لا أعرف لماذا لم يجسد مشروع بيت العود بقسنطينة؟ بذهول كبير تابع تفاعل الجمهور مع آدائه الرائع في السهرة الأخيرة من ليالي الإنشاد بقسنطينة، كان واثقا من نجاحه في التجربة التي خاضها مع "أوركسترا الشرق" التي تضم ألمع الموسيقيين العالميين، وهو يعد محبيه بالمزيد من المفاجآت، إنه أمير العود أصيل الكوت بالعراق الفنان نصير شمة الذي أثبت للعالم أن الغناء الصوفي ليس له حدود. وهذا ما جسده من خلال تواجده بين موسيقيين من اليونان وأمريكا وبلجيكا في رحلة عشق صوفية لم يمانع في مشاركة "النصر" معه عبر فسحة البوح حول عشقه لمدينة "سيدي راشد" التي ألهمته هذا الزخم من العطاء الفني. * أستاذ نصير شمة الموسيقى الروحية تتعاطاها بأحاسيسك، وأنت تجالس العود في محاورتك مع أوتاره. هل تشعر بنفس المتعة التي عند المنشد؟ الإنشاد فن يتطلب ثقافة عالية سواء في الآداء الصوتي أو العزف، لذلك لا بد على الفنان أن يكون ملما بالثقافة الموسيقية. وفي اعتقادي أن سر نجاح الموسيقى الروحية وانتشارها السريع يرجع لكون من تبناها كمذهب فني مبدعون لهم خبرة ودراية بأصول الفن والتراث بالخلفيات التاريخية لهذا اللون الذي يسمو بالروح في ملكوت الكون. * لا شك أن الآلات الموسيقية لها دور كبير في تمكين المنشد من التلاوة في رحاب المشاعر والأحاسيس وعبق الكلام، فهل للدفء إمكانيات لآداء هذا الدور؟ - الموسيقى تعطي إيقاعا متناغما مع صوت المنشد، وكل موسيقي له إلمام بالفن يستطيع مرافقة المطرب، ويعطيه دعما في إبراز الصوت كشيء أساسي في الكورال، وقد نجح كبار المنشدين باعتمادهم على الإيقاعات الموسيقية، والدف حضوره يخلق مزاجا بين الايقاعات لمختلف الآلات الموسيقية سواء كانت التقليدية أو العصرية * أوركسترا الشرق فيها تمازج وتنوع موسيقي كيف استطاع نصير شمة خلق الانسجام بين الطاقم المكون من عدة جنسيات؟ - في الأصل أن "أوركسترا الشرق" تتكون من 70 عضوا يعدون من نجوم الموسيقى العالمية، واشتغلنا في مهرجان الإنشاد بقسنطينة بسبعة أعضاء فقط، حيث تعمدنا الاشتغال بآلات موسيقية غير مألوفة عند الجمهور القسنطيني مثل "الليرة" و"البوزوكي" اليوناني و"الجوزة" العراقية، وآلة تجمع بين الباص والكونتر اخترعها الموسيقي الأمريكي مالس جاي. وقد نجحت المجموعة في العرض الساهر ما يؤكد أن الموسيقى الروحية ليس لها حدود، يتعاطاها الأمريكي والفرنسي والهندي واليوناني. وقد نجحنا في التجربة مع موسيقيين وجدنا لديهم استعدادا فكريا وروحيا * علاقاتك الواسعة في العالم مع كبار الموسيقيين، هل استفدت منها كفنان عربي، وكيف كانت نظرة الغرب للفن والموسيقى العربية؟ - بكل تأكيد أن احتكاكنا بالوسط الفني في عواصم العالم كان له أثر إيجابي من ناحية التأسيس لمشروع فني عالمي لا يؤمن بالحدود، وقد تجسد هذا من خلال - الأوركسترا - التي تجمع حولها موسيقيون من مختلف الجنسيات، يشاركوننا أداء وصوتا في الموسيقى الشرقية، ولم نتوقف عند هذا الإنجاز فقط بل إننا ننقل موسيقانا إلى مختلف الدور الفنية، والتعاون متواصل. - أين وصل مشروع بيت العود القسنطيني؟ بصراحة عندما أكون في زيارة مدينة قسنطينة يكثر الحديث عن بيت العود، وبمجرد مغادرتنا يطوى ملف هذا المشروع، لماذا؟ لا أعرف، المهم أن زياراتنا المتكررة تسمح لنا كل مرة بالاحتكاك بالمواهب لتقديم الدعم لهم. - أين يوجد الإشكال في رأيكم؟ - لا أدري، المهم، أن المقر الذي سنتخذه لهذا المشروع لم يتحدد بعد، ويمكن الآن أن تتولى الأمر مديرية الثقافة بالولاية حتى يتسنى لنا العمل وتوفير الرعاية الكاملة لهذه المواهب التي تزخر بها الجزائر، ولعل النتائج شاهدتموها، فالأصوات القوية سيطرت في كل المحافل الفنية العربية والعالمية، وهذا أيضا يؤشر لمرحلة مزدهرة في الجزائر. - قلت إنك عندما ألتقيت بآلة العود لأول مرة سنة 1977 أحسست أنك وجدت ضالتك، وعرفت قدرتك، كيف تفسر لنا هذا، وهل أن شخصيتك بدون العود لا تراها مكتملة؟ - العود هو ظلي، أنا لا أرى أي حياة بدون فن، لذلك قلت أن العود يخلق أمامك فضاء تتنفس فيه، والحقيقة أن الفن شيء جوهري وقد أرتبطت به بعد التخصص الدراسي الذي يستند على منجز تراكمي ونوعي في المجال الموسيقي، ولي أعمال كثيرة في التأليف واللحن نذكر من بينها أسطوانة "مقامات زرياب" باسبانيا سنة 2003، "رحيل القمر" فرنسا 1999.