العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48446 شهيدا و 111852 جريحا    لجنة تنظيم البورصة: منح الاعتماد لأول شركة تمويل تساهمي في الجزائر    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار: نحو إنشاء أقطاب صناعية بالعديد من ولايات الوطن    "المرأة بين طريقي الارتقاء.. رمضان والعلم" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    مجلس الأمن الدولي يجدد التأكيد على التزامه الثابت بسيادة السودان ووحدته الترابية    "نوازل الصوم الخاصة بالمرأة بين الطب والفقه" محور ندوة فقهية بالجزائر العاصمة    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    أمطار رعدية مرتقبة على العديد من ولايات الوطن مساء اليوم الخميس    رمضان 2025: وضع بيوت ومخيمات الشباب تحت تصرف فعاليات المجتمع المدني    الأمم المتحدة : الإطار القانوني والمؤسساتي الجزائري يضمن بشكل كامل الحقوق والحريات    ربط أزيد من 77 ألف مستثمرة فلاحية بالطاقة الكهربائية منذ 2020    المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة في تربص جديد بمركز فوكة بتيبازة    عرض الوثائقي " آثار تخترق الزمن " حول جرائم التعذيب الفرنسي في المعتقلات خلال الثورة التحررية    افتتاح معرض جماعي للخط العربي بالعاصمة    استحداث مدارس عليا للأساتذة في مختلف المدن الجامعية    بنك الجزائر ينشر تعليمتين تتعلقان باعتماد البنوك الرقمية    إحباط إدخال كميات معتبرة من المؤثرات العقلية    ممارسة التعذيب على الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية    قد تفلت منا صناعة التاريخ..؟!    حل الدولتين يعد الطريق الوحيد لتحقيق السلام في فلسطين    وزارة التربية تصدر بيانا يخص مشاركة الموظفين    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    حرب ضد مؤثّري العار والفضائح    قناة "فرانس 2″تبث توليفة إعلامية تخدم أجندة سياسية محددة    قناة "فرانس 2" تستعين بالخونة لمهاجمة الجزائر    فضيحة اعتقال طفلة في المغرب تؤجّج غضب الحقوقيين    تكفُّل بالمرضى وضمان للمناوبات    ترامب يلقي أول خطاب أمام الكونغرس    محرز: جاهزون لمباراة بوتسوانا وهذه رسالتي للجزائريين    مشكلة جديدة لبلايلي مع الترجي والإدارة تتدخل    حين يلتقي الفن بروحانية الشهر الفضيل    قمتان في وهران وقسنطينة ومهمة صعبة لبلوزداد بالبيّض    شهر الجود    استقرار في أسعار الخضر والفواكه    سفارة اليابان تتبرّع لجمعية أولياء الأطفال المعاقين    تحييد 4 إرهابيين واسترجاع أسلحة وذخيرة    32 سؤالا ل7 وزراء بالمجلس الشعبي الوطني    التعاون مع الصومال وموزمبيق في مجال الاتصالات    معرض الجزائر للسكك الحديدية في جوان القادم    "قسيمتك".. منصة لاقتناء قسيمة السيارات عن بُعد    إنهاء مهام المدير العام ل"بريد الجزائر"    الأغواط: حرم الخليفة العام للطريقة التجانية بعين ماضي في ذمة الله    كرة اليد/القسم الممتاز/سيدات/ تسوية الرزنامة : فوز نادي فتيات بومرداس على نادي باش جراح    توزيع مزيد من السكنات في جويلية    رمضان شهر العتق من النيران    الرابطة الثانية – هواة /الجولة 22/ : نجم بن عكنون ومستقبل الرويسات في مهمة صعبة خارج الديار    اجتماع تنسيقي لتطويرآليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    حنان ميزول أخبار اليوم : تستهويني المرأة المُكافِحة التي ترفع التحدي وتواجه الصعوبات    فرحتان للصائم    تصفيات كأس العالم 2026 (الجولة الخامسة): رياض محرز يؤكد جاهزية "الخضر" للعودة بالفوز من بوتسوانا    تصفيات كأس العالم 2025 (أقل من 17 سنة):المنتخب الجزائري يواصل تحضيراته لمواجهة بوتسوانا    وحدة المضادات الحيوية ستشرع في الإنتاج جوان المقبل    لجنة خاصة للتكفّل الأمثل بالحجّاج في المطارات    "بنات المحروسة" و"اللي فات مات" على منصة "شاهد"    صلاة التراويح تحمي من الأمراض    "آثار تخترق الزمن" يفتتح موسم رمضان    المهرجان الثقافي الوطني للعيساوة بميلة: انتقاء 14 فرقة وجمعية للمشاركة في الطبعة ال14    سعيود يترأس اجتماعا ليرى مدى تقدم تجسيد الترتيبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختصون يؤكدون في ندوة النّصر: غياب هوية للمدن الجديدة يقود إلى العنف والجريمة
نشر في النصر يوم 01 - 12 - 2018

يُجمِع مختصون في الهندسة والتعمير من الجزائر ولبنان وفرنسا والطوغو، في ندوة النصر التي انطلقت من التساؤل عن آثار المشاكل العمرانية على الجانب النفسي والاجتماعي للسكان، بأن الاختلالات في مجال البناء وعدم مراعاة البعد الحضاري في تصاميم الأحياء الجديدة، التي تنجز بدافع الاستعجال والحاجة الملحة للسّكن، تؤدي إلى خلق تجمعات سكنية تتميز بمظاهر العنف والجريمة، كما تعزز في المنتمين لها "مركب النقص العمراني" والشعور بالعزلة والإقصاء لانعدام فضاء خارجي مهيأ بما يكفي من المرافق العمومية.
جمعها: سامي حباطي/ تصوير: الشريف قليب
وتذهب آراء بعض المشاركين في هذه الندوة إلى القول بغياب هوية ثقافية للمدن الجديدة، في حين يركزّ متدخلون آخرون على أهمية الفضاء العام في خلق حس الانتماء والمواطنة، مع تأكيدهم على أن هذه الأخطاء العمرانية مسجلة في مدن أجنبية ولا تقتصر على الجزائر فقط.
البروفيسور بيار ميرلان من جامعة السوربون
عدم احتواء المهاجرين بفرنسا جعلهم مهمشين مكانيا واجتماعيا
أكد البروفيسور بيار ميرلان بأن السلطات الفرنسية لم تحسن احتواء مجتمعات المهاجرين المتوافدة عليها، ما جعلها مهمشة اجتماعيا ومكانيا، وأدى إلى انتشار الإجرام بينها.
ويرى البروفيسور بيار ميرلان، الأستاذ الفخري بجامعة السوربون والمختص في الهندسة والتعمير، بأن رده على سؤالنا قد يكون تشاؤميا، حيث قال إن ترك المدينة تنمو بطريقة عشوائية قد خلق العديد من المشاكل، تجلت في التمييز العنصري والمساكن غير اللائقة وعدم توفرها على ما يكفي من التجهيزات العمومية القادرة على تحسين حياة الأشخاص. وأضاف البروفيسور بأن العديد من الأخطاء ارتكبت في مرحلة التخطيط للمدن الحديثة، التي بنيت في الجزائر وفي فرنسا خلال السنوات الأخيرة، رغم تأكيده على انعدام سوء النية في هذا الجانب، فقد انتهجت طرق من أجل القضاء على المشاكل المسجلة في الأوساط الحضرية، لكن يلاحظ بأنّ هذا العمران لم يتطور بالطريقة الصحيحة بحسب البروفيسور ميرلان.
وذكر محدّثنا بأنّ آليات تمويل السكن في فرنسا من الأسباب التي ساهمت في التطور الخاطئ لهذه الفضاءات العمرانية، حيث تحدث عن القانون الفرنسي الذي يسمح بملكية السكن من البداية، واعتبره في صالح الأشخاص المنتمين للطبقة المتوسطة، في وقت يقصي فيه هذا القانون الأشخاص الأكثر فقرا، كما قال إن مجتمعات المهاجرين في فرنسا من الفئات التي تعاني من هذه المشكلة أيضا، موضحا بأن السلطات الفرنسية لم تحسن احتواءها، ما جعلها مهمشة مكانيا واجتماعيا، وساهم في انتشار الجريمة في هذه الأوساط.
رئيسة لجنة التعمير بالمجلس الولائي لقسنطينة
البلديات يجب أن تستعين بتقنيين في مجال المدينة
نبهت المهندسة المعمارية ورئيسة لجنة التعمير بالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة بأن بعض الاختلالات والأخطاء قد سجلت في عملية بناء المدن الجديدة في الماضي، لكنها اعتبرت بأنه يمكن تدارك البعض منها.
وقالت لمياء جرادي إن أسباب ظهور البناءات الفوضوية يعود بالدرجة الأولى إلى العشرية السوداء، عندما تنقلت مجموعات كبيرة من المواطنين إلى مدينة قسنطينة، ما أدى إلى ظهور مشكلة البنايات الهشة. وأضافت محدثتنا بأن أولى عمليات الترحيل الكبرى لشاغلي السكنات الهشة كانت على مستوى حي باردو في السنوات الماضية، في حين اعتبرت بأن الصيغ السكنية التي استحدثت سمحت بتقليص المشكلة في ولاية قسنطينة.
وأضافت رئيسة لجنة التعمير بأن أول تجربة لمدينة جديدة في الجزائر قد انطلقت من قسنطينة، حيث صرحت بأن بعض الاختلالات قد سجلت من قبل، ويتم استدراكها اليوم، كما عزت مظهرها العمراني المشوّه إلى الوتيرة السريعة لبنائها خلال عشر سنوات، لكنها شددت على ضرورة إعادة النظر في العديد من القوانين، خصوصا في شروط التعمير، فضلا عن ضرورة أن يكون المسيّرون في البلديات من التقنيين المختصين في مجال المدينة، وليس في مجال الهندسة والتعمير فقط. ونبهت محدثتنا بأنه يمكن إصلاح بعض الأخطاء التي اكتنفت الإنجازات السابقة من خلال إعادة الاعتبار والتهيئة الخارجية.
الأستاذ حسان بيطار من جامعة البلمند بلبنان
الفضاءات العامة قد تكون ذات تأثير تدميري
أفاد الأستاذ حسان بيطار من جامعة البلمند بلبنان بأن الفضاءات العامة تنمي تعلق الأفراد بالمكان الذي يعيشون فيه وتخلق فيهم حس المواطنة، في حين قال إن هذه العناصر المكانية قد تنتج مفعول تدمير في المناطق التي تنعدم فيها الفرص الاقتصادية وتفتقر إلى البنية التحتية. وأبرز الأستاذ حسان بيطار بأن العلاقة بين العمران والسلوكيات الاجتماعية وطيدة، مضيفا بأن هذه النقطة بنيت على أسس علمية، حيث يدرس الخبراء اليوم تأثير طريقة بناء المدن على التصرفات الإنسانية، من خلال مواطنته وحقه في استخدام المساحات العامة، فضلا عن تحليل مستوى التزام المواطنين بالحفاظ على هذه المساحات العامة أو تدميرها. وضرب محدثنا المثال بالمساحات العامة، التي "كانت نواةً لانطلاق شرارة ثورات اجتماعية في بلدان عربية وأصبحت ساحات مشهورة على غرار ميدان التحرير في مصر"، مثلما قال.
وأضاف نفس المصدر بأن هذه المساحات العامة يمكن أن تحمل رمزية كبيرة في نفوس المواطنين من خلال ما تقدمه من قيم تاريخية وروحانية، ما يوطد تعلق الإنسان بأرضه ويحفزه على المحافظة عليها والمشاركة فيها، فالمساحات العامة يمكن أن تكون منمية لحس المواطنة في الأشخاص أو يمكن أن تكون ذات تأثير تدميري، خصوصا في المناطق التي تكون بؤرا للفقر وتغيب فيها الفرص الاقتصادية التي تسمح لأفراد المجتمع بتحسين وضعيتهم المادية، مثلما أكد.
وقال الأستاذ بيطار إن هذه الوضعية قد تؤدي إلى تنامي العنف والانحرافات، حيث قدم محدثنا مثالا بأطراف المدن التي تسجل فيها الظواهر السلبية المذكورة عبر مدن العالم، ويسميها المختصون في العمران ب"حزام الفقر"، لأن البنية التحتية الموجودة في مراكز المدن لم تصل إليهم ولم تمنحهم فرصة متساوية مع غيرهم من أبناء نفس المناطق.
الأستاذة سميرة قايد من جامعة وهران
بناء مدينة جديدة يقوم على خلق الرابط الاجتماعي
اعتبرت الأستاذة سميرة قايد من جامعة وهران بأن بناء مدينة جديدة يقوم في أساسه على إعادة خلق الرابط الاجتماعي وتحقيق الازدهار الفردي والجماعي فيها، من خلال توفير الفضاءات العمومية.
وأوضحت الأستاذة سميرة قايد التي تدرس بقسم الهندسة والتعمير بجامعة وهران، بأن جميع المدن الجزائرية قد عرفت قفزة ديموغرافية كبيرة منذ الاستقلال إلى اليوم، ما خلق الحاجة إلى بناء مساكن جديدة وجعل مساحة المدن تتوسع بصورة كبيرة، على غرار قسنطينة ووهران والجزائر العاصمة. وأضافت محدثتنا بأن هذا التطور قد باعد الأشخاص عن مراكز المدن، التي ما زالت تستقطبهم، حيث ترك هذا الوضع بحسبها، أثرا نفسيا على الأفراد من حيث شعورهم بالإبعاد.
وأشارت الأستاذة قايد إلى بعض أعمال المختصين في العمران، على غرار أليس كولمان صاحبة كتاب "محاكمة اليوتوبيا"، وتتحدث فيه عن تحول المدن إلى مراقد بسبب الحاجة إلى بناء مساكن للأشخاص، في حين أوضحت بأن غياب التهيئة العمرانية والتجهيزات العمومية يؤدي إلى عدم نشوء الروابط الاجتماعية في المكان الجديد، فغياب الفضاءات العامة يمنع تحقيق الازدهار على الصعيدين الفردي أو الجماعي وبناء أحياء بكل المعايير التي تتطلبها.
ونبهت محدثتنا إلى غياب الجانب الاجتماعي العمراني في المدن الجديدة، ما يخلق حالة من الغضب، ويقود، بحسبها، إلى العنف والانحراف، فالمدينة لا تتلخص في المسكن الفردي، كما أن بناء مدينة جديدة يتمثل في بناء الروابط الاجتماعية بين المواطنين. وأضافت نفس المصدر بأن هذه المشكلة مسجلة في البلدان الأخرى أيضا، على غرار فرنسا والولايات المتحدة، حيث عزتها إلى الأخطاء المرتكبة سابقا من طرف المهندسين والمختصين في التخطيط العمراني عبر العالم.
الأستاذة زهية مغنوس إدريس من جامعة قسنطينة 3
المدينة مشروع سياسي قبل كل شيء
ذكرت الأستاذة زهية مغنوس إدريس من معهد العمران بجامعة قسنطينة 3، بأن المدن الجديدة شُيدت في قطيعة تامة مع مشروع المدينة الأم، مشيرة إلى أن هذه المشكلة تؤدي إلى ظهور العنف.
وترى الأستاذة مغنوس، بأن المدن الجديدة في قسنطينة بنيت في قطيعة تامة مع المدينة الأم من ناحية الشكل العمراني، فيما اعتبرت بأن عظمة مدينة قسنطينة تمثل عظمتها وإعاقتها في آن، حيث أوضحت بأن البناءات الجديدة التي شيدت منذ سنوات الثمانينيات قطعت الحبل تماما مع مشروع المدينة. وأضافت محدثتنا بأن المدينة مثل المنزل، ويجب أن يكون فيها الفراغ، الذي تملؤه علاقات الجوار والروابط الاجتماعية، فهو الجانب الملموسُ بالنسبة لسكان المدينة.
وقارنت محدثتنا بين البناءات الفردية، التي يشيدها الأفراد استنادا إلى تصوراتهم رغم هشاشتها وافتقارها إلى معايير تقنية، على عكس المدن الجديدة التي كان ينبغي، بحسبها، أن يمعن فيها الخبراء التفكير في الفترة السابقة لإنجازها وليس بعد الانتهاء منها. وقالت الأستاذة مغنوس بأنّ فكرة إنشاء مدن وأحياء وفضاءات عامة موجودة، لكنها غير مجسدة على أرض الواقع، لأن التخطيط لها قد أنجز دون مراعاة لجميع الأبعاد المتعلقة بها.
وعزت محدثتنا هذا الفشل في تجسيد مدن حقيقية إلى غياب التكوين وعدم التحكم في الإنجاز، لكنها قالت إن السياسة هي من تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، لأن المدينة مشروع سياسي قبل كل شيء، مثلما قالت. وأضافت نفس المصدر بأن أعراض الاختلال المسجل في هذه المدن تظهر في العنف الذي يبديه الساكنون فيها، بسبب شعورهم بعدم احترامهم، حيث استدلت على حديثها ببعض التجارب التي منح فيها أشخاص قدموا من أوساط يغلب عليها العنف سكنات في أماكن لائقة وتراعي الجوانب الثقافية المختلفة فيهم، وأعطت نتائج إيجابية.
المهندس المعماري نور الدين خلفي
المدن الجديدة مراقد ونحن نعيش أزمة إسكان
وصف المهندس المعماري نور الدين خلفي المدن الجديدة بأنها "مراقد" بسبب عدم توفرها على بيئة عمرانية حضرية، مضيفا بأنها تشهد غيابا للانسجام والتناغم مع النسيج العمراني الأصلي.
وأوضح المهندس نور الدين خلفي بأن عزل المختص عن مجاله هو ما يحدث اليوم، مشيرا إلى أن المهندس المعماري وجد نفسه خارج مهمته كمصمم للعمارة بجماليتها، في حين اعتبر بأن مجال التعمير يضم العديد من المجالات ولها مختصون. وقال محدثنا إن التصميم العمراني يجب أن يتضمن الحياة الاجتماعية ويخلق الانسجام والتجانس بين المواطنين في الحي، وهو ما تفتقر له مدننا الجديدة. وقد وصف نفس المصدر هذه المدن بالمراقد، بسبب عدم توفرها على بيئة عمرانية حضرية.
وأضاف نفس المصدر بأن المسؤولين يفسرون هذه المشكلة بأزمة السكن، رغم أنها في الحقيقة أزمة إسكان، مثلما يرى، في حين قال إنه لا يجب الانسياق خلف حجة الضغط على الطلب على السكنات. ونبه نفس المصدر بأن السلطات لم توفر منذ الاستقلال معطيات دقيقة عن حجم الطلب على السكن في الجزائر.
من جهة أخرى، قال نور الدين خلفي إن الأحياء الهشة القديمة انتقلت بنمط علاقاتها الإنسانية وأفرادها إلى المدن الجديدة، مشيرا إلى أن الأحياء التي تبنى بوتيرة مرتفعة ستكون في المستقبل وكرا للانحرافات إن استمر الوضع على هذه الحال، في حين أوضح بأن نفس نمط البنايات يتم إنجازه في ولايات مختلفة دون مراعاة للخصوصيات الثقافية والجغرافية أو تناغم مع النسيج العمراني القديم، مشددا على أن العملية يجب أن توكل لأشخاص مختصين.
الأستاذ وسام مزيان من جامعة صالح بوبنيدر
المنتوج السكني الجزائري لا يعكس جانبا حضاريا
أكد أستاذ العمران وقانون التعمير بكلية الهندسة المعمارية لجامعة قسنطينة 3، وسام عبد الرحمان مزيان، بأن الأحياء السكنية المشيدة منذ الاستقلال في الجزائر لا تمثل جانبا حضاريا، في حين اعتبر بأن "مركّب النقص العمراني" رافق سكان البنايات الهشة إلى علي منجلي بسبب غياب الفضاء العام.
وأوضح الأستاذ وسام مزيان، بأن الشقة ذات الغرفة الواحدة أو الغرفتين ترمي بالفرد إلى الشارع، مضيفا بأن السلطات سعت في سنوات التسعينيات إلى القضاء على البناءات الهشة من خلال السكن الاجتماعي. وأضاف محدثنا بأن أحياء البيوت القصديرية والهشة كانت تمثل جانبا حميميا بالنسبة لساكنيها كما تمنحهم الشعور بالانتماء رغم أنها لم تكن مناسبة، في حين اصطدموا بأماكن تقصيهم اجتماعيا عند ترحيلهم إلى المدينة الجديدة علي منجلي، ما جعل "مركب النقص العمراني" ينتقل معهم من مدينة قسنطينة إلى المدينة الخارجية الجديدة علي منجلي، مثلما قال الأستاذ مزيان. ونبّه محدثنا بأن الشقة المكونة من غرفتين قد خلقت إقصاء مضاعفا، لأنها تلقي بالفرد إلى الخارج بسبب عدم القدرة على التواجد داخل البيت لضيق المساحة، في مقابل فضاء خارجي يفتقر إلى هوية. واعتبر بأن هذا الإقصاء هو ما ولّد العنف.
أما اليوم، فيرى مُحدثنا بأن المدينة الجديدة علي منجلي تعيش طفرة نوعية، بعد أن أدرجت فيها مشاريع جديدة لصيغ سكنية متنوعة من ناحية المساحة ونوع الشقق، مثل الترقوي المدعم وغيرها، فضلا عن انتقال النشاط الاقتصادي من وسط مدينة قسنطينة إليها ويتجسد في المراكز التجارية، لكن ذلك لم يخلصها بعد من إرثها من "العنف"، فرغم أنها مدينة جديدة، إلا أنها لا تعبر عن هوية خاصة بها مثلما يلاحظ على أحياء مدينة قسنطينة العريقة. وضرب محدثنا المثال بغياب أسماء للأحياء في علي منجلي، حيث ما يزال سكانها يعبرون عن الأماكن بأرقام ليست لها أية دلالة. واعتبر نفس المصدر بأن تملّك بع
ض الأفراد لمرافق عمومية مثل الحظائر وساحات الرياضة بطريقة غير قانونية وتحويلها إلى مصادر للرزق، يولد العنف بسبب غياب ثقافة احترام الغير، كما أن احتكار الفضاء العمومي من طرف فئة معينة يخلق التمرد على السلطة والقوانين. من جهة أخرى، قال الأستاذ مزيان إن التأخر في إتمام برامج التهيئة الخارجية وتوفير المرافق يسبب مشاكل كبيرة، في حين أوضح بأن المقاربة الأمنية للتحكم في المناطق الحضرية يجب أن تتجه إلى العمل الجواري ولا تكون مقتصرة على الردع، الذي يجعلها في مواجهة وتحدٍّ دائمين بعيدا عن الانسجام.
الأستاذ كوفي جيغيما من الطوغو
يجب التفكير في استمرارية المدن
شدد الأستاذ كوفي جيغيما في تدخله على ضرورة التفكير في استمرارية المدن عند التخطيط العمراني لها، من خلال مراعاة الجانب الثقافي والممارسات الاجتماعية للأفراد الذين سيسكنون فيها.
وأكد أستاذ المشاريع الحضرية كوفي جيغيما من الطوغو بأن التخطيط العمراني الذي لا يأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والممارسة الاجتماعية يتسبب في العديد من المشاكل، لأنه يخلق عدم توافق مع النمط العمراني الجديد والطبيعة الاجتماعية للسكان، وقد يقود، بحسب محدثنا، إلى حالات عنف ونزاعات ومشاكل عمرانية، كما أنها قد تمس باستمرارية المدينة، التي يجب التفكير فيها قبل تشييد تجمع سكني. وأضاف محدثنا بأن البلدان الإفريقية تعيش هذه المشكلة، مشيرا إلى أن كثيرا من المدن تبنى لكن يعاد التخلي عنها بعد فترة قصيرة بسبب عدم توافقها مع الممارسات الاجتماعية لسكانها، حيث يرى بأن استمرارية المدينة مرهونة بهذا الجانب.
وعزا محدثنا سبب تغييب الجانب الثقافي للإنسان في بناء هذه المدن إلى الحاجة لتلبية الطلب المستعجل، لكنه قال إن بعض الجوانب غير معروفة أيضا، حتى لدى المختصين في التعمير، الذين لم يعمقوا معارفهم بعد في بعض النقاط المهمة والمتعلقة بالعمران، وهو ما يجب أن يدرج في التخطيط العمراني في المستقبل. وأضاف نفس المصدر بأن صناع القرار لم يتلقوا تكوينا بشأن بعض الجوانب المهمة في إنجاز المدن، في حين دعا إلى تصحيح الأخطاء المسجلة في المشاريع السابقة من أجل بناء مدن لجيل المستقبل وقادرة على الاستمرار لقرون، كما نبه إلى ضرورة مراعاة الجانب البيئي أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.