الرئاسيات تنعش بورصة المبادرات السياسية حركت الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام القادم الطبقة السياسية في الأسابيع الأخيرة، ما دفع بعض الأحزاب إلى طرح مبادرات سياسية والترويج لها قصد رسم خارطة طريق مشتركة للمستقبل. أشعلت مبادرة «التوافق الوطني» التي أطلقها رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري قبل أسابيع والتي أخذ يروج لها في لقاءات ثنائية مع رؤساء أحزاب من الموالاة و المعارضة- حملة واسعة من التسابق لعرض منتجات سياسية مختلفة أخذت تسمية «مبادرات» بعد فترة سبات عميقة التزمتها الأحزاب السياسية. والواضح أن الجهود التي تحاول الطبقة السياسية بذلها من أجل تحريك الوضع لم تكن لتأتي لولا اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة رسميا حسب الآجال في أفريل من العام 2019، فقد بات هذا الاستحقاق المهم هو المحرك الرئيس للطبقة السياسية برمتها وهذا قبل أشهر معدودات عن هذا الاستحقاق المهم. وبغض النظر عن الأهداف الخاصة بكل حزب من وراء إطلاق هذا النوع من المبادرات في هذا التوقيت بالذات فاللافت أنها تشترك في العديد من المواصفات، منها تركيزها على قضية «التوافق الوطني» أو بناء إجماع سياسي في المستقبل المنظور، دون تقديم المزيد من التوضيحات حول شكل وماهية هذا التوافق، ولا حول الإجراءات والآليات التي بواسطتها يتم إنجاح هذه المبادرات على الرغم من تأكيد أصحابها بأن النقاش بشأنها لا يزال مستمرا. والواضح أيضا أن التوافق الذي يقصده عبد الرزاق مقري يعني بالدرجة الأولى توافقا حول شخص رئيس الجمهورية القادم وخارطة الطريق التي يجب اتباعها، وقد قالها صراحة، وتوافقا حول مسار سياسي محتمل مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. أما مبادرة حركة البناء الوطني المسماة» التوافق.. الجزائر للجميع» فهي مبادرة لا تختلف عن سابقتها في حركة حمس، بل تبدو غير واضحة المعالم و الأهداف حتى، كونها تركز على نقاط عامة مثل الحفاظ على المكاسب المحققة وإبعاد الجيش عن المناكفات السياسية وغيرها وهي لن تفصل في مسألة الانتخابات الرئاسية القادمة. وأخيرا أطلقت 16 تشكيلة قبل أيام قليلة من مقر التحالف الوطني الجمهورية مبادرة جديدة سميت» مبادرة الاستمرارية في إطار الاستقرار والإصلاح لدعم استمرارية الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة»، وهي أقرب إلى لجنة مساندة منها إلى مبادرة سياسية حقيقية ، كون هدفها واضح ومحدد منذ البداية هو دعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة. والملاحظ أن مواقف أطراف الطبقة السياسية قد تباينت من هذه المبادرات بين مرحب بها، وبين متحفظ على أجزاء منها، وبين رافض لها جملة وتفصيلا على غرار حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وبات اليوم واضحا موقف أحزاب الموالاة من مبادرة «حمس»، حيث أبدت تحفظا واضحا على أهم عناصرها وهما الرئيس القادم، وشرعية المؤسسات القائمة، وما يسمى بالانتقال الديمقراطي. لكن على الرغم من كل هذه الانتقادات يصر أصحاب المبادرة على أنها ممتدة في الزمن ولن تموت وليست مرتبطة بوضع ظرفي، لكن المبادرة بدأت تلاقي انتقادات من قبل إطارات ومسؤولين في «حمس» أنفسهم، الذين قالوا أن مقري قررها لوحده ولم يستشر مؤسسات الحركة بشأنها. والآن بعد جولة أولى من المشاورات واللقاءات بين مختلف مكونات الطبقة السياسية تم خلالها طرح هذه المبادرات والتعرف على مضامينها يستعد أصحابها لجولة ثانية من اللقاءات والتشاور والنقاش بشأنها بعد عيد الأضحى، حيث من المرتقب أن تتضح الرؤية أكثر، و معها تظهر النتائج في الميدان. إلياس -ب عبد العالي عبد القادر أستاذ العلوم السياسية المبادرات السياسية غامضة من حيث الإجراءات والمآلات . هامش الفعل والمبادرة لدى الأحزاب ضعيف لأسباب مؤسسية وأخرى متعلقة بالثقافة السياسية يعتقد البروفيسور عبد العالي عبد القادر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سعيدة بأن المبادرات السياسية التي ظهرت فجأة إلى سطح الحياة السياسية مؤخرا قد ولدت ميتة، أولا بالنظر لعمق الانقسامات والاختلافات الموجودة بين الأحزاب نفسها، وثانيا بالنظر لوجود هيمنة واضحة من طرف النواة الصلبة للموالاة على الحياة السياسية، فضلا عن غموضها من ناحية الإجراءات والمآلات، وعليه لا يجب انتظار أي نتائج منها في المستقبل. النصر: كيف تقرأون السياق الذي جاءت فيه المبادرات السياسية التي طرحت مؤخرا؟ عبد العالي عبد القادر: بخصوص المبادرات السياسية التي طرحتها الأحزاب، خصوصا مبادرة حمس حول الانتقال الديمقراطي، ومبادرة الأحزاب الأخرى التي تدور في نفس السياق، فقد ولدت ميتة، نظرا لعمق الانقسامات والاختلافات الموجودة بين الأحزاب السياسية. وغموض هذه المبادرات من ناحية الإجراءات والمآلات، والتي تحتاج إلى توضيحات أكثر، بناء على التجارب السابقة. - أحزاب الموالاة متحفظة على مبادرة حركة مجتمع السلم، أما المبادرات الأخرى فلم تحدث صدى كبيرا، كيف تتوقعون مآلاتها في نهاية المطاف؟ نظرا لوجود معظم أحزاب المعارضة، وشبه المعارضة في موقف ضعف، وارتفاع صوت الموالاة، ووضوح مسارها، المتمثل في حشد التأييد للعهدة الخامسة، يتوقع في حالة بقاء الأوضاع على ما هي عليه، أن يتم تهميش الأحزاب السياسية التي تقع خارج النواة الصلبة للموالاة، وتتحول العملية برمتها إلى فرض الأمر الواقع. انطلاقا من التجارب السابقة هل المبادرات السياسية من خارج السلطة يمكن أن يكتب لها النجاح أم أن مآلها الفشل؟ - تعتبر الأحزاب خارج السلطة غير مسموعة الصوت، ومعظم مبادرات المعارضة تم إجهاضها أو نسفها من الداخل، أو تجاوزها، في ظل وضعية الحزب السياسي المهيمن، والذي يسيطر على المشهد السياسي الحزبي، بالإضافة إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي الحزب المنضوي ضمن تركيبة الهيمنة الحزبية الحالية، وأحزاب الموالاة المتحالفة معه على المشهد السياسي. يلاحظ أن الطبقة السياسية تدخل في سبات عميق، ولا تستفيق إلا عند اقتراب المواعيد الانتخابية لماذا برأيكم؟. الطبقة السياسية الحاكمة والحزبية تنتظر الموسم الانتخابي، وإن حاول بعضها إثبات متابعته للأوضاع العامة، من خلال التصريحات وتحريك المياه بافتعال تصريحات مثيرة للجدل، وهذا يرجع إلى تراجع وضعف المؤسسات الحزبية القائمة، وتراجع الاهتمام بالشأن الحزبي من قبل المواطنين العاديين، نتيجة وضعية الاحتكار الحزبي الذي تنامي خلال عقود داخل هذه كل الأحزاب، وحولها إلى ما يسمونه: دكاكين انتخابية، لا يقبل عليها إلا من له طموح في تولي مسؤولية عامة عن طريق الانتخاب. يقال أن الطبقة السياسية عندنا لا تخلق الفعل السياسي إنما تتفاعل فقط مع ما تقدمه السلطة، هل هذا صحيح؟ - هامش الفعل والمبادرة عند الأحزاب السياسية ضعيف، نظرا لأسباب مؤسسية ولأسباب متعلقة بالثقافة السياسية التي تحولت إلى الانسحاب وعدم الثقة في السياسيين، إضافة إلى محدودية سقف التوقعات من هذه المبادرات، ما جعل كل أحزاب المعارضة تترقب وتبدي ردود فعل غير واضحة، نظرا لعدم يقينية الأوضاع التي ستقبل عليها الجزائر، خصوصا في مسألة الانتخابات الرئاسية. لماذا لا تثق الجماهير في الأحزاب السياسية، وما هو الجهد الذي على الأحزاب القيام به لرد الثقة المفقودة مع المواطن؟. - على الأحزاب أن تبذل جهودا كبيرة ومعتبرة، لاستقطاب ثقة الشباب، وأن تعود إلى المجتمع المدني، وتغير من طبيعتها الاحتكارية المرتبطة عضويا بالمشاركة في المؤسسات الحكومية، وهي جهود ليست سهلة حاليا، وذلك حتى تعيد الأحزاب عافيتها وحيويتها السياسية على مستوى الرأي العام وعلى مستوى القاعدة الانتخابية التي تمكنها من إسماع صوتها وتقوية مبادراتها. إلياس بوملطة ناصر حمدادوش قيادي بحركة مجتمع السلم مبادرة حمس وطنية غير مرتبطة بالرئاسيات وهي معنية بوضع البلد بأكلمه النصر: مبادرة التوافق الوطني التي أطلقتها حمس لم تلق توافقا من الطبقة السياسية، كيف تقيمون تجاوب هذه الأخيرة مع مبادرتكم؟ ناصر حمدادوش: مبادرة التوافق الوطني هي مبادرةٌ وطنية وليست حزبية، وهي مسارٌ سياسي وليست قرارًا آنيًّا، وهي تجسيدٌ لشعار المؤتمر السابع للحركة خلال عهدةٍ كاملة وليست مناورةً تكتيكية ظرفية، وهي غيرُ مرتبطةٍ بالرئاسيات فقط بل هي معنيّةٌ بوضع البلد بأكمله. ومن الطبيعي أن تتباين وجهات النظر حول أيِّ مبادرة من أيِّ طرفٍ كان، لأنّ الحوار والتوافق لا يكون إلا بين المختلفين. ولذلك عرضنا خطوطها العريضة وأفكارها العامة وليست تفاصيلها الإجرائية، احترامًا للأفكار والمقترحات الأخرى، ونحن منفتحون على الإثراءات التي تردنا من خلال اللقاءات والمشاورات، لتتطوّر من مجرد مبادرةٍ سياسية إلى مشروعٍ وطني كبير، بمناسبة رئاسيات 2019 وما بعدها. ومن السابق لأوانه الحكم على نجاحها أو فشلها، فهي لا تزال على المستوى الحزبي، ولا تزال أمامها جولاتٌ على المستوى الرسمي والمجتمع المدني والشعبي. المبادرة جاءت بمناسبة الانتخابات الرئاسية القادمة هل كان مضمونها معقولا ومقبولا؟ من الطبيعي أن تكون مناسبة مبادرة التوافق الوطني هي الانتخابات الرئاسية، لأن من الواقعية السياسية للمبادرة هي احترام الآجال الدستورية والمؤسسات القائمة، ولا نريد الدخول في مراحل انتقالية خارجها، والأصل أن نجعلها فرصة للجزائر، وهذا شعورٌ وطني اتجاه البلاد، لأننا ندرك خطورة الظروف التي تمر بها، فنحن في أزمة خطيرة ومتعددة الأبعاد، ونريد تحمل المسؤولية السياسية الجماعية اتجاه الوطن. ولذلك فمضمون المبادرة معقول ومناسب، لأننا نعتقد ألا أحد بمفرده سلطةً أو معارضة يتحمل المسؤولية لوحده اتجاه المخاطر المحتملة الآنية والمستقبلية. بما أن أحزاب الموالاة تحفظت عليها هل يمكن القول أنها سقطت في الماء؟ من الطبيعي أن تتباين وجهات النظر حول المبادرة التوافق الوطني من قبل الأحزاب السياسية، ومن غير المعقول ألا تكون هناك تحفظات أو استفسارات حولها، فالحوار والتوافق لا يكون إلا بين المختلفين، ونحن لا ندعي احتكار الساحة السياسية ولا نزعم احتكار المبادرات الوطنية، واللقاءات والمشاورات هي التي تنضج المبادرات والمشاريع والرؤى التوافقية الجماعية، وهي التي توصلنا إلى المساحات المشتركة بين الفرقاء. ولذلك لا يمكن الجزم بأن المبادرة سقطت في الماء، فهي لا تزال في مرحلتها الأولى على مستوى الأحزاب، وسنذهب بها إلى المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والنزول بها إلى الشعب إلى كل ولايات الوطن. - حمس تعرف أكثر من غيرها أن المبادرات السياسية التي تلقى النجاح تأتي دائما من السلطة، هل مبادرتكم هذه المرة كانت بإيحاء من جهات في السلطة أم أنها مبادرة خاصة بكم؟ هذه المبادرة هي مبادرة وطنية وليست حزبية، نلتقي في مجمل أفكارها مع العديد من شركاء الوطن، ونعتقد أن نجاحها مرهون بمساهمة الجميع، سلطةً ومعارضة، مؤسسات رسمية وشعبية، وهي مبادرةٌ تعبر عن الفكر والسلوك السياسي لحركة مجتمع السلم، وهي امتدادٌ لتاريخٍ حافلٍ ومشهودٍ من المبادرات التي تقدّمت بها الحركة، وهي مبادرةٌ ذاتيةٌ لا علاقة لأي جهةٍ بها، والحركة أشرف وأرفع من العمل بالإيعاز أو الصفقات تحت الطاولة.