يعكس واقع شواطئ الجزائر، أمورا تختلف تماما عما تنشره وتبثه شبكات التواصل الإجتماعي، و يبدو أن لكل شاطئ طقوس وعادات تميزه عن غيره، ومن بينها طرق الاستجمام و السباحة التي قد تتم في شاطئ ما بكل حرية، سواء في ما يتعلق باللباس و تواجد الأفراد، فيما توضع ضوابط لا أحد يعلم مصدرها بأماكن أخرى، لكنها سائدة و متعارف عليها منذ القدم، وغيرها من الطقوس التي أصبحت راسخة في المخيال المجتمعي. بمجرد أن تقول لأحدهم أنك ستذهب إلى الشاطئ الفلاني، يرسم لك صورة في مخياله ، تصنفك ضمن طبقة أو فئة بعينها في المجتمع. كما أن ما يحاول بعض الفايسبوكيين رسمه في الفضاء الأزرق، قد لا يجد طريقه إلى الواقع أو قد يختلف تماما عما هو موجود و مُعاش في يوميات المصطافين. روبورتاج: هوارية. ب حاولت النصر من خلال هذا الروبورتاج الوقوف على بعض هذه التناقضات في شاطئ الأندلسيات بوهران الذي يرسم في مخيال المجتمع، أنه شاطئ راق نسبيا، يقصده أناس منضبطون وطقوسه المتعارف عليها، منها المتعلقة بالنساء اللائي يجدن راحتهن وحريتهن فوق رماله وداخل مياهه. بالرغم من الحملات الأخيرة التي شنها فايسبوكيون هددوا بالتقاط صور لهن ونشرها في الفضاء الأزرق، لاحظنا بأن الجنس اللطيف يغزو الشاطئ ويستمتع بالصيف في هدوء وراحة مع بعض التعديلات التي لاحظناها، مقارنة بالموسم الماضي، حيث لم نجد طغيانا للباس «البوركيني» و لم نجد لباس البحر التقليدي بنسبة كبيرة، لكننا وجدنا نمطا ثالثا من ألبسة السباحة، ينقسم بين الجبة المنزلية، و إضافة قطع أخرى لتغطية الجسم ، و هو صنف ثالث يحافظ على «حرمة العائلات»، مثلما أجمعت النساء اللائي تحدثنا إليهن. ستائر تحول طاولات إلى خيم بالأندلسيات بمجرد دخولنا إلى شاطئ الأندلسيات، وجدنا العائلات تلتف حول طاولات تغطيها ستائر جعلتها تشبه الخيم، تختفي تحتها سيدات وفتيات و أطفال، و أجمع جميع من سألناهم عن سبب وضع الستائر التي تلف الطاولات، بأنها «من أجل السترة» ، فأغلبهم أتوا إلى البحر للترفيه والترويح عن النفس، فحولوا طاولات الشاطئ إلى خيم تسمح لهم بالأكل والشرب وتناول القهوة وغيرها من الأمور، و يمكن للأطفال الاستمتاع بالبحر، بينما يكتفي الآخرون بالجلوس فقط، خاصة في غياب أماكن للتنزه داخل المدينة، كما أن توفر النقل من وهران إلى شاطئ الأندلسيات، سهل على العائلات جلب أطفالها والإستمتاع بالصيف قرب البحر. واصلنا جولتنا، لنجد سيدة مستلقاة فوق الرمال من أجل اكتساب اللون الذهبي و كانت ترتدي سترة إلى جانب سروال صيفي خاص بالبحر. قالت مريم بأنها لم تسمع عن الحملة الفايسبوكية المتعلقة بالتصوير، لكنها اعتبرت الأمر مرعبا، لأن الاستمتاع بالبحر لا يكون بالنسبة إليها بتغطية الجسم كاملا ف»البحر دون برونزاج لا يساوي شيئا» ، مضيفة بأنها لم تتعرض لمضايقات خلال تواجدها فوق الشاطئ. و قالت لنا السيدة فاطمة التي كانت بناتها الثلاث يلبسن ألبسة سباحة من قطعتين، بأنها أيضا لم تسمع عن الحملة الفايسبوكية، و ترى بأن الأمر خطير ويدل على تخلًف المجتمع، لأن الاصطياف حرية شخصية ولا يمكن الإستمتاع بالبحر إلا بلباس مناسب، بينما علقت إحدى بناتها بأنها تستجم أمام عيني والدتها، وإذا تجرأ أحدهم و التقط صورة لها ونشرها في الفايسبوك، فلن يستفيد شيئا، مؤكدة «أنا لم أهرب من بيتنا لأنزل إلى البحر، وبالتالي فلا أخشى أحدا». في حين كان رد ناريمان وليلى ولبنى اللائي وجدناهن يتجولن فوق الشاطئ بلباس صيفي قصير تحته «شورت»، مختلفا، حيث قلن بأنهن سمعن بتهديدات الصور، لهذا يأخذن احتياطاتهن بعدم التعري المفرط، لتفادي المشاكل، فالأهم بالنسبة إليهن أن يستمتعن بالبحر والسباحة. المهم «العوم»، حتى ولو بجبة منزلية، مثلما فعلت الكثير من السيدات و الفتيات اللائي وجدناهن في الشاطئ، فالمهم أن يقضين أوقاتا مريحة وممتعة قرب البحر. هذا ما أكدته أيضا بعض السيدات والفتيات اللائي يرتدين «البوركيني» و كن قليلات في الشاطئ. أجنبيات و مغتربات يتماشين مع العادات الجزائرية لا تختلف آراء فتيات مغتربات و أخريات أجنبيات عما صرحت به باقي المصطافات، فأثناء تجوالنا في الشاطئ صادفنا فتاة فرنسية اسمها «كليير»، فقالت لنا بأنها قدمت من فرنسا لقضاء العطلة في وهران، و بأنها تلبس «شورت السباحة»، عوض الاكتفاء بلباس البحر المتكون من قطعتين فقط، و ذلك تماشيا مع الوضع العام و احتراما للعائلات التي تتواجد إلى جانبها، و ليس خوفا من أن يلتقط شخص ما صورة لها ويضعها في فايسبوك، و أضافت بأنها سمعت كثيرا عن الحملة التي أثيرت والتي تهدد الفتيات، لكنها عندما وصلت إلى شاطئ الأندلسيات، لم تشعر بالخوف، لأن العائلات كثيرة مما لا يسمح بوجود مضايقات من طرف الشباب، لكن حتى وإن وجدت، فهي جاءت لتستمتع بالبحر ولا يهمها ما يمكن أن يفعله هؤلاء الذين هددوا في فيسبوك. و تتقاسم مع كليير نفس الشعور، كل من «ماريا» و «نانسي»، فهما جزائريتان مغتربتان قدمتا من باريس. لقد وجدناهما يلفان مناشف حول جسميهما، و لدى اقترابنا منهما وبدأنا في الحديث إليهما، أكدتا بأنهما يعلمان بالحملة فقد اطلعتا عليها عبر وسائل الإعلام وعبر فايسبوك أيضا، وعندما وصلتا إلى الشاطئ لبستا هما كذلك «شورت السباحة» ، عوض اللباس المتكون من قطعتين فقط، على سبيل الاحتياط و لتفادي أي إزعاج. قالت «ماريا» بأنها في فرنسا لا تهتم بأي شيء عندما تكون في الشاطئ، لأن السباحة تعتبر حرية شخصية. و أضافت بأنها تعودت رؤية نساء يستلقين فوق الشاطئ من أجل «البرونزاج» وهن يرتدين قطعة واحدة فقط من البيكيني، ولا أحد يضايقهن، لكن هنا في الجزائر، يبدو أن العيون تلاحق الأشخاص بشكل غير عادي، لذا فهما تحتاطان لتفادي أي مضايقة، أما «نانسي» فقالت بتهكم بأنها تخفي جسمها تحت المنشفة، لأنه ليس جميلا وقوامها ليس رشيقا، وإلا لقامت بالسباحة بالشكل الذي تريده أي بلباس البحر المكون من قطعتين. وغير بعيد عنهما، وجدنا سيدتين مغتربتين أيضا، هما جميلة و هوارية، و كانتا ترتديان لباس السباحة وفوقه قميصا صيفيا، كلاهما على علم بالحملة الفايسبوكية، ولكن هذا لا يعني أنهما ترضخان للتهديدات، و بلهجة ساخرة تقول جميلة « أنا أضع المنشفة حتى أدخل الماء، ثم تنتظرني ابنتي قرب الشاطئ لتغطيني بذات المنشفة عند خروجي من الماء». و هو نفس السبب الذي جعل هوارية ابنة وهران المغتربة، ترتدي القميص الصيفي فوق لباس السباحة، قائلة «السباحة جزء من حرية الإنسان، لذا فإن كل شخص يسبح كما يريد». شباب ينقلون المضايقات من فوق الرمال إلى مياه البحر غير بعيد عن المصطافين، وجدنا شبابا يجلسون بقرب طاولات وكراس و شمسيات ينتظرون الزبائن، لأن القانون منعهم هذا الموسم من احتلال الشواطئ، اقتربنا منهم لنستفسر عن وضعية الاصطياف في الأندلسيات، خاصة وأنهم أبناء المنطقة وتعودنا على مشاهدتهم خلال جولاتنا الصيفية في كل موسم إلى شاطئ الأندلسيات، وبمجرد شروعنا في طرح سؤال عليهم، حتى تفاجأنا برد شبه جماعي بأن المضايقات فوق الشاطئ ليست ظاهرة للعيان، فأغلب الفتيات تجدهن رفقة عائلاتهن، لكنها انتقلت إلى داخل مياه البحر، و أكد أحدهم بأنهم يضطرون يوميا لدخول البحر من أجل إنقاذ فتيات من مخالب بعض الشبان الطائشين الذين يضايقونهن أثناء السباحة. و قال هواري بأنه و زملاءه بحكم أنهم من أبناء المنطقة وأغلب الزبائن يعرفونهم منذ سنوات، فإن بعضهم يستنجد بهم لإنقاذ ابنته أو لإبلاغهم عن وجود إعتداء داخل مياه البحر، وهم ينقذون الفتيات حفاظا على سمعة الشاطئ الذي يعتبرونه امتدادا لحرمة منطقتهم، و أكدوا من جهة أخرى»لا نستطيع طرد هؤلاء الشبان أو التشاجر معهم، فلا سلطة لنا، نحن فقط ننقذ الفتيات ونحافظ على احترام العائلات حتى داخل الماء»، بالنسبة للسهرات قرب الشاطئ، أجمع محدثونا بأن رجال الدرك ينتشرون بشكل مضاعف مقارنة بالفترة الصباحية ويحرصون على أمن المصطافين إلى غاية الساعات الأولى من النهار. ترويج غير مسبوق ل «الشواطئ العائلية» من يتصفح فايسبوك خلال موسم الصيف، يلاحظ الترويج غير المسبوق لشواطئ توجد بالساحل الجزائري على أنها «شواطئ عائلية»، وكأن هؤلاء الفايسبوكيين يقصدون شواطئ تفرض شروطا على المصطافين، حيث لا يمر يوم، إلا وتجد صورا لشواطئ صغيرة، يدعو ناشروها العائلات فقط، إلى زيارتها والسباحة فيها، وبالمقابل وجدنا صورا لشواطئ ممنوعة للسباحة بل ومغلقة في وجه المصطافين منذ سنوات، يتم الترويج لها لاستقطاب العائلات أيضا، من بينها مثلا شاطئ المقطع بوهران المغلق منذ سنوات، بسبب ارتفاع الملوحة فيه الناجمة عن محطة تحلية مياه البحر. قال عبد القادر بأنه يقصده كل نهاية أسبوع رفقة زوجته و ولديه و يجد مكانا لهم بشق الأنفس، فرغم أنه مغلق وممنوع للسباحة، لكن الإقبال عليه مرتبط بالترويج له على أنه مكان للعائلات فقط، وهو ذات الأمر الذي جعل المصطافين يتوافدون على شاطئ سيدي بوسيف ببني صاف في عين تموشنت، المغلق منذ 12 سنة وممنوع للسباحة نظرا لتلوث مياهه، لكنه حطم الرقم القياسي هذا الموسم في عدد المصطافين، خاصة الشباب الذي قال أحدهم « أتفادى السباحة في الشواطئ المفتوحة، لكي لا أضطر لمضايقة الفتيات». وهو تقريبا نفس السبب الذي يتحجج به العديد من هؤلاء الشباب، بينما يرى آخرون أن السباحة في شاطئ مغلق، يبعدهم عن صخب الشواطئ الأخرى. هي إذن، نماذج عن سلوكات الإصطياف قد تتكرر عبر شواطئ البلاد الأخرى، لكن بخصائص تميز بعضها عن الآخر، بعيدا كل البعد عن مقاييس السياحة ومعايير الإصطياف.