يشهد الموقع السياحي «ثبورث العينصر» الكائن بأعالي بلدية أسي يوسف في دائرة بوغني جنوب تيزي وزو، إقبالا معتبرا للعائلات التي تبحث عن السكينة والراحة، هروبا من الشواطئ التي تعرف اكتظاظا كبيرا بعد إعادة فتحها أمام المصطافين، وخوفا من الإصابة بكورونا في مثل هذه الأماكن، و يعتبر هذا «المتحف الطبيعي» متنفسا لسكان جرجرة. سحر المكان وهدوئه ونقائه، أهله ليكون الوجهة المفضلة للعائلات التي تقصده حتى من الولايات المجاورة، على غرار البويرة و بجاية و الجزائر العاصمة وبومرداس، للراحة و الاسترخاء تحت ظلال صخوره الشامخة المنقوشة، والاستمتاع بمنظر الشلالات المتدفقة من جبال جرجرة، وهو ما وقفت عليه النصر، حيث صادفنا عائلات قدمت من ولايات الأغواط و تيبازة و سطيف. مياه عذبة و طبيعة ساحرة ما يزيد من جمال «ثابورث العينصر « ومعناه باللغة العربية «باب المنبع»، ذلك الينبوع الطبيعي الذي يتواجد عند مدخل الموقع الساحر، حيث لا يمكن للزائر أن يواصل رحلته دون أن يتوقف عنده ليشرب من مياهه العذبة المتدفقة من جبال جرجرة، مع العلم أنه يعتبر موردا مهما لتزويد سكان قرى أسي يوسف في دائرة بوغني وسوق الاثنين في دائرة معاتقة، بالمياه الصالحة للشرب. لقد تمت تهيئته وتزويده بثلاثة عيون للرجال وثلاثة أخرى للنساء، تفاديا للاختلاط والازدحام، وتتميز مياه هذا المنبع بالبرودة طيلة فصول السنة، فضلا عن مذاقها العذب، كما أنها تتدفق بغزارة لتروي عطش كل الوافدين إلى هذا المعلم السياحي، وقد تم اتخاذ جميع التدابير لحمايته و ترشيد استخدام المياه، حيث يمنع غسل المركبات فيه. الطريق إلى «ثابورث العينصر»، الواقع في قلب الحظيرة الوطنية لجرجرة يبدو طويلا، لكن المناظر الطبيعية الجميلة التي يمر أمامها الزوار ، تجعل الرحلة متعة حقيقية. ويلاحظ الوافدون على هذا الفضاء الطبيعي الخلاب، الذي تم غلقه خلال فترة الحجر الصحي، أن مدخله عبارة عن جبلين شامخين أبدع الخالق في صنعهما، يتوسطهما طريق واسع يقطعه السياح مشيا على الأقدام، للوصول إلى الجهة المقابلة التي تتميز أيضا بجمال فريد من نوعه ، حيث يخيل للزائر أنه متواجد بإحدى البلدان الأجنبية، نظرا لروعة وسحر الطبيعة التي تحيط به، من صخور عالية ومغارات وشلالات صغيرة تنحدر منها المياه، دون انقطاع، فضلا عن التلال الخضراء المليئة بأنواع مختلفة من الأشجار والنباتات والورود ما يضفي على المكان انتعاشا في عز فصل الصيف. شبان متطوعون لحماية الموقع من التلوث و النهب عند وصول المتنزهون إلى «ثابورث العينصر»، يستقبلهم شباب متطوعون من القرى التابعة لبلدية أسي يوسف، على غرار آث الحاج وآث حواري و هم يرتدون سترات صفراء، مهمتهم الحفاظ على هذا الموقع من ناهبي الحجارة و ملوثي الطبيعة، كما يقومون بتوجيه العائلات و حراسة مركباتها في موقف السيارات، دون طلب مقابل مادي. كما يسهرون أيضا على راحتها وأمنها ليستمتع أفرادها بيومهم ويواصلون رحلتهم بين الممرات الصخرية الطويلة، دون أن يزعجهم أحد، حيث لا يتم التسامح مع أي كان يرتكب سلوكا أو تصرفا سيئا في هذا الموقع السياحي الهادئ، فالعديد من العائلات التي تأتي لاكتشاف عجائب «ثابورث العينصر»، تقوم بممارسة رياضة المشي السريع وسط الطبيعة والأشجار المتشابكة للوصول إلى «بحيرة أقولميم» أو «ثمذا أوقلميم» التي تبعد عنه بحوالي 10 كلم، وتقع على علو 1750 متر عن سطح البحر، حيث يستغرق الصعود إليها، انطلاقا من «ثابورث العينصر» ما بين 3 و 4 ساعات، لتستمتع هذه العائلات بعد وصولها إلى أعلى قمة بإبداع وصنع الخالق في الطبيعة، و تمتع نظرها بما يضم حضن هذه البحيرة الواسعة و التي تتربع على مساحة قدرها ثلاثة هكتارات، من كنوز نباتية وحيوانية تزيدها جمالا و رونقا يجعل منها متنفسا بيئيا حقيقيا لروادها كنوز نباتية و حيوانية و»ثمذا أوقلميم» لمن لم يكتشفها بعد، تقصدها مختلف أنواع الطيور النادرة تتخذ من البحيرة مصدر عيشها ، سواء القاطنة أو المهاجرة إلى المنطقة، كما ينمو بها 15 نوعا من الأعشاب الطبية النادرة، بسبب اختلاف التضاريس و الظروف الطبيعية في المنطقة، حيث أشارت العديد من الأبحاث أن المكان يزخر بعينات تستعمل في المستحضرات الصيدلانية. من أجل تطوير «ثابورث العينصر» وتهيئة هذا الموقع الهام في جرجرة، خصّص المجلس الشعبي الولائي لتيزي وزو، غلافا ماليا بقيمة ملياري(02 ) سنتيم لتزويده بمرافق خدماتية وتجارية وترفيهية يجب أن تتوفر في مثل هذه الأماكن التي تستقطب الزوار من داخل وخارج الوطن، ومن أجل تشجيع السياحة الجبلية والبيئية، وكذا رد الاعتبار لهذا المعلم السياحي الذي تفتخر به منطقة القبائل، حيث ظل مهملا ومنسيا لعدة سنوات، رغم سحره وجماله، وهو ما جعل السلطات الولائية تلتفت إليه وتخصص له ميزانية لتهيئته .