فتيات صغيرات يتهافتن على تعلم رقص البالي سيرين ، ماريا ، مايا و روفيا صغيرات تتراوح أعمارهن ما بين 4 و9 سنوات، سحرهن رقص البالي الذي سمعن به من صديقات لهن في المدرسة أو تأثرن به من خلال الرسوم المتحركة، أو كان رغبة من أمهاتهن اللواتي سارعن بتسجيلهن في دروس هذا الفن الراقي الذي ارتبط بمظاهر الأبهة و الأستقراطية ، و يقوم المركب الرياضي الجواري بحي بوالصوف بمدينة قسنطينة بتخصيص صفوف لتدريسه، حيث يحرصن على الحضور في الموعد الأسبوعي ، وكلهن لهفة على تتبع خطوات معلمتهن وتعلم تقنياته. النصر قامت بزيارة إحدى حصص هذا الرقص الذي تقدمه أسبوعيا المعلمة بيطار زليخة -60 عاما – حيث وقفنا على ظروف تعلم هذا الرقص داخل قاعة مخصصة لفن الكاراتي الذي يجد إقبالا كبيرا من قبل الصغار والكبار لتعلم فن القتال. وعلى أنغام موسيقى بيتهوفن و" رقصة البط" الشهيرة المنبعثة من جهاز التسجيل، وقفت مجموعة من البنات الصغيرات على رؤوس أقدامهن لأداء خطوات فوق السجاد ، وهن يرتدين كنزات وجوارب صوفية إلى جانب الزي الخاص برقص البالي ، في مواجهة برد القاعة غير المكيفة، فيما تجلس بعض الأمهات على المقاعد المقابلة تتابعن صغيراتهن إلى حين انتهاء الدرس. الصغيرة روفيا - 10 سنوات- التي تواضب على حضور حصصها منذ خمس سنوات قالت "أحب الرقص الكلاسيكي كثيرا و أتمنى أن أصبح راقصة محترفة في المستقبل و مدربة بالي لأعلم الفتيات الصغيرات هذا الفن الرائع" و أنها تستغل كل أوقات فراغها في المنزل في التدرب على المزيد من الحركات داخل غرفتها التي تحتوي على مرآة حائطية و خشبة رقص ، بالإضافة إلا امتلاكها للعديد من الألبومات الكلاسيكية لأشهر الموسيقيين، ترقص عليها بمفردها أو في بعض الأحيان برفقة أمها : " أمي كانت تمارس الرقص الكلاسيكي عندما كانت صغيرة و هي التي علمتني الكثير من الحركات التي لم أكن أعرفها"وإلى جانب الرقص فهي تحلم أيضا بأن تصبح طبيبة كوالدتها. وذكرت لنا أم سيرين أن ابنتها تأثرت بسلسلة" بالغين" للرسوم المتحركة الذي تتابعه عبر التلفزيون، مما جعلها تلح عليها كثيرا من أجل تعليمها رقص البالي ، خاصة وأنها كثيرا ما تحدثت لها عن طفولتها الرائعة التي قضتها على أنغام الموسيقى الكلاسيكية و خطوات البالي لدى نفس معلمة الرقص "ابنتي تشبهني إلى حد كبير في هذه النقطة، فهي الأخرى تحب كثيرا الموسيقى والرقص،وهما من أكثر من الأشياء التي ألحت بشدة على تعلمهما في هذه السن المبكرة. في البداية لم أكن أعلم بوجود دروس رقص في قسنطينة، فقررت تسجيلها بأقسام لتعلم الموسيقى غير أنهم لم يقبلوها بسبب صغر سنها- 4 سنوات و نصف- حتى سمعت بحصص الرقص بالمركب الجواري لحي بوالصوف ، فسارعت إلى تسجيلها، وهذه أول حصة لها مع معلمتها بيطار و هي كما ترون في غاية السعادة بها". الطبيبة مرابي أم الصغيرة مايا ( 9 سنوات) و ماريا(7 سنوات) أخبرتنا أنها هي من اختارت لطفلتيها الرقص الكلاسيكي، لأنه نوع من الرياضة و الرقص الخاص فقط بالفتيات، يبقيهن رشيقات وأنيقات ويعلمهن اللباقة ليحافظن بشكل دائم على أنوثتهن في كل حركاتهن: "بالنسبة لي، لا أرى نوعا آخر من وسائل التسلية و الترفيه مناسبا أكثر لفتيات صغيرات من عمر بناتي لاستثمار طاقتهن الجسدية في تمارين الرقص التي تشبه إلى حد ما التمارين الرياضية، و في نفس الوقت يحقق لهن هذا النشاط الفني المتعة النفسية التي يحتجنها، فالموسيقى الكلاسيكية و حركات البالي تنشئهن على جمال الفن الراقي منذ الصغر". و أسرت لنا معلمة الرقص السيدة بيطار التي تمارس هذا الفن منذ نعومة أظافرها و مازالت إلى اليوم تتمتع بحماس وحيوية تحسد عليهما من طرف الشابات، أن العديد من أمهات تلميذات اليوم كن تلميذاتها أيضا، و هذا ما يجعلها تشعر بالفخر الكبير لتواصل وفائهن للبالي من خلال بناتهن، ومن بينهن أم ماريا التي تقول :" لقد كنت أمارس الرقص الكلاسيكي أنا أيضا عندما كنت صغيرة مع السيدة بيطار و والدتي التي كانت أيضا معلمة بالي، و بالنسبة لي هذه التجربة الفريدة التي دامت لستة أو سبع سنوات في طفولتي، ستبقى راسخة في ذهني إلى الأبد و لذلك أردت أن انقل هذا الشغف بالموسيقى و الرقص الكلاسيكي لبناتي". بالنسبة لبعض الأمهات اللواتي يبقين مع بناتهن داخل القاعة إلى أن تنتهي حصة الرقص ليصطحبهن إلى المنزل، هذا الموعد الأسبوعي هو موعد للمتعة و الترفيه لهن أيضا كما قالت إحداهنّ: "أنا مولعة بالموسيقى و الرقص أكثر من بناتي التوأم و لكني لم أستطع تحقيق أمنيتي بممارستهما، فأحببت أن أعيش مع الرقص من خلال بناتي مادامتا صغيرتين قبل أن تتوقفا عن البالي في سن الحجاب". وباستثناء بدل الرقص و أحذية البالي"البالغين" التي يتعذر إيجادها في بلادنا ، ويقوم الأولياء بجلبها غالبا من الخارج والتي أكدت معلمتهن أن عدم توفر هذه البدل الجميلة لا يشكل عائقا بالنسبة لتلميذاتها اللاتي يرتدين ملابس عادية لحضور حصصهن، إلا أنها أشارت إلى أن من أكثر المشاكل التي تواجه تلميذات الرقص الكلاسيكي و تقلق أمهاتهن يتمثل في نقص تدفئة قاعة الرقص التي تستعمل أيضا كقاعة لتدريب الكاراتي والتي تشتكي أيضا من نقص شروط النظافة و الكثير من التفاصيل الأخرى كعدم توفر العصا المثبتة على المرآة التي تستعمل في تمارين المرونة المهمة في الرقص الكلاسيكي. أمينة جنان