التحقت جبهة التحرير الوطني بركب الداعين إلى تحرير قطاع السمعي البصري، وتتفق أحزاب التحالف الرئاسي الثلاثة على هذا الخيار رغم تباين في الطريقة التي يمكن اعتمادها لبلوغ هذا الهدف، وتوحي الاقتراحات التي رفعتها الأحزاب إلى هيئة المشاورات بأن الانفتاح سيكون حتميا . وجهة نظر جبهة التحرير الوطني تقوم على الدعوة إلى وضع آليات ضبط وإعداد دفتر أعباء لفتح السمعي البصري، ولا يوجد خلاف حول ضرورة وضع هذه الآليات، فقانون الإعلام الجديد سيكون ضمن محاور الإصلاحات، كما أن اعتماد ميثاق لأخلاقيات المهنة أصبح مسألة وقت، ومن هنا فإن الملاحظة المهمة هي أن أحزاب التحالف الرئاسي، جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي بصفة خاصة، تجاوزا التحفظ على مبدأ فتح الإعلام السمعي البصري، وهو ما يعني أن الصياغة التي ستقدم للرئيس بوتفليقة حول هذه النقطة بالذات ستكون مختلفة تماما عن وجهة نظره التي طالما دافع عنها وأشار إليها في خطابه الذي تحدث فيه عن مشروع الإصلاحات. فرغم أن بوتفليقة لم يحدد سقفا للإصلاحات، ولم يضع خطوطا حمرا بشكل واضح، إلا أنه فصل في مسألتين، الأولى هي رفض المجلس التأسيسي والثانية تأجيل فتح قطاع الإعلام السمعي البصري أمام الخواص إلى وقت غير معلوم، ودون ذلك ترك الباب مفتوحا أمام كل الخيارات، وأقصى ما التزم به بخصوص الإعلام العمومي هو قوله أن أجهزة الإعلام الثقيلة أصبحت مطالبة بالانفتاح على مختلف تيارات الفكر السياسي في كنف احترام القواعد الأخلاقية التي تحكم أي نقاش كان، فمن أجل توسيع هذا الانفتاح على المواطنين وممثليهم المنتخبين ومختلف الأحزاب الحاضرة في الساحة الوطنية على حد سواء سيتم دعم الفضاء السمعي البصري العمومي بقنوات موضوعاتية متخصصة ومفتوحة لجميع الآراء المتعددة والمتنوعة"، غير أن هذا لا يعني أنه اعتبر مسألة الإعلام السمعي البصري خارج دائرة النقاش، فخلال تدخله أمام مجلس الوزراء الذي ترأسه في الثاني من شهر ماي الماضي أكد بوتفليقة أن مسألتين فقط هما خارج النقاش، وهما الثوابت التي جعلها الدستور خارج نطاق أي تعديل، وإقصاء من استعملوا العنف من أي مشاركة في الإصلاح، وأكثر من هذا اعتمد الرئيس خطابا يحض على الانخراط في الإصلاحات بكل جدية وعلى مناقشة كل القضايا دون تردد. هذه الخطة التي اعتمدها الرئيس ميزها أيضا تكتمه عن توجهاته وميوله بخصوص كثير من القضايا، وهذا ما جعل الأحزاب القريبة من السلطة مترددة في البداية، لكنها بدأت تتجرأ على طرح أفكار مختلفة عن التصورات المعروفة عن الرئيس، فعندما سئل الرئيس بوتفليقة في غمرة الحملة الانتخابية لرئاسيات 2004 عن فتح الإعلام السمعي البصري أمام الخواص قال هذا تلفزيون الدولة ومن أراد أن يقول ما يشاء فعليه أن يمتلك تلفزيونا خاصا به، وبدا ذلك التصريح آنذاك غامضا بعض الشيء بل ذهبت الصحف الخاصة إلى القول بأن الرئيس أكد أن التلفزيون هو ملك للحكومة أو السلطة، وأن المعارضة لن يكون لها الحق في استخدامه للتعبير عن وجهة نظرها، لكن هذا التأويل لم يكن دقيقا، فقد ذكر بوتفليقة الدولة، وما قاله بخصوص هذه المسألة بالذات في خطابه الأخير تلقي بعض الضوء على تلك الرؤية وتقدم القراءة الأقرب إلى التصور الذي يحمله الرئيس عن مسألة تحرير الإعلام السمعي البصري، فقد جاء في الخطاب الذي أعلن فيه عن مشروع الإصلاحات السياسية :"لا بد لي من تذكيركم بأن أجهزة الإعلام الثقيلة المتمثلة في التلفزة والإذاعة هي كذلك صوت الجزائر المسموع في العالم، وذلك يلزمها الإسهام في ترسيخ الهوية والوحدة الوطنية وفي الآن ذاته تعميم الثقافة والترفيه، لكنها مطالبة فوق ذلك بالانفتاح على مختلف تيارات الفكر السياسي في كنف احترام القواعد الأخلاقية التي تحكم أي نقاش كان"، ومن المؤكد أن الحديث عن ضرورة التزام الإذاعة والتلفزيون بترسيخ الهوية والوحدة الوطنية لم يأت من فراغ، بل إن هذه الإشارة تعكس الخوف الأكبر للرئيس من فتح الإعلام السمعي البصري في هذه الفترة بالذات. لكن في مقابل هذه المخاوف برزت قراءة أخرى للواقع القائم داخليا وللتطورات القائمة في المحيط على المستويين الإعلامي والسياسي، فالإعلام السمعي البصري قد يفقد تأثيره في حال الإصرار على الغلق، وخيار القنوات الموضوعاتية يبدو الآن متجاوزا بسبب تأخره، كما أنه لا يمثل بديلا عن تحرير القطاع، غير أن ما يجري الآن من تحول في اقتراحات الأحزاب يوحي بأن سقف الإصلاحات بدأ يرتفع شيئا فشيئا، وهو ما يدفع إلى توقع مشروع بعيد جدا عن الخطوط التي كانت معتمدة قبل بضعة أشهر خلت.