أوصت لجنة التحقيق البرلمانية في أحداث جانفي الفارط بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك بمراجعة سياسة الدعم التي تكلف الخزينة العمومية 3000 مليار دينار سنويا للحد من استنزاف المال العام، كما طالبت بإعادة تنصيب مجلس المنافسة لضبط السوق واستحداث خلية يقظة على مستوى رئاسة الحكومة لمتابعة تقلبات الأسواق العالمية. يقع تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول ندرة وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك في السوق الوطنية في 120 صفحة، التقرير الذي أحيط بسرية تامة سيكون محل جلسة نقاش لنواب المجلس الشعبي الوطني الأحد المقبل للفصل في قضية نشره التي ما تزال محلّ جدل بين مطالب بنشر نتائج لجنة التحقيق كاملة وبين معارض للنشر. تقرير لجنة التحقيق تضمن بالتفصيل مسار عمل اللجنة منذ تنصيبها في 27 أفريل الفارط والتي ترأسها النائب عن حزب الأفلان محمد كمال رزقي والتي عقدت 52 اجتماعا خلصت بعد تحليل معمق للمعلومات والمعطيات التي جمعتها اللجنة إلى عدة نتائج حول الأسباب التي كانت وراء الزيادة المفاجئة في أسعار المواد واسعة الاستهلاك كما اقترحت اللجنة 17 توصية لتفادي حدوث أزمات مماثلة في المستقبل. ومن بين النتائج التي وصلت إليها لجنة التحقيق البرلمانية أن ارتفاع الأسعار في جانفي الفارط كان نتيجة للممارسات الانتهازية لبعض التجار من خلال بيع المخزون القديم بأسعار جد مرتفعة وكذا النقص في تنظيم السوق وعدم نجاعة الرقابة لقلة الوسائل المادية والبشرية وغياب التنسيق الأفقي بين مصالح الرقابة التابعة لمختلف القطاعات ونقص الفضاءات التجارية وأسواق الجملة. كما تحدث تقرير لجنة التحقيق غياب مجلس المنافسة كآلية لضبط السوق والحد من الممارسات التجارية المنافية للمنافسة مما أدى إلى وجود وضعية هيمنة في السوق للمتعامل “سفيتال” بالنسبة لمادتي الزيت والسكر، فضلا عن تخوف تجار الجملة من دخول الإجراء المتضمن استعمال الصك في المعاملات التجارية التي تفوق 50 مليون سنتيم حيز التطبيق. كما أشارت اللجنة إلى قضية ضعف تسيير الديوان الجزائري المهني للحبوب والديوان الوطني المهني للحليب وعدم تحكمهما في عملية استيراد المواد الأولية على مستوى الأسواق العالمية، وهو ما يطرح مشكلة الشفافية في تسيير المال العام، مبرزة في الوقت نفسه ضعف رقابة الدواوين على مسار المواد المدعمة وتحويلها إلى استغلالات أخرى. وفي سياق موصول بالأسباب التي كانت وراء احتجاجات الزيت والسكر، أثارت لجنة التحقيق مسألة غياب خلية يقظة تسهر على متابعة تقلبات أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية وإرشاد المتعاملين في عمليات الاستيراد وكذا توقيف العمل بنظام الحصص منذ سبتمبر 2010 الذي فرضه اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. أما التوصيات التي شددت عليها لجنة التحقيق البرلمانية في تقريرها الذي سلمت نسخة منه لرئيس الجمهورية وأخرى للوزير الأول فقد حددتها في 17 نقطة أهمها المطالبة بإعادة تنصيب وتفعيل مجلس المنافسة لضبط السوق واستحداث خلية يقظة على مستوى رئاسة الحكومة والعمل على الحد من الهيمنة في مجال إنتاج مادتي السكر والزيت بتشجيع الاستثمار في هذا المجال وفتح نقاش وطني مسؤول ومعمق لمراجعة سياسة الدعم لاستهداف الطبقة الاجتماعية المستحقة من جهة ودعم الإنتاج بدلا من الاستهلاك للحد من استنزاف المال العام، كما أوصت اللجنة في تقريرها بإعادة تنظيم الدواوين العمومية وإضفاء أكثر شفافية وفعالية على نشاطها.