ألح اللاعب الدولي السابق عبد العزيز قشير، على ضرورة أن تكون الأبعاد التي أخذتها قضية التسجيل الصوتي المسرّب، بمثابة نقطة الانطلاقة الفعلية لحملة محاربة الفساد في الوسط الكروي الجزائري، وأكد بأن طرح الملف على طاولة العدالة، كفيل بردع كل الأطراف التي عاثت في المنظومة الكروية الوطنية فسادا، لأن الوضع كما قال يتطلب تغييرا جذريا، ومسحا شاملا للأساليب «المافياوية»، التي حوّلت من النشاط الكروي فضاء للتلاعب بالمال العام دون حسيب ولا رقيب. حاوره: صالح فرطاس ابن مدينة القل، وفي حوار خص به النصر، أوضح بأن الحديث عن الفساد يضع الهيئات الكروية، النوادي، الحكام واللاعبين في بوتقة واحدة، وأشار إلى أن خلاص الكرة الجزائرية من هذا «الفيروس»، يمر عبر تغيير الذهنيات وتطهير كامل المحيط، كما عاد للحديث عن مشواره مع المنتخب، ووضع نفسه في خانة ضحايا الجهوية التي اعتمدها ماجر وفرقاني، في حين اعتبر نهاية مسيرته من شباب باتنة بالمؤسفة. - نستهل هذا الحوار بالحديث عن قضية الساعة وإيداع المدير العام لوفاق سطيف و وكيل لاعبين الحبس المؤقت، فما تعليقك على ذلك؟ يمكن القول بأن هذه القضية كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، رغم أنها ليست الأولى على الصعيد الوطني، لكن تحرك السلطات العليا للبلاد، ودخول وزارة الشباب والرياضة على الخط، بتحريك دعوى لدى الجهات القضائية، كان تماشيا مع السياسة المنتهجة من طرف الدولة بعد الحراك، والرامية أساسا إلى بناء جزائر جديدة، مع الحرص على محاربة الفساد بشتى أنواعه وفي جميع القطاعات، والمنظومة الكروية في بلادنا تجاوز فيها التعفن الخطوط الحمراء، وإصلاحها يستوجب التغيير الجذري، لأن الواقع الميداني يجعلنا بحاجة إلى ثورة شاملة، وإيداع مسؤول في نادي ووسيط معتمد الحبس المؤقت، قد يكفي لدق ناقوس الخطر في أوساط كل الأطراف الفاعلة في المشهد الكروي بالجزائر، لأن الإشكال القائم يكمن في الفراغ القانوني المسجل، والذي ترك مجال المناورة واسعا لدخلاء على عالم المستديرة، فأحكموا قبضتهم على التسيير، وحادوا بالكرة عن إطارها الرياضي، إلى درجة أنها أصبحت الفضاء المناسب للتلاعب بالمال العام، دون حسيب ولا رقيب، مادامت لغة الملايير قد طغت على المشهد من قمة الهرم إلى قاعدته، وهذه القضية لا يجب أن تتوقف عند التحريات في التسجيل الصوتي، بل أن توسيع دائرة التحقيقات، كفيل بإعطاء نفس جديد للمنظمة كروية الوطنية، وهي الخطوة التي طال انتظارها، لاستئصال الورم الخبيث الذي ظل ينخر جسد الكرة الجزائرية داخليا. - أيعني هذا بأنك توسع دائرة الاتهامات في الفساد إلى الهيئات الكروية ومسؤولي الأندية وكل الأطراف الفاعلة؟ الحديث عن الفساد يضع كل الأطراف في قفص الاتهام، لكن في كل شريحة هناك أشخاص نزهاء، إلا أن المشكل يتمثل في تغلب الأغلبية الفاسدة على الأقلية النزيهة، الأمر الذي جعل «المرض» يعشعش في كامل المحيط، انطلاقا من التحكيم، الذي يضع الحكام في خانة المتهمين في كل جولة، في وجود أطراف متخصصة في «الكولسة»، مرورا بالنوادي التي تحولت إلى فضاء قانوني للبزنسة، وذلك بإهدار أموال طائلة، واستغلال الإعانات الضخمة المتحصل عليها من السلطات العمومية للتلاعب بها، بانتهاج أساليب ملتوية، لأن كل الفرق أصبحت تعتمد نفس الإستراتيجية، ومن غير المنطقي أن يتم رصد منحة 20 مليون سنتيم لكل لاعب في مباراة عند بداية الموسم، دون تجاهل قضية الرواتب الخيالية للاعبين، لأن المستوى الحالي للبطولة تراجع بشكل كبير، ولا يوجد في الساحة من يستحق 400 مليون شهريا، وهذا المبلغ يمثل إجمالي مصاريف تسيير فريق عريق يشتهر بالتكوين، لتكون الحصيلة في نهاية الموسم، صرف كل ناد ما لا يقل عن 30 مليار سنتيم، دون تحقيق أي هدف، أو حتى تزويد المنتخب بعنصر قادر على حمل الألوان الوطنية، والفاف لا يمكن أن تخرج أيضا من هذه الحلقة، لأن قضية التعويضات المالية للمدربين الأجانب تلقي بظلالها، مادام الأمر يتعلق بمبالغ ضخمة من المال العام، ولا يمكن للمكتب الفيدرالي الحالي التستر وراء ما حققه الخضر عند التتويج باللقب القاري، لأن هذا الانجاز لا يحجب الرؤية عن النقائص الكبيرة المسجلة في مجال التسيير. - لكن الحديث عن الكواليس في الجزائر ليس بالأمر الجديد، بل يعود إلى الفترة التي كنت فيها لاعبا، أليس كذلك؟ نشاط الكواليس كان قد ظهر في البطولة الوطنية في تسعينيات الألفية الماضية، لكن الأمور لم تكن بهذه الدرجة، لأن كل الأندية كانت تتواجد على نفس الموجة، وتعاني من نقص الموارد المالية، بينما تغيرت المعطيات في العشرية الأخيرة، منذ اعتماد قانون الاحتراف، لأن هذه التجربة انعكست بالسلب على واقع المنظومة الكروية الوطنية، وأصبحت الأموال الانشغال الوحيد للاعبين، دون نظرهم بتفاؤل إلى مستقبلهم الكروي، بينما كان اللاعبون في وقتنا يضعون الألوان في المقام الأول، في غياب الأموال، مع المراهنة على تدعيم المنتخب والاحتراف بالخارج، وتغير معطيات المعادلة رأسا على عقب، انعكس بالسلب على المستوى الفني للبطولة، بدليل أن عشرية الثمانينات أنجبت جيلا حقق انجازا بقينا نتغنى به لفترة طويلة، والتعداد السكاني بالجزائر تضاعف، لكن عدم الاستثمار بعقلانية في المادة الخام، جعلنا ننتظر قدوم مغتربين للظفر باللقب القاري، مقابل الاعتراف بضعف البطولة الوطنية، مع الاشتباه في وجود تلاعبات في المنافسة، تصل حد التعيين المسبق للبطل والأندية المعنية بالسقوط، وهذا كله في الكواليس. - نعرج الآن على مشوارك الكروي، فما هي أبرز المحطات التي كانت لك مع المنتخب؟ يمكن القول إنني كنت ضحية الجغرافيا، لأنني من مدينة القل، وإصراري على رفض اللعب في أندية الوسط، جعلني أتعرض لكثير من الحقرة والتهميش، واستدعائي للمنتخب كان بعد معاينتي من طرف ماجر في مباراة احتفالية بصعود شباب باتنة إلى القسم الأول سنة 1993، بعد منافسة مع شباب قسنطينة، والتي تزامنت مع «جيبيلي» حاوزماني، وقد شاركت في العديد من اللقاءات الودية، لكن الطاقم الذي يقوده ماجر رفقة كل من أكسوح وبن ساولة، لم يمنحني الفرصة في المباريات الرسمية التي كانت تندرج في إطار تصفيات «كان 1996»، وبعد قدوم فرقاني حافظت على مكانتي في المنتخب، لأنني كنت دوليا في فئة الأواسط مع بعض زملائي أمثال بلعطوي وعاصيمي، وقد برزت في دورة دولية بالغابون، شارك فيها منتخبات الكاميرون وكوت ديفوار، إذ تم اختياري أحسن لاعب في الدورة، مع تتويجي بجائزة أفضل هداف، بتوقيعي ثلاثية في مرمى المنتخب الكاميروني، وهو الانجاز الذي جعل فرقاني يدرجني ضمن القائمة المعنية بالمشاركة في دورة «كان 1996» بجنوب إفريقيا، رغم أنني كنت في آخر تربص قد تعرضت لإصابة، نتجت عن تمزق عضلي، وحضوري في «الكان» كأساسي كان في لقاء بوركينافاسو، جاء بعد تشاجر معلق التلفزيون محمد مرزوقي مع فرقاني بسبب عدم إشراكي في المباراة الأولى ضد زامبيا، لكن الإصابة تجددت، ولعبت شوطا واحدا، وبعد انتهاء تلك المغامرة في ربع النهائي كان الموعد في جوان 1996، مع الدور التمهيدي لتصفيات المونديال أمام كينيا، إذ تنقلت إلى نيروبي ولم يشركني الطاقم الفني، إلا أن مقابلة الإياب بالجزائر، كانت نقطة النهاية لمشواري مع المنتخب. - هل من توضيحات أكثر بخصوص هذا القرار؟ بعد انهزامنا بنتيجة 3 / 1 في لقاء الذهاب بكينيا كان فرقاني يعتزم القيام بتغييرات كبيرة على التشكيلة الأساسية، بنية القدرة على تدارك الهزيمة، وقد تحدث معي مطولا في العديد من المرات خلال التربص، وأكد لي بأنه يراهن على خدماتي في لقاء العودة، لكنه في نهاية المطاف وضعني على الهامش، وقرر إبقائي في الدكة، وقد تشاجرت معه كلاميا، لأنني لم أتقبل القرار، فكان الإقصاء بالجزائر كارثة جعلت فرقاني يرحل، ويتعرف بعدها بأنني كنت ضحية لعبي في شباب باتنة، وقد طلب مني الالتحاق بأحد أندية الوسط للظفر بمكانة ضمن التشكيلة الأساسية، رغم أنني في الدورة الدولية بالغابون سرقت الأضواء، وكل المشاركين كانوا يعتقدون بأنني محترف خارج الجزائر، وانسحابي من المنتخب كان بعد توصلي إلى قناعة، تقضي ببقائي خارج الخيارات بسبب تواجدي في الشرق، ومهداوي عند تنصيبه كناخب وطني وجه لي الدعوة مرتين إلا أنني رفضت، وقد طلب مني دزيري العدول عن هذا القرار، غير أنني تمسكت بموقفي، لأن الجهوية كانت المعيار الأساسي في تلك الفترة. - ولماذا لم تغادر شباب باتنة نحو فريق كبير في تلك الفترة؟ لقد وجدت راحتي في هذا الفريق منذ انضمامي إليه سنة 1992، خاصة وأننا نجحنا في تحقيق الصعود إلى الوطني الأول في أول موسم، رغم أنني كنت في تلك الفترة، قد تلقيت الكثير من العروض، خاصة من شبيبة القبائل وشباب قسنطينة وشباب بلوزداد وإتحاد عنابة ومولودية الجزائر، وهي الاتصالات التي كانت تتجدد كل صائفة، غير أنني في كل مرة ألقي بالكرة في مرمى الإدارة، لأن علاقتي بأسرة «الكاب» كانت وطيدة، والاستقرار الذي عاشه الفريق في تلك المرحلة، ساعدني على معايشة واحدة من أغلى الفترات في تاريخ النادي، حيث كنا نمتلك مجموعة منسجمة ومتناسقة، وتفكيري كان منصبا على الاحتراف في الخارج، لكن ورغم أنني كنت مدلل الأنصار إلا أنني خرجت من الشباب عبر أضيق الأبواب، وهذا ما جعلني أحتفظ بذكرى تبقى بمثابة نقطة سوداء، في علاقتي مع هذا الفريق. - هل لنا أن نعرف تفاصيل هذه القضية؟ في سنة 1999 وبعد مباراة لعبناها بتيزي وزو أمام الشبيبة المحلية، جلس معي حناشي في الفندق وتقدم بعرض رسمي لانضمامي إلى الفريق، وأكد لي بأنه سيفتح لي بوابة الاحتراف في أوروبا، غير أنني وجهته نحو رئيس شباب باتنة بوعبدالله، الذي رفض تسريحي وطلب قيمة مالية خيالية للإمضاء على وثيقة التسريح، وهو القرار الذي صدمني، لأنني لعبت في «الكاب» 7 سنوات متتالية، والإصرار على قطع الطريق أمامي لوجهة أخرى، دفعني إلى الانسحاب من الشباب في نهاية الموسم، بعدما أحسست بنكران الجميل، وكنت قد تنقلت إلى الإمارات، إلا أن إدارة النادي رفضت إرسال ورقة الخروج، لتكون عواقب هذا التعنت قضائي موسما أبيض على حساب العودة إلى باتنة، وهذا من أجل ضمان التسريح الأوتوماتيكي، وعودتي إلى الملاعب كانت من بوابة شبيبة سكيكدة، التي لعبت لها 3 مواسم. - يمكن القول بأن الموسم الأبيض كان بمثابة نقطة النهاية لنجومية قشير؟ كلا.. فمشواري مع شبيبة سكيكدة كان مميزا، وقد لعبنا الأدوار الأولى في الوطني الثاني، لتبقى أحسن ذكرى مباراة نصف نهائي الكأس أمام اتحاد الجزائر، وكسبت ود الأنصار خلال هذه الفترة، ولو أنني لست محظوظا في الكأس، حيث أنني كنت قد دشنت مشواري مع وفاق القل بنهائي سنة 1985، لما خسرنا أمام شبيبة القبائل بهدف قاتل، وكنت حينها حاضرا مع الأكابر، رغم أنني من فئة الأواسط، والنهائي الثاني في مشواري كان بألوان شباب باتنة، وانهزمنا أمام اتحاد العاصمة سنة 1996.