أصاب خطاب رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، الموجه للأمة، بعض الشخصيات السياسية بالإحباط، التي استدلت بعدم وجود مؤشرات حقيقية للتغيير، واعتبرت الإشكالية في عدم تطبيق القوانين وليس صياغة نصوص جديدة ل “تمويه الشعب”، وفضلت شخصيات أخرى مسك العصا من الوسط وإجراء قراءة موضوعية للخطاب بايجابياته ونقائصه، كونه لم يمس قطاعات حساسة، في حين ثمنت بعض الأحزاب مضمون الخطاب ووجهت رسائل للمشاركة في ورشات الإصلاحات واعتبرته تاريخيا ومماثلا لذلك الذي ألقاه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد شبهه البعض بخطاب الشاذلي وفسّره آخرون على أنه مناورة من نظام لا يتغير بلعياط يعتبر خطاب الرئيس تاريخيا ومكرسا للديمقراطية اعتبر العضو القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، عبد الرحمن بلعياط، في تصريح خص به “الفجر”، أن خطاب الرئيس الموجه للأمة تاريخي، ويذكر بالأوضاع التي عاشتها الجزائر منذ أزيد من 20 سنة كاملة، أي منذ فجر التعددية التي ولدت من ثورة أكتوبر 1988، بالنظر للجوانب المتعددة التي شملها الخطاب. وأشار المتحدث إلى أن خطاب الرئيس كان منتظرا من طرف الأمة ومتوقعا، بعد سلسلة الاحتجاجات التي هزت الشارع في الفترة الأخيرة وتداعيات الأوضاع في المنطقة العربية والمغاربية على الجزائر، مؤكدا على مواصلة سلسلة الانجازات التي دشنها الرئيس منذ اعتلائه سدة الحكم سنة 1999. وسجل عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، أن خطاب رئيس الجمهورية “أريد من ورائه عدم الزج بالبلاد في تصرفات فوضوية ولا مسؤولة، قد تتسبب في عودة الخوف والدمار في شتى الميادين الاجتماعية السياسية والاقتصادية”، وثمن الطريقة التي اقترحها الرئيس لمباشرة الإصلاحات، بداية بتشكيل لجنة متخصصة ومسؤولة تعكف على تعديل القانون الأعلى في البلاد “الدستور”، بالإضافة إلى إدراج تعديلات على مجالات الإعلام، من خلال رفع جنح التجريم عن الصحفيين، مع دعم أكثر للقطاع السمعي البصري، وتعديل قانون الانتخابات لتعزيز الممارسة الديمقراطية. غزالي يعبر عن إحباطه ويصرح أنه لن يغير في الأمر شيئا وعبر رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي، عن إحباطه الكبير للخطاب الذي تقدم به رئيس الجمهورية، مشيرا في حديثه مع “الفجر” إلى أن جميع المجالات التي أشار إليها رئيس الجمهورية من أجل التغيير، كالمتصلة بتعديل الدستور، قانون الانتخابات والإعلام، “لن تغير في الأمر شيئا”. وأوضح أن المشكل ليس في تغيير القوانين، وإنما في تطبيقها على أرض الواقع، مستشهدا في هذا الصدد بدستور 1989 الذي كرس التعددية وحرية الرأي والتعبير والانفتاح السياسي، لكن الواقع حسبه عكس ذلك تماما. وواصل المتحدث أن جميع التعديلات الدستورية التي تلت دستور التعددية سنتي 1996 و2008، ما هي في الحقيقة إلا “ ذر للرماد في العيون، ولم تغير في الأمر شيئا، وأبقت النظام على حاله تماما”، وقال إن “ما حدث هو مجرد تمويه وإعطاء صورة للخارج أن هناك تغييرا”. نقطة أخرى سجلها سيد أحمد غزالي، متمثلة في عدم استجابة الخطاب للمشاكل الحقيقية للمواطنين والشرائح الواسعة من المواطنين، مشيرا إلى أن الإشكالية الحقيقية في الجزائر ليس تغيير القوانين واستبدال واحدة بأخرى، وإنما تنفيذ تلك القوانين وإحداث تغيير حقيقي وليس على مستوى الأشخاص فقط. عبد الله جاب الله وصفه بالإيجابي ويتأسف لعدم تطرقه للانفتاح السياسي استبشر رئيس حركة الإصلاح سابقا، عبد الله جاب الله، خيرا بالخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، موضحا في حديثه مع “ الفجر”، أن هناك نية حقيقية لإحداث نوع من الإصلاحات الايجابية في البلاد حتى و”إن كانت غير عميقة”، وعبر عن أسفه لتحفظ رئيس الجمهورية عن الخوض في نوعية الإصلاحات التي ستمس قوانين حساسة متصلة بالجانب السياسي في البلاد، مثلما هو الحال لنوعية النظام الذي سيعتمد في الجزائر عند تعديل الدستور، التعديلات التي تقر الحريات وحمايتها من التجاوزات، وكذا تداول الأحزاب على السلطة و قضية التوازن بين السلطات، وقال إنه اكتفى بإسنادها إلى لجنة دستورية. ورغم ذلك، سجل المتحدث عدم تطرق رئيس الجمهورية إلى عدة ملفات تعتبر مهمة لدى طبقة من المجتمع، كقطاع الصحة، التعليم العالي، الإدارة، فتح المجال السياسي أمام أحزاب جديدة، وقطاعات أخرى لا تقل أهمية، لما تشهده من غليان ومشاكل متراكمة. بن بيتور: خطاب بوتفليقة لم يأت بأي جديد اعتبر رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، في تصريح ل “الفجر”، أن خطاب رئيس الجمهورية الموجه للأمة، لم يتضمن أية خريطة طريق للمرحلة المستقبلية، ووصفه ب” لا حدث”، “ لأنه لم يرق إلى مستوى تطلعات شرائح كبيرة من المواطنين والطبقة السياسية، مشيرا إلى أنه “نص خال من أي تجديد”، بل اكتسى صبغة تعداد الانجازات. واستبعد بن بيتور، أن تصنف تلك التعديلات المرتقبة للدستور بالايجابية “طالما أنه لم يكشف عن مضمونها ولم يلمح إلى نوعيتها”، مستشهدا بالتعديل الدستوري الذي أقره الرئيس في نوفمبر 2008 الخاص بفتح العهدات، عكس ما ورد في دستور 1996. وقال بن بيتور إن العديد من النقاط كانت مغيبة في الخطاب، منها عدم تطرقه لمرحلة ما بعد البترول، الأحزاب السياسية، قطاع الإعلام والإبقاء على الغلق للقطاع السمعي البصري، وأوضح أنها مؤشرات تدل على أن عناصر التغيير في الجزائر مغيبة، وما “الخطاب إلا مجرد حلقة من سلسلة الحلقات التي عهد النظام على وضعها حسب مقتضيات كل مرحلة، للظهور في ثوب الساعي للتغير”، غير أن الواقع غير ذلك تماما، يضيف المتحدث. محمد السعيد: الحديث عن إشراك الأحزاب مجرد تمويه من جهته، أعرب رئيس حزب العدالة والتنمية غير المعتمد، محمد السعيد، عن تخوفه من طبيعة ونوعية التعديلات التي أعلن عنها الرئيس في خطابه الموجه للأمة، مستدلا بكثرة عددها وارتباطها بسنة لإنجازها، وقال إنها “كانت محضرة سلفا”، وأكد أن “توسيع دائرة الاستشارة المعلن عنها، هي شكلية، غايتها إعادة إخراج النظام الذي تكثر المطالبة بتغييره، في حلة جديدة” وتساءل “هل نحن أمام محاولة جديدة لفك فتيل الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، أم أن الإصلاحات المعلنة تنم عن قناعة بوجود استباق للأحداث حتى لا يتكرر في بلادنا ما حصل لدى الجيران؟”. واعتبر محمد السعيد دعوة الرئيس الأحزاب السياسية إلى العمل في إطار الدستور والقانون، قفزة على الحقيقة، وتابع “أو لم تكن السلطة هي التي تجاهلت حتى اليوم المؤسسات والدستور بمنعها بدون أي مبرر تأسيس أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات”، وقال إن الإعلان عن إصلاحات سياسية يشكل الدليل القاطع على أن البلاد تعيش أزمة سياسية تعتبر الاحتجاجات مظهرها. الأرندي يعلن مشاركته في ورشات الإصلاح المعلنة وفي ذات السياق، وصف حزب التجمع الوطني الديمقراطي، خطاب رئيس الجمهورية الموجه للأمة ب “الإيجابي”، وعبر ناطقه الرسمي، ميلود شرفي، عن ارتياحه لطابع الاستمرارية التي ميزت الخطاب في مجالات متصلة بالتنمية وتعميق الإصلاحات ومواصلة بناء الصرح الديمقراطي والتعددية السياسية. وواصل شرفي أن الورشات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في خطابه من خلال التعديلات المرتقبة في عدة مجالات سياسية وإعلامية واجتماعية “ما هي في حقيقة الأمر إلا استجابة لجميع تطلعات الشعب المعبر عنها”، معربا عن استعداد الارندي الكامل للمشاركة الفعالة في جميع ورشات الإصلاح التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، بما فيها تلك المتصلة بتعديل الدستور وقانون الانتخابات والإعلام. حمس تدعو إلى تحديد سقف زمني للإصلاحات كما ثمنت حركة مجتمع السلم مضمون خطاب رئيس الجمهورية، وأقر بواقعية الانجازات التي قام بها خلال العشرية الماضية، لكنها أوضحت في نفس الوقت أن “الإصلاح السياسي هو مفتاح جميع الإصلاحات المرتقبة”، مستندة إلى مضمون المبادرة الوطنية التي قامت بها الحركة منتصف شهر جانفي المنصرم. وباركت حركة حمس قرار فتح الرئيس للنقاشات الوطنية، داعية إلى تحديد سقف زمني للإصلاحات، بالإضافة إلى الأولويات وآليات تنفيذها في أقرب الآجال لتجنيب الجزائر السقوط في توترات جديدة دفع الشعب ثمنها باهظا منذ أزيد من 20 سنة. الإصلاح تدعو إلى إشراك الطبقة السياسية في برامج التغيير من جهة أخرى، سجلت حركة الإصلاح الوطني، بارتياح كبير الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لرئيس الجمهورية، خاصة وأنه تم إشراك الطبقة السياسية في برامج التغيير، مثمنة خلو الخطاب من التهجم على أية جهة، والتركيز على إبعاد الجزائر عن الدم والدموع، ونبهت الحركة إلى ضرورة الأخذ بمقترحات الأحزاب وآرائهم في صياغة مضامين العناوين المبرمجة للإصلاح، من خلال “الكشف عن آليات التشاور واتخاذ القرار حتى لا تحاور السلطة نفسها”، وشددت على ضرورة أن تتجسد التعديلات والإصلاحات في إجراءات عملية وممارسات ميدانية حتى تتطابق النصوص والقرارات مع الممارسات، “عكس ما عودتنا عليه السلطة سابقا، من خلال جعل القوانين في واد والممارسات في واد آخر”. شريفة. ع تحوّل في طبيعة خطابات الرئيس أقل من 20 دقيقة، 43 صفحة وطلبات بدلا من قرارات ألقى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، خطابا عشية ال16 من أفريل، تاريخ مرور سنتين على إعادة انتخابه لعهدة ثالثة على رأس البلاد، جاء في حدود العشرين دقيقة، مكوّنا من 43 صفحة مكتوبة بالبنط العريض، وحتى وإن كانت المناسبة هي مرور سنتين عن العهدة الثالثة للرئيس، إلا أنها “فتحت الباب على مصراعيه أمام التأويلات، وسبب إلقاء الرئيس كلمته أول أمس عوض نهار أمس، وهو الذي برمجها من تلمسان”. وتحدث الجميع عن احتمال إعلان الرئيس عن إصلاحات شاملة بهذه المناسبة، إلا أن “هذا الإعلان لم يتضمن سوى الاهتمام بمطالب التحالف الرئاسي وتجاهل اهتمامات أغلب أحزاب المعارضة، التي كانت تطالب بمجلس تأسيسي وانتخابات تشريعية ومحلية مسبقة وفتح القطاع السمعي البصري”. وقد فضّل الرئيس بوتفليقة، على عكس ما كان يقوم به في السابق، وهو المعروف باتخاذ القرارات، فضّل هذه المرة تغيير أسلوب الحديث، حيث وجه طلبات للحكومة وللبرلمان والشعب للمساهمة في مسار التنمية المحلية، وهي الرسالة التي فهمها الجميع على أن “الرئيس يريد إسهام الجميع في الإصلاحات ومراقبة المال العام، مادامت الدولة لم تتمكن لوحدها من القيام بهذه المهمة”. وهي إشارة واضحة كذلك، لعدم رغبة الرئيس في التوجه إلى حل المجالس المنتخبة، سواء البرلمان أو البلديات وإعادة تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، وهو ما يوحي في حالة القيام بها بأن “الجزائر تعيش أزمة مؤسسات”، ففضل الرئيس الاستجابة لمطلب التحالف الرئاسي الذي عارض فكرة انتخابات تشريعية مسبقة. مالك رداد فيما تمسكت بها أحزاب المعارضة وشخصيات سياسية بوتفليقة يُسقط التغيير الحكومي، حل البرلمان واعتماد تشكيلات جديدة من خطاب الإصلاحات لم يتطرق الرئيس بوتفليقة في خطاب الإصلاحات الذي ألقاه للأمة أول أمس، إلى دعوات حل البرلمان وإجراء انتخابات مسبقة، ولم يتناول ضعف أداء الجهاز التنفيذي، كما لم يشر إلى فكرة المجلس التأسيسي وملف اعتماد أحزاب جديدة وفتح مجال السمعي البصري، وكذا غليان الجبهة الاجتماعية والعمالية، وهي المطالب التي رفعتها العديد من الأحزاب خاصة المعارضة منها. لم يشر الرئيس بوتفليقة، في أجندة إصلاحاته السياسية والتشريعية إلى العديد من المطالب التي حرصت عليها الطبقة السياسية من أحزاب المعارضة، كالتغيير الحكومي وإبعاد الوجوه الذي فشلت في تسيير مختلف الملفات، وهو المطلب الذي اشتركت فيه جبهة التحرير الوطني مع أحزاب المعارضة، ولم يتطرق بوتفليقة في خرجته إلى المجلس التأسيسي الذي دعا إليه كل من حزب العمال، الأفافاس والأرسيدي إلى جانب شخصيات وطنية على غرار الأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطني، عبد الحميد مهري، وهو الأمر نفسه مع الأصوات المطالبة بحل البرلمان، لاسيما بعد موجات الطعن في شرعيته ومصداقيته التمثيلية، بالإضافة إلى خلو الخطاب من مسألة اعتماد أحزاب جديدة، ملف فتح قطاع السمعي البصري. حراك الجبهة الاجتماعية، ممثلا في إضرابات واعتصامات العديد من القطاعات، لاسيما تلك التي تحدث عن مدار الأسبوع أمام مبنى الرئاسة، غيبها خطاب الرئيس، وأن اعترف ضمنيا أن بعض المطالب مشروعة، ما جعله يقول بصريح العبارة “ليس كل شيء على مايرام”.