وزير الاتصال يعزي في فقيد الإعلام محمد إسماعين    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: الثنائي والح وبختاوي يهديان الجزائر أول ميدالية ذهبية    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    لبنان: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 3642 شهيدا و15356 جريحا    استراتيجية ب4 محاور لرفع الصادرات خارج المحروقات    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    غايتنا بناء جيش احترافي قوي ومهاب الجانب    الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت    صنصال.. دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر بلا هوية عمرانية
أحياء تتحول إلى “ڤيتوهات" ومحاشد بلا روح، خبراء يجمعون:
نشر في الفجر يوم 18 - 02 - 2013


مقاولون ومهندسون يتهمون الجماعات المحلية
المدن الجديدة.. مشاريع بالملايير بدون تخطيط ولا دراسات مسبقة
تعاني المدن الجزائرية من اختلالات حضارية وعمرانية أفقدتها هويتها وجعلت منها “ڤيتوهات” تفتقر إلى شروط الحياة الكريمة ولا تتناسب مع النمط المعيشي الجزائري، حيث يجمع الخبراء أن المدينة أوالحي السكني ليس فقط تجمعا سكانيا لأشخاص يتقاسمون المكان، لكنه أيضا نمط معيشي معين ينتج قيما وأفكارا تميز منطقة عن أخرى. وطبقا لهذا يختلف النمط العمراني من منطقة إلى أخرى حتى داخل البلد الواحد.
يؤكد الخبراء أن احترام الجماليات في التصميم العمراني في الجزائر غير موجود بتاتا، وهذا ما خلق عدة مشاكل ليس أقلها انتشار الانحرافات والعنف والشذوذ وغيرها من المظاهر السلبية، التي صارت تهدد المجتمع على المدى الطويل بالانفجار في ظل الاستنساخ الغبي للأشكال العمرانية الميتة، التي نجدها متشابهة ومستنسخة بطريقة غير مدروسة في ربوع الوطن. وهذا ما جعل المدن الجزائرية تحتل المراتب الأخيرة في التصنيفات العالمية، حيث احتلت مثلا مدينة الجزائر المرتبة 146 في آخر تصنيف للمدن التي يصعب العيش فيها عبر العالم.
وجاء تصريح رئيس الجمهورية مؤخرا، على هامش توزيع جائزة الهندسة العمرانية، حيث قال إن الأحياء السكنية التي تم إنجازها مؤخرا هي مجرد، مراقد، معترفا بطريقة ضمنية بفشل السياسية العمرانية في الجزائر. لماذا تفتقر الجزائر لاحترام المعايير العمرانية؟ ولماذا أحياؤنا السكنية أشبه بالعلب المغلقة وتغيب فيها الأبعاد الجمالية والحضارية؟ لماذا نفتقر إلى التصميم المستنبط من التراث الجزائري رغم أن البلد عرف عدة حضارات مكنته من أن يتوفر على تراث زاخر في العمران والهندسة؟!.
في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة يجمع كل الذين تحدثنا إليهم من مهندسين و خبراء في العمران، على أن الجزائر تفتقر إلى سياسة عمرانية منذ الاستقلال، حيث لم نتمكن من إيجاد مخطط خاص بمدننا وأحيائنا السكنية، ومازال الاهتمام منصبا إلى حد الآن على الأرقام وعدد السكنات المنجزة، حتى وإن كان ذلك على حساب جماليات المحيط.
مسؤولية هذا الوضع المتردي للمدن والأحياء الجزائرية، يقول الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين، يتقاسمها الجميع بما في ذلك الوزارة الوصية التي مازالت تستبعد من مشاريعها الخبراء والمختصين الذين بإمكانهم إضافة شيء وتحقيق وجه أفضل للمدن والأحياء الجزائرية، حيث أكد عثمان طويلب في حديث ل”الفجر”، أن المدن الجزائرية اليوم غير صالحة للحياة، وهذه حقيقة يقول المتحدث سبق لهيئته أن انتقدت بسببها السياسات المتعاقبة لوزارة السكن، وسبق أن طلبت عدة مرات مقابلة وزير السكن للحديث في مشاكل العمران في الجزائر، لكن المتحدث يقول أن الوزارة مازالت تفضل العمل في اتجاه واحد والاهتمام بسياسة الكم على حساب النوع، حيث تعاني الأحياء المنجزة من غياب الفضاءات الحرة والمساحات الخضراء.
وأضاف المتحدث أن تخطيط المدن مهمة يشارك فيها المهندس وعالم الاجتماع ومختصون آخرون. ومن مهام المهندس تصميم الجوانب الجمالية للمدن، لكن المنتخبين المحليين من ولاة ورؤساء بلديات، لا يحترمون هذه المعايير في إنجاز البرامج السكنية.
اللجان الولائية للهندسة والتعمير والبيئة أنشئت في 1994 ولم تنصب بعد
المتحدث عاد إلى القانون 07/94 الصادر في 1994 الذي يقر إنشاء لجان ولائية للهندسة والتعمير والبيئة، وصدر القانون الذي ينصب هذه اللجان عام 2006 لكنها لم تنصب إلى اليوم، الأمر الذي يعني أن التخطيط العمراني يعد غائبا أوثانويا في السياسات السكنية في الجزائر.
عثمان طويلب توقف أيضا عند مهمة الهيئة الوطنية للمهندسين، التي ترفع دوريا ملاحظاتها وتحفظاتها للسلطات الوصية في مجال التعمير وتخطيط المدن، لكن تلك الملاحظات لا تؤخذ بعين الاعتبار، وأعطى المتحدث مثالا على ذلك مشروع بولاية بومرداس، حيث أقدم أحد المرقين العقاريين على هدم 24 مسكنا كانت تابعة لشركة عمومية، وتم تشييدها بأشكال هندسية جميلة لكن بعد خوصصة الشركة العمومية، تم هدم هذه المساكن، وتم تعويضها ب1200 “علبة” في شكل عمارات غير متناسقة ولا تستجيب لشروط الحياة.
وقال المتحدث الذي كان عضوا في اللجنة التي درست هذا المشروع، أنه قدم اعتراضا في هذا المجال، لكن في النهاية السلطات المحلية منحت الترخيص للمرقي العقاري بتواطؤ مفضوح، وتم بناء المشروع الذي شوه وجه مدينة بومرداس.
تردي وضع المدن والأحياء الجزائرية تحاول الوزارة الوصية التي غرقت في لغة الأرقام، أن تحله عن طريق اللجوء إلى الخبرة الأجنبية، وهذا يعد في حد ذاته حالة خطيرة في إطار سياسة مواصلة تدمير ما تبقى من هوية العمران الجزائري، حيث كشف رئيس الهيئة الوطنية للمهندسين سابقا، عثمان طويلب، أن دواوين الترقية والتسيير العقاري راسلت مكاتب الدراسات والهندسة الجزائريين الذين سبق أن أسندت لهم مهمة تخطيط وتصميم الأحياء والسكنات في بعض المشاريع الجديدة، وتم إبلاغهم بإسناد تلك المشاريع إلى مكاتب صينية، دراسة وإنجازا بحجة التأخر في الانجاز، وهذا من شأنه يقول المتحدث أن يهدد الهوية العمرانية الحضارية للبلاد.
وقد سبق لعدة مهندسين في بومرداس والطارف وعين الدفلى، أن رفعوا شكاويهم للهيئة الوطنية للمهندسين متهمين الوصاية باستبعاد الكفاءات الوطنية والسعي لتغليب الأنماط الأجنبية التي لا تتماشى مع نمط الحياة الجزائرية.
من جهته، السيد بجاوي، عضو المجلس الوطني للهيئة الوطنية للمهندسين، قال أن ما يحدث اليوم في الأحياء والمدن الجزائرية شبيه بما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان الاهتمام منصبا على الكم على حساب النوع لمواجهة الضغط على الطلب، ما أنتج مدنا أروبية تعاني من انتشار الجريمة والانحراف في فرنسا وأمريكا، وهذا ما دفع خبراء العمران هناك إلى إعادة النظر في السياسة العمرانية المتبعة.
ورغم ما تم تحقيقه في مجال السكن في الجزائر، يقول المتحدث: “إننا اليوم مدعوون لإعادة النظر في السياسة العمرانية في البلاد والسعي لإعطاء أهمية أكبر للدراسات العمرانية، لأنه عادة لا يتم التقيد بما يقدمه المهندسون عند الإنجاز“.
كان الاهتمام منصبا على الكم على حساب النوع، لمواجهة الضغط على الطلب، ما أنتج مدنا أروبية تعاني من انتشار الجريمة والانحراف في فرنسا وأمريكا، وهذا ما دفع خبراء العمران هناك إلى إعادة النظر في السياية العمرانية المتبعة.
لابد من تقويم هذا الانحراف بإعطاء أهمية أكبر للدراسات التي لا يجب أن يقل الوقت الذي تستغرقه عن سنتين، فيما لا يجب أن تتعدى مدة الإنجاز سنة واحدة.
المدن الجديدة.. مشاريع بالملايير بدون تخطيط ولا دراسات مسبقة
الفشل الذي يلاحق الأحياء السكنية والمدن القديمة في الجزائر يلاحق أيضا المدن الجديدة، التي رصدت لها أغلفة مالية خيالية، لكن دون أن يكون لتلك الملايير أي أثر على واقع التجمعات السكنية في البلاد.
في هذا الإطار، يقول نور الدين خرفي، عضو الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين لقسنطينة، إن مشروع المدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، لم يكن له منذ البداية صفة المدنية الجديدة، ولا قانون خاص في هذا الاتجاه، وإنما كانت مجرد برنامج سكنات تم إنجازه في إطار برنامج لديوان الترقية والتسيير العقاري، الأمر الذي جعل مشروع المدينة الجديدة علي منجلي ينجز بنفس معايير الرداءة العمرانية الموجودة في كل المشاريع التي يخطط لها منذ الاستقلال، حيث شدد المتحدث على أهمية الدراسات الخاصة بالتخطيط. ويرجع فشل مشروع المدينة الجديدة علي منجلي إلى أن الدراسة التي أنجزت حولها لم تكن منذ البداية دراسة خاصة بالمدن، ما جعلها مجرد تجمعات سكنية لا هوية عمرانية لها ولا علاقة لها بالنمط الحياتي للجزائريين. جزء من الفشل والفوضى الذي تعرفه المدن الجزائرية يعود، حسب المهندس نورالدين خرفي، إلى عدم إعطاء الدراسات التي تسبق الإنجاز مكانتها، حيث مازلنا اليوم نهتم أكثر بالإنجاز العشوائي، حيث لا تستغرق الدراسة أكثر من شهرين، قائلا:”وقد تعرف متى يبدأ المشروع لكن لا يمكن معرفة متى ينتهي”. ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة تقويم هذا الانحراف بإعطاء أهمية أكبر للدراسات التي لا يجب أن يقل الوقت الذي تستغرقه عن سنتين، فيما لا يجب أن تتعدى مدة الإنجاز سنة واحدة.
الجزائر لا يمكنها إنجاز أكثر من 400 ألف سكن في العام
من جهة أخرى، أكد المتحدث أن الاهتمام بالأرقام فقط دون إيلاء النوعية أهمية، يمكن أن يكرس غياب سياسة وطنية للعمران والسكن.. وهو الفراغ الذي تتخبط فيه الجزائر منذ 1962، مؤكدا في نفس الوقت أن الأرقام التي يقدمها المسؤولون عن القطاع فيها مغالطة للرأي العام، لأن ما تتوفر عليه الجزائر من إمكانيات لا يمكنها من إنجاز أكثر من 400 ألف سكن في العام، حتى وإن استنجدت بالخبرة الأجنبية .
إيجاد سياسية وطنية للعمران قناعة ونظرة يتقاسمها مع نور الدين خرفي رئيس اتحاد وجمعية المقاولين، مولود خلوفي، الذي أرجع جزءا من فوضى العمران إلى عدم وجود مخطط واستراتيجية وطنية للسكن والعمران، ومواصلة التعدي على الأراضي الفلاحية، واستنساخ الأنماط العمرانية غير المناسبة للمحيط، وكذا إعادة النظر في طرق الإنجاز ودفاتر الشروط التي لا تحترم المعايير، رافضا في نفس الوقت اتهام المقاولين بالتقصير في تطبيق معايير الإنجاز، قائلا إن المقاولين يتبعون تصاميم وتعليمات مكاتب الدراسات والمكاتب الهندسية، مؤكدا أن الهيئات المحلية، مثل الولايات والبلديات، لا تحترم عادة مهام المهندس والمصمم وتتدخل في الأشكال النهائية التي تأخذها البناءات والأحياء
من إعداد: زهية منصر
استنسخت مدينة بني يزڤن المصنفة في قائمة التراث العالمي
قصر تفيلالت بغرداية يعيد مجد العمارة الأمازيغية القديمة
ونحن نتحدث عن ضياع الهوية في العمران الجزائري، الذي يعاني من أزمة جمالية وتنسيق في التصميم، لفت انتباهنا نموذج المدينة الجديدة “تفيلالت” بغرداية، حيث تشكل هذه المدينة نموذجا فريدا من نوعه وتجربة إنسانية وعمرانية لا مثيل لها في العالم العربي وإفريقيا، أو ربما في العالم أجمع، إذ يصعب كثيرا أن نتصور مدينة حديثة يعيش فيها الناس دون الحاجة إلى شرطة ومحاكم ومجالس القضاء، ودون أن يحدث أيضا أي خلل في النظام العام للسكان، الذين استنسخوا حياة أجدادهم الأمازيغ في قوالب عصرية.
وأنت تدخل قصر تفيلالت تستوقفك أشكال العمارة الأمازيغية الأصيلة وألوانها المتناسقة، يستوقفك النظام المحكم وترحيب أهلها واحترام الإنسان الميزابي لمحيطه، واعتنائه بكل ما حوله، وتتزاحم في ذهنك أسئلة الإعجاب والدهشة مجتمعة. ففي الوقت الذي تعاني الجزائر من أزمة سكن خانقة عجزت المشاريع والاستراتيجيات المتعددة عن مجابهتها، تقدم تفيلالت نموذجا حضاريا وعصريا ملموسا في كيفية تعامل الإنسان مع محيطه بعقلانية وأصالة.
انطلق مشروع قصر تفيلالت في 13 مارس من عام 1997، وكان الهدف منه، كما يقول الدكتور عبد الله نوح “الحفاظ على النمط الأصيل للعمارة الأمازيغية المتميّزة، لقد حاولنا أن نكون تلاميذ نجباء لأجدادنا”، هكذا يقول الدكتور نوح الذي تخصص في الصيدلة، لكنه وجد نفسه يقود مشروعا يعد اليوم نموذجا مطلوبا في كل أنحاء العالم، حتى يرفض عندما يلقبه البعض بالمقاول ويفضل بدل ذلك كلمة “جمعية امدول” التي أخذت على عاتقها تسيير المدينة قبل وبعد الإنجاز.
قصر تفيلالت هو محاولة حديثة لاستنساخ نمط مدينة بني يزڤن المصنّفة في قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو عام 1982، وهذا قصد المحافظة على النمط العمراني والمعيشي للمدينة الأمازيغية الأصيلة وحمايته من الاندثار.
تشكل تفيلات تجربة إنسانية جد خاصة بالمقاربات التي تطرحها، سواء اقتصاديا وثقافيا وحتى إيكولوجيا. تتربع المدينة على مساحة 22.5 هكتارا، منها 91574 متر مربع مساحة سكنية. انطلقت بها الأشغال في عام 1997 لإنجاز 1000 مسكن، وتم إنجاز 870 وحدة سكنية في انتظار إتمام البقية، وهذا بالمساهمة والدعم الذي تقدمه الدولة للمشاريع السكنية، إضافة إلى مساهمة السكان. الهدف من إنجاز المدينة هو إتاحة الفرصة أمام الطبقة المتوسطة في المجتمع الميزابي لامتلاك السكن، لأن الحي “ليس باش جراح ولا حيدرة”، وهذا من خلال الاتفاق على مجموعة من المعايير التي يجب توافرها في المساكن التي تنقسم إلى مساكن فردية وعائلية، تشيد حسب رغبة الأفراد، استجابة لنمط الحياة العصرية، حيث صار الشباب أكثر ميلا للاستقلال بحياتهم، على أن يتم الدفع بالأقساط حسب مقدرة كل فرد.
يعتمد السكان في حياتهم اليومية في القصر على نفس أنماط التسيير التي تميز بها المجتمع الميزابي طوال قرون من الزمن، حيث لكبار الحي سلطة تسيير الحياة اليومية، على أسس من المفاهمة والعرف الذي لا يخرج عنه أحد، حيث يتعاون السكان على نظافة المحيط وصيانة مرافقه وضمان سير مصالح الناس، وشريعتهم في ذلك عقد معنوي مبني على احترام الكبير والعقلاء وترجيح كفة التجربة والخبرة في الحياة التي تسمح بتسيير شؤون الناس.
تخضع إدارة شؤون المدينة لانضباط في تسيير الأمور اليومية، حيث يعتمد عقلاء وكبار القصر على أسس مدروسة ومختارة في ضمان سير الحياة اليومية بدون تعقيد وبسلاسة. مثالا على ذلك، يقول الدكتور نوح:”نعمد كل أسبوعين أو 3 إلى اختيار مجموعة من الأطفال من الجنسين ما بين 12 و14 سنة ونقسمهم إلى أفواج، فوج يعهد إليه تنظيف الحي وفوج يقوم بإعداد الطعام، عن طريق الهبات والمواد التي يقدمها أهل الحي للأطفال، فيما مجموعة أخرى من الأطفال تكلف بالذهاب إلى المكتبة لتلخيص كتاب أوقصة ما. وعند منتصف النهار تجتمع الأفواج الثلاثة ويتناول الأطفال غذاءهم معا، ويقوم كبارالحي بتقديم تلخيص عام عن اليوم يستفيد من خلاله الأطفال من الدرس اليومي، ويتم تغيير الأفواج دوريا.. وهكذا يتعلم الأطفال في سنّ مبكرة حب النظافة وحب العلم والمطالعة والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
قصر تفيلالت استقطب اهتمام الزوار والمختصين في الداخل والخارج، حيث فاز بميدالية أحسن ثلاثة مشاريع عمرانية في إفريقيا، كما حظي بزيارة الرئيس بوتفليقة الذي أشاد بالتجربة واعتبرها نموذجا يستحق أن يعمّم في الجزائر كلها!. كما استقطبت التجربة أنظار السفير الأمريكي السابق بالجزائر، روبيرت فورد، وأعجب بها أيّما إعجاب، واستضاف عبد الله نوح في الولايات المتحدة لتنشيط مجموعة من الندوات والمحاضرات حول التسيير الإنساني للمناطق الحضرية الذي يعتمد فيها على إشراك المواطن في التسيير اليومي لشؤون الحي أو المدينة، حيث أقرّ السفير الأمريكي السابق أن الولايات المتحدة والمجتمعات الغربية عموما قد تكون سبقت هذا المجتمع في التطور التكنولوجي، لكنها محتاجة لأن تتعلم منه الكثير في إدارة الأحياء والمدن إنسانيا.
وقد قال أحد الغربيين عن “تفيلالت” أنها مدينة فاضلة، وقد تعجب كيف لمدينة كاملة أن تعيش بدون هيئات ردعية مثل الشرطة والمحاكم دون أن يحدث فيها أي اختلال.
تفيلالت ليست مجتمعا أومدينة ميتة، لكنها مدينة حيّة تكبر وتتطور يوميا استجابة للاحتياجات اليومية للسكان، حيث يضاف إليها مرافق ومساحات كلما استدعت الظروف ذلك. وفي آفاق مستقبلية تستعد المدينة لاحتضان حديقة خاصة للحيوانات والمزروعات يشترك فيها جميع أهل المدينة ويستفيد منها الجميع. ويقر عبد الله نوح أن نموذج تفيلالت يعطي مثالا على أننا نستطيع، حيثما كنا وأينما كنا، أن نجد حلولا لمشاكلنا، وأكد أنه وكل القائمين على المشروع مستعدون لتقديم خبرتهم إذا تقرر إنجاز مشاريع مماثلة في جهات أخرى من الوطن..
الخبير الاجتماعي عبد العزيز راسمال ل”الفجر”
العمارة الجزائرية تعاني من فقدان الهوية
قال الخبير في علم الاجتماع الحضاري عبد العزيز راسمال، إن العمارة الجزائرية تعاني من فقدان الهوية، لأسباب تاريخية تتعلق بالحركات الاستعمارية والأجناس التي مرت على هذه الأرض.. ففي العهد العثماني يقول المتحدث، الجزائر لم تعرف مدينة بالمعنى الحديث، ما عدا بعض الحواضر القليلة التي كانت تسمى بالبايلك. وفي العهد الفرنسي صارت المدن محل اهتمام الاستعمار الفرنسي الذي حاول أن يجعل منها امتدادا لما كان يسمى بالوطن الأم، فكانت المدينة الجزائرية مثل العاصمة ووهران في خدمة الآلة الاقتصادية الفرنسية وراء البحار.
وبعد الاستقلال ومغادرة الأوروبيين، الذين كانوا يقطنون المدن التي شيدها الاستعمار الفرنسي، دخلها الجزائريون الذين قدموا في أغلبهم من الأرياف والمناطق الداخلية، فحدث صدام بين نمطين من الثقافة التقليدية والقيم التي أنتجتها البيئة التي تركها الأوروبين، وحدث شرخ في الهوية الجزائرية. هل يتم تبني النمط العربي الإسلامي أو الأمازيغي أوالأوروبي؟ هذا ما جعل المدن الساحلية في الجزائر مدنا غير سياحية و لا تنخرط في التصنيف العالمي للمدن الساحلية، التي من أولى شروطها أن تكون مفتوحة على الآخر وتستقبل الثقافات الوافدة وتتفاعل معها. وعاشت الهوية العمرانية في الجزائر منذ الاستقلال في مفترق الطرق في محاولة للبحث عن التوفيق بين نمطين من العمران، عربي إسلامي أمازيغي، ونمط آخر غربي.
ويقول الأستاذ عبد العزيز راسمال إن نتائج هذا التعايش تظهر تدريجيا في المجال، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث يحاول بعض المهندسين الاستلهام من تراثهم الشخصي تصميم المدن والأحياء التي بدأت تأخذ طابعا جزائريا. وحسب الأستاذ راسمال فإن هذا النموذج يستغرق وقتا ليتبلور لأنه لايزال في بداياته.
“ الباروداج” من زمن الإرهاب إلى عهد اللصوص
عندما تتحول منازل الجزائريين إلى “سجون”
ينتقد المهندسون وخبراء التعمير سياسة الدولة في تصميم المدن وتخطيط الأحياء، بحجة عدم الاهتمام بالأبعاد الجمالية وإهمال النوعية مقابل الاهتمام بالكم فقط، لمواجهة الطلب المتزايد على السكن، غير أن إهمال الأبعاد الجمالية والتخطيط نجده أيضا حتى في تصميم البيوت التي يشيدها عامة الناس لأنفسهم. فعادة الجزائري إذا حصل على قطعة أرض أن يبني كل شبر من التراب ولا يترك أي واجهة خضراء أو مساحة فارغة لاستعمالات الأخرى، فالطابق الأرضي يتخذ كمحلات أو مستودعات للتأجير والطابق العلوي للسكن. أما الأبعاد الجمالية فهي آخر اهتمامات الجزائريين حتى الميسورين منهم، الذين نجدهم يشيدون عمارات وفيلات ضخمة، لكن بدون أي لمسة فنية أو جمالية خاصة، قد تترك انطباعا في نفس من تقع عينه عليها أنها تحيل إلى حضارة معينة.
ومن الظواهر التي أفرزتها الأزمة الأمنية في الجزائر لجوء الجزائريين إلى وضع شبابيك حديدية على الأبواب والنوافذ لمواجهة اللصوص والقتلة الذين كانوا يغيرون ليلا على ضحاياهم، حيث انتشرت هذه الظاهرة في الأحياء الشعبية والراقية على السواء .
ورغم تراجع حدة الأزمة الأمنية وتحسن الوضع إلا أن “الباروداج” مازال تقليدا وجزء من ديكور العمارات والمنازل الجزائرية، حتى لو كان الهدف منها قد تغير، فبعدما كان يوضع لمواجهة الإرهابيين صار يستعمل لمواجهة اللصوص والسراق الذين يغيرون على البيوت ليلا ونهارا في غياب أصحابها للاستيلاء على ممتلكاتهم.
وأمام انتشار الإجرام والسرقات والاعتداء على ممتلكات الغير، مازال “الباروداج” جزءا من واجهات المنازل والعمارات، حيث تحولت بيوت الجزائريين إلى سجون أو أقفاص مشوهة المنظر، فضلا عما تسببه تلك الأماكن المغلقة من قلق وتوتر.. لأنها توحي دائما بالخطر وانعدام الأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.