وزارة التربية تتحرّك..    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    توقيع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    نائب قنصل المغرب بوهران غير مرغوب فيه    منظمات حقوقية تندد بكافة أشكال التضييق    أوقفوا العُدوان على غزّة..    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    تنظيم حفل ختان جماعي    الشرطة تُعزّز تواجدها    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    دور أساسي للتربية الدينية في إعادة إدماج المحبوسين    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    تأهل تاريخي لمولودية البيّض إلى نصف النهائي    مخزون كبير في المواد الغذائية    مشروع "بلدنا الجزائر" يدخل مرحلة التنفيذ    حلويات قسنطينية تروي قصة تراث وعزيمة    تخفيضات تصل إلى 50 ٪ في أسعار الملابس    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    تكريم خطيب المحروسة والواعظة الصغيرة    بلمهدي يستقبل المتوّجين    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    إنفانتينو يعزّي في وفاة مناد    بوغالي يعزي في وفاة الفنان القدير حمزة فيغولي    سوناطراك: حشيشي يتفقد الوحدات الانتاجية لمصفاة الجزائر العاصمة    إجتماع تنسيقي بين وزارة الفلاحة والمحافظة السامية للرقمنة لتسريع وتيرة رقمنة القطاع الفلاحي    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال هذا السبت    مزيان: تنظيم لقاء مرتقب لمناقشة القيم المهنية للصحافة    وضع حد لأربع شبكات إجرامية تحترف سرقة المركبات بالعاصمة    كرة القدم (مقابلة ودية): مقابلة دولية ودية للمنتخب الجزائري أمام السويد في يونيو المقبل    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    ذكرى يوم الأرض: الفلسطينيون يتشبثون بأرضهم أكثر من أي وقت مضى رغم استمرار حرب الإبادة الصهيونية    شراء ملابس العيد من المتاجر الإلكترونية: راحة و وفرة في العصر الرقمي    كرة القدم: الممثل الاقليمي للقسم التقني على مستوى الفيفا في زيارة عمل بالجزائر    وفاة الفنان حمزة فغولي عن عمر ناهز 86 عاما    العقيد عميروش, قائد فذ واستراتيجي بارع    في يوم الأرض.. الاحتلال الصهيوني يستولي على 46 ألف دونم في الضفة الغربية سنة 2024    مركز التكفل النفسي الاجتماعي ببن طلحة: إفطار جماعي وتقديم ملابس عيد الفطر لأطفال يتامى ومعوزين    اليوم العالمي للمسرح: المسرح الوطني الجزائري يحتفي بمسيرة ثلة من المسرحيين الجزائريين    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    هذا موعد ترقّب هلال العيد    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    العمل هو "تكريس لمقاربة تعتمدها الوزارة تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يطوح بنا الأسى في فتنة السيرة
نشر في النصر يوم 25 - 06 - 2018


نصيرة محمدي
بعيدا عن كلّ الوصفات الجاهزة، صار عليّ أن أتدبر أمري، واقتات على مُتع صغيرة، وأشياء بسيطة تُؤثث اللحظة. صار بإمكاني أن أمدّ جسدي ببعض القوت والنضارة، أنا الزاهدة المُهملة التي تنفر على الدوام من واجبات الأنثى التاريخية. صرتُ مُنتبهة لهوامش تُشكل سرّ الحياة وبهجتها. صارت رائحة المطبخ عودة إلى رفاهية العائلة ودفء الغُرف وأصوات المكان الّذي صار يملأه الغياب والصمت. رائحة الخبز المنسي التي تجلدني لتذكرني بيديّ أمّي وحنانها المُتدفق في الطعام والعطور الراقية لتورثني هذا الجنون السعيد. متعة النظر إلى سُلل الفواكه الملونة كزهر القلب، وبذخ أبي اليقظ العارف بأحوال الطفلة وشرودها المُحير.
كم اهترأت بعد كلّ هذا العمر ركضا وراء المستحيل يا أبي، وكم صار الحضنُ حارقا يا أمّي؛ وأنا أنزفُ هكذا حروفي في صدر هذا البيت المُكابر كدموعي المسفوحة غربةً واشتياقاً وعطشًا لنظرة واحدة من عيون الرحيل.
كومة من الملابس والأفرشة كانت مُلقاة على سريرها، أشياؤها المرمية بإهمال على الطاولة، وفي البيت الّذي يضم كلّ شيء منها إلاّ هي؛ كانت الغائب الكبير. أنفاسها المختزنة في طيّات الفساتين والمناديل والشالات الأنيقة كوجهها المنير دائما. وجه لم تستطع السنين أن تدجنه، وتمحو سحره، سحره الّذي قاوم البرد والشّمس، وتغير الفصول، وعصف السنين، وظلّ بلا تجاعيد أو تعاريج أو ندوب. بياض على حبيبات جمال على عينين سوداوين واسعتين مثل البحار التي هربت منها بعد أن هوى الفردوس وتقطعت السُبل، ولم تبقَ غير وجهة وحيدة هي الأرض المُنقذة، الملاذ والمرسى.
تتدحرج الأشياء ككبة صوف، ويصعب الإمساك بخيط الحقيقة. مثلما يصعب الإمساك بعطرها. أيُ عطرٍ يمكنُ أن يُخزن في جسد امرأة، ويتوهج بأحاسيسها، ونظراتها، وأصواتها، ولمساتها، وجلبة الحياة وهي تتكسر عند قدميها فاسحة لأساورها وقلاداتها وأقراطها وخواتمها عالما من الغرابة والفتنة. الفتنة تشع في حركة تنساب من الرّوح، مُضيئة ذلك الجسد. لم تتشرب تلك العيون إلاّ الاخضرار، وزرقة الجبارين، السّماء والبحر. لم تفهم سوى شغف دفين وعميق يحتضن الحياة ويلونها برائحة يديها وهي تعد القهوة، والخبز الساخن وأطباقا لذيذة تغدق بها على العالم. عرفت بين الأشجار كيف تكون المرأة شجرة، وكيف تتحوّل كِتابا، وكيف ترحل الكلمات قوية أحيانا، ومكسورة أحيانا أخرى.
من ذلك البيت الّذي تواطأت جدرانه على البرد ستشرق فيه شمسًا دافئة على الأرواح والأشياء والأثاث، والأسرة، والكراسي، والأواني، والنوافذ المفتوحة على هواء جديد وألوان باذخة. هرعت حين رأيت كلّ ذلك إلى الشارع بدون حذاء، أو هاتف أو مفتاح. كلّ شيء في مكانه إلاّ هي لم تكن.
تتضرجُ الطرقات بالملوحة والدم، ويطل الأسى فارعا وأرعن. ومرارته تلون الخطوات. ركضٌ مجنون، ودمعةٌ سحيقة تنزلق إلى الخارج تقطع كلّ حبلٍ للنجاة.
في يأس الخُطى ينزل رجلٌ نحيلٌ وشامخ من سيارةٍ قديمة يرتدي قشابية بنية ويضع لحافا أبيض على رأسه يرمقني بنظرات لا تتوسل شيئا غير القوة والصمت. كيف تكون نظرة وحيدة كفيلة بقتلك وتحويلك إلى مزق؟ كيف أخرج للبحث عن تلك الأميرة لألتقي أميري المجروح. كان للتو خارجا من غرفة العمليات يقول المُمرض الّذي يرافقه، بغرابة وحيرة أمام عناد رجل يرفض دائما أن يكون عاجزا أو ضعيفا. لا أحد استطاع ترويضه أو اخضاعه لأوامر الأطباء وصرامة المستشفيات. تلاشيت في الفراغ، وفرت مني تعابيري، وصرتُ كائنا بدون لغة بدون ذراعين بدون حركة. كيف أصل إليه؟ كيف أمسك بيده وأحضنه؟ هل ما رأيته مجرّد وهم، وأميري لم يعد موجودا إلاّ داخل رأسي الّذي يتكسر كلّ ليلة بحثا عن أنفاس من كانوا هنا فتحوا باب النّور ومضوا. مضوا ولازلت ألاحقهم في باطني. مضوا حين كتبوا اسمي في الوجود. ولم يتسن لي أن أكتبهم إلاّ مجروحين. وأنا مجروحة في الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.