بإمكان غير المتخصصين كتابة التاريخ إذا توفرت لهم الأدوات المساس بالتاريخ ينعكس أثره على الجغرافيا يرجع الأستاذ صلاح الدين تيمقلين العوامل التي ساهمت في بروز قادة مقاومة كبار ببلاد المغرب إلى السياسة التي انتهجها الاستعمار بمختلف أشكاله منذ القديم إلى غاية الفترة المعاصرة، والتي من أهم أوجهها: القهر والظلم والتحقير والاضطهاد والتجهيل والتجويع والمسخ..مما دفع بهذه الشعوب إلى الالتفاف حول هؤلاء القادة من أجل التحرر من الاستعباد الأجنبي. ويرى الباحث بإمكانية كتابة التاريخ من قبل غير المتخصصين إذا توفرت لديهم الوسائل والإمكانيات. كتب الأستاذ تيمقلين عشرات المقالات والمواضيع التاريخية في العديد من الجرائد والمجلات: النصر، الجمهورية، الأوراس، الخبر، الشروق... وله كتاب تحت الطبع بعنوان: "ثورات الأوراس عبر العصور" وكتب أخرى مخطوطة حاوره: نورالدين برقادي الكتابة عن الأعلام، هل هي إبراز للإيجابيات وإهمال للنقائص ؟ في الواقع إن الكتابة عن الأعلام قد تأخذ شكل تعريف أو سيرة أو ترجمة، تشوبها ربما الحيادية والموضوعية، أو قد تأخذ منحى القداسة فتنأى عندها عن الأمانة العلمية وتطغى عليها الذاتية والمذهبية من ملة ونحلة، فالكاتب لا يستطيع أن يبقى على مسافة ثابتة من الشخصية خاصة اذا اعتبرت رمزا، لكنه قد يغوص في أعماقها ويتأثر بها فيتحول من ممحص وناقد الى جالب وسارد وفق مزاجه المتأثر سلبا أو إيجابا بروحه التواقة لذلك، فيكون إما قادحا بسرده للنقائص، أو مادحا بإبرازه للمثالب. لذلك وجب على الكاتب ألا يلبس الشخصية لبوسا أبيضا ولا لبوسا أسودا، لأن التاريخ لا يؤمن بالصفحة البيضاء والصفحة السوداء، وإنما قد تكون بيضاء مشوهة ببقع سوداء أو سوداء موشاه ببقع بيضاء، واعتمادا على هذه المنهجية في الترجمة تحصل الفائدة ويتحقق المبتغى، ويصل الكاتب ومن خلاله القارئ الى الحقيقة الساطعة التي يعبر عنها هذا البيت الشعري: لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان فإدراك الحقائق لا إهمالها هي القاعدة لأنها جزء لا يتجزأ من مسار الشخصية وقد تكون نتائجا لسلوكاته تستشف منها دروبا مديدة لأجيال جديدة. كتبت عن بلاد المغرب ما قبل الإسلام، بعض المؤرخين يتخذون انتشار الإسلام في بلاد المغرب بداية التأريخ لهذه البلاد، هل توافق هذا الرأي ؟ إن تاريخ الأمم كل لا يتجزأ، وإن كانت المراحل والحقب حلقات فهي في الأخير سلسلة متراصة من الأحداث المتضاربة والمتناقضة بين الازدهار والانتكاس، لا يستطيع كائن من كان أن ينتزع ما يريد، فذلك يسبب القطيعة وبالتالي التيه والشتات والأوهام التي تؤدي لا محالة الى التشرذم، فالمساس بالتاريخ ينعكس أثره على الجغرافيا، لذلك كانت النظرة الموحدة لتاريخ الأمة تعني الوحدة الجغرافية للوطن. وإذا كان بعض المؤرخين يتخذون انتشار الاسلام في بلاد المغرب بداية التأريخ لهذه البلاد، فإذا كان القصد من التأريخ بداية رصد الأحداث وتدوينها بمعالمها وأطرها الزمانية والمكانية فتلك لعمرك حقيقة ساطعة، غير أنها اقتصرت حسب اعتقادي على الحقبة التي سبقت الفتح الاسلامي للمغرب الكبير معتمدة على المؤرخين والرحالة المسلمين. أما التأريخ الذي ينتمي للمدرسة الحديثة ويستند على المنهجية التاريخية مرتكزا فلسفة التاريخ فقد برز في القرن التاسع عشر الميلادي، معتمدا على عدة مصادر منها التقارير العلمية لنتائج الحفائر في المواقع الأثرية، والنصوص التاريخية الأمازيغية والفينيقية واللاتينية، بالإضافة إلى ما دونه المؤرخون اليونان والرومان، علاوة على الجانب الثقافي المتمثل في الظواهر الانتروبولوجية، وبذلك تم ربط العصور القديمة بالعصر الوسيط واستكملت بذلك الحلقات التي كانت مفقودة. نشرت في تسعينيات القرن الماضي سلسلة مقالات حول أبطال بلاد المغرب في مختلف الحقب التاريخية، كباحث مهتم بالكتابة التاريخية، فيم تتمثل العوامل التي ساعدت على بروز هؤلاء القادة الكبار ؟ من بايداس وأنطلاس وتاكفاريناس الى الأمير عبد القادر وعبد الكريم الخطابي بطل الريف وعمر المختار بطل الصحراء، ثم لالة فاطمة نسومر ومسعود بن زلماط ومصطفى بن بولعيد، كل هؤلاء الأبطال وغيرهم الكثير رغم اختلاف حقبهم الزمنية من ما قبل الميلاد الى القرن العشرين الميلادي وطول المدة التي تفصل بينهم الا أن العوامل التي ساعدت على بروزهم تكاد تكون واحدة، القهر والظلم والتحقير والاضطهاد والتجهيل والتجويع والمسخ مفردات عضت شعوب المغرب الكبير، مما دفع بها الى الالتفاف حول هؤلاء القادة من أجل التحرر من الربقة المفروضة من قبل أنظمة أجنبية استعمارية أو أنظمة محلية معدومة الوطنية، لتحقيق الغاية الأسمى الوحدة التاريخية والجغرافية لتسطير المصير المشترك. كثرت الانتقادات الموجهة لفترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، وكان آخرها كتاب الدكتور سعيد سعدي حول "العقيد عميروش"، هل ذكر نقائص شخص ما أو انتقاد فترة حكمه هو انتقاص من قيمته ؟ ماذا عساني أن أقول وأنا استحضر روح الرئيس الراحل هواري بومدين ؟ يكفي الجزائر فخرا أن حكمها رجل توفرت فيه كل شروط القيادة آنذاك، فكان الاستثناء الوحيد والكبير في قاعدة مثلها بقية من حكم البلاد. ربما يكون هذا الرأي بالنسبة للبعض كلاما نشازا، إلا أنه لفرد قد عاصر الرئيس فتعلق به وتأثر بشخصيته الكاريزمية، لذلك ودون تفكير ولا روية قمت برثائه ضمن قصيدة عنوانها القائد الخالد نشرت في جريدة النصر الاثنين 08 جانفي 1979 أي بعد أقل من شهر على وفاته، و ما زلت محتفظا بتلك الصفحة الى يومنا هذا. أما بخصوص كتاب الدكتور سعيد سعدي عميروش، حياة، ميتان، ووصية - Amirouche une vie deux morts un testament – فلم يأت بجديد على الإطلاق، فقد سبق وبيّن مالك بن نبي "أن فرنسا الاستعمارية تدرك خبايا الثورة أكثر من قادتها" هذا من جهة، ومن جهة أخرى لماذا عميروش بالذات ؟ فماذا عن عبان رمضان وشيحاني بشير وعباس لغرور والعموري وزعموم .. وغيرهم. والكتاب في جوهره حقيقة لا يمثل سبقا تاريخيا في البحث والتنقيب والتمحيص، حيث اعتمد في اتهاماته على وثائق أرشيف قصر فانسان Archive du châteaux de Vincennes , arme de terre , service historique - وهو بذلك يعد تأريخا فرنسيا وليس جزائريا، يهدف إلى التلاعب بالأحداث واستغلالها لأهداف مشبوهة لا تخدم مستقبل هذه الأمة، لأن مستقبلها لا يعتمد على تزوير التاريخ لخدمة مصلحة ذاتية آنية، وإذا كان ولا بد فيجب إعادة النظر في تاريخ الحركة الوطنية من 1919 الى 1962. قال شوقي : واخدع الأحياء ما شئت فلن *** تجد التاريخ من المنخدعين هناك من يعتبر الثورة الجزائرية قوة جذب نحو الخلف لا قوة دفع نحو الأمام، لماذا ذلك ؟ في الواقع لا تتحقق الوثبة الكبرى الى الأمام إلا بالنكوص الى الخلف لاكتساب قوة الدفع، لذلك فالثورة الجزائرية تبقى أهم محور يلتف حوله الجميع، وأكبر مفاعل تستمد منه الطاقة لمواجهة تغيرات المستقبل، وأعظم معين لنهل الوطنية. أما الجذب الى الخلف فيعزى الى التخلف والتنكر للتاريخ والتشدق بالشعارات الجوفاء كقولهم: " التاريخ الى المزبلة ". في الجزائر، النقاش التاريخي يثيره السياسي والمجاهد، يناقشه الإعلامي ويغيب عنه المؤرخ، ماهي أسباب غياب المؤرخ عن النقاشات التاريخية ؟ سؤال وجيه فعلا يعكس نباهة متقدة أتمنى لجذوتها الاستمرار، حيث يطرح فكرة جوهرية تتخبط فيها شعوب العالم الثالث خاصة النخبة المثقفة. فالتاريخ الذي صنعه الرجال وضحوا بكل ما يملكون، تتم مناقشته من قبل أشخاص كانوا بعيدين كل البعد عن الحدث وصناعته بل ومعظمهم كان في الظل، مقزمون أثناء الثورة وبعدها، وهنا وجب التذكير بما قاله الرئيس الراحل بومدين لهؤلاء أثناء حكمه بعد نظرة صارمة ثاقبة، ودقتان على المنصة، ليوقظ النائم وينبه الغفلان، حتى تتسرب الحروف عبر الأذن وتحدث صدى يبقى رنينه مدى الحياة: "حذار من كتابة التاريخ الشخصي"، ولكن بعد وفاته وبقدرة قادر تحول هؤلاء الى فاعلين وصانعين ومنظرين، بل وعرابين ليس للثورة فحسب بل للتاريخ، وكذلك كان الشأن للكثير من المؤرخين الذين انضووا تحت راية الوطنية ولبسوا لبوس الثورة ونصبوا أنفسهم سدنة لها بهدف تحقيق المبتغى السياسي، فتم بذلك التهجين فأصبح المجاهد والاعلامي والمؤرخ سياسيا، ولما كانت السياسة فن الممكن تبناها الجميع، ألا ترى أنك لو زرت حلاقا مثلا، فحالما يمسك رأسك بين مقص ومشط فأول شيء يقصه عليك هو الوضع السياسي، وقبل أن يمشط شعرك، يمشط لك أخبار الكرة الأرضية. وعليه فإذا تحول التاريخ الى مادة خام للنقاشات السياسية والاعلامية وحتى الشعبية فكبّر عليه ثلاثا، حيث تتحول الأحداث المعلمية والمفصلية لتاريخ أمة الى مجموعة من آراء ووجهات نظر آنية بل ومزاجية حرباوية تتلون بلون الطيف السياسي، فتفتقد الحقيقة في خضم هذا الطوفان الجدلي، وتتحول الأحداث التاريخية الى أحداث ومواقع افتراضية معرّضة لنزوات الأفراد ومناحيهم . هل يعاني المؤرخ الجزائري من منع البحث في مواضيع معيّنة، خاصة بتاريخ الجزائر، مثل موضوع الهولوكوست في الغرب ؟ ربما كان ذلك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث منعت بعض المؤلفات الموسومة بذاتها، كبعض مؤلفات مالك بن نبي ومحمد حردي وعبد اللطيف سلطاني ... وغيرهم، غير أنه ابتداء من ثمانينيات القرن نفسه صدرت العديد من الكتب التي لم يأبه مؤلفوها بالخطوط الحمراء نظرا ربما لهوس الشارع ومطالبته بضرورة كشف الحقيقة من جهة، ومن جهة أخرى رد فعل بعض من كتب مذكراته وحاول فيها أن يحلل الأحداث ويعلل أسبابها ودوافعها من خلال ما تعرض له بعد الاستقلال، وكانت مذكرات الرائد سي لخضر بورقعة "شاهد على اغتيال ثورة" ربما من ضمن بواكير هذا الاتجاه؛ حيث صدرت عام 1990، وضمت العديد من العناوين الساخنة ما كانت لتذكر في الماضي، ثم شهدت الجزائر ما يشبه تسونامي في كتابة المذكرات الى يومنا هذا، فكان الكتّاب عموما وكأنهم رجال دين العصور الوسطى يصدرون صكوك الغفران لمن شاءوا، ويدخلون من شاءوا جهنم، يسودون هذا ويبيضون الآخر وهكذا. درّست التاريخ في الثانوي وكوّنت أساتذة هذه المادة، ما رأيك في تناول المقررات المدرسية لتاريخ الجزائر ؟ قبل أن أتناول محتوى المناهج لتاريخ الجزائر في المدارس الجزائرية، يجب علينا أن نتوقف عند نقطة مهمة وملحة، تتمثل في تلك الأخطاء الفادحة والفاضحة في العديد من الأحداث والمعالم التاريخية وجملة من الإجراءات كالخرائط والسلالم التاريخية، التي عادة ما تكون موضوع سؤال في مختلف الفحوصات التربوية، والسبب يعود الى الارتجال والتسرع وعدم التروي في اختيار الأكفاء للتصدي لمهمة التأليف. أما المحتوى في حد ذاته أي المقررات، فهو مقبول على العموم من حيث الملمح والوسامة خاصة في المستوى الثانوي، أما المتوسط والابتدائي فأعتقد أنه مكثف بطريقة غير عقلانية، لذلك وجب إعادة النظر فيه وتكييفه وفق الأهداف والغايات الوطنية السامية، وعدم حشو رؤوس أبنائنا بتواريخ تعد في زماننا قصصا وحكايات أكثر منها تأريخا، حيث لا تساهم في بناء الشخصية الوطنية المستهدفة. هل يمكن الاستفادة من التاريخ دون رفع القداسة عنه ؟ التاريخ هو التاريخ لا قداسة تحميه إطلاقا، لأن الحقيقة أبدا ساطعة، ومتى اعتمرت القداسة فقدت مصداقيتها وتحولت الحادثة التاريخية الى أسطورة، والأسطورة تخلد الذكر وتمنح شحنة عاطفية لسامعها وقارئها ومشاهدها، ولكنها لا ترقى الى الحقيقة، فإلياذة هوميروس وإنيادة فرجيل تبقيان خيالا جذابا للإنسانية، وغزو الاسكندر الأكبر المقدوني للشرق، وفتح المسلمين للشرق والغرب، والحركة الاستعمارية، حقيقة ذات أثار بالغة على الانسانية الى يومنا هذا. والتاريخ الإسلامي مليء بالأمثلة، فحادثة الإفك على سبيل المثال لا الحصر مذكورة في القرآن الكريم، تناقش من قبل الجميع دون حرج ولا امتعاض، والمؤرخون المسلمون في تدويناتهم التاريخية لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وأشبعوها بحثا وتجريحا، كحادثة إهانة سيدنا عقبة للملك الأمازيغي كسيلة "سترتيد بن لمزم"، وعليه فإن الاستفادة من التاريخ تحصل ما لم يحدث تشويه وتزوير للحقائق، كادعاء المؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني في كتابه "حياة كفاح" أنه هو صاحب مقولة "الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا"، وقد ردّ عليه الأستاذ محمد الطاهر فضلاء في كتابه "التحريف والتزوير في كتاب حياة كفاح". بعض المؤرخين ينتقصون من قيمة الكتابات التاريخية المؤلفة من قبل غير أهل الاختصاص، بحجة عدم الاعتماد على المنهجية التاريخية، كيف يمكن الاستفادة من كتابات هؤلاء ؟ إن كتابة التاريخ في الواقع لم تكن في يوم من الأيام حكرا على فئة معينة ومحددة، فمنذ زمن طويل والمؤرخون والرحالة كانوا متعددي المواهب والمشارب.أما اليوم فقد يمتلك غير المختصين الوسائل والامكانات التي تذلل لهم دروب البحث وتجعلها سالكة، حيث وسم هذا العصر بالسرعة الفائقة في تواتر الأحداث وندفقها، بحيث يصعب على المؤرخ مواكبتها بسهولة ودون امكانيات متوفرة متقيدا بالمنهجية التاريخية المعتمدة، لذلك فرض عليه الاعتماد على كتابات غير أهل الاختصاص، خاصة إذا كانوا من صانعي الحدث أو إعلاميين مشهود لهم بالكفاءة في هذا المجال. ويتمثل دور المؤرخ في تجميع المادة التاريخية وتمحيصها ومقارنتها ومطابقتها ثم ترتيبها وتعليلها وتحليلها مع مراعاة الحقبة الزمنية وظروفها الداخلية والخارجية.