الفن الأصيل كاللحم الحلو يلقى متذوقيه مهما زاحمته الأطباق ترعرعت في أحضان أسرة فنية تجيد الحفاظ على الفن الأصيل، فأسست فنها على روحه غناء و كلمة، و صقلت موهبتها بالعزف على آلة العود و البيانو و تعمقت في دراسة المقامات الشرقية، كما لم تترك نغمة موسيقية ساحرة لأي بلد حلت به دون أن تضع عليها بصمة صوتها القوي، إنها الفنانة الأردنية كارولين ماضي، التي أحيت مؤخرا سهرة فنية بالمسرح الجهوي بقسنطينة فانتهزت النصر فرصة تواجدها بالكواليس و سجلت معها هذا الحوار. *شعورك و أنت تقابلين جمهورك لأول مرة بالجزائر و بقسنطينة على وجه الخصوص؟ - لقد تحقق حلمي أخيرا، و أنا جد سعيدة بذلك، و قد اخترت قصيدة للشاعر عزالدين ميهوبي تعبيرا عن حبي و احترامي للشعب الجزائري، أما قسنطينة فقد عرفتها من خلال ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي. *اختيار أداء الأغنية الطربية في زمن الأغنية السريعة بمثابة الرهان الصعب، فكيف خضت غماره؟ - هناك طبق شعبي في الجزائر يعرف باسم اللحم الحلو "طاجين لحلو" و رغم تنوّع الأكلات العصرية يبقى له مكان على مائدة الجزائريين، فالشيء الأصيل كالطبق الحلو لن يفقد مكانته في المجال الفني و الثقافي إجمالا. و بالفعل أداء الأغنية الطربية في زمننا هذا بمثابة رهان، و أنا خضته لقناعتي و تيقني بالنجاح لتأكدي من تعطش الناس للأغنية الراقية. *قلما نجد فنانة تجيد العزف مثلما تجيد الغناء و أنت جمعت بين الموهبتين بتفوّق كبير، فكيف نجحت في ذلك؟ - أولا هي موهبة من الخالق عز و جل وجدت من يشجعها و يبرزها في أوساط عائلتي، فأنا كبرت في بيئة فنية...والدي فنان و جدي كان عازف عود ماهر و عمي الموسيقار الراحل عامر ماضي...و اعتبر نفسي محظوظة جدا لأنني نلت الحظ الكافي من الرعاية الفنية، لأن البيئة في حد ذاتها تخلق جوا كبيرا للراحة، فللأهل كل الفضل في صناعة الفنان خاصة في مجتمعنا العربي الذي يبقى محافظا و أحيانا يكون متزمتا فيما يخص الفن و هنا يحضرني قول الشاعر "أرقى الشعوب تمدنا و حضارة من كان منهم في الفنون عريقا *و أحطهم من أن سمعت غناءهم فمن الضفادع قد سمعت نقيقا". * بالإضافة إلى جمعك بين الآداء و العزف، تكتبين شعرا تعتمدين عليه في أغلب الأحيان في أغانيك، فهل نفهم من هذا أنك لم تجدي في أشعار الآخرين ما يروق ذوقك؟ - لا على الإطلاق فالبلاد العربية تزخر بأسماء لامعة في سماء الشعر و أنا تعاملت مع شعراء مهمين في مختلف الدول العربية، من لبنان، الجزائر...و نصيب رصيدي الشعري ضئيل جدا و لا يقارن مع ما أديته لعديد الشعراء. * لنبتعد قليلا عن فن الغناء و نتحدث عن كارولين الشاعرة و رأيها فيما يحدث في الوطن العربي؟ - قبل أن أجيبك على سؤالك دعيني أصارحك بشيء لقد كنت متخوّفة جدا قبل زيارتي للجزائر من هذه الخطوة، لما نسمعه من أخبار عن العنف و الإرهاب، لكن بمجرّد ما وطأت قدماي هذا البلد الكريم و احتكاكي بالجزائريين، أدركت مدى تعلق الناس بالطمأنينة و الاستقرار، و أيقنت بأن الإعلام و بالأخص الفضائيات لا ينقل الجوانب الإيجابية...و عليه بت أتعامل بحذر مع الأخبار، و عموما أنا متفائلة بما يحدث من تغيير. *و هل وجد الانشغال العربي مكانا بين قصائدك؟ - طبعا ألفت قصيدة اخترت لها عنوان "سأمضي"هدية مني للإنسانية أقول فيها "سأمضي وستبقى الطيور تغني وتعزف لحني، سأمضي، جثتي سلموها لمن تشاءون فلن يفيد ميت بلادي، أما روحي فلن تفارق أرضها والطيور لن تمنعوها أن تعزف لحني". *قلت أنك تعملين على التعريف بالشعراء غير المعروفين هلا أوضحت أكثر معنى كلامك؟ - صحيح قلت ذلك، و أقصد أن ثمة في وطننا العربي الكثير من المبدعين من لم يحالفهم الحظ في البروز و لم تسلط عليهم الأضواء في زمن تهمش فيه كل الأشياء الجميلة. *من أقرب الشعراء إلى قلب كارولين؟ - أنا أحب القصائد ذات البعد الإنساني، ففي الجزائر أعجبتني قصيدة "جزائر يا وطن الكبرياء"لعز الدين ميهوبي و في الأردن أحب ترديد قصيدة لتيسير السبول يقول فيها "رغم أَن الحبّ ماتْ، رغم أن الذكريات ، لم تعد شيئاً ثميناً ، ما الذي نخسر إن نحن التقينا، إبتسمنا وانحنينا وهمسنا : مرحبا ومضينا ليس يُدرى ما الذي نضمرهُ فى خافقينا مرحبا كاذبة نسكت فيها الناس حتى لا يقالْ آه يا عيني على الأحباب" ...إلى آخر القصيدة الجميلة...و غيرها من القصائد التي تسلب اهتمامي و قلبي معا. *اخترت اللغة الانجليزية كتخصص أكاديمي قبل الخوض في عالم الغناء حدثينا عن هذه التجربة؟ *اطلعت على أدب العالم من خلال تخصصي الجامعي في اللغة الانجليزية و أصبح لدي اختيار أوسع و معطيات أكبر تساهم جميعها في صقل موهبتي الفنية. فالأغنية كقصة فيلم تصل إلى قلوب الناس كلما كانت محاكة بشكل جيّد و هذا ما أحرص على تحقيقه في اختيار مواضيع القصائد التي انتقيها للغناء. *لمن تقرإين بلغة شكسبير؟ -قرأت كثيرا للورد بايرون و أكثر ما أحب في قصائده رومانسيته المفرطة. م/ب