالعكس يشعر أنه "الغائب الأكبر" لدى ندى التي ترسم له من خلال خيالها صورة مثالية و الصديقة التي تبحث عنه لدى أكثر من رجل، كيف تجدين هذه القراءة للفيلم؟ - هذه إحدى قراءات الفيلم المقبولة و لكنني لا يمكنني أن أقول إذا كانت صحيحة أو خاطئة، و لكنني أعتقد أن الحب حاضر جدا في الفيلم من خلال كلتا الشخصيتين و حواراتهما ، ندى مثلا التي كانت على علاقة برجل ما ، مازالت تعلق صورته على حائط غرفتها و الذي نفهم من خلال الحوار أنها انفصلت عنه لأنها لم تتقبل فكرة ممارسة الجنس معه قبل الزواج لأن ذلك يتعارض مع إيمانها و مبادئها ، و بالنسبة للصديقة أيضا هي الأخرى تبدو مغرمة بأحد الرجلين اللذين تخرج معهما في نفس الوقت و ربما مغرمة بالإثنين لما لا؟ فهذا تساؤل آخر: كيف نحب ؟ و ما هو الحب؟ خاصة في مجتمعنا و ديننا أين الأهل يعلمون بناتهم أنه إذا قبلهن رجل ما فهذا يعني أنه يكرههن و أنه يريد بذلك أذيتهن بطريقة أو بأخرى ، و هذا غير منطقي تماما ، فعندما يقبل رجل إمراة، آخر شيء يمكنها أن تفكر فيه هو أنه يكرهها . الفيلم يروي منذ البداية قصة حب اختنقت منذ إنطلاقها، و لم يكن لها الحظ في الذهاب بعيدا بسبب حواجز القيم و المبادئ التي تضعها ندى حولها للمحافظة على قناعتها و عذريتها خاصة في مجتمع محافظ جدا كالجزائر . رغم أن " قوليلي " هو مدرستك الأولى في عالم السينما، إلا أنه حقق نجاحات كبيرة أتصور أنها تجاوزت بكثير حجم توقعاتك، خاصة انه استحق 11 جائزة مهمة حول مختلف جوانبه و شارك في 50 مهرجانا سينمائيا جاب من خلالها العالم ، كيف تعاملت مع هذا النجاح المبهر ؟ - بطبيعة الحال أنا جد سعيدة بهذا النجاح ، الذي لم أتوقعه أبدا و الذي عزز ثقتي بنفسي كسينمائية مبتدئة ، فككل شاب طموح أردت في البداية أن أضع بصمتي في هذا المجال و كان هدفي في هو العرض في أرض الوطن فقط، لأن سيناريو الفيلم كتب للجمهور الجزائري و مستوحى من واقعه و مجتمعه ، لكن نجاحه المتسارع عبر العالم تجاوز بكثير تصوري عندما راح الفيلم يجوب بسرعة تصيب بالدوار صالات العرض عبر العالم من خلال المهرجانات التي كانت تستدعيني الواحدة تلو الأخرى لإدراجه ضمن قائمتهم. الفيلم انجر بإمكانيات بسيطة و بميزانية تساوي الصفر تقريبا، لأنه نفذ في إطار ورشة كتابة سيناريو للمبتدئين ، و صور بأرخص كاميرا في السوق " دي في كام" ، و مازال يعرض إلا الآن في العديد من المدارس و الثانويات في بلادنا بعد رحلة حافلة بالنجاحات في المهرجانات رغم أن حياة الأفلام القصيرة لا تتجاوز السنتين. المشاهد للفيلم يتعلق كثيرا بشخصية " ندى" لدرجة أنه يبقى ينتظر بعد انقضاء الربع ساعة (مدة الفيلم) تكملة لحياتها في الخارج هل من جزء آخر يرضي فضول الجمهور حول مستقبل " ندى"؟ -لا أخفيك مدى سعادتي بتعلق مشاهدي " قوليلي" بشخصياته، هذا دليل على نجاحها. وبالفعل، أن بصدد إعادة كتابة السيناريو الثاني الذي سيكمله و سنرى فيه " ندى " في الخارج تصارع المجتمع و الناس و تصارع ذاتها أكثر من خلال المتناقضات الأخرى التي ستراها خارج أسوار غرفتها الصغيرة. و هو الجانب الذي قررت عدم إدراجه في الفيلم الأول لأنه عالم آخر و موضوع مستقل بذاته. فبعد أن أنهيت كتابة السيناريو "بقلبي" سأباشر الآن كتابته بعقلي ، لأنني تعلمت أن السيناريو يمر دوما بمرحلتين كتابيتين : القلب ثم العقل . قبل الغوص في السينما كان لك أيضا مشوار حافل في عالم التصوير الفوتوغرافي الفني، هل الصورة هي التي أخذتك للسينما أم هو ولع آخر مستقل بذاته؟ - في الحقيقة السينما كانت ولعي الأول منذ الطفولة ، غير أن مجتمعنا الذي لا يشجع كثيرا على الغوص في عالم الفن جعل هذه الرغبة العارمة تندثر لسنوات في أعماق روحي، و انتقلت لدراسة الكيمياء و ممارسة التصوير الذي ورثته عن أبي المصور الفوتوغرافي و الفنان التشكيلي، و لحسن الحظ فتح لي التصوير مرة أخرى عوالم الفن و أعادني لهوس السينما الجميل و ذلك من خلال تعرفي على العديد من الشخصيات المميزة في الوسط الفني و اكتشافي للأفلام القصيرة قبل ما يقارب الخمس سنوات في إحدى القاعات ، و حينها قلت في نفسي أنني أنا أيضا أستطيع القيام بعمل كهذا ، و قررت الذهاب لفرنسا لدراسة السينما، غير أنني ذهبت إليها مباشرة لتجسيد أول أعمالي السينمائية ، و كان " قوليلي " مدرستي الفعلية ، و بالنسبة لي هو" سنة أولى سينما". كيف كان رد فعل عائلتك حيال هذا القرار و الخيار المخالف تماما لمشوارك كرياضية في الكاراتي و كمتخرجة من معهد الكيمياء ؟ - لحسن الحظ أنني نشأت في بيت يعبق بالفن ، فأبي مصور فوتوغرافي و أيضا فنان تشكيلي و يقدر الفن كثيرا لدرجة أنه يعارض فكرة أن يكون مصدر رزق ، ففي البداية كان يطلب مني أن لا أجعل من الفن مهنتي و أن أتركه هكذا كهواية لا أكثر ، غير أنني فيما بعد قررت ترك عملي و حياتي العادية و جعل الفن مهنتي الوحيدة، و أتصور أن والدي الآن فخور جدا بي، فهذا ما رأيته في عينيه من خلال ثلاث مهرجانات حضر فيها معي عرض الفيلم ، رغم أنه لم يصرح لي بذلك. أمينة جنان