تحدث رئيس المجلس الوطني للفنون و الآداب، الكاتب و المترجم الدكتور محمّد ساري، في حواره مع النصر، عن أهمية و مكانة المجلس كقطاع له دوره في تحسين وضعية الفنانين و الأدباء، و حماية حقوقهم و الاِرتقاء بالفن، مؤكدا أنّ أهم مشروع يهدف المجلس الجديد إلى إنجازه، هو تحضير وإعداد مشروع قانون الفنان والمهن الفنية، مع إصدار دليل للمهن الفنية و التعريف بها. كما يعمل المجلس حاليًا، على إنجاز بطاقة فنان جديدة إلكترونية معترفٌ بها، تسمح للفنان بحيازة رقم التسجيل الجبائي، و قد تمّ تحديد نهاية السنة الجارية لإتمام هذا المشروع، الذي اعتبره الدكتور ساري، بمثابة المكسب الكبير، إلى جانب مكاسب أخرى، سيوضحها المجلس -لاحقًا- بالتنسيق والتشاور مع الفنانين عمومًا. ساري أضاف أنّه في هذه الحالة سيصبح الفنان فاعلاً اِقتصاديًا يُساهم في تنشيط الاِقتصاد، وفق ما يسمح به قانون الاِستثمار والعمل، مؤكدا من جهة أخرى، أنّ الفنان لا يحتاج إلاّ إلى توفير الظروف المناسبة لعمله ورفع القيود البيروقراطية التي تلجم موهبته وتزرع اليأس في قلبه، وتجبره على التفكير في الهجرة إلى سماوات يجد فيها حريته ويُحقق ذاته الفنية. فمن غير المعقول ، كما قال، أن يصل الفنان إلى الشيخوخة وهو بلا ضمان اِجتماعي ولا حماية اِجتماعية في الجزائر المستقلة. حاورته/ نوّارة لحرَش . النصر: توليتم في الآونة الأخيرة منصب رئاسة المجلس الوطني للآداب والفنون، ما مدى ضرورة مثل هذه الهيئات بالنسبة للفنانين والأدباء؟ وهل هي كفيلة بحماية حقوقهم المادية والمعنوية والاِجتماعية و ترقيتها؟ محمّد ساري: إنّ المجلس هيئة اِستشارية، تتولى التفكير في شؤون الفنان عمومًا، تدرس القطاعات الثقافية و بالمشاركة مع الفنانين تقترح ما ينبغي فعله لتطوير وترقية الفنون جميعها، من فنون موسيقية و مرئية، تشكيلية و درامية ومسرحية وفنون الفرجة والسينما والسمعي البصري والفنون الأدبية. واقتراح قوانين تحمي الحقوق المعنوية و المادية و الاِجتماعية للفنانين. من غير المعقول أن يصل الفنان إلى الشيخوخة دون حماية اجتماعية . ما الّذي يمكن أن تقوله عن هذه الهيئة الثقافية، اِنطلاقا من أدائها في الأعوام الماضية، و لماذا اِنحصر هذا الأداء في مشروع البطاقة؟ عملت الهيئة السابقة ما استطاعت أن تعمله، وفق ما يسمح به قانون المجلس ذي الطابع الاِستشاري الّذي تتمثل مهمته في الاِقتراحات للوزارة الوصية و هي التي تتولى التنفيذ عبر مصالحها المتعددة، خاصة مصلحة تطوير الفنون و ترقيتها. وكانت فعلاً بطاقة الفنان من أولويات المجلس في السنوات الماضية، لحل معضلة أسياسية يعيشها الفنان وهي غياب الحماية الاِجتماعية لنسبة كثيرة، بالأخص أولئك الذين يشتغلون لحسابهم الخاص كالموسيقيين و الممثلين و الفنانين التشكيليين. فجاءت بطاقة الفنان لتمنح الحماية الاِجتماعية، بالتنسيق مع وزارة العمل والضمان الاِجتماعي، ليصبح بإمكان الفنان الحصول على الضمان الاِجتماعي و حيازة بطاقة الشفاء، إذ من غير المعقول في جزائر الاِستقلال، أن يصل الفنان إلى الشيخوخة وهو بلا ضمان اِجتماعي ولا حماية اِجتماعية، فجاءت البطاقة منقذة لكثير من الحالات الهشّة التي أذاعت وسائل الإعلام الكثير منها، فأدمت قلوب الجزائريين. ينبغي وضع حدّ لحالة الفنان التائه الّذي يستنجد دومًا بالغير . هل يمكن أن تُشخص بعض الاِختلالات التي يعاني منها المجلس، الّذي يعتبر كركيزة من المفروض أن تُبنى عليها المنظومة التي ستتولى مختلف الجوانب المتصلة بوضعية الفنان؟ المجلس ليس هيئة مستقلة ماليًا، كي تتمكن من اِتخاذ مبادرات بشأن وضعية بعض الفنانين، لكن المجلس يعمل على جعل المهن الفنية واضحة المعالم، وقد تمّ تسجيل 197 مهنة في القطاعات المذكورة أعلاه لدى وزارة المالية والصندوق الوطني للضرائب، و يسمح تسجيل هذه المهن للفنان على الحصول على رقم التسجيل الجبائي، مت يمكّنه من التصرف في أعماله الأدبية، كما يحدث في الدول المتقدمة، أي يستطيع الفنان تسويق أعماله الفنية تجاريًا، و يشارك باِسمه الخاص في المهرجانات الوطنية والدولية و يتفاوض مع المنتجين ومنظمي العروض الفنية حول مستحقاته المالية دون وسيط، لأنّه في هذه الحالة يصبح فاعلاً اِقتصاديًا يُساهم في تنشيط الاِقتصاد، وفق ما يسمح به قانون الاِستثمار والعمل. ينبغي وضع حدّ لحالة الفنان التائه الّذي يستنجد دومًا بالغير، عموميًّا كان أو خاص، للتصرف في ما يُنتجه بموهبته و فرادة إبداعه. بطاقة فنان إلكترونية تسمح بحيازة رقم التسجيل الجبائي . المجلس ظل منذ تأسيسه يشتغل على مشروع بطاقة الفنان، دون الاِشتغال على بقية التوصيات الأخرى. هل ترى أنّ مشاكل الفنانين أو الأدباء تتمحور فقط في «بطاقة» وفي «صفة» أو «شهادة اِنتساب»؟ للبطاقة مهمتان في مسألة الاِعتراف، هناك من يبحث عن الاِعتراف المعنوي، خاصة أولئك الذين يشتغلون بصفة دائمة في مؤسسات عمومية وخاصة، ويستفيدون من الحماية الاِجتماعية وبقية الحقوق كغيرهم من العمال في القطاعات المهنية الأخرى. هؤلاء مَحميون اِجتماعيًا ومهنيًا. أمّا الفنانون الذين يشتغلون على حسابهم الخاص، ويعتبر فنهم مورد رزقهم، أو يشتغلون بعقود ظرفية ومؤقتة و متقطعة، فهؤلاء بحاجة ماسة إلى بطاقة فنان رسمية معترف بها لدى مصالح الضرائب، و يعمل المجلس حاليًا على إعداد بطاقة جديدة إلكترونية معترف بها وتسمح للفنان بحيازة رقم التسجيل الجبائي، وهو مكسب كبير إذا تمكّننا من إنجازه، وقد حددنا نهاية السنة الجارية لإتمام هذا المشروع. . ما هي الخطوات و الاِقتراحات أو الترتيبات الواجب اِتخاذها من أجل أن يُحقق المجلس المرجو منه بشكل يخدم حقًا الفنانين والكتّاب الجزائريين؟و هل هناك مثلا إستراتيجية سيتم اِنتهاجها من طرفكم في قادم الأيّام؟ إنّ أهم مشروع يهدف المجلس الجديد إلى إنجازه، هو تحضير مشروع قانون الفنان والمهن الفنية. إذ سيسمح هذا القانون برفع اللبس عن كثير من الأمور. سيحدّد طبيعة العمل الفني وعلاقة الفنان بمختلف الهيئات العمومية منها والخاصة، و يمنح للفنان حماية قانونية و يضمن له حرية الإبداع، سواء بصفة فردية أو جماعية ضمن تكوين جمعيات و نقابات مهمتها الأساسية الحفاظ على عمل الفنان وحقوقه و واجباته عبر آليات كثيرة، كتحديد عمل المنتجين الفنيين و المؤسسات الفنية و منظمي المعارض والمكلفين عمومًا بالاِستثمار في الأعمال الفنية. لكلّ البلدان المتقدّمة قانون الفنان يحمي الفنانين، ويُوضّح ما لهم و ما عليهم. مهمتنا الأساسية التفكير و التشاور مع أهل الفن . هل سينفتح المجلس على اِقتراحات أهل القطاع، وهل يمكن النظر إليها كاِقتراحات ضرورية أو كدعامة لبرنامج أو خط المجلس؟ طبعًا مهمة المجلس الأساسية هي التفكير والتشاور مع أهل الفن. سنستمع إلى جميع القطاعات ونعد سويًا مشاريع لترقية و تطوير الفنون، فلا مجال لمصادرة رأي الفنان. إنه لا يحتاج إلاّ لتوفير الظروف المناسبة لعمله و رفع القيود البيروقراطية التي تلجم موهبته وتزرع اليأس في قلبه و تجبره على التفكير في الهجرة إلى سماوات يجد فيها حريته و يحقق ذاته الفنية. فلماذا لا تتوفر في بلدنا الظروف المشجعة و قوانين تحمي الفنان؟ هذا ممكن جدا بفضل سنّ قانون الفنان الذي يُراعي خصوصية العمل الفني في المساهمة في الترقية الثقافيّة الاِجتماعية والاِقتصادية عمومًا. الفن يهذب الذوق و يرتقي بالفرد و المجتمع . ما هو دور الفنون والثقافة في تهذيب الذوق العام والتوعية والرقي بالفرد والمجتمع؟ المعروف تاريخيًا ودوليًا أنّ الفن يُهذّب الذوق العام و يُساهم بشكلٍ كبير في ترقية الفرد داخل المجتمع، وفي تغيير و تحسين وتزيين طبيعة ونوعية الحياة اليومية للمواطن. حينما يجد المواطن مسارح مفتوحة يوميًا تقدّم عروضًا فنية مسلية مفيدة، و كذا في مجال السينما والموسيقى والفن التشكيلي وفنون الفرجة عمومًا، ويجد مكتبات تُجدد عناوينها بشكل دوري من كُتب ومجلات، تحلو له الحياة و يستمتع بالعيش في بلده ولا يُفكر في الهجرة ولا ينتابه اليأس فينحرف إلى سلوكات قد تضره و تضر المجتمع. فلو كانت العائلات الجزائرية تتوفر أمامها مثل هذه الهياكل الثقافية والأعمال الفنية، أكيد أنّ مشاكلها الجانبية ستنتفي لأنّ حياتها تحسّنت بفضل الفن، وارتقت بها إلى مصف العائلات المتمدّنة بالمعنى الحضاري للكلمة. وكلّ من سافر إلى العواصم الغربية الكُبرى يدرك ذلك خلال فترة قصيرة من إقامته بها. فعلاً الفن يُساهم في ترقية الفرد والمجتمع معًا. . ماذا عن مستقبل المجلس؟ هل هناك خطة قيد الاِشتغال للنهوض به وتحقيق ما جاء في توصيات و مقترحات التأسيس؟ أمام المجلس إعداد مشروع لقانون الفنان والمهن الفنية، مع إصدار دليل للمهن الفنية مع التعريف بها وسيوزع على الفنانين والمؤسسات الفنية وتلك التي لها علاقة مع الفن عمومًا. المهمة الثانية إنجاز بطاقة فنان إلكترونية وهي التي ستُعلي من شأن عمل الفنان وتضمن له حقوقه وحرية التصرف في أعماله، لأنّها تُحدد نوعية العلاقة مع المصالح التي يعنيها عمل الفنان. وهناك طبعًا مشاريع أخرى نعمل على إيضاحها أكثر، بالتنسيق والتشاور مع الفنانين عمومًا.