مواقع التواصل الإجتماعي تقضي على جلسات و سهرات رمضان في زمن وسائط التواصل الاجتماعي والفايسبوك تحديدا، اختفت السهرات الرمضانية بين العائلات والأقارب. هذه السهرات كانت لها نكهة خاصة تميز ليالي رمضان، حيث يتبادل الأهل والأقارب الزيارات في ما بينهم طوال شهر رمضان، يتسامرون ويتبادلون الأحاديث والنِكت والبوقالات، كما يتفننون في إعداد وتحضير طاولة السهرة من مشروبات وحلويات وغيرها، وأحيانا تمتد وتتواصل السهرات إلى وقت السحور. لكن في السنوات الأخيرة، تغيّرت سهرات رمضان كثيرا، إذ أصبحت فردية، وكلّ عائلة تكتفي بالسهر في بيتها، وحتى في العائلة نفسها، كلّ فرد من أفرادها يكتفي بقضاء سهرته الرمضانية بمفرده وبطقوسه الخاصة. فأغلب الأشخاص، أصبحوا يتواصلون عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الفايسبوك، وهذا ما قضى على جلسات وسهرات رمضان التقليدية وأزاحها جانبا وربّما إلى الأبد. النصر استطلعت آراء مجموعة مختلفة من شرائح المجتمع، فكانت هذه الردود. تقول صبرينة صاحبة 34 سنة، موظفة في مؤسسة أشغال عمومية: «للأسف، اختفت سهرات رمضان التقليدية، التي كنا نعيش على وقعها طوال أيام رمضان في السنوات الماضية، أذكر كيف كنا نذهب بعد الإفطار إلى بعض الأقارب، وكنا نقضي الوقت في السمر والضحك والتنكيت، ونبقى أحيانا حتى وقت السحور، وأذكر أنّنا كم من مرّة تناولنا وجبة السحور مع أقاربنا بكثير من البهجة واللمة العائلية الحميمة، وأحيانا نصلي الفجر في بيت الخالة أو العمة، ونعود بعدها إلى بيتنا، وكان العكس يحدث أيضا، ففي زيارات أقاربنا لنا تطول سهراتنا في بيتنا إلى وقت متأخر من الليل وأحيانا حتى وقت السحور، ويغادروننا بعد صلاة الفجر». وتضيف صبرينة بنبرة فاترة: «الآن، لا أحد يزورنا في البيت خلال أيام رمضان، ولا نحن نزور أيّ عائلة من أقاربنا، نكتفي فقط باتصالات الفايبر أو الواتساب، وكثيرا ما نتواصل بالدردشة في الفايسبوك، ونتبادل البوقلات من خلال الميسنجر، كما نتبادل أصناف الأكلات بالصور فقط، في حين كنا في سنوات مرّت، نتبادلها بأطباق حقيقية، فكلّ واحدة من بنات العائلة تجرب أكلة إلاّ وترسلها لقريبة أخرى، وهذا كنوع من التباهي والكرم أيضا، كنا نتعلم وندعم بعضنا البعض بهذا الشكل، كلّ واحدة تثني على ما طبخت الأخرى، وكلّ واحدة تتعلم من الأخرى أيضا». أما نورة، 40 سنة، موظفة في شركة خاصة، فتقول: «للأسف، التكنولوجيات أحدثت خلخلة في نظام التواصل العائلي، وحتى في العائلة الواحدة قلّ التواصل، ولا أحد يكلم الآخر، لأن كلّ فرد من العائلة صار له عالمه الخاص في هاتفه الذكي، كما صار له ناسه وصداقاته الافتراضية الذين يتواصل معهم طوال اليوم، وأحيانا يشعر بالاكتفاء بهم، لهذا تصبح هناك فجوة أو مسافة بينه وبين أفراد عائلته، حتى في رمضان، شهر اللمة والتقارب والتراحم، طغت وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة على الزيارات العائلية والسهرات الرمضانية التقليدية، فلا أحد يحكي أو يتسامر مع أحد، فبعد الإفطار مباشرة يذهب الجميع إلى ممارسة حياتهم الافتراضية كلّ بطريقته ووسيلته، وهذا مؤسف حقا». وتواصل نورة «في عائلتنا مثلا لا نجتمع إلاّ وقت الفطور، بعدها لا أحد يلتقي مع أحد، إنّما نلتقي مع أشخاص في الفايسبوك، نتبادل معهم الدردشة والتعليقات ومشاركة المنشورات، أشخاص من بقاع العالم، في حين لا نلتقي مع من هم معنا في البيت، هذا حقا غريب». أما خالد، صاحب محل للألبسة النسائية، فيرى أن العائلات الجزائرية، ابتعدت كثيرا عن عاداتها في التواصل، وأنّ سهرات رمضان العائلية بين الأهل والأقارب أصبحت من التراث والأرشيف، لأنّ هذه الزيارات أصبحت نادرة جدا مقارنة بالأعوام الماضية. و يضيف ذات المتحدث: «أذكر كيف كنتُ أنتظر أمي وشقيقاتي بعد وجبة الإفطار من أجل أن أوصلهم بالسيارة إلى بيت خالتي، بعدها أذهب إلى صلاة التراويح، ثم إلى المقهى لقضاء السهرة مع الأصدقاء. في حين كانت السهرة في بيت خالتي تمتد إلى وقت متأخر من الليل، وكم من مرّة ترفض خالتي أن نغادر قبل أن نتناول معهم السحور وكان غالبا ما يكون (مسفوف باللبن). كانت لهذه السهرات نكهة خاصة ورائعة، الآن اختفت تماما، حيث لم نعد أبدا نزور الأقارب خلال أيام رمضان، كما لا أحد من الأقارب يزورنا». ويذهب خالد في الأخير إلى القول أن لوسائل التواصل الحديثة يد في كلّ هذه البرودة التي أتت على جسد العلاقات بين العائلات الجزائرية: «بكلّ تأكيد وسائل التواصل الحديثة هي السبب في انهيار قيمة التواصل العائلي وفي اندثار ثقافة السهرات الرمضانية بين العائلات والأهل والأقارب، لقد استغنينا بالفايسبوك عن الأهل ولمّة وسهرات رمضان التي كنا نعشقها ونعيشها بكلّ شغف، لقد أصبح رمضان رتيبا، بلا نكهة، وبلا دفء، غابت عنه أهم ميزاته، ألا وهي: اللمة والزيارات المتبادلة بين العائلات». من جانبه، يرى علاوة، وهو صاحب مكتبة. أنّ مواقع التواصل الاجتماعي حقا أحدثت قطيعة بين العائلات الجزائرية وعاداتها الرمضانية الجميلة التي تميزت بها من قبل، إذا لا زيارات ولا سهرات ولا لمات بعد الإفطار بينهم، وكلّ عائلة تغلق على نفسها وتسهر في حيزها الضيق، بعيدا عن الأجواء الحميمية التي كانت تُنعش النفوس والقلوب طوال الشهر الفضيل. ويضيف علاوة «للأسف، حتى في العائلة الواحدة حين نجتمع لا نتسامر، كلّ واحد منا يعيش في عالم غير العالم الذي في العائلة، فأحيانا نكون معا في قاعة الاستقبال ، لكن كلّ واحد منا مشغول بهاتفه وما يصله عليه من صور أو دردشة. الأجساد موجودة والملامح مبتسمة مع الآخر أثناء التواصل الفايسبوكي والدردشة، لكن العقول غائبة، لا تعي ما الذي يحدث في العائلة ولا تسمعك حتى إذا تكلمت، وهذا حقا مؤسف. حياتنا أصبحت وهمية افتراضية، طوال أيام السنة وليس فقط في شهر