سكان "دوار العطش" بقسنطينة ينتظرون التهيئة و يحلمون بهواء طيب يعيش سكان حي بولبراغت المعروف باسم دوار العطش، حالة من الاستياء الدائم بسبب وضعية تجمعهم السكاني المتدهورة، و الروائح القذرة المنبعثة من وادي الحد، الذي أصبح يحاصرهم بالأوساخ التي يجرفها من عدة أحياء علوية، حيث يطالبون بعمليات تنظيف واسعة و تهيئة المسالك، كما يناشدون السلطات من أجل إيجاد حل لمشكلة السكن، التي جعلت العشرات من الأفراد يقطنون بمنزل واحد. اعتقدنا قبل وصولنا إلى الحي، بأن المكان عبارة عن قرية صغيرة بسبب تسميته، لكنه في الحقيقة عبارة عن مجموعة من البنايات الفوضوية المقابلة لفيلات حي بن شيكو، و تمر به يوميا مئات المركبات و وسائل النقل العمومي، بسبب قربه من نقطة دوران القماص المعروفة بازدحامها المروري. مواطنون يتكفّلون بإنجاز المسالك و السلالم قادنا بعض السكان إلى الحي الذي يضم مجموعة من البناءات الكبيرة و أخرى صغيرة، حيث يقع على تلة متصاعدة و ينتهي عند السور السفلي لمقبرة القماص، التي يمتد بمحاذاتها الطريق الوحيد المعبد بالإسفلت بسبب باب المقبرة الموجود به، رغم أن البلدية قامت بسده في وقت سابق. و قد قام السكان بتعبيد مسالك الشوارع الثلاثة الأخرى بالخرسانة في السنوات الماضية، لكن جزءا كبيرا منها تآكل و تشقق اليوم بسبب تسربات المياه، التي اشتكوا من كثرتها، فضلا عن قنوات الصرف المفتوحة على العالم الخارجي، لتصب مباشرة في الوادي المجاور للحي، الذي يعرف، حسبهم، نقصا في المياه الصالحة للشرب أيضا. و قد قالوا إن تسميته بدوار العطش تعود إلى كون سكانه الأوائل كانوا يضطرون لجلب المياه من أماكن أخرى. و يمكن للسيارات أن تمر في المسالك التي أنشأها السكان، الذين وصفوا المكان ب"المفتقر للتهيئة"، مشيرين إلى أن روائح المياه القذرة لا تغادر أنوفهم طيلة اليوم، بسبب الأوساخ و القاذورات التي يجرفها تيار وادي الحد من الأحياء العلوية للمدينة، على غرار الزيادية و حي ساقية سيدي يوسف و حي الإخوة عباس، و خصوصا فضلات المذابح الفوضوية الواقعة بالأحياء القصديرية السفلية، كبقايا عظام الأبقار و أحشاء المواشي التي يلاحظون وجودها من حين لآخر. و قد أكد محدثونا بأن الأمر يصل ببعض المواطنين، إلى إلقاء هياكل ثلاجات و قاذورات معدنية و ردوم بالوادي، الذي لم يعد يفيض بعد عملية التهيئة التي خضع لها، لكن الروائح المنبعثة منه لا تُحتمل، على حد قولهم. و قال أحد الطلبة "إن الرائحة القذرة تخنقه بداية من الصباح عندما يقف بالقرب من الجسر المار فوق الوادي في انتظار حافلة النقل الجامعي". و تشكل عند سكان دوار العطش، كما يسجل في أغلبية الأحياء الفوضوية، حس خاص يدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم في تحسين الشوارع الخاصة بهم، حيث أخبرنا مرافقونا بأنهم تكفلوا بإنجاز السلالم المؤدية إلى داخل الحي، و إن كانت تدهورت بسرعة، فضلا عن إنجازهم لأخرى بواسطة الحجارة، فوق مسلك ترابي يسهل الوصول إلى "المدخل الرئيسي" للحي، إن صحت تسميته كذلك. و أكد السكان بأن امتهان أغلبية القاطنين بالحي لحرف خاصة بمجال البناء، ساعدهم كثيرا في تجاوز هذا الأمر. 30 فردا في منزل واحد و عائلات تنتظر الترحيل و قد سُجلت، في السنوات الماضية، حوادث وقوع أطفال في الوادي المذكور، بسبب غياب أماكن للعب، فضلا عن صدم سيارات لبعضهم، خصوصا على مستوى الطريق المؤدي إلى حي القماص، أين تمر بعض المركبات بسرعة كبيرة. في حين لاحظنا أن الجزء السفلي لعدد من أعمدة الكهرباء ملفوفة بأسلاك شائكة، أخبرنا السكان بأنهم وضعوها لمنع الأطفال من التسلق و حمايتهم من التعرض للصعقات الكهربائية. كما أكد لنا ساكن آخر بأنه قام بهذا الأمر في العمود الكهربائي المحاذي للسور المحيط بمنزله، لمنع اللصوص من التسلق و الوصول إلى داخل البيت، رغم تأكيده على أن نسبة السرقات في الحي تكاد تنعدم، للعلاقة الوطيدة التي تربط مختلف الساكنين ببعضهم.و يمكن للمركبات أن تمر بين بنايات الحي المنجزة بشكل فوضوي، و لم تسو وضعيتها بعد بحسب ما حدثنا به السكان، رغم أن الكثير منهم ينتظرون ذلك منذ عدة سنوات، فضلا عن أن عددا كبيرا من العائلات مسجلة في قوائم طالبي السكن الاجتماعي، لكنها لم تستفد من الترحيل بعد. و شدد من التقينا بهم في المكان، على التفاقم المستمر لأزمة السكن، بعد ظهور أجيال جديدة من الشباب، حيث تضم أغلب المنازل المذكورة العشرات من الأفراد. و قد حدثنا قاطن بالحي، بأن منزله العائلي يضم أسرته و أسر إخوته الخمسة، و يعيش كل واحد منهم في غرفة واحدة مع أسرته الصغيرة، مشيرا إلى أن تعداد جميع الأفراد القاطنين بمنزله مقدر بثلاثين. و أضاف محدثنا بأنه يعيش بالحي منذ 46 سنة، أي منذ سنة 1970 و قبل أن يغادره بائعو الخردة الذين كانوا يعملون بالمكان في زمن الاستعمار و بعد الاستقلال. في حين لفت محدثنا بأن عددا من الأسر الأخرى تواجه وضعا أسوأ بسبب العدد الكبير لأفراد العائلة المحشورين في منزل واحد، حتى "أن منهم من لا يستطيع الدخول إلى منزله إلى بعد نوم جميع أبنائه البالغين، الذين يعيشون معه في غرفة واحدة".