اتخذت عديد السيدات من مرافقة المرضى في المستشفيات، مصدر رزق، فقد فضلن رعاية المرضى و المبيت بجوارهم و تحمل أنينهم، على مد أيديهن و طلب المساعدة من الآخرين، و منهن من لم تكبح جائحة كورونا و مخاطر العدوى عزيمتهن و واصلن العمل، مثل السيدتين فهيمة و وفاء اللتين أحبتا عملهما و واصلتا ممارسته بتفان و إخلاص، فساهمتا في سد غياب وظيفة مرافق مريض، كما قال المكلف بالمنازعات بنقابة شبه الطبي خالد رماش، مشيرا إلى أن هذا النشاط مواز غير مقنن، و لا يندرج في سلم الوظائف بالمستشفيات، مضيفا بأن النقابة طالبت باعتماد جمعيات تتكفل بتوفير مرافقين للمرضى في إطار رسمي. أسماء بوقرن فهيمة تابتي مرافقة مرضى منذ 25 سنة بدأت بالمرافقة المنزلية قبل العمل بالمستشفيات بدأت السيدة فهيمة تابتي، ذات 48 سنة، العمل كمرافقة مرضى منذ سنوات طويلة، فقد وجدت فيه ما ينتشلها من عالم البطالة، بعد مغادرتها مقاعد الدراسة في سن مبكرة، و مرورها بظروف اجتماعية صعبة، فقد توفيت والدتها و هي في سن 12 سنة، و تزوج والدها من امرأة أخرى، ما جعل حياتها تتغير تماما. و أوضحت المتحدثة أنها بدأت تمارس نشاط مرافقة المرضى بالصدفة، عندما كانت في ربيعها 20، و ذلك سنة 1996، حيث طلبت منها إحدى قريباتها مساعدتها في التكفل بزوجها المريض بالبيت، فقضت مدة طويلة معها، و أدركت أن هذا النشاط رغم أنه متعب، إلا أنه نبيل و إنساني، ما جعلها تفكر في اعتماده عملا لتأمين عيشها. و تحقق لها ذلك، عندما تلقت عرضا للعمل بحي سيدي مبروك كمرافقة لزوجين مسنين، و كان الزوج يعاني من نوبات الصرع، و قضت أكثر من ثلاثة أشهر في منزلهما، و توفيا تباعا، و كانت التجربة مأساوية، غير أن ذلك لم يثبط عزيمتها، و تمسكت بهذا النشاط الذي ترى بأنه إنساني شريف يكسب من يمارسه الثواب، فتكفلت بمرافقة عديد السيدات المريضات و المسنات ببيوتهن، من بينهن، كما قالت، أخت رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش التي كانت تقيم بولاية قسنطينة، قبل أن يوافيها الأجل. و أضافت فهيمة، التي تعمل حاليا كمرافقة لمريضة أصيبت بنوبة قلبية تمكث حاليا بمستشفى بقسنطينة للعلاج، بأن نشاطها توسع و لم يعد يقتصر على العمل بالبيوت، بل انتقلت للعمل بالمستشفيات أيضا، حيث أصبحت عائلات تتصل بها لمرافقة أقاربها المرضى. أول مرة عملت فيها في المستشفى، كانت بمصلحة أمراض الأعصاب،كما قالت للنصر، حيث رافقت سيدة من عزابة مكثت هناك 3 أشهر و نصف، ثم أصبحت تتنقل بين المصالح بعد أن عرفها الكثيرون، و ذكرت بأنها تمكث مدة طويلة مع كل مريض، قد تتجاوز أحيانا 3 أشهر و لم يعد نشاطها منحصرا بين مستشفيات قسنطينة و إنما تعداها لولايات أخرى، حيث رافقت زوجات شخصيات معروفة خلال فترة مرضهن، بمستشفيات العاصمة و ورقلة و عنابة و بجاية، مؤكدة بأنها توافق على العمل لمدة طويلة، مقابل ألفين دينار لليلة الواحدة، و ألف و 500 دينار للنهار الواحد. و أضافت المتحدثة، بأنها ربطت علاقات بأطباء و رؤساء مصالح و ممرضين، ما ساهم في تسهيل عملها ، و التكفل الأمثل بمرضاها، حيث أنها تصر على الإطلاع على حالة كل مريض ترافقه و كيفية التكفل به، ما جعلها تكتسب خبرة كبيرة حول أنواع الأمراض و أعراضها، مشيرة إلى أنها و بمجرد أن تطلب مساعدة طبيب أو ممرض، إذا أصيب مريضها بوعكة أو تدهورت حالته، يتم التكفل به فورا، مضيفة بأنها تقدم عدة خدمات للمريض، حيث تتكفل بنقله لإجراء التحاليل الطبية، كما تقوم بإطعامه، و تطهير جروحه و تغيير ملابسه و فراشه و غير ذلك . و عن الحالات التي أثرت كثيرا على فهيمة، قالت بأنها لا تعد و لا تحصى، من بينها سيدة تدعى رحيمة في 60 عمرها من قسنطينة، فقد طردها ابنها و ألقى بها في الشارع، و بقيت دون مأوى، إلى أن تم نقلها إلى المستشفى في حالة سيئة جدا. ملازمة تتواصل حتى بعد مرحلة الاستشفاء وأضافت بأنها كانت آنذاك مكلفة بمرافقة إحدى المريضات، لكنها تطوعت لمساعدتها مجانا، فقامت بغسلها و تنظيفها و تقديم العناية الكاملة لها، و ظلت إلى جانبها لمدة 20 يوما، قبل أن يوافيها الأجل. كما تأثرت كثيرا بوفاة فتاة في 17 سنة من عمرها، رافقتها في رحلة علاجها لمدة سنة و نصف ، مكثت 3 أشهر منها في مصلحة الطب الداخلي بالمستشفى، ثم تنقلت بين المصالح إلى أن وافتها المنية بمصلحة الإنعاش. و أكدت فهيمة أن علاقتها بالمرضى علاقة إنسانية صادقة، و تظل تتابع وضعهم الصحي، حتى بعد مغادرتهم المستشفى، و لا ينتهي عملها في المرافقة، بل يتعداه أحيانا إلى تغسيل مريضاتها اللائي يوافيهن الأجل، سواء في بيوتهن أو في المستشفى، حيث ترافقهن إلى مصلحة غسل الأموات و تشرف بنفسها على العملية، و ختمت حديثها بالتأكيد أنها لم تتوقف عن عملها في أوج الأزمة الوبائية، فأصيبت بفيروس كورونا. وفاء بن محمد تمارس النشاط منذ 11 سنة أقضي رمضان و الأعياد مع المرضى بعيدا عن أولادي من جهتها قالت وفاء بن محمد، التي قضت 11 سنة كمرافقة مرضى، بأن ممارستها لهذا النشاط، كان بمحض صدفة، حيث اقترح عليها أحد أقاربها مرافقة خالته المريضة بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، و كانت آنذاك في 38 من عمرها، و لم تكن تملك أدنى فكرة أو تصور لمهام المرافقة ، عندما قررت خوض التجربة لأول مرة، حيث رافقت المريضة لمدة 15 يوما، فشعرت بالارتياح و هي تؤدي مهمتها، و اتخذت لاحقا من مرافقة المرضى مصدر رزق لإعالة أسرتها. و أكدت المتحدثة للنصر، أن مرافقة المريض صعبة للغاية، تتطلب الصبر و العزيمة و القدرة على خدمة المريض و مراعاة حالته، و التعامل معه بإنسانية، كما تستدعي التضحية، و اعتبرتها صفة أساسية يجب أن تتوفر في من يؤدي هذه المهمة. و أضافت أنها تضطر للابتعاد عن أسرتها و قضاء المناسبات الدينية بعيدا عنها، من أجل التكفل بمريضها و توفير لقمة العيش لأولادها، مشيرة إلى أنها قضت شهر رمضان و عيد الفطر عدة مرات بالمستشفيات، و تتناول إفطارها من الوجبات التي تتبرع بها الجمعيات، مؤكدة بأنها تعودت على ذلك و لم تعد ترىفي ذلك مشكلة. المتحدثة قالت بأن زوجها توفي سنة 2009، و تعيل حاليا ثلاثة أولاد، واجهوا في البداية صعوبات في العيش بعيدا عنها، فابنتها الكبرى عمرها 23 عاما و الصغرى 17 سنة، أما ابنها البكر فقد تخرج من الجامعة منذ سنتين، مشيرة إلى أن وفاة زوجها و هو في ريعان شبابه، جعلها تبحث عن وظيفة شريفة لتلبية احتياجات أبنائها، فوجدت نفسها تقوم بدور الأب و الأم معا. و من بين الحالات التي رافقتها و تأثرت كثيرا بها، سيدة طاعنة في السن، كانت تناديها « ما عزيزة» و رافقتها عندما مكثت بمصلحة الطب الداخلي بالمستشفى للعلاج، لمدة 4 أشهر و ثلاثة أيام، و عندما توفيت حزنت كثيرا لفراقها. و لا يمكن أن تنسى، كما أكدت، سيدات تخلى عنهن الأبناء بمجرد نقلهن إلى المستشفى و الاتفاق معها لمرافقتهن، فكانوا لا يزوروهن و لا يتصلون بهن، كما وقفت على حالات لمريضات لا يكلف ذويهن أنفسهم، حتى تكليف شخص لمرافقتهن، و يغادرون بمجرد إيصالهن، فتتطوع لمرافقتهن و رعايتهن. و أضافت وفاء أنها تتلقى اتصالات كثيرة من عائلات مرضى، بعد أن أثبتت تفانيها و إخلاصها في عملها، كما شكلت شبكة علاقات مع الأطباء و الممرضين و رؤساء المصالح، ما ساهم في تسهيل مهامها و التكفل الأمثل بمريضاتها، من خلالها إلمامها بأدق تفاصيل مرضهن و الاستفسار عن وضعهن باستمرار ، مقرة بأنها عملت في عدة مصالح، من بينها الإنعاش، و ابن سينا و طب الأعصاب و أمراض الجهاز الهضمي، و غيرها من المصالح، و تلبي طلبات المرضى بمستشفيات قسنطينة. و أضافت أن هذا العمل يؤثر كثيرا على الحالة النفسية لمن يمارسه، نظرا للتأثر الشديد بوضعية المرضى و الحالات الاجتماعية التي يعاني منها بعضهم، و كما يؤثر على الحالة الصحية و الجسدية، لأن مرافقة المرضى تتطلب قضاء، في بعض الأحيان، ليالي بيضاء ، و مساعدته في التنقل من مكان لآخر، و حمله إذا كان مقعدا، لكن رغم كل المتاعب فهي تشعر بارتياح كبير لمساعدة شريحة المرضى و التخفيف عنهم. خالد رماش مكلف بالمنازعات بالنقابة الجزائرية للقطاع شبه الطبي طالبنا بإسناد مهمة توفير مرافقين للمرضى للجمعيات أكد خالد رماش مكلف بالمنازعات و الإعلام و الاتصال بالمكتب الولائي للنقابة الجزائرية لشبه الطبي بقسنطينة، بأن مرافقة المرضى من الناحية القانونية، عبارة عن نشاط مواز فردي غير مقنن، فرضته الظروف الحالية، فلا توجد وظيفة مرافقة مريض في سلم الوظائف، لكن هناك مهام يكلف بأدائها مساعدو التمريض كتأمين حاجيات المريض و توفير الحماية له، و العمل كوسطاء بين الطبيب و الفريق المعالج المتابع للحالة و العائلة، فيضمن التواصل الفعال، لكن النقص الفادح ، حسبه، في شبه الطبيين على المستوى الوطني، جعلهم يضمنون التكفل القاعدي بالمريض، كقياس ضغط الدم و الحقن، و أيضا السهر على تعقيم الأفرشة، بالتعاون مع الممرض، و تحت إشراف الطبيب المسؤول، و كذا مراقبة النظام الغذائي للمريض، مشددا بأن النقص الفادح في شبه الطبيين يحول دون تقديم الخدمة كما يجب، حيث نجد مثلا على مستوى المصلحة الواحدة شخصين فقط، ما يؤدي حتى إلى تداخل الوظائف، حسبه . و أوضح المتحدث بأن النقابة تقدمت باقتراح للقطاع، من أجل تكوين عون مصلحة، « ساعي» للقيام بدور مرافق المريض، في ما يتعلق بتنقلاته داخل المستشفى لإجراء التحاليل و غيرها، و كذا مرافقته إلى المرحاض. و أضاف بأن الهيئة تقدمت بطلب للجهات المعنية من أجل إسناد مهمة توفير مرافقات، للجمعيات المعتمدة، ليكون الشخص المرافق معروفا، و يعمل في إطار قانوني، و كذا لضمان الأمن داخل المستشفى، حسبه. أ ب