(صيف الابتهلات في محرابات الحبّ والجمالْ) أواه منك يا صيف الوشائج واللُّحم النبيلة ترزقني شهدَ الأماسي الحالماتْ، وتغدق سريرتي بفيوض من مساءاتك نغمة أسرار الكون في أروقة التهجد ومفارش الوجود، وتعيدني إليّ لأنزلقَ إلى أقاصيَ روحيَ بحثًا عن بعضي هناكَ في رفّ بليلْ. وأنت بدهشة الشفاه على خد الزيتوناتْ تلقيني في حضن جلَّالَ فينسكبُ من ويل الأقاصي شجر رمان أنشدني لحنَ الريّانْ. فأنا إليك أرفعُ شكري وامتناني ببقيعك وأنا أنتبذ من جلَّال سقيفته تلم منّا شملَ من انتشروا في هباء الله ثم عادوا أوطانهم وقراهم لأبترد من وهج هيّج مني الدواخل والحنايَا لأقرأ تفاسير الحياة على جباه شيوخ فتقوا العرى وأذلوا منَّا الصعابْ. يعلّمونني صيفَ كل سنة كيف ينتصب قمر الله في كبد سمائه فينشرح الصدر وتطرب الحنايَا الصافياتْ، وها هن العجائزُ يعلمنني كيف يحتفل الورد بالورد والماء بالماء. وها (طيطاوينَ) أمرغ كل صحو همسَ كُلّي بشميمه فتنثمل روحيَ لأحلب من ورق العنب والتين ضلًا ضليلْ أهدهده لأعصر من ضرعه لبن الطبيعة والأزهار الخالدات وأتأبط حلمًا جميلًا للكون والإنسانْ. أرنو بعيني إليه ليتبدى لي قبحي وعريي، ثم أدعوه بدمع طويل ينهمر في محجر العين غفرانات وثواب من اعتلاه صدأ وانثقبت روحه من فرط الأدرانْ. وها هي خطوتي تأخذنيَ إلى العينْ لألعب (السيقْ والخربقة) وأحتسي القهوة في الوادي السحيقْ. وها أحمله أنيسْ فلذة كبد خالي الرهيفْ كل قيلولة لأستعيد براءتي وأنفاسه تطهرني من أرجاس الحياة. ومالي ياصيفُ أدخل أروقة الروح والطفولة والبراءة فيصحبني الطيب والفل وحقائب التسفارات الجميلة في دنيا العفافْ. وها هي النسائم العليلات كل مسائه تستلُ من رفوف ذاكرتي قصائد طويلة للحب والجمالْ..أنسج مستهلها غيمة للأصدقاء وأهتف للورد والحب والإنسانْ. ثم هاهو صوته الطيَّب الحاني الرؤوم يأتيني من وراء جدار إسمنتي يصحبني في تجاويف التصوف ومنارات التقى إلى رحابه المليئات رضابًا وعافياتْ. و(ربوة بورفيق) حلْية للجمال ألبسهَا علَّني أطهر من قبحي.. وفيها أقرأ صوت عريي وزيفي لأشرب ماء الحياة الزلال وأهيم بخيالاتي في بطحاء (طافتشنة وتاقلالت)، حيث الخضرة والمروج وبساتين الرمان والتينْ والتفاحْ لأستعيد ذكرى من مروا هنَا ونصبوا حبالهم وعصيهم وانتبذوا منّا الحدار، وأطوَّف بآثارهم همُ الرومانْ الغزاةُ تركوا سر مدائنهم ونقوشهم الخالداتْ. وها أنا ببركة((اقرأ)) عطش كل حينْ وآنْ انتبذ ذرى كلام من أناخوا رواحلهمْ وأفنوا أعمارهم في رحاب الحروف ومملكة الكلمات، أناروا منَّا عتمة الروح والتجاويفْ، وأذابوا حشاشاتهم أنيق الكلام وأدهشه في مطويات الكتب والمخطوطات، فانتشلونَا من ظلام مدلهم إلى نور اليقين وفتوح العرفان، فتقفيت آثار من عمرُّوا الأرض وارتحلوا وليالي من تشهد لهم أقمار الله بالسهر والتحناناتْ، وقصائد من أشعلوا فينَا جذوة الصبابات والوجد يشدنَا إلى من أحببناهُ في هباء عمر فصار منّا الوطن والمأوى. وها أنا بحق من أمرنَا بالتآخي والتسامح والتحاب أرسلُ همسي ووردي لإخوتنا في اللحم والدم والعظم والشحم كي أحتفى بعباد الله في كل خابية من خوابي الأرض تلقاء من جعلنَا شعوبًا وقبائل لتعارفوا. وها يأتيني دجى الصيف محملًا بأعراس الكلام ومزن من أمطار القصائد والفتوحات فأكتب آلامي وجراحي وأحزان قلبي وتحناني، وأرسم فجرًا أزرق الفوح للذين نستهم بائعات الورد في شعاب الله. ثم أحني جبهتي لفاطر السماوات أدعوه بكلتا يدي أن يملأ كونه فلّا وريحاناتْ.