لجنة التحقيق تنفي استهداف أي طرف وتؤكد مسؤولية الحكومة في ضبط السوق صادق نواب المجلس الشعبي الوطني، أمس، بالإجماع في جلسة علنية على قرار نشر تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول ندرة و ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع في السوق الوطنية كليا أو جزئيا. وانتقد نواب حركة النهضة، عدم عرض التقرير على المناقشة في الجلسة العلنية، وهو ما رد عليه رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، بالتأكيد، بان القانون الداخلي، يجيز فقط التصويت على نشر التقرير كليا أو جزئيا دون مناقشة مضمونه. وقال رئيس لجنة التحقيق البرلمانية حول الزيت والسكر، كمال رزقي، خلال ندوة صحفية، أن لجنته “لم تأت لتصفية حسابات ولا لتبييض جهة على حساب أخرى”، مشيرا بان عمل اللجنة تمحور حول تحديد أسباب ندرة مادتي السكر والزيت، وان رفض الربط بين هذه الندرة والاضطرابات التي عرفتها البلاد في جانفي الفارط، إلى انه المح إلى وجود علاقة بين هذه الندرة والاضطرابات، كما أكد المتحدث، أن اللجنة فضلت عدم الاستماع لممثلي مصالح الأمن، بحكم أنها لم تكن معينة بالتحقيق في أسباب الاضطرابات التي عرفتها البلاد. كما رفض كمال رزقي، الانتقادات الموجهة للجنة بخصوص عدم تحديد المسؤوليات، مشيرا بان التقرير “قام بتحديد هذه المسؤوليات” موضحا أن كل طرف له وجهة رأيه الخاصة في التعامل مع ما جاء في التقرير، مشيرا إلى جملة النقائص التي حددتها اللجنة في تنظيم السوق، وسياسة الدعم، والأوضاع الاحتكارية، مشيرا بان الحكومة مطالبة بإيجاد الحلول المناسبة لمعالجة الاختلالات. ورفضت اللجنة الحديث عن لوبيات أو أيادي خفية عملت على تأليب الشارع، رغم أن هذا الأمر تردد كثير في كواليس اللجنة، إلا انه لم تتم الإشارة إليه في التقرير الرسمي. وأوضح المتحدث، بان الحكومة، أخذت بعين الاعتبار التوصيات التي خرجت بها اللجنة، لا سيما مسألة منع الاحتكار، وتفعيل مجلس المنافسة، إضافة إلى مراجعة سياسة دعم الأسعار، ملمحا بان قرار التعامل بالصكوك في التعاملات التجارية، تم تأجيله ولم يتم التخلي عنه نهائيا، مؤكدا بان الحكومة ستطبق الإجراء حالما تتوفر الظروف المناسبة. وقد قدمت اللجنة في تقريرها، أسباب عديدة أدت إلى ارتفاع مادتي السكر والزيت والتي كانت وراء الاضطرابات التي عرفتها البلاد في جانفي الماضي، منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية خاصة مادتي السكر والزيت في الأسواق العالمية وفي الدول المنتجة، نتيجة لعوامل اقتصادية ومناخية، واستعمال هذه المواد لإنتاج الوقود الحيوي، إضافة إلى المضاربة والانعكاس الفوري له على أسعار هذه المواد في السوق الوطنية. كما أكدت اللجنة في تقريرها على عامل المضاربة الذي تعرفه السوق الوطنية، نتيجة ما أسمته “الممارسات الانتهازية لبعض التجار” من خلال “بيع المخزون القديم بأسعار جد مرتفعة”، كما أشارت اللجنة إلى النقص في تنظيم السوق، وعدم نجاعة الرقابة، بسبب قلة الوسائل المادية والبشرية، وغياب ما أسمته “التنسيق الأفقي” بين مصالح الرقابة التابعة لمختلف القطاعات، ونقص الفضاءات التجارية، وأسواق الجملة، والأسواق الجوارية وانتشار الأسواق الموازية. كما أشار التقرير إلى غياب “مجلس المنافسة” كآلية لضبط السوق والحد من الممارسات التجارية المنافية لقواعد المنافسة، مما أدى إلى وجود وضعية هيمنة في السوق، وأشارت إلى شركة “سيفتال” كمثال على الهيمنة على مادتي السكر والزيت. كما تطرقت اللجنة إلى بعض القرارات التي اتخذها المتعامل “سيفتال” قبل ارتفاع الأسعار، ومنها لجوء هذا المتعامل (استنادا إلى تصريحات وزير التجارة وعدد من المتعاملين الاقتصاديين) إلى اتخاذ إجراءات انفرادية، تقضي بإجبار تجار الجملة على إثبات إيداع الحسابات التجارية، وإلزامية حضور صاحب السجل التجاري، وفرض التعامل بالصك، رغم أن هذه التدابير كانت قد أقرتها الدولة وكان من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ بداية من شهر افريل الفارط، قبل أن تقرر الحكومة إلغاء العمل بها بعد موجة الاحتجاجات التي عرفتها البلاد. وأوضح رئيس مجموعة “سيفتال” ايسعد ربراب، لدى استقباله من طرف اللجنة، أن الملف المطلوب من زبائنه اقتصر فقط على البطاقة الضريبية والسجل التجاري، وقال بان المجمع حاول تحضير الزبائن لبداية تطبيق التعامل بالصكوك بدل التسديد نقدا، مما أدى إلى امتناع العديد من التجار من اقتناء مادتي السكر والزيت، وهو ما نتج عنه ندرة حادة في السوق، والتي استغلها تجار الجملة لرفع أسعار المادتين بصورة مفرطة وغير مبررة. وقالت اللجنة في تقريرها، أن تجار الجملة تخوفوا من دخول قرار إجبارية استعمال الصكوك حيز التنفيذ، بالنسبة للمعاملات التجارية التي تفوق قيمتها 500 ألف دينار ابتداء من شهر افريل 2011 . وكشفت إفادة محمد بن مرادي، وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، أمام اللجنة، أن أزمة السكر والزيت، كانت مفتعلة، بدليل أنه لم يكن هناك توقف للإنتاج خلال شهري ديسمبر 2010 وجانفي 2011 لدى أي من المنتجين والصناعيين، ما يعني أن المشكلة لم تتعلق إطلاقا بالندرة وإنما بالتوزيع والتموين، من جانبه، أكد المدير العام للجمارك، محمد عبدو بودربالة، بدوره أن “مادتي السكر والزيت غير معنيتين بالتهريب عبر الحدود”، ما يؤكد فرضية الاحتكار المؤدي إلى المضاربة. فيما نفى المدير العام للضرائب عبد الرحمان راوية، وجود أية علاقة بين الضريبة ورفع أسعار مادتي السكر والزيت، كما نفى أن تكون الشروط التي فرضت على الموزعين بالجملة صادرة عن مديرية الضرائب، أو تكليف “سييفيتال” بفرض تلك الشروط، مشيرا إلى أنه “تم إخضاع المتعامل سيفيتال إلى إجراء مراجعة الحسابات في ماي من سنة 2009، في إطار المراقبة العادية، فكان أول إشعار بإعادة التقويم في ديسمبر 2010”. مطالبة بمراقبة الدواوين المخصصة لضبط الأسعار كما حملت اللجنة الدواوين التي استحدثتها الدولة لضبط أسعار المواد الاستهلاكية، وأشارت إلى سوء توزيع المادة الأولية لإنتاج الحليب من طرف الديوان الوطني للحليب، مما أدى إلى اختلالات في إنتاج حليب الأكياس، إضافة إلى ضعف تسيير الديوان الجزائري المهني للحبوب، وعدم تحكمهما في عملية شراء المواد الأولية على مستوى الأسواق العالمية، وهو ما يطرح -حسب اللجنة- مشكلة الشفافية في تسيير المال العام، إضافة إلى ضعف المراقبة التي تقوم بها الدواوين على مسار المواد المدعمة لمنع تحويلها إلى استعمالات أخرى. إضافة إلى ذالك لاحظت اللجنة، غياب خلية يقظة تشهر على متابعة تقلبات أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، حيث تقوم بإرشاد المتعاملين عند قيامهم بعمليات الاستيراد، إضافة إلى توقيف العمل بنظام الحصص منذ 2010. وأشارت اللجنة في تقرير إلى عدم استجابة تجار الجملة للاستدعاء الموجه إليهم من طرفها طبقا للمادة 83 من القانون العضوي، عن طريق وزارة التجارة، كونهم معنيون بالإجراءات المتعلقة باستعمال الصك والفوترة، وإخضاعهم للرقابة المختلطة. اللجنة توصي بإنهاء هيمنة إنتاج السكر والزيت وإنشاء لجنة لمراقبة الأسعار وفي الشق المتعلق بالتوصيات، دعت اللجنة إلى تنصيب وتفعيل مجلس المنافسة لضبط السوق، واقترحت استحداث خلية يقظة على مستوى رئاسة الحكومة، مكلفة بمراقبة تطورات الأسواق العالمية، كما دعت إلى تنظيم السوق الوطنية، بالإسراع في انجاز الفضاءات التجارية وأسواق الجملة والأسواق الجوارية وضمان توزيعها على المستوى الوطني. كما أوصت اللجنة، بتعزيز مصالح الرقابة بالوسائل المادية والبشرية لتمكينها من أداء مهامها في أحسن الظروف، مع العمل على تحسين التنسيق بين مختلف مصالح الدولة لتحقيق الانسجام، لضمان رقابة مستمرة، والعمل على إدماج النشاطات التجارية الموازية في نطاق التجارة المشروعة، مما سيسمح بالتحكم في التجارة وإنعاش الاقتصاد الوطني. كما أوصت بالعمل على الحد من الهيمنة في مجال إنتاج مادتي السكر وزيوت المائدة، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، مع تشجيع ودعم زراعة البذور الزيتية كالصوجا وعباد الشمس، وكذا قصب السكر والشمندر السكري، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في نشاط عصر البذور الزيتية وقصب السكر والشمندر السكري، بدل استيراد الزيت الخام والسكر الخام، وبذالك تقليص فاتورة الاستيراد. المطالبة بتسقيف الواردات واستعادة الشركات المخوصصة كما أوصت اللجنة في تقريرها، بإعادة النظر في المؤسسات العمومية التي تمت خوصصتها، ولم تحقق النتائج المرجوة، مع التفكير في آلية لضبط السوق لهذه المواد الإستراتيجية ضمانا للاستقرار الاجتماعي. كما دعت إلى فتح نقاش وطني ومعمق لمراجعة سياسة الدعم لاستهداف الطبقة الاجتماعية الضعيفة المستحقة من جهة، ومن جهة أخرى، دعم الإنتاج بدل الاستهلاك، وهذا قصد الحد من استنزاف المال العام، كما أوصت اللجنة بإعادة النظر في تنظيم الدواوين العمومية وسيرها، لإضفاء أكثر شفافية وفعالية على نشاطها. وقالت اللجنة، أن تضاعف فاتورة الاستيراد خلال العام الجاري، يستدعى، إعادة النظر في إجراء تعويض فوارق السعر والاعفاءات من الرسوم والحقوق الجمركية لصالح المتعاملين، بتسقيف حجم الاستيراد الممثل للاحتياجات الوطنية، وذلك من اجل ضبط النفقات وتخفيف العبء على الخزينة العمومية.