أنا فنان و لست متسوّلا للأدوار و ما يعرض بمسرح قسنطينة مجرد اسكاتشات اعتبر الممثل الكوميدي علاوة زرماني بأن مشاكل الفنانين الجزائريين لا تحلها بطاقة الفنان أو جمعية أو نقابة، بل الإنتاج الفني الغزير على مدى أشهر السنة ، مؤكدا « لا نريد بطاقة فنان أو جمعية أو نقابة بقدر ما نريد أدوارا» ، داعيا كل فنان إلى تطبيق المثل الشعبي «اخدم يا صغري لكبري « ،و الاعتماد على نفسه و الاحتياط للمستقبل، و انتقد من جهة أخرى التعامل مع المؤسسات الثقافية ببلادنا، و كأنها مصانع الإسمنت، على حد تعبيره، فتتم إحالة الفنانين على التقاعد و يهمشون و هم في أوج عطائهم، دون أن تستغل خبراتهم لتجسيد أعمال ذات مستوى راق و تكوين الأجيال القادمة، كما تطرق في حواره مع النصر، إلى وضعية المسرح و الساحة الفنية ككل و عدة نقاط أخرى. حاورته إلهام. ط . النصر: حدثنا عن جديدك... علاوة زرماني: آخر عمل لي هو سيت كوم «عيشة و عياش» في رمضان 2016، أما في السنة الجارية، فلم أشارك في أي عمل جديد، بالرغم من أنني تلقيت عرضين من منتجين للمشاركة في مسلسلين، و عرض من التليفزيون الجزائري، للمشاركة في فيلم . . ألم تعجبك الأدوار التي أسندت إليك؟ المنتج الأول اتصل بي ليقول لي بأن المسلسل ألغي، و المنتج الثاني لم يعد الاتصال، و التليفزيون يبدو أنه أجل العمل. المؤسسات الثقافية في بلادنا تسير كمصانع الإسمنت . ألم تتصل للاستفسار ؟ لا أطرق أبواب المنتجين و لا المخرجين و لا أتصل بهم، كما يفعل البعض، لدي اسم معروف و قدرات فنية و من أعجبه و يريدني أن أشارك في عمل ما، فليتصل بي، أنا فنان و لست متسولا. . ما هي الأسباب في رأيك التي أدت إلى ركود الإنتاج الفني و ارتباطه بالمناسباتية؟ هناك مشاكل كثيرة، فالقنوات التليفزيونية الخاصة مثلا، تتأخر في تسديد أجور الفنانين الذين يشاركون في الأعمال التي تنتجها، هناك زملاء ينتظرون أجورهم منذ ثلاث سنوات و نصف، و عندما احتجوا قال لهم مسؤولو إحدى هذه القنوات، «إذا لم يعجبكم الوضع اذهبوا إلى العدالة». أنا لم أعمل مع هذه القنوات و أصلا لم أتلق عرضا منها، و لو حدث ذلك، فلن أوافق إلا بشروط. بصراحة أعتبر نفسي ابن التليفزيون الجزائري الذي احتضنني منذ بداياتي، و مشكل الإنتاج فيه يذكرني بما يحدث عادة لدى توزيع السكن، فعدد الملفات كبير و عدد السكنات محدود، و بالتالي فإن التليفزيون يتلقى عددا كبيرا من السيناريوهات و يمررها على لجنة القراءة للانتقاء، وفق البرنامج المسطر و الميزانية التي تقلصت في زمن التقشف، و يتم بعد ذلك استدعاء المنتجين و الفنانين، على أساس الدور، أي أن من شارك في عمل العام الماضي لا يشارك هذا العام، من أجل تحقيق تكافؤ الفرص في العمل، لكن هناك استثناءات يتدخل فيها عامل المحسوبية و «المعريفة». . هل أنت ضمن هذه الاستثناءات؟ أنا من قسنطينة و بالتالي «ما عنديش معريفة» في العاصمة ، لكن كل عام أتلقى عرضا من هذه المؤسسة، و يعود ذلك إلى موهبتي و قدراتي الفنية و أخلاقي و التزامي الشديد أثناء العمل . الإنتاج الغزير كفيل بحل مشاكل الفنانين الاجتماعية و المادية . لماذا غبت عن أبي الفنون؟ أنا لم أغب بل غيبوني و همشوني، أنا أصلا ممثل مسرحي ، أحب المسرح أكثر من التليفزيون و السينما و الفرق كبير بين هذه الفنون، فالمسرح الذي بدأته كهاو في 1974 ، يشكل تحديا كبيرا للفنان و يرغمه على استخراج كل طاقاته، و هو يقف على الخشبة على بعد مترين من المتفرجين، لقد كنت عضوا في أول فرقة مسرحية بمسرح قسنطينة الجهوي العريق في عصره الذهبي ، و قدمت على خشبته منذ فتحه في سنة 1976عددا كبيرا من أنجح العروض كممثل و كانت البداية بعرض «هذا يجيب هذا»، ثم كمخرج، فقد أخرجت مسرحية «الكلمة» مع حسان بن زراري، ثم «الصخرة»، و آخر عمل أخرجته و مثلت فيه بهذا المسرح، عبارة عن مسرحية عالمية لموليير عنوانها «طارطوف» مع محمد الطيب دهيمي في سنة 2010، و قد توجت بفضلها بجائزة أفضل ممثل في المهرجان الدولي بالمسرح، و في سنة 2012 تمت إحالتي أنا و العديد من زملائي على التقاعد من قبل مسؤولي مسرح قسنطينة، و قالوا لنا «أخطونا»، ففي الجزائر فقط يحال الممثل و هو في أوج عطائه على التقاعد و يهمش دون أن تستغل خبراته، و ذلك لأن المؤسسات الثقافية تسير و كأنها مصانع للإسمنت. في بلدان أخرى كإسبانيا مثلا، عندما يحال الفنان على التقاعد الإداري، يواصل العمل الفني بناء على عقود عمل، ففي مسرحية «غرائب باريس» مثلا، أسند الدور الرئيسي لممثل عمره 80 عاما، فأبهر الجمهور بأدائه. . ما رأيك في المسرحيات التي عرضها مسرح قسنطينة الجهوي في السنوات الأخيرة؟ الفرقة المسرحية الحالية تضم و جوها جديدة تقدم اسكاتشات كأنها لدور الشباب، و ليس لمسرح محترف، عندما شاركوا بها في مهرجان المسرح المحترف، تعرضوا للانتقادات من المتفرجين و الصحافة. قسنطينة اشتهرت في السبعينات و الثمانينات بمسرحها المزدهر الذي أحدث ثورة إبداعية حقيقية، لكنه الآن في حالة تدهور مستمر بسبب إقحام السياسة فيه، نتحدث دائما عن حرية التعبير، لكننا ننسى «حرية الإبداع»، ليس في المسرح فقط، بل في كل المجالات و إذا تجسدت في الواقع، يمكن أن نهزم كل الأزمات التي تحاصر بلادنا. شارلو مدرستي الأولى في الكوميديا . هل هناك أمل في الجيل الجديد من الفنانين لتجاوز الأزمات الفنية؟ يوجد شبان و شابات موهوبين، لكن لم تتح لهم فرص البروز و يصادفون عدة مشاكل و عراقيل، خاصة الممثلات اللائي يتعرضن للمساومات و المضايقات. توجد أزمة أخلاق و تربية في كل المؤسسات ببلادنا و ليس الفنية فقط، أعتقد أن انطلاقتنا بعد الاستقلال كانت خاطئة، لأننا لم نهتم كثيرا بالتربية و التعليم. لاحظوا إذا تألق شخص في مجال ما، يتم تهميشه و تكسيره و نقول «حاط روحو»، بدل تشجيعه و دعمه، لهذا أنصح كل شاب يستشيرني قبل دخوله عالم الفن بتجنبه، خاصة و أنه ليس مصدر رزق مضمون. . تألقت في عدد كبير من المسلسلات الفكاهية و «سيت كوم» بالتليفزيون الجزائري، لكنك لم تشارك في عدد معتبر من الأفلام السينمائية لماذا؟ صحيح، شاركت في فيلم «مطحنة السيد فابر» لأحمد راشدي و «الصخرة» لعبد الرحمان بو قرموح، ثم «تحت الرماد» لعبد الكريم بابا عيسى، و كرهت السينما لأنني تعبت كثيرا في هذه الأفلام، و اصطدمت بنقص الاحترافية في الإخراج، فهناك أزمة سينما ببلادنا، و لا بد من استثمار هذا الفن كصناعة و تجارة كبرى كما يحدث في معظم بلدان العالم، بدءا باستخدام لغة «بيضاء» أي دارجة مؤدبة و مفهومة في الدول العربية و الإسلامية و دراسة السوق «ماركيتينغ»، قبل إنتاج الفيلم السينمائي لرصد توجهات و اهتمامات المشاهدين، و الجهات المؤهلة لشرائه و بثه، قبل إنفاق الملايين أو الملايير على عمل يبقى في الأدراج. هناك أيضا مشكل السيناريو الذي يطرح بشدة، في غياب تكوين متخصص. . معظم أعمالك فكاهية، ما هي الوصفة التي اعتمدت عليها لتحقيق النجاح في هذا المجال و الحفاظ على مظهرك الشبابي؟ صحيح أفضل الكوميديا لكنني قدمت أيضا أعمالا درامية و أحب كثيرا الأدوار الاجتماعية المركبة. عموما الوصفة بسيطة، الرياضة و التكوين المستمر و عدم السقوط في قبضة الغرور و تجنب النظر إلى الكوميديا بأنها وسيلة للضحك من أجل الضحك، فهي أداة لتمرير رسائل للتوعية و التحسيس و التثقيف. لقد كنت رياضيا كبيرا أواظب على لعب كرة القدم و السباحة، و منذ نعومة أظافري و أنا مدمن على الضحك و المرح، و أعتبر مدرستي الأولى و الكبيرة في الكوميديا و التعبير الجسدي هو تشارلي شابلن، فقد اكتشفته و عمري 12 عاما، عندما كنت ألحق بأبي خلسة و هو في طريقه إلى سينما فيرساي بحي سيدي مبروك بقسنطينة رفقة صديقه، و في إحدى المرات سمح لي بالدخول و تابعت بشغف لقطات من أفلام «شارلو» الصامتة، قبل عرض فيلم السهرة، ثم أدمنت عليها و أصبحت أقلد إيماءات النجم الأمريكي و حركاته و سكناته أمام رفاقي في الحومة، و لا يزال العديد منهم ينادونني باسمه إلى غاية اليوم. و صقلت موهبتي الصغيرة بدروس المسرح في المدرسة الابتدائية و الثانوية، كما أعتبر السينما الإيطالية و نجومها من عهد الأبيض الأسود إلى اليوم مدرستي الدائمة. مؤلم جلوسي وزملائي على سلالم المسرح دون عمل . الفنان الجزائري لديه اليوم بطاقة مهنية و قانون و نقابة من أجل حماية حقوقه و تحسين وضعه هل تحقق ذلك ؟ كم أتألم و أنا أرى رفاق دربي من الممثلين يجلسون على سلالم مسرح قسنطينة الجهوي، أو يقفون أمامه طوال اليوم دون عمل و العديد منهم يعانون من ظروف اجتماعية و مادية جد صعبة، ناهيك عن الممدين منهم على فراش المرض، أنا على الأقل لدي كل عام إنتاج تليفزيوني جديد. إننا لا نريد بطاقة فنان أو جمعية أو نقابة، بقدر ما نريد أدوارا ، نريد أن نعمل، وحده الإنتاج الفني الغزير على مدار السنة يمكن أن يحسن وضعية الفنانين.أغتنم هذه الفرصة لأنصح الفنانين الشباب بالالتزام بالمثل الشعبي «اخدم يا صغري لكبري» و الاعتماد على النفس و الاحتياط للمستقبل، حتى يتجنب أخطاء من سبقوهم.