أمر قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا بإيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت بسجن الحراش، حيث تعتبر المرة الأولى في تاريخ الجزائر التي يودع فيها مسؤول سامي سابق الحبس. وكان كل من الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، و وزير النقل والأشغال العمومية السابق عبد الغني زعلان، قد مثلا أمام قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا للرد على تهم فساد متعددة وثقيلة. في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء الجزائري، يتم اتخاذ قرار بسجن وزير أول، حيث أمر قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا بالجزائر العاصمة، أمس، بإيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، المتهم في قضايا فساد، الحبس المؤقت بسجن الحراش. وتم الاستماع لأقوال الوزير الأول السابق من طرف قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا و ذلك في قضايا تتعلق بتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة و منح منافع غير مستحقة خارج القانون. وكان أويحيى قد وصل إلى المحكمة على متن سيارة خاصة، وخرج منها على متن سيارة نفعية للشرطة متوجها إلى سجن الحراش، حيث كان العشرات من المواطنين ينتظرون وصوله. وكان كل من الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى ووزير النقل والأشغال العمومية السابق عبد الغني زعلان، قد مثلا أمام قاضي التحقيق لدى المحكمة العليا للرد على تهم فساد متعددة وثقيلة. وقد وصل الرجلان إلى المحكمة العليا، بعد أن تم تحويل ملفيهما من قبل محكمة سيدي أمحمد لخضوعهما للامتياز القضائي الذي ينص على تحويل ملفات الإطارات العليا للدولة إلى المحكمة العليا إن كانت الأفعال المنسوبة إليهم وقعت إبان توليهم مناصب مسؤولية كوزير أول أو وزير أو وال. وعمدت السلطات الأمنية، منذ الساعات الأولى لنهار أمس، إلى نشر قوات أمن إضافية وطوقت مقر المحكمة العليا لتأمين وصول المسؤولين والوزراء الملاحقين، والذين سيمثلون أمام قاضي التحقيق وسط حضور إعلامي واهتمام شعبي لافت. وحسب جدول المخالفات المتعلق بقائمة المتهمين والشهود الذين تم استدعاؤهم من طرف وكيل الجمهورية وعميد قضاة التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد والتي تضم 58 شخصا، فإن التهم الأربعة التي تلاحق أويحيى، تتمثل في الاستفادة من امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، الاستفادة من تأثير أعوان عموميين، الاستفادة من امتيازات عقارية دون وجه حق، والتمويل الخفي للأحزاب السياسية. ويمثل في القضية نفسها، إضافة إلى الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، كل من عبد المالك سلال الوزير الأول الأسبق، إلى جانب ثمانية وزراء سابقين، هم وزراء النقل السابقون عبد الغني زعلان وعمار تو وبوجمعة طلعي وعمار غول (رئيس حزب تجمع أمل الجزائر)، ووزير المالية السابق كريم جودي، ووزير التجارة السابق عمارة بن يونس، وهو رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية، ووزير الفلاحة عبد القادر بوعزقي، ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب، إضافة إلى والي العاصمة السابق عبد القادر زوخ، الذي أقيل من منصبه قبل شهر، و والي ولاية البيض محمد جمال خنفر. وتخص القضية حصول رجل الأعمال السجين علي حداد، على امتيازات وصفت ب"الخيالية" في قطاعات الإنشاءات الخاصة بالطرق السريعة والسكك الحديدية وأراض للاستثمار الزراعي، مقابل تقديمه امتيازات وعمولات للوزراء، فضلا عن تمويل أحزاب موالية تدافع عن السياسات الحكومية وعن عبد العزيز بوتفليقة. كما يلاحق أحمد أويحيى وعدد من الوزراء، بينهم وزير السياحة عبد القادر بن مسعود، وزير السياحة والنقل السابق عمار غول، وزيرا النقل بوجمعة طلعي وزعلان عبد الغني، إلى جانب مسؤولين آخرين، في قضية ثانية تخص رجل الأعمال وصاحب مصنع للسيارات وشركة نقل تحتكر النقل الجامعي محي الدين طحكوت، تم التحقيق معهم فيها يوم الاثنين الماضي. وقرر قاضي التحقيق نقل ملف القضية الثانية أيضا إلى المحكمة العليا، ووجه إلى أويحيى وعدد من الوزراء رسمياً تهماً تخصّ تبييض الأموال وتحويل الممتلكات الناتجة عن عائدات إجرامية لجرائم الفساد، وإخفاء وتمويه مصدر غير مشروع في إطار جماعة إجرامية، وتبديد أموال عمومية، ومنح منافع غير مستحقة للغير، والاستفادة من سلطة. وتعد هذه القضية ثاني قضية فساد مدوية تشهدها الجزائر منذ بدء العدالة حملة ضد كبار رموز النظام السابق ورجال أعمال كانوا على علاقة بمقربين من محيط الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. وشملت الملاحقات حتى الآن المئات بين رجل أعمال ووزراء ومسؤولين سابقين وحاليين وسياسيين، بتهم تبديد المال العام والنهب واستغلال السلطة، 11 من رجال الأعمال وأقربائهم يوجدون في السجن، وتم منع كثيرين منهم من السفر ومغادرة التراب الوطني. ع سمير نهاية دراماتيكية لحالم بالرئاسة قدر أويحيى يقوده إلى سجن الحراش ظل الوزير الأول أحمد أويحيى، طيلة سنوات يتحيّن الفرصة المناسبة التي يدخل فيها قصر المرادية، وهو الذي عمل لعقود تحت ظل الرئيسين ليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة، وظل يردد عبارته المشهورة المقتبسة عن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان: "الرئاسة هي لقاء بين الرجل وقدره"، لكن شاءت الأقدار أن تأخذ أويحيى إلى سجن الحراش بعيدا عن قصر الرئاسة الذي تحوّل من حلم راود الرجل لأكثر من عشرين سنة إلى كابوس. لم يخطر على بال الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، أو أحد من مقربيه ولا حتى خصومه، بأن القدر سيقوده يوما إلى السجن، فالرجل الذي لقب بصاحب "المهمات القذرة" و"خدام الدولة" ، وهو الذي كان وفي مرات عديدة مهندس قرارات وصفت بغير الشعبية لم يكن يتحرّج في الافتخار بها، هو الذي ظلّ يردّد بأنه ندر نفسه لخدمة الدولة. قبل مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان أحمد أويحيى قد تصدّر المشهد السياسي لسنوات بعد رئاسته للحكومة في الفترة بين 1995 والانتخابات البرلمانية التي جرت في 1997، وهي حكومة "أزمة" في وضع ساخن، كانت تشهد فيه الجزائر حمام دم، قبل أن توكل له مهمة قيادة الحزب الثاني للسلطة، الذي تأسس في فبراير 1997، وفاز في الانتخابات التي جرت بعد أقل من أربعة أشهر. لم يخلف رئيس الحكومة الجديد رصيداً سياسياً في تلك الفترة، لكنه خلّف كوادر مديرة للشركات والمؤسسات العمومية خلف القضبان، في حملة وصفت بحملة الأيادي البيضاء بزعم محاربة الفساد، تبيّن لاحقاً أن عدداً كبيراً من هذه الكوادر راحت ضحية تصفية حسابات سياسية، ورهن خطة كانت تستهدف إعلان إفلاس المصانع والمؤسسات الحكومية تمهيداً لخصخصتها، برسم تنفيذ سياسات واشتراطات صندوق النقد الدولي، وأدت إلى تسريح الآلاف من العمال من مناصبهم. بعد تسلم الرئيس بوتفليقة الحكم عام 1999، ظل أويحيى في الجوار السياسي كقائد للحزب، الذي يمثل الضلع الثالث في التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، لكنه ظل يلعب دور "الإطفائي" الذي يستدعى للحاجة إليه في كل مرة، دون أن يكلّ من ذلك، وكان بوتفليقة يقول إنه واثقٌ من أن "سي احمد" سيبقى إلى جانبه حين يتفرّق الجميع من حوله. في نهاية عام 2003 صعد إلى رئاسة الحكومة، في مناخ أزمة متصاعدة بين رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام حينها لحزب جبهة التحرير الوطني علي بن فليس، بسبب تمرد هذا الأخير وطموحه للرئاسة في الانتخابات التي جرت في أفريل 2004، وواجه فيها بن فليس بوتفليقة. كان حينها أويحيى يشغل منصب وزير العدل، وجرت في عهده أكبر موجة حرائق في السجون، وظل أويحيى رئيساً للحكومة حتى منتصف عام 2005، حيث أقاله الرئيس بوتفليقة وعين خلفاً له عبد العزيز بلخادم، كوجه مقرب من الإسلاميين، ليكون أكثر صلاحية لتسويق خيار المصالحة الوطنية من أويحيى، الذي يحسب على التيار الاستئصالي، وله عداوة كبيرة مع الإسلاميين. لكن أويحيى استدعي مجدداً لقيادة الحكومة عام 2008، في ظل أزمة حادة داخل الحزب الحاكم "جبهة التحرير"، الذي كان يقوده بلخادم، إلى غاية سبتمبر 2012، إذ أقيل من منصبه، وعين لاحقاً كرئيس للديوان الرئاسي، ليعود في 15 أوت 2017، في ظل غضب رئاسي من أزمة الحكومة والكارتل المالي. في أكثر من حوار أو مؤتمر صحافي لا يجد أويحيى، حرجاً من وصفه برجل "المهمات القذرة "، يقول إن هذا الوصف لا يقلقه إذا كان المقصود به مهمات دولة نفذها في إطار الخيارات الصعبة التي فرضت على الجزائر، خاصة على الصعيد السياسي. ويظهر أويحيى قدراً كبيراً من التجاهل للانتقادات الموجهة إليه، لسياساته ومواقفه من جهة، ولمساره السياسي المنضبط مع الدولة في كل المواقف والخيارات من جهة أخرى، ومنحه ذلك صورة رجل الدولة المنضبط. كما أدخله ذلك ضمن قائمة متقدمة من المرشحين المحتملين لخلافة الرئيس بوتفليقة، برغم أنه لم يعلن مطلقا عن أي طموح له للرئاسة، وحافظ على قدر كبير من تجنب طرح نفسه في ظل وجود الرئيس بوتفليقة في الحكم، لتجنب حساسية هذا الأخير من جهة، وتلافي مصير رؤساء الحكومة السابقين، علي بن فليس وعبد العزيز بلخادم، اللذين دفعهما الطموح السياسي إلى الوقوع في " المحظور". وظل يجيب سائليه عن الرئاسة، بأنها لقاء الرجل بقدره. وتحوّل على مر العشريتين الأخيرتين، إلى "ثابت في توليفة النظام المعروفة بكثرة المتغيرات"، ويقول متتبعون إن الرجل يمتلك قدرة رهيبة على الانحناء أمام عواصف التغيير، فكلما تهاوت أسماء ثقيلة ولفظها النظام، يسقط أويحيى ويجزم المحللون بأنه انتهى وتقاعد، ليعود للواجهة مرة أخرى. وظل أويحيى طيلة تلك الفترة يمثل تركيبة مثيرة للاهتمام في المشهد السياسي، وعرف كيف يجمع المتناقضات فتارة يحارب الشعبوية ثم سرعان ما يسقط فيها. وتحول إلى "نذير شؤم" بالنسبة للجزائريين وهو الذي يمثل بالنسبة لهم الرجل الذي أغلق الشركات وسرح العمال واقتطع من الأجور. كما يشتبه في علاقته بدوائر رجال المال والأعمال ودفاعه عنهم، بسبب توجهاته الليبرالية التي تخيف الرأي العام الذي ظلّ يلاحقه بتصريح أطلقه قبل خمس سنوات في تجمع انتخابي، قال فيه إنه "ليس من الضرورة أن يأكل الجزائريون "الياغورت". أمر إيداع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، ألهب مواقع التواصل الاجتماعي التي اهتزت بصور و"عواجل" المواقع الالكترونية.