أبهج قرار فتح السمعي البصري الكثير من المشتغلين بقطاع الإعلام والمنشغلين بالسياسة، وتحول إلى حدث في الحياة الوطنية بل والعنوان الأبرز للإصلاحات السياسية التي أعلنت عنها السلطات. وحتى الذين كانوا قبل أسابيع يعارضون فتح القطاع مجاراة للخطاب الرسمي وجدوا العبارات الملائمة لامتداح الإجراء. والملفت أن النقاش الدائر حول نصوص لم تظهر بعد إلى العلن ( وتلك حكاية أخرى)، يتمحور حول الأبعاد السياسية ويغفل حقيقة الإعلام في الجزائر ومدى قدرته على فتح السمع والبصر، أي الانتقال إلى مخاطبة الناس بالصوت والصورة بعد سنوات طويلة من مخاطبتهم بلغة الإشارة! ويبدي الكثير من الذين اشتغلوا بالصحافة المكتوبة حماسة لإبصار الناس وإسماعهم شأنهم شأن سياسيين يعانون من عدم إشباع رغبة الظهور في التلفزيون العمومي، الذي لازال الظهور فيه ولو بدون صوت عنوان فخر للكثيرين بل وعنوان مجد وتفوق. وإذا كان سلوك السياسيين مبرر على اعتبار أن التلفزيون الوحيد لم يمكنهم من مخاطبة المجتمع بالصورة التي يريدون، فإن أهل المهنة في الجزائر يفاخرون بما يعتبرونه نجاحا للصحافة المكتوبة التي يعتقدون أنها رائدة عربيا ما يجعل الريادة التلفزونية مضمونة أيضا، وهو اعتقاد غير صحيح للأسف الشديد، لأن التجربة الجزائرية ورغم إيجابياتها لم تبلغ مرحلة النضج مقارنة حتى بتجارب مماثلة في دول تنعم بالديكتاتورية ولا تعرف نفس السقف من الحرية. ويكفي تحليل محتوى النشريات الصادرة في بلادنا للوقوف على نتيجة مفزعة وهي أن أغلبية الصحف تصدر من أجل الإشهار فقط لا غير، أي أنها لا تحتاج إلى محتوى ولا تحتاج إلى صحفي ولا تحتاج قبل ذلك وبعده إلى قارئ، وربما احتاجت فقط إلى ناشر قد لا يحسن قراءة ما كتب في جريدته، وبعض البؤساء الذين يشتغلون بدون مقابل. ونجد أن صحفا قليلة حافظت على مستوى من المهنية لكنها لم تتطور لتصبح في مستوى الصحف العالمية تأثيرا ومصداقية. حين يكون ذلك حال تجربة نوع من الصحافة لا يحتاج إلى وسائل وإمكانيات كثيرة، فإن حال وسائل إعلام تحتاج إلى استثمارات ضخمة و كفاءات بمستوى عال و تتغذى من منظومة إنتاج غير موجودة أصلا في بلادنا، يبدو أصعب وقد يجبر الجزائريين على الانتظار لسنوات طويلة لرؤية منتوج وطني بمواصفات عالمية، وربما يطول الانتظار ، كما طال مع الصحافة المكتوبة، أي أننا سنحتاج إلى عشرين سنة أخرى لنعرف أننا "ما نعرفش".