تعجّ المواقع الالكترونية العالمية المختصة في المزادات، بالمئات من عروض بيع الأحجار النيزكية التي يزيد عمر العديد منها عن 4 مليار عام و استقرت في الصحراء الجزائرية منذ ملايين السنين، قبل أن يتم تهريبها عبر الحدود الغربية ثم باتجاه أوروبا و دول أخرى، و هو ما جعل الباحثين يدقون ناقوس الخطر و يدعون إلى بذل جهود أكبر لحماية هذه الكنوز و توعية الأهالي بعدم الوقوع ضحية لوسطاء وجدوا في بيع و شراء النيازك تجارة مُربحة، على اعتبار أن هذه الأحجار النادرة مطلوبة بكثرة لأغراض بحثية و بشكل أقل من قبل الأثرياء و الفضوليين. تحقيق: ياسمين بوالجدري لم يعد نشاط شبكات التهريب بالجزائر مقتصرا على البنزين و المواد الغذائية و الآثار، فقد تفطنت العصابات الدولية منذ سنوات، إلى تجارة مُربحة تدرّ على أفرادها الأموال بالعملة الصعبة، بنهب ثروات الجزائر التي جادت بها السماء، من الأحجار النيزكية المترامية وسط الكثبان الرملية و الجبال الصخرية، التي تمتد على مساحات شاسعة عبر صحرائنا، حيث تُعد فوهة "مادنة" النيزكية بالأغواط، لوحدها، من أهم ما تم اكتشافه، على اعتبار أنها الأكبر من نوعها بالعالم، فيما تترامى العشرات من هذه الأحجار غير المكتشفة في صحارى غرب الوطن، و يتم من حين إلى آخر إحباط محاولات تهريب ما وصلت إليه أيدي العصابات. و تكمن أهمية النيازك في أنها تتكون من معادن غير موجودة على وجه الأرض كما أن عمرها قديم يتعدى عمر الأرض، حيث يقارب عادة 4.7 مليار سنة، و يكون مصدرها في الغالب الأجرام و الكويكبات و المريخ و القمر، إذ تتساقط يوميا في الفضاء و تصل إلى سمائنا، لكنها كثيرا ما تحترق في الغلاف الجوي، و تسمى في هذه الحالة شهابا أو كرة نارية، مثلما حدث قبل 5 أشهر في قسنطينة و عين مليلة، فيما كانت قرية تاقة بولاية تيزي وزو قد شهدت قبل 6 سنوات، حادثة سقوط نيزك، و في هذا الخصوص يؤكد السيد حمدوش مراد عضو جمعية الشعرى لعلم الفلك، أن هذه الأخيرة تتلقى عدة اتصالات من المواطنين بخصوص عثورهم على نيازك، لكن الجمعية لم تستطع التواصل مع أغلبهم. و قبل أسبوعين فقط، كشفت المجلة العلمية "ساينس آدفانسيز"، عن دراسة أعدها عدد من الباحثين على 11 حجرا نيزكيا من كوكب المريخ جيء بها من الجزائر سنة 2012، و استقرت بغرب صحرائنا منذ 1.1 مليون عام، حيث مكنت هذه الأحجار من التوصل إلى اكتشاف جديد للبشرية، يتمثل في أن الكوكب الأحمر عرف نشاطا بركانيا قبل 2.2 مليار سنة، و هي إنجازات علمية مهمة للباحثين حول العالم، على اعتبار أن رحلات استكشاف المريخ، تكلف ملايير الدولارات، لذلك يُعد العثور على أية قطعة منه مكسبا علميا كبيرا. أحجار ب 300 أورو فما فوق و بالدخول إلى المواقع الالكترونية للبيع و المزادات، اكتشفنا أن نيازك الصحراء الجزائرية تُعرض بالعملة الصعبة و بالأخص في موقعي "إي باي" و "كاتاوي"، حيث تُدون قربها أحرف NWA التي ترمز باللغة الانجليزية إلى منطقة شمال غرب أفريقيا، و الملفت أن أشخاصا من أوروبا، معظمهم فرنسيون، هم من يعرضون هذه الأحجار النادرة بأثمان مختلفة و كثيرا ما تكون باهضة، إذا لا تقل في الغالب عن 300 أورو، و تزيد حسب حجم الحجر أو القيمة الجيولوجية المُفترضة للسلعة، خاصة إن كانت صورتها مرفوقة بوثائق تثبت أن المخابر و الجامعات صادقت على أهميتها العلمية. و لاحظنا أن من يبيعون هذه الأحجار لا يوضحون الطريقة التي خرجت بها من الجزائر في إعلاناتهم الإلكترونية، إذ يكتفون بالقول بأنهم حصلوا عليها من شمال غرب أفريقيا بعد تحويلها من الجزائر، و ذلك من "تجار" يكون أغلبهم من المغرب. كما اكتشفنا أن بعض من يعرضون النيازك عبر الأنترنت، يدعون أن ذات قدرات خارقة، و يبيعونها على أنها أحجار "روحانية"، يضيفون قربها مثلا عبارة "شهاب نجم ساقط نيزك حديدي مغناطيسي نادر شديد" بما يوحي إلى تحويل استعمالاتها إلى أعمال السحر و الشعوذة. ملياران لمعرفة مكان السقوط! و قبل سنتين، عثر محمد و هو أحد سكان ولاية البيض، على أعداد من الأحجار غير المألوفة بصحراء منطقة "بريزينة" و استطاع أن يكتشف بسهولة أنها ذات قيمة علمية كبيرة، فمن النادر إيجاد أحجار في تلك المنطقة الرملية و داخل حفرة كبيرة تشبه الفوهة، و لأن سكان بريزينة توارثوا طيلة الأعوام الماضية، روايات عن سقوط نيزك بها، فكّر محمد بأن الأمر قد يتعلق فعلا بأحجار نيزكية، و حاول التأكد من ذلك لدى بعض العارفين الذين رجحوا هذه الفرضية، بحكم أن ألوان الأحجار كانت مائلة إلى الأسود و الرمادي، لكنه قرر الاتصال بجمعية الشعرى لعلم الفلك التي تبيّن لها من صور العينات أن ما عثر عليه نيازك على الأرجح، حيث دعته إلى تقديمها لمختصين للتأكيد ذلك مخبريا بعرضها على هيئة علمية. النصر تواصلت مع محمد، الذي أكد أن الأحجار لا تزال محفوظة لديه، في انتظار تقديمها إلى الجهات العلمية المُخولة و استغلالها في مجال الأبحاث في بلادنا و "ليس تهربيها لكي ينتفع بها غيرنا"، و أضاف محدثنا أن انتشار خبر عثوره على أحجار نيزكية بين أهالي المنطقة، جعل الكثيرين يزورنه في بيته و يحاولون إقناعه ببيعهم الأحجار أو دلّهم على مكان العثور عليها، و قد كان بينهم جزائريون و مغربيون و تونسيون، يعملون كوسطاء مع أشخاص آخرين، و ينشطون في بلدان أخرى في مجال المتاجرة بهذه الأحجار النادرة، و يقول محمد إن هؤلاء الأشخاص عرضوا عليه مبالغ ضخمة، حتى أن أحدهم اقترح عليه مبلغ 2 مليار سنتيم، مقابل أن يدلّه فقط على مكان العثور على تلك الأحجار، فيما تعرض لما يشبه التهديد من طرف بعضهم، و اضطر لرفع شكوى ضدهم لدى مصالح الدرك. سكان يبيعون الأحجار بالقناطير! البروفيسور بلهاي جلول رئيس المجلس العلمي لكلية علوم الأرض بجامعة هواري بومدين للعلوم و التكنولوجيا بالعاصمة، يُعد من الباحثين الجزائريين القلائل الذين اهتموا بوجود الأحجار النيزكية ببلادنا و أجروا أبحاثا أكاديمية و ميدانية عليها، و قد أكد البروفيسور في اتصال بنا، أن ما ساعد على تهريب هذه الأحجار من الجزائر، رغم الرقابة التي تفرضها مصالح الدرك و الجمارك، هو جهل بعض الأهالي بنوعيتها و عدم وعيهم بقيمتها العلمية، ما يجعلهم يقعون فريسة سهلة لعصابات التهريب، التي تعمل عن طريق وسطاء يقدمون للسكان مواصفات الأحجار المطلوبة التي تُجمع بالقناطير في الأكياس ثم تُباع لمن يطلبونها بمبالغ زهيدة، ثم يتم فرزها و غالبا ما يكون قرابة 90 بالمئة منها أحجار نيزكية. و يتم العثور على أغلب هذه الأحجار النادرة في غرب الصحراء الجزائرية، و تحديدا في ولايات تندوف و بشار و البيض و تمنراست، القريبة من الحدود مع الصحراء الغربية و المغرب و مالي، و كثيرا ما يجري اكتشافها بسهولة بين الرمال، لأنها غالبا ما تكون في حالة جيدة، بسبب نقص الرطوبة و عدم تآكلها، زيادة على عدم عبث أيدي البشر بها، فقد يتم العثور على النيازك في أماكن لم تطأها يوما قدما الإنسان. نصف نيازك شمال غرب أفريقيا من الجزائر و يكشف البروفيسور بلهاي أن 50 بالمئة من النيازك التي عثر عليها في شمال غرب أفريقيا، جيء بها من الجزائر، كما أن 99 بالمئة ممن يشترونها يبحثون عن أهميتها العلمية، و خاصة المخابر العلمية التي تبحث عنها بملايين الدولارات، بينما يشتريها 0.5 بالمئة من باب الفضول و من تبقوا لأغراض مادية طمعا في تحقيق أرباح. و أكد المختص أنه قد تم وضع خارطة للأماكن التي وقعت فيها هذه النيازك، و ذلك في منطقة رق لصفر التي وجد به بين سنتي 1989 و 2000 ما يقارب 400 نيزك، إضافة إلى رقي أغموز و تنزروفت بعين صالح. البروفيسور بلهاي يعترف بنقص الدراسات في مجال الأحجار النيزكية بالجزائر، و هو ما جعله يشتغل على هذه القضية إلى جانب فريق من الباحثين و الطلبة بجامعة باب الزوار و آخرين من وهران و سطيف، و في هذا الخصوص كشف المختص عن مشروع لإنشاء مركز بحث بالجزائر العاصمة لدراسة النيازك، كما سوف يُعقد المؤتمر الرابع للفلك بالأغواط من يومي 9 إلى 12 أفريل المقبل، لطرح هذه الإشكالية، و ذلك بحضور خبيرة النيازك المعروفة المغربية حسناء الشناوي و كذا خبراء من وكالة الفضاء الأمريكية "نازا" و من فرنسا.