أحيت، بلدية المريج الحدودية بولاية تبسة، نهاية الأسبوع، الذكرى 61 لاستشهاد البطل الرمز هوّام الشافعي، من خلال تسطير برنامج خاص، تضمن وضع إكليل من الزهور في المعلم المخلد للشهيد، ثم الاستماع للنشيد الوطني و قراءة الفاتحة على روح الشهيد و الشهداء، ليتوجه الجميع بعد ذلك إلى قاعة محاضرات التكوين المهني بالمريج، أين تناوب على المنصة رئيسا البلدية و الدائرة، والمجاهد محمد الشريف ضوايفية، الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين تبسة، و فوزي مصمودي، مدير المجاهدين و ذوي الحقوق بتبسة، وممثلي الأسرة الثورية، ثم قدم الدكتور أحمد شنتي مداخلة حول حياة الشهيد هوام الشافعي، و اختتم اللقاء بقراءات شعرية و تكريمات. ولد الشهيد ، في غرة جويلية 1928 بمرسط ولاية تبسة، توفي والده و عمره لا يتجاوز 6 أشهر، فكفله ابن عمه الحاج علي بن الحسين و تربى يتيم الأبوين، لكن حنان و عناية مربيه له، عوّضه عن ذلك، حتى صلب عوده و قوى ساعده، وترعرع في أحضان عائلة مشبّعة بالوطنية. ورث المرحوم هوام الشافعي عن مربيه الرأفة و الشفقة، فزرع في قلبه حب الفقراء و المساكين، و كان شجاعا مقداما لا تخيفه في الله لومة لائم، و يقول الحق و لو كان مرا، عاش الشهيد صباه في أجواء يسودها الاستبداد و طغيان المستعمر و ظلم الإدارة الأهلية "القياد"، يراقب التطورات المختلفة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية و صراعات الأحزاب السياسية، شهد مجازر الثامن ماي 1945 ، وكان من بين ضحايا هذه المجزرة جمع من قبيلة أولاد يحيى، و من ضمن من نزلت عليه عقوبات الإدارة جمع من أبناء عمومته، من بينهم كافله على بن الحسين و المجاهد إبراهيم بن مبارك، و على بن الشريف، المدعو الشيخ علية، و غيرهم، حيث سيق بهم إلى معتقل" جنين بورزق" بآفلو، فتركت هذه المأساة أثرا بليغا في نفسه و شحنته، غيظا عميقا ضد المستعمر البغيض . كان مدرسا للغة العربية و العلوم الشرعية حفظ الشهيد البطل القرآن الكريم في سن مبكرة على يد الشيخ علية، كما تعلم عنه اللغة العربية و العلوم الشرعية من فقه وتفسير و بلاغة وتاريخ، مما أهله للالتحاق بمدرسة حرة تحت إشراف جمعية العلماء المسلمين بناحية سوق أهراس، و في المدرسة اكتسب جملة من مقومات الشخصية الوطنية وكلما عاد إلى مسقط رأسه بمرسط، كان حريصا على الاتصال بالوطني الكبير و المناضل الشهير في الحركة الوطنية المرحوم هوام إبراهيم بن مبارك الذي كان من الثلة الأولى التي ساهمت في تحضير الثورة تحت إشراف الشهيد باجي مختار، فتعلم عنه صفات الوطني الغيور. عندما أتم هوام الشافعي دراسته عيّن مدرسا بالمدرسة الحرة بالعوينات لمدة قصيرة، إذ ضايقته السلطات الفرنسية لمواقفه المضادة لفرنسا، مما جعله يتوجه إلى سوق أهراس و يَنْضمُ إلى جماعة من المدرسين الأحرار، فكان يلقي دروسا حرة في اللغة العربية و العلوم الشرعية، و من خلالها كان يحث الطلبة على الالتحاق بالحركة الوطنية و الاندماج فيها بالرغم من صغر سنه . و خلال عمله كمدرس مع رفاقه بسوق أهراس بمدرسة حرة، تحت إشراف جمعية العلماء المسلمين، تعرض الشهيد إلى أنواع مختلفة من مضايقات الاستعمار الفرنسي، فكان العدو يقوده إلى مراكز الاستنطاق و المتابعة الأمنية، مما اضطره إلى الرحيل نحو العوينات، و تمويها لأعين العدو التي باتت تراقبه، عمل الشهيد البطل بورشة لشحن الحلفاء و ذلك سنة 1953، إذ كان حارسا ليليا في الورشة المذكورة و فكرة الالتحاق بالثوار تراوده كل حين، وتشغل باله و تسيطر على تفكيره. التقصي والتعيينات ورفع المعنويات.. من أهم المهام الثورية في ليلة 03 جانفي 1955 قرر الالتحاق بالثوار بمدينة سوق أهراس، لينضم إلى صفوف جيش التحرير الوطني، فخرج من مدينة العوينات ليلا، حاملا سلاحه الذي كان يستعمله للحراسة، و غادر الورشة متخفيا عن أنظار العدو وتحركاته، و عند وصوله إلى سوق أهراس، اتصل مباشرة بالمجاهد محمد بن علال الذي سبق و أن ضرب له موعدا، و نظرا لثقافة البطل و قدراته الفكرية و الأدبية و تشبعه بالقيم النضالية والروح الوطنية، اتخذه محمد بن علال كاتبا له، و قد كان يثق فيه ثقة تامة و يكن له إجلالا كبيرا، ثم أصبح كاتبا عند جبار عمر، ثم كاتبا لبومعراف السبتي إلى غاية جوان 1956. بحلول جويلية 1956 تكونت المنطقة العسكرية الخامسة ،بعد انتهاء معركة السطحة الأولى تحت قيادة المجاهد محمود قنز، وقسمت المنطقة إلى أربع نواح، و عيّن الشهيد الشافعي على رأس الناحية الثانية في أوت 1956 كمسؤول سياسي عسكري " محافظ سياسي عسكري"، رفقة زملائه "عبد الرحيم القبائلي، بوقفة خذيري، بولحاف محفوظ، بوصيدة عثمان، حملة الصادق، المدعو الصادق مزوزية، بغيل عبد الحفيظ، عزري أحمد". أوكلت إلى الشهيد هوام الشافعي مهام كثيرة و جسيمة في آن واحد، بصفته مسؤول سياسي للناحية الثانية، تمثلت في رفع معنويات الجنود و المواطنين، جمع الإشتركات من المواطنين و ضبطها و تصنيفها، تنظيم مراكز التموين، وتعيين المسؤولين المدنيين "مسؤول الثورة المدني"، تقصي تحركات العدو و جمع المعلومات عنه، النظر في النزاعات و الفصل فيها، مصادرة البطاقات الفرنسية و توزيع بطاقات جبهة التحرير الوطني، تعيين الحراس و المراقبين، منح التصريحات، قصد الهجرة إلى التراب التونسي كلاجئين . شارك الشهيد في عدة معارك، و كان له فضل كبير في الانتصارات، و من هذه المعارك، معركة الذروة الأولى، ومعركة الذروة الثانية، ومعركة السطحة الأولى والثانية، ومعركة القرقارة، ومعركة بوسبعة، ومعركة الحوض، ومعركة عين عناق "معركة الكانو" بقصير عايد، واجهة قصير عايد. ليلة سقوطه شهيدا قرب جبل بوجابر كان الشهيد يؤدي مهامه و هو يتنقل بين القسمات و الكتائب، التابعة للناحية الثانية، ينسق و يشرف على جمع الأموال، يفصل في الخصومات، و يعقد اللقاءات، مواسيا عائلات الشهداء و محفزا للهمم، ثم يعود إلى عين عناق و قرن حلفاية بالتراب التونسي. و في يوم 23 جويلية سنة 1960، كلّف الشهيد هوام الشافعي من طرف قيادة المنطقة الخامسة رفقة جمع من المجاهدين، بالقيام بدورية عبر التراب الجزائري ليلتقي بالمواطنين ، و يوزع على المحتاجين جملة من المساعدات، كما كان يعقد لقاءات تنسيقية مع مسؤولي القسمات و ممثلي المشاتي و القرى . انطلاقا من عين عناق بالتراب التونسي، طلب الشهيد هوام الشافعي من المجاهد مشري عثمان، المعروف باسم عثمان حشيش، أن يختار من الجيش 18 جنديا بعد أن اختار بنفسه 22 آخرين، رافقوا الشهيد البطل في دوريته داخل التراب الجزائري، وعند وصولهم إلى مكان يسمى «الدغرة»، قرب جبل بوجابر، توقف القائد رفقة جنوده و شرع يحفزهم و يحثهم على الإقدام و إتمام المهمة، مهما كلفهم ذلك من ثمن، لأن المبلغ الذي كان معه و المقدر ب 40 مليون سنتيم، ينبغي أن يصل إلى المحتاجين و أرامل الشهداء. و في طريقهم إلى هدفهم، توقف المجاهدون، رفقة قائدهم، عند أحد المواطنين التونسيين يدعى الحاج أحمد بن المهري، فقام بالوشاية إلى العدو الفرنسي و كشف أمرهم و حدد وجهتهم عبر خط شال، مما جعل العدو يتبع تحركاتهم عن بعد، دون علم منهم. كانت الساعة تشير إلى 11 ليلا بالتحديد، عندما وصل المجاهدون يتقدمهم قائدهم الشهيد هوام الشافعي إلى الخط المكهرب - شال- مدعمين بوحدات من جيش التحرير الوطني، و عندما قام كل من بوغرارة يوسف و مكاحلية عبد الله بقطع الأسلاك المكهربة، ليمر المجاهدون من هناك، وقف الشهيد الشافعي على يسار الممر و وقف عثمان مشري و مناعي عبد القدوس على يساره، و أمر القائد الجنود بالمرور واحدا تلو الآخر من خلال المنفذ الذي أعده قاطعو الأسلاك، و عند القطع و ظهور إشارات كهربائية، هرع العدو الفرنسي إلى المكان بطائراته و دباباته و عدد كبير من العساكر، مستعملين الأنوار الكاشفة التي بينت مسار المجاهدين عن كثب، و زادت من ضراوة المواجهة. لم يستسلم الشهيد هوام الشافعي، فظل يحث المجاهدين لكي يتقدموا إلى الأمام دون تراجع أو تردد ، جريا على الأقدام و هم يصوّبون الرصاص نحو العدو، ليربكوه و يشتتوا جمعه، و بعد ساعات من المواجهة، تمكن العدو من محاصرة الشهيد هوام الشافعي، رفقة عدد من المجاهدين و هو يرد على العدو ببسالة و إقدام لا نظير لهما، لكن العدو كان أقوى منهم عتادا و عددا، فاقتربت دبابة من الشهيد هوام الشافعي و داسته بسلاسلها المزنجرة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة ، و صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها و كان ذلك في حدود الساعة الثالثة صباح يوم 24 جوان 1960 بهنشير الحديد، قرب جبل بوجابر.