السيراميك هوسها الفني و الزجاج متعتها المميزة في فضاء الألوان الربيعية المبتهجة التي تضج بالكثير من الحركة و الحيوية الفنية، أخذتنا لوحات الفنانة التشكيلية المميزة سامية فيلالي إلى عالم الجمال و الفن، بتقنيات متنوعة و متعددة تتأرجح بين مادتي الزجاج و السيراميك الخام ، الذي تطمح للاحتراف فيها و صياغة إبداعاتها الفنية الخاصة على مساحاته البيضاء التي تصقلها بأصابعها الفنية المتقنة للمادة برشاقة و بذكاء لإعطائها ملمسا ناعما أو محببا بعض الشيء حسب موضوع اللوحة و رغباتها، و ذلك بتقنيات تستعملها بخفة و إحساس عالي لتكون بذلك إحدى الفنانات التشكيلات النادرات في مجال الرسم على السيراميك في قسنطينة، بالإضافة إلى إتقانها لتقنية الرسم على الزجاج بشهادة لوحاتها التكعيبية الصارخة بمتعة الألوان المنسجمة التي تطمح حسبها لتغيير صورة " السويقة " الباهتة و الحزينة . شخصية " أحمد باي" هي أكثر الشخصيات التي استمتعت الفنانة سامية فيلالي بإعادة تجسيدها مرارا في أكثر من لوحة سيراميك متنوعة، تميزت باختلاف ألوانها و أحجامها التي ترسم لشخصية الباي التاريخية بورتريهات متقاربة في مضمونها البصري من حيث ملامح الوجه و شكل الثياب الفاخرة التي تبرز أزياء تلك الفترة ، حيث ثبتت الفنانة إلى الأبد صورته و نظرته الحادة داخل بروازها الجامدة المختارة بذوق رفيع . بلاط السيراميك هو المادة الخام التي تفضل الفنانة استخدامها لتجسيد إبداعاتها الفنية متحدية نفسها فيها رغم صعوبة التحكم فيها ، بابتكار تقنياتها الخاصة التي يدعمها اختيارها الموفق للمواضيع و الأشياء التي ترسمها معتمدة على الرصيد التراثي الضخم الذي تزخر به الجزائر و خاصة قسنطينة ، كما أخبرتنا أنها لا تجد حرجا أبدا في إعادة رسم بعض لوحات الفنانين المعروفين كالفنان " إتيان ديني"، الذي عبرت عن إعجابها الكبير بلوحاته لأنه يجسد ماضي الجزائر و تقاليدها ، الأمر الذي يستهويها كثيرا كلوحة " الخيال الصحراوي" ، الذي يظهر الزي التقليدي لمنطقة بوسعادة ، التي أعادت رسمها على قطعة سيراميك لا تتجاوز مقاييسها ال 20 في 15 سم. أما قسنطينة فتحظى ضمن مجموعتها الثرية و المتنوعة بلوحة ضخمة لجسر"سيدي راشد " تتألف من مجموعة من قطع السيراميك المترابطة و التي تظهر خلالها الجانب الجمالي للمدينة من خلال أحد أشهر جسورها الحجرية ، إذ بدا المنظر حزينا بعض الشيء بسبب النضوج الكبير للألوان داخل الفرن، و هو أمر غالبا ما يخرج عن نطاق فنان السيراميك الذي يقوم الفرن بنصف عمله تقريبا كما أخبرتنا ، مؤكدة أن هذا النوع من الرسم يعتبر من أصعب التقنيات لأنه يمر بالعديد من المراحل المتكاملة، أهمها النضوج في الفرن، فبعد أن تخطط أناملها المولعة بربطة منديل الرأس للأمهات و الجدات فوق شعرهن مغطيا نصفه بشاعرية معالم لوحتها بقلم الرصاص أو بالفحم ، تقوم باختيار الألوان التي تستعملها في ملء المساحات بعناية و قياس درجة اللون و الكمية التي يجب أخذها على الريشة بدقة لأنها كما أشارت، اللون يحافظ نادرا على قوته و بريقه بعد إنضاج اللوحة في فرن تصل حرارته 900 درجة ، ويستغرق مدة ثماني حتى تسع ساعات ، مستعينة في ذلك بورشات صديقاتها و زميلاتها في الميدان لعدم امتلاكها لفرن خاص في ورشتها الصغيرة في المنزل. سحر الماضي بكل تفاصيله المثيرة حاضر في العديد من اللوحات الأخرى التي تؤرخ لبعض الأشياء الجامدة في زاوية الذاكرة من خلال تأملاتها الخاصة لمكوناتها الدقيقة و أشكالها الهندسية المنفردة كلوحة الإبريق النحاسي " الوضاية " ، التي حاولت أن تعيد إليها الرسامة بعض تفاصيل حيويتها من خلال لوحتين زجاجيتين تبرزان بريق و لمعان النحاس الفضي و الأحمر تذكر المتلقي بماض جميل قد يعود لفترة الباي. بعد أن تخرجت سامية فيلالي من مدرسة الفنون الجميلة ضمن دفعة 1998 اختصاص " اتصال بصري" ، التحقت بشركة ابن زياد للبلاط الخزفي أين اكتسبت مهارات و تقنيات عديدة في الرسم على السيراميك لمدة ستة سنوات، لم توفر فيها جهدا أو طاقة لتتعمق في أسرار هذا الفن المميز الذي تكرس له وقتها و حياتها، كطرق صقل السيراميك و إنضاجه في الفرن المخصص له أين يبقى ساعات طويلة ليجف اللون عليه و تتماسك مادته،و بعد أن تجاوزت مرحلة التعلم و التجريب من خلال مواضيع الصور القديمة التي توحي لها بعبق الماضي الذي يثير فضولها ، و لوحات بعض الفنانين المعروفين حول نفس الاتجاه ، تهفو الآن هذه الفنانة الشابة و الطموحة لتجسيد لوحاتها الخاصة بإبداع شخصي و مميز يغوص في عمق ذاتها ليثمر لوحات مرهفة تستمد قوتها من دقة و هشاشة مادتها الزجاجية و السيراميكية التي تضفي على المضامين بريقا فنيا نادرا. و حلمها الأكبر هو امتلاك ورشة خاصة بها تحقق فيها أفكارها و تصوراتها الفنية على السيراميك الخام ، بعد أن شاركت إلى حد الآن في مشوارها الحافل و المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات في العديد من المعارض الجماعية و مختلف التظاهرات الثقافية في قسنطينة ، و ساهمت أيضا في ترميم قصر الباي أين تعرض حاليا مجموعة مميزة من أعمالها الزجاجية و لوحات السيراميك ضمن تظاهرة " شهر التراث" حيث أخبرتنا أنها تشعر بالفخر كلما تجولت بين أروقته و غرفه الفاخرة لتجد بعض القطع التي أعادت لها بريقها و ألوانها من خلال عملها اليدوي المركز و المتقن معلقة على الجدران ، غير أنها تشعر أحيانا ببعض الخجل أمام القطع التي لم يتم ترميمها بالشكل الصحيح بسبب العديد من العوامل الخارجة عن نطاقها فقالت : " كنت أتمنى أن يكون الترميم كلي و بنسبة مئة بالمئة ، قطعة بقطعة مع الأخذ بالاعتبار لكل التفاصيل الدقيقة التي مع مرور الزمن ندرك قيمتها المادية و الفنية ، غير أنني أشعر بالفخر الكبير لما قدمته لهذا الصرح الجميل ، الذي أحس أيضا بالإنتماء إليه". أمينة جنان