نوبل تكرم الشعر التفتت الأكاديمية السويدية هذا العام إلى الشعر بمنحها جائزة نوبل إلى أحد أكبر شعراء العالم، السويدي توماس ترانسترومر المترجم إلى ستين لغة كسب فيها أبناء تبنوا خلطته الشعرية المدهشة وقراء ونقاد لا يمتلكون أي سبب للتشكيك في عبقريته. الرجل المقعد العاجز عن الكلام منذ واحد وعشرين سنة بسبب جلطة دماغية حدت من حركته وحرمته من الكلام ، لم يتوقف عن الشعر كتابة أو عن الاحتفال بالشعر بإيماءات تترجمها زوجته إلى كلام في المهرجانات العامة. الأكاديمية السويدية قالت في حيثيات منح الجائزة لترانسترومر يرجع إلى أنه "من خلال صور مركزة وواضحة يعطينا نظرة جديدة ومنفذا إلي الواقع". وأضافت في بيانها أنه في دواوينه الأخيرة مال إلى اقتضاب أكبر وإلى درجة أعلى من التركيز، وأن غالبية دواوينه الشعرية تتسم بالايجاز والوضوح والاستعارات المعبرة. وصرح الأمين العام للأكاديمية( بيتر انجلوند) بأن اسم توماس مطروح منذ عام1973 للفوز بجائزة نوبل للأداب، مشيرا إلي أنها المرة الأولى التي يحصل عليها مؤلف من السويد منذ أربعين عاما. ويعد( توماس ترانسترومر) من أكبر شعراء السويد في القرن العشرين و أبرز وجوه الثقافة السويدية في العالم. ويسود إجماع في الأوساط النقدية الغربية على فرادة وأهمية هذا الشاعر السويدي قبل تتويجه بجائزة الجوائز لحساسيته العالية وانفتاحه، ومن وجهة نظر دانيل هالبيرن ناشر ترجمات أعماله بالإنجليزية فإن توماس ترانسترومر شاعر وكاتب منفتح ومثقف ومثير للتأمل فيما يرى الكاتب والناقد البريطانى نيل استلى أن ترانسترومر "شاعر صاحب رؤية فلسفية لما وراء الطبيعة" لافتا إلى أن تخصصه في علم النفس ساعده في النفاذ بقوة بصيرة داخل النفس الإنسانية. وعلاوة على علم النفس-درس توماس ترانسترومر الأدب والتاريخ والعقائد فى جامعة ستكهولم غير انه يبدو بعيدا فى إبداعه الشعري عن السياسة والأيديولوجيات بالمعنى المتعارف عليه ومهموما بالبشر العاديين "وهو يسرع قاطعا الشوارع كواحد منهم" ومن ثم فإن قصائده لا يمكن وصفها بالتجريدية أو الابتعاد عن الواقع ومخاصمة الواقعية والانفصال عن الحياة وبنايات الجوع العالية وأبنية الرأسمال. ويرى نقاد أن هذا الشاعر السويدي الذي يصعب تصنيفه ضمن مدرسة أو تيار أدبى يتطلب قراءة واعية تميز مابين الظاهر والباطن فيما يتمتع بملكة تفكيك الواقع وإعادة بنائه بصور شعرية تحيل العالم إلى أنفاس مبثوثة في بنية القصيدة المرتكزة على الذات والكون كما تجمع مابين الفكر والجمال والمرئي واللامرئي. ويوصف توماس ترانسترومر الذى ولد في ستكهولم عام 1931 وتخرج من جامعتها عام 1956 وتخصص فى علم النفس بأنه من أكبر شعراء السويد واحد الأصوات المشكلة لثقافة هذا البلد الواقع شمال أوروبا فيما يجمع شعره مابين الإيجاز والمجاز كما يجمع مابين الحداثة والكلاسيكية وبين الحميمية والغربة والواقع والمخيلة. وكان يهوى عزف البيانو غير أن إصابته بالشلل النصفي جراء جلطة دماغية أفقدته القدرة على النطق عام 1990 وأرغمته على تغيير مسار هواياته ليندفع بقوة اكبر للشعر الذي يختزن الموسيقى الآسرة ويقف الشلل عاجزا أمام بيان الشاعر وينحني لسحر البيان وثراء الروح المتعاطفة دوما مع الإنسان أينما كان. وتجاوز عدد مجموعاته الشعرية 15 مجموعة ترجمت لما يربو على60 لغة من بينها العربية وله العديد من الكتب الأخرى مابين الشعر والنثر استمدها من معين الطبيعة ووقائع الحياة اليومية . ورغم الترجمة الكثيفة لقصائد هذا الشاعر السويدي فانه لا يمكن القول بأنه كان من مشاهير الشعراء على مستوى العالم ، حيث تؤكد جريدة نيويورك تايمز في تقرير بقلم جولى بوسمان على أن "السيد توماس ترانستروم مجهول كشاعر إلى حد كبير للغاية في الولاياتالمتحدة وحتى بين هؤلاء الأمريكيين الذين يحبون الشعر" وهى حقيقة تنطبق دون حاجة لكثير من الجدل على شهرة ترانستروم كشاعر فى العالم العربي حتى وان كانت قصائده قد ترجمت للعربية منذ نحو ستة أعوام على يد الصحافي اللبناني المقيم بالسويد قاسم حمادي وهي ترجمة راجعها أدونيس. لكن توماس ترانستروم سيعرف اعتبارا من الآن معنى الشهرة كشاعر على مستوى العالم قاطبة ،فقد بدأت بالفعل الطلبات تنهال من القراء حول العالم على أعمال هذا الشاعر السويدى سواء في نسخها الورقية أو الالكترونية بمجرد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل فى الأدب. وعرف عن ترانسترومر الذي بدأ في كتابة الشعر وهو صبى في الثالثة عشرة اهتمامه بترجمة اشعار السيراليين الفرنسيين مثل اندريه بريتون فيما كان بيتر انجلوند الأمين العام للأكاديمية السويدية قد نوه بأن توماس ترانسترومر الذي يعد أول سويدي يفوز بجائزة نوبل للأدب منذ 40 عاما يعالج قضايا الموت والذاكرة والتاريخ ويشعر المرء بأنه أكبر بعد قراءة أشعاره التي تسعى لارتياد المجهول وفهمه. وفى بدايات مسيرته كشاعر-تمحورت اهتماماته حول الطبيعة بصورة تقليدية قدر له فيما بعد أن يتحرر منها نحو أفاق أكثر حميمية وحرية . للإشارة فإن الأوساط الثقافية العربية انقسمت بين التأسف على ضياع جائزة الجوائز من الشاعر العربي أدونيس، وبين شماتة في الشاعر الإشكالي الذي يبدو أن عدد خصومه يضاهي عدد محبيه في عالم عربي لا يحتكم مثقفوه إلى المقاييس الأدبية والفنية في النقد.