"رواد الأعمال الشباب, رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    الجزائر العاصمة: دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    فترة التسجيلات لامتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق يوم الثلاثاء المقبل    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الكاياك/الكانوي والباركانوي - البطولة العربية: الجزائر تحصد 23 ميدالية منها 9 ذهبيات    أشغال عمومية: إمضاء خمس مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    قرعة استثنائية للحج    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص مترجمة
نشر في النصر يوم 17 - 10 - 2011


توني موريسون .. الحياة في صندوق أسود
عبد الغني بومعزة
"آلت توني موريسون على نفسها إعادة الاعتبار للإنسان الافرو الأمريكي،الاعتبار لذاكرته وماضيه وليس فقط تضحياته،بعزم و صبر المنقّبة في تاريخ ما قبل الحقوق المدنية للسّود،مغذيّة لغتها بريتم عذب وهشّ يشبه إيقاع الموسيقى وكأنها توابل طعام أفرو أمريكي يقدّم في ولائم الجّنوب الأمريكي،دون أن أنسى طريقة سردها القويّة،المؤثرة والمنسجمة بطريقة ما مع موسيقى الحياة وهذا ما لاحظته في رواية " جاز"،تستحضر الشّخصيّات والحدوتات الشّبه الخرافيّة وتنفخ فيها الحياة من جديد،هذا الحفر العميق،المسئول والمثقف ساعد على إعادة اكتشاف الهويّة السّوداء التّي تعرّضت للقمع و الظلم ".. [Claire Devarieux/ Libération] ..
[ 1 ]
..يصدر لتوني موريسون صاحبة نوبل للآداب روايتها الجّديدة"A mercy"2009،الكتاب يتحدّث عن أهم موضوعاتها المفضلّة وهي العبودية، حيث تحكي كيف تحوّلت العبودية إلى عنصريّة،تذكّر قارئها بحادثة تاريخيّة في حياة الأمريكيين والتّي ستكون عجينة حكاية الرّواية إلا وهي"ثورة باكون/ 1676 "،عندما قامت مجموعة من الأمريكيين الغاضبين،سود،بيض،هنود وعبيد محرّرين بالإطاحة بحكومة مستوطنة فرجينيا،ثمّ كيف تمّت مطاردتهم واضطهادهم،تقول توني موريسون في حوار لجريدة" Nouvel Observateur"..[قرّر أصحاب الأراضي حتى لا تتكرّر الحادثة مرّة أخرى بسن قوانين صارمة،منها حقّ الرّجل الأبيض تعذيب وقتل أيّ رجل اسود لأي سبب من الأسباب وفي أي وقت يشاء،هذا ما ورثناه،لقد حولنا هؤلاء الضّحايا إلى طرف صراع غير متكافئ،هذا يعطي الشّعور بلون البشرة،سمح هذا للبيض مثل"أيوب/احد أبطال الرّواية"الشّعور بالتّفوّق فقط لأنه ابيض،بالطبع ليست هذه فقط رواية العبوديّة والعنصرية،بل توجد رواية أخرى جلبت لها الكثير من الشّهرة وهي روايتها الثامنة"love /حبّ "، وللتعرّف أكثر على شخصيّة الكاتبة الملقّبة بالبريمادونا أو "la diva"سنسبر أغوار شخصيتها وحياتها،نفتكّ منها أسرار ذاكرتها و ذكرياتها لأن توني موريسون من الرّوائيات المقلات في الظهور إلا فيما يخصّ الأدب،دارت هذه الجّلسة الأقرب إلى البوح والمكاشفة في شقتها في نيويورك شتاء 2005، ستتكلّم عن السّحرة وهم يطيرون فوق حقول القطن فرارا من العبوديّة،عن Fats Waller الأب الرّوحي للجاز المشهورة ب"موسيقى الشّيطان"،ثمّ تنعطف للحديث عن أسوا سنوات أمريكا في عهد بوش الابن،تسمّيها السّنوات الضّائعة في حياة أمريكا ..
[ 2 ]
1 /في نيويورك،حي سوهو:تقول توني موريسون"كانت جدّتي تلعب معي اللوتو،تطلب مني أن أحكي لها عن أحلامي ، ثمّ تقوم بترجمتها إلى أعداد ، كيف تفعل؟،مثلا احكي لها حلم ما،تفتح كتاب تفسير الأحلام خاصتها وتقوم بتشكيل أرقام وأعداد ما،الزّواج بالنسبة لها كان 1+2 = 3،موت شخص يعني 0 ،في بعض الأحيان أتخيّل أحلام غريبة،لا معنى لها،فقط من اجل إرضائها،كانت تحبّ الجّلوس معي،الاستماع لي والحديث عن كلّ شيء،خاصة أحلامي التّي تجدها بريئة وفي مرّات أخرى نتشارك أنا وأختي وحتّى العائلة،مساء،نترجّل القصص،نتخيّل مغامرات التّنانين،نكت،فوازير عاطفيّة و .. ، و بالمقابل كانت تقيّم جهودنا بعلامات كأنّها معلمة في صفّ دراسيّ وعندما تعجب بحكاية ما تشجعه ثمّ تطلب منا ان نصفق له،كانت تشبه احد مغنيات الغوسبل الوقورات،مهيبة،قوّية،صوتها رخيم،عميق وبطبقات مختلفة،تدندن بنغمة حنونة عند كلّ جملة تغنّيها،تقطعها بسلاسة،تشكّل منها أبيات قصيرة ليسهّل عليها غنائها وتكرارها،كأنها تقرا نصا من تأليفها،كنا نستمع لها بإعجاب،كانت تحبّ الكلمات،تحبّها كثيرا وأيضا تحبّ الحديث،تسحرنا وهذا ما كنا نشعر به جميعا،هذه كانت بداياتي مع الكلمات،بدايات تخيّلاتي لعالم جديد لا اعرفه بعد،أظن انها كانت خطواتي الأولى في عالم الحكي ، اصنعها بكلّ الأفكار التّي تخطر على بالي،حكايات خياليّة،شخصيات خرافيّة،انها طفولة تسبح في السّحر،بداياتي الأولى في الكتابة كانت بقطعة طبشور مع أختي،في الشّّارع،عندما كان سنّي أربع سنوات،نقوم بإعادة كتابة على الرّصيف شتائم وما شابهها مكتوبة على الجّدران،في المراحيض، نكتبها دون أن نفهم معناها،نكتبها على الأرض،كنا نضحك لأننا مندهشين من هذه القدرة الغريبة على إعادة كتابة كلمات لا نفهم معانيها ..
[ 2 ]
2/العين الأكثر زرقة:"عالم الأحلام السحرية لطفلة سوداء صغيرة،الأسرار وقلق الأفكار،هذا ما أردت كتابته في صفحاتي الأولى،قصّة،ثمّ رواية" The bluest eye"،حكاية" Pecola Breedlove"فتاة في الحادية عشرة،تحلم بان يكون لديها عينان زرقاوان،زرقاء كلون الكوبالت،لكنها تصاب بالعمى،تجنّ بعدما احتال عليها مشعوذ أسود الذّي وعدها بمعالجتها بمادة زرقاء اسمها " indigo"فيتحوّل لون عينيها إلى ارزق،استلهمت هذه الحكاية من صديقتي في الطفولة،كانت لا تؤمن بالله،لماذا؟،لأنها كانت تتوسّله يوميا ولسنتين أن يهبها عينان زرقاوان ، صدرت الرواية سنة1970" ..أعقبها بعض المقالات النّقدية المتفائلة لكن دون نجاح يذكر،في ذلك الوقت كانت الأسماء السّوداء النّاجحة في عالم الكتابة تعدّ على أصابع اليدّ،مثل الرّوائي"Richard Wright "،كانوا يكتبون عموما عن حياة الغيتوهات،صعوبة العيش فيها،العنصرية،العنف اليومي والممنهج ضدّ السّود، عنف الجّماعات السوداء ضدّ بعضها،المخدّرات المدمّرة لأجيال بأكملها،غادرت توني موريسون لأسباب غير معرفة منصبها كمعلمة لغة انجليزية في جامعة هوارد الخاصة بالسّود لتصبح محرّرة في دار نشر"Ramdom House "،ناضلت في منظمات وجمعيات الدّفاع عن الحقوق المدنيّة،لقد كان العصر الذّهبي لما يعرف بحركة الحقوق المدنيّة،اقتربت من الجّماعات الرّاديكاليّة،تعرّفت من بعد على أنجيلا دافيس أسطورة الحقوق المدنيّة،والتّي ستصبح فيما بعد أكثر النّساء مطلوبات للشّرطة الأمريكيّة،تعرفت على"Andrew Young "رئيس بلدية اطلنطا واحد اكبر أصدقاء مارتن لوثر كنغ ،و" Stokely Carmichael"المؤسّس الرّوحي لجماعة"الفهود السّود"، تقول لقد كان رحلة نضال مثيرة بالنّسبة لامرأة مغمورة تشبهني،لابنة حدّاد بسيط من ولاية اوهايو،أبي المسكين الذّي هرب مع عائلته من الجّنوب العنصري إلى الشّمال ..
[ 3 ]
. 3/ المثقفون السّود ينتقدونني:" في هذه الأجواء العدائيّة والرّاديكالية لم ترق روايتي كثيرا الدّوائر الثّقافيّة الخاصة بالسّود،كانوا جميعهم من رواد الواقعيّة،بين سنوات 65/1975 كان المثقفون السّود لا يهتمون كثيرا بالرّواية الخياليّة ولا الفنّ،كانوا يقرؤون علم الاجتماع،التّاريخ والسّياسة ، الرّواية الواقعيّة،وفي أسوا الأحوال"الرّجل الخفي"لرالف اليسون[تقولها ضاحكة]،إنكار،جحود أو عدم لا مبالاة منهم،وجدوا روايتي سلبيّة كما قال لي احدهم،طفلة سوداء تحلم بعينين زرقاوين أشبه بالسّخافة وان لم اقل الغباء،اعرف انهم لا يهتمون كثيرا بما يدور في رأس امرأة سوداء،فما بالك بطفلة صغيرة،أدركت إنني أسبح ضدّ التّيار،امشي في درب صعب ومرهق،ارض قاحلة تحتاج للمزيد من التّدبّر والتّفكير،انه عالم أدبي واسع ومفخّخ لم أصل إليه بعد،اقصد،ان عالمنا نحن السّود عن دون غيره هو عالم متأصّل فيه عقدة اللّون،مسكون بالعبوديّة،كيف لطفلة صغيرة تشكل هذه الصّورة الأليمة عن نفسها وتؤمن في نفس الوقت بالمعجزات،السّحر،الخرافات وأساطير افريقيّة،الوجوه المثاليّة للموسيقيين والثوار،سحر الحواس و الإحساس،أدركت أن هذا ما يجب أن اكتب عنه،أن احكي عنه،لماذا اكتب روايات واقعيّة؟،أليس تاريخنا الواقعي مقرون ومرتبط بالرّجل الأبيض؟، أسيادنا البغيضين،ليست هذه أحلامنا،كنا نعيش في فضاء آخر مسكون بالأشباح،الحكايات،النّبوءات والآلهة،عوالم حيث الأطفال السّود يحلمون بعيون زرقاء حتّى لو كان الرّاديكاليون ينظرون لهذه الأفكار بعين الرّفض والسّخرية،الحياة كانت ومازالت دائما اكبر من الحياة ذاتها،فيما بعد عندما قرأ أكبر عدد من النّاس الرّواية غيّرت نظرتهم نحو السّود في مجتمع العبودية .."..
[ 4 ]
4 /طفل القطران:تحت فتحة السّقف،علق في وسط جدار ابيض في اتيليه شقتها الغارقة في شمس ربيعيّة دافئة،علّق بورتريه امرأة سوداء شابة ، شعر قصير،عينان كبيرتان سودوان،وجه حلو يتقدّ ذكاء ومشاغبة،تقول"انها أنا،عندما كنت في العشرين،كنت أحبّ أن يرسمونني،بالطبع كانوا من الأصدقاء،لا أخفي عليكم إنني كنت أجمع مبلغا مقبولا لحاجتي إليه ولا حرج في هذا.."..هل تشعر بانها ساذجة في ذلك الوقت؟،تجيب بسرعة.."لا،لا أبدا.."..ثمّ تظهر نسخة New York Times Review of Book حيث تظهر على الغلاف الأوّل منه،لم تكن صورة فوتوغرافيّة،بل،رسم من رسوماتها القديمة،تقول"انظروا!أشبه غودزيلا[تضحك مازحة]،مدهش أمر هذه المرأة تعبّر بعفوية وقبول عن كلّ حالاتها دون إحساس بالخجل أو ما شابه ذلك،انها أنيقة،لا،بل أقول أنيقة ومحبوبة إلى أقصى الحالات،تخرج لقضاء مشاويرها في الحيّ الذّي تسكن فيه حيث يقع محلّ خاص تحبّ ارتياده ،تخرج مرتدية معطف" caban"احمر،تضع حول رقبتها شال نسائي اسود ونظارة سوداء روك ستار كما هي العادة،تقول.."لكي يتقبلوننا و يفهموننا جيّدا،مجبرون على العودة إلى جذورنا،ماضينا،وهذا ما تناولته في روايتي الثالثة"نشيد سليمان"،تحكي الرّواية عن[Macon Mort]و يدعى"الحلاّب"،لان أمّه تجبره على شرب الحليب،كان من الطبقة المتوسّطة التّي تعيش في الشّمال،كان يجهل كلّ شيء عن ماضيه،ماضيه يبدأ هناك في الجّنوب،جنوب حقول القطن والسّماء التّي تلفحها حرارة الشّمس القوية،سليمان هو اسم عائلته،اسم أجداده الأوائل،من العبيد،كلّ ما يعرفه عنه هي أغنيّة قديمة أشبه بنشيد للعبيد حيث كان يغنّيها السّود في حقول القطن تذكّر بجدّه وبعائلته القديمة قبل أن تتقطع بهم السّبل،كان بطلي رجل بدون ذاكرة لذا قرّر البحث عن ماضيه وستكون الأغنية دليله،أشبه بعملية البحث عن كنز خاصته،أما أنا فاعتبرها برحلة بحث عن الذّات،العودة إلى الجّذور الأولى،في أغاني العبيد تعثر على تاريخ مؤلم وهشّ من المعاناة،تعثر كلّ هذا في كلمات بسيطة وشّفافة وحزينة والتّي منها أبدعوا موسيقى البلوز و الجاز،تحكي عن السّحرة الذين أصبحوا قادرين على الطيران ليعودوا للوطن الأم إفريقيا،اعتبر هذا الهروب من اللاممكن،حالة من الانسداد واللاتعايش مع السّائد،سيعثر بطلي" macon mort"على اثر جدّه الذّي قتله بطريقة وحشيّة مزارعين بيض كما هي العادة،لكن هذا ليس نهاية الحكاية،سيعثر على كلمات الأغنيّة وعندما يقراها يكتشف أن جدّه الأوّل سليمان لم يكن عبدا فقط،كان شاعرا بالفطرة كتب أغنيّة مشحونة بالألم والغربة والشّوق، فيض جارف من المشاعر الإنسانيّة،تنبض بالرّقة والحنان لزوجته وعائلته،لم يكن غريبا أن يحفظ العبيد هذه الكلمات ويجعلون منها أغنيتهم المفضلة، يغنّونها وينشدونها جماعيّا في حقول القطن تذكّرهم بجذورهم وماضيهم،لكن،أين اختفى سلومون؟،يقال انه فعل كما فعل السّحرة السّود نبت له جناح و طار به من سقف كوخه تاركا وراءه ارثه الوحيد لعائلته وهي الأغنيّة،استمع لها،حللها وحاول شرحها من جميع الزّوايا الممكنة حتى يعرف و يكتشف " macon mort"تاريخه،تشعر بالرّضا والسّعادة وهي تقول بأنها تنجز عملا عظيما وهو إعادة الاعتبار للرّجل الأسود،تشعره أمام الآخرين بأنه ليس كائنا مبلسا كما تصوّره ثقافة الرّجل الأبيض،بلا هويّة ولا تاريخ،لذا لم يكن غريبا عندما ذكّرت لجنة جائزة نوبل للآداب في محصلة تقييمها لكتابات توني موريسون"لقد نجحت بقدرة فائقة في بعث التّفاصيل والأوصاف البسيطة لعالم واقعي وخيالي للشّعب الأسود في أمريكا،من التّفاصيل ذاتها يصنع الكاتب الحقيقة،كلّ الحقيقة،أعادت جزء بجزء تاريخ الافرو أمريكيين مشكلة اللّوحة الكبيرة.."..بعد عشر سنوات من رواية نشيد سلومون والتّي يحاول البعض مقارنتها شكليا برائعة"جذور" للرّوائي الزّنجي الآخر اليكس هالي لأسباب كتابيّة[التّيمة والحدوتة والوعي بالفكرة]،بعد نشيد سلمون صدرت رواية " Tar baby/طفل القطران"،والتّي تدور أحداثها في احد جزر الانتيل،علاقة حسية جارفة بين رجل أسود من الطبقة المعدّمة وامرأة غنيّة من المولدّين وهي مأخوذة من مسرحيّة مشهورة عنوانها [Dreaming Emmet ]لبطلها[Emmett Till]،مراهق اسود قتل على يدّ عنصريين لأنه عاكس امرأة بيضاء سنة 1955..
[ 5 ]
5/ محبوب:تبدأ الرّواية ب"ال124 مدنّسة بالضّغينة،مدنّسة بلعنة طفل صغير،الطفل اسمه"محبوب"،الطفلة الصّغيرة والبريئة قتلتها أمّها " Sethe" ،العبدة السّابقة التّي لم تعد تحتمل سادتها يريدون اخذ منها صغيرتها،في لحظة جنون فضلت ذبحها على آن تسلّمها لهم لكي لا تلقى ذات المصير، مصير مشئوم يشبه مصيرها المحتوم،انه مصير العبوديّة،في البيت الذّي أصبح مسكونا بشبح محبوبة كلّ شيء يتحرّك،الأثاث يطير،أشعة الشّمس تومض برك دم ومن الفرن تخرج كعك يحمل بصمة يدّ صغيرة،انها بداية حكاية فداء،الغوص الفوضوي،الغنائي والمخيف في حياة Sethe،في ماضيها،أشبه بالأم السّوداء تقتلها جريمتها،تعذّبها وتبهتها في غيابيت الجّنون.."..لا تتوقف توني موريسون إطلاقا عن الكتابة،الكتابة عن مشروعها الذّي تراه مسئولية أمام الشّعب الأسود في أمريكا، تواصل عملية تشريح الإنسانيّة السّوداء في روايتها"جاز"،هذه المرّة تكتب بأسلوب مختلف عما عهده القرّاء،رواية بوليسيّة بنفس شكسبيري،علق أحد النّقاد كاتبا في عموده"انها رواية مهضومة كقطعة موسيقى الجّاز"،تقول.."علمني الجّاز كيف أن تأليف الأشياء يبدأ أولا بالارتجال وهكذا دواليك.."..تحكي الرّواية قصّة[Joe Trace ]وعلاقته الصّاخبة مع عشيقته[Dorcas]المقتولة و زوجته [Violette]،انها فترة ازدهار موسيقى الجاز سنة 1920 عندما كان السّود يهاجرون إلى الشّمال,بالضّبط إلى مدينة الوعود الكبيرة نيويورك، سكنوا أحياء وصنعوا شهرتها وسيكون حي هارليم أهمّها،هارليم الجاز،فقط السّود عن دون غيرهم جعلوا من هذه المدينة متميّزة بفضل موسيقى النّشوة والإيقاعات التّي ستزلزل ثوابت الموسيقى البيضاء،وتغيّر نظرة الفكر الغربي نحو فنّ الآخر، تقول.." الإثارة والعاطفة تهزّ السّود في المدن الكبيرة،في تلك الفترة وبفضل الحفلات الكبرى والسّهرات و الاوركسترات وقاعات الرّقص كان الجّميع يرقص ويمرح،يتمتعون باللّعب والغناء،يغنون موسيقى الجّاز،موسيقى اعتبرها البعض مبتذلة،سقط في اثر سحرها كبار مثل همنغواي وسكوت فترجيرالد،موسيقى سوداء تأتي من كلّ مكان وتمتلك العواطف والأحاسيس،الإغراء،الغضب،الدّموع وحتّى الذكاء،الأداء،انها عدوة إحباط الحياة العصريّة..".. وعندما يسال سلمان رشدي لماذا يحترم و يوقّر توني موريسون،يجيب"لقد حملت إفريقيا في الأدب الأمريكي،مثل الموسيقيين السّود الكبار الذّين حملوا الجاز في الموسيقى الأوروبية .." ..
[ 6 ]
6/الماكارثية الجّديدة:توني موريسون منفعلة سياسيا،خاصة عندما حكم الجّمهوريون والمحافظون الجّدد أمريكا،من اشدّ المعارضين لجورج بوش .."أسوا مخاوف السّود الأمريكيون أن يكون رئيس البلاد ابيض ومن التكساس،علمتنا التّجربة وهذا منذ خمسين سنة أن لا أثق في هذا النّوع من الرّؤساء والإدارات،اليوم،كلنا نضالاتنا ذهبت سدى،البارحة شاهدت على شاشة التلفزيون ممثّل اكبر جمعيّة وطنية للتعليم يتّهم بالإرهابي،لماذا؟،لأنه طالب بإمكانيات لتحسين أداء التّعليم في البلاد،المصيبة أن الذّي وجّه له هذه التّهمة وزير في حكومة بوش وهو من السّود،تخيّل لم يقل مثلا انك عنيد ،بل,أنت إرهابي،مثل البارحة عندما كانت توجّه للمعارضين تهمة الشّيوعيّة،هذا هو الحال في البلاد عندما توجّه انتقادك لإدارة بوش وحربه في العراق ،ضدّ لوبي النفط،يلصقون بك اتيكيت"إرهابي"،انها العودة المؤلمة لفترة المكارثية،يحكم البلاد بارانويا رهيبة شبيهة بالوباء،الجّميع في واشنطن مصاب بهذا الوباء،رجال الإدارة،الوزراء،رجال السّياسة،الموظفون والصّحافيون،هؤلاء وجدوا أنفسهم تحت طائلة التّهديد والإقصاء والإبعاد عن وظائفهم،والأسوأ في كلّ هذا خنوع التلفزة.."ثلاثة أرباع القنوات الوطنيّة من عدد إجمالي 16 قناة يشكلون قطعة مركزيّة لماكينة تشتغل تحت إمرة النظام الحكومي،لم تعد تعكس هذه القنوات حركة المجتمع،بل تحوّلت إلى جزء مندمج من بروباغندا في خدمة عائلة بوش وعسكرييه،لا تشعرون انتم في أوروبا بثقل الضّغط الذّي يتعرّض له الدّيمقراطيون ودعاة السّلام والرّاديكاليون هنا،انهم يكذبون علينا يوميا،يسوّقون الأخبار المضلّلة عن العدوّ الخارجي الذّي يهدد أمننا القومي،كيف تريدون أن نعرف ماذا يحدث في العراق،من حسن الحظّ يوجد النت،أوّل مظاهرة ضدّ سياسة بوش في العراق كانت في فيفري 2003 وضمّت 500 ألف أمريكي في نيويورك فقط،هل تصدّقون هذا؟،لم يعلم بها غيرنا نحن هنا لأن قنوات التلفزة مارست الرّقابة على الحدث،انها كارثة أن يحدث هذا الأمر في بلاد تدعي انها اكبر وأقوى ديمقراطية في العالم..
[ 7 ]
7/أشباح أمريكا : تنقبض،تتغيّر نبرة صوتها،تتسارع،تحكي كيف عايشت تداعيات 11 سبتمبر عندما صدم سكان مدينة نيويورك من الاعتداءات الآثمة.."شعرت بالاهانة وأنا اسمع بوش ومسئولو إدارته وأقطاب حزبه يقولون لنا بصوت حازم،عودوا الى المحلات,تبضّعوا،خذوا الطائرات،اظهروا لهم بان حياتنا لن تتغيّر مهما حدث،كنا ننتظر منهم شيء أنساني في خطابهم كآن يخففوا من صدمتنا،فاجعتنا،يطمئنونا،يشعروننا بالثقة،كان يقولوا لنا عودوا الى منازلكم وواسوا عائلاتكم،اتصلوا بأهاليكم,أصدقاؤكم،اطمأنوا عليهم،بأنه لم يحدث لهم مكروه،لم اسمع أي مسئول سياسي واحد يطلب منا أن نفكّر فيما حدث في ذلك اليوم الملعون،محاولة فهم ماذا حدث لنا حقيقة،إن كان كابوس أو حقيقة،اخذ وقت في التّفكير والتّمعن،الحزن على الضّحايا ،كنا نسمع نبرة خطابية جديدة،مخيفة،العدو الخارجي،الشّرّ القادم من خلف الحدود،الصّدام،الانهيار الاقتصادي الذّي يجب تفاديه،التبضّع في المحلات ، اللّعنة لم يتعاملوا معنا بإنسانيّة،كمواطنين،اعتبرونا قيمة استهلاكيّة،لقد فقدنا أفكارنا الدّيمقراطية والمساواة،كان نظامنا في تلك الفترة نظاما لا ديمقراطي،استطيع أن أقولها ديكتاتوري،يتكاثر على حساب كلّ الحكومات،الدّيانات،يستولي على الخيارات أي كانت،انظروا هنا،يتمّ تشجيع المتقاعدين الصّغار على الاستثمار في البورصة رغم ما في الأمر من مجازفة خطيرة عليهم،التامين الصّحي يطالب بمبالغ كبيرة مقابل العلاج،السّود هم اكبر من دفع ثمن تخلي سياسات التعليم والضمان الصحي والبيئة عنهم،أجد هذا ظالم وصادم..
[ 8 ]
8/ إذا فانا أهمهم :تبدأ رواية "حبّ "بجملة تدفع لغيرة أيّ رواية فرنسيّة كارهة للنّساء،أرجل النّساء مفتوحة إذا أنا أهمهم.."،تتحدّث فيها عن تشكيلة مختلفة من الحبّ،الاغتصاب بالرّضا،امرأتان عدوّتان حميمتان يحبّان الرّجل نفسه،سعادة ايروتيكية لمراهقة تجلب المراهقين في غرفتها المظلمة،انه الحبّ بأشكاله الصّادمة،الحبّ العفوي،مجموعة من النّساء لرجل واحد،اسمه[Bill Cosey]،جمع ثروة في عالم المقاولات،بنى فندقا يرتاده السّود الأغنياء، كان ذا شخصية كرزماتية وكريمة،عاشق للنّساء خاصة زوجته الأولى[Celestial ]،يعيش فاجعة موت ابنه الوحيد الذّي يترك زوجة وابنة صغيرة فيرعاهما،تجمعه الصّدف بصديقة ابنة ابنه اسمها[Heed ]،فتاة في الحادية عشرة فقيرة وغير متعلّمة،تشتهى وتؤكل كالثّمرة البريّة اللّذيذة،يسقط في غرامها ويتزوّجها،فينتج عن هذا الزّواج عداوة بين الصّديقتين،صراع دائم ومشوب بالحذر لكن لا احد يرغب في إغضابه إلى حين موته،تبقى النّساء الثلاثة يقتسمن الإرث،الذّاكرة والذّكريات والأيام،تفرق بينهما العداوات والضّغائن ويجمعهما حبّ لرجل واحد،وعندما نتعمق في أحداث الرّواية يكتشف القارئ أسرار أخرى عن Bill Cosey ،شخصيات أخرى تتجاذبها الحكايات والأحداث،نساء و قليل منهم رجال،انها رواية النّساء بامتياز،عند النّهاية يتحوّل الفندق إلى أطلال،يهجره رواده،فقط،النّساء الثلاثة يعشن على الأنقاض،حارسات الذّاكرة.."لم يكن فندق كوسبي مجرد فندق عاد،لا،لقد ميدان لعب،مدرسة،ملجأ،يأتي إليه الناس ليتحدّثوا عن الموت التّي تؤرق حياة النّاس في المدن الكبيرة،الجّرائم المرتكبة في المسيسيبي،ماذا سيفعلون؟،لا شيء،ينظرون لأولاهم ويطرحون الأسئلة،لا إجابات بعد اليوم،انها الحيرة والحسرة والخوف من القادم،ثمّ تعبق الموسيقى بنغمات تنسيهم أفكار القلق البادي على وجوههم،تقنعهم بانه يوجد في العادة خلف الضّباب أمل،مخرج آمن لهم ولغيرهم.."..وتختم توني موريسون روايتها على لسان الرّاوية"عندما مات،تذكّرت إنني كنت اطبخ له لمدّة خمسين سنة وعلى مقربة مني أزهار الجّنازة مازالت جديدة عندما أدرت ظهري للنساء واختفيت.."..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.