الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجل الفقير يعود في الذكرى ال50 لاغتياله


أثر فرعون
يعود مولود فرعون هذا العام في الذكرى ال50 لاغتياله والمتزامنة مع الذكرى ال50 للاستقلال، مفارقة أن تكون الذكرى مزدوجة "اغتيال رجل واستقلال وطن". فرعون الذي اغتالته منظمة الجيش السري OASفي 15 مارس 1962، كان وقتها في مقر عمله حيث اقتحمت مجموعة من المنظمة مقر عمله واغتالته بوابل من الرصاص. فرعون كان يشكل خطرا بنضاله وقلمه لهذا صفته المنظمة كجسد، لكن لم تستطع تصفيته ككاتب ومناضل وظل خالدا برواياته وكتاباته ومواقفه، فرعون عاد هذا الأسبوع في ذكرى زاخرة بسيرته وأعماله وتم تكريمه وتكريم ذكراه في الملتقى الدولي الأول وهذا بمناقشة أعماله الأدبية ودراسة سياقاتها التاريخية والنضالية والفنية وللاحتفاء به وبأدبه. الملتقى الذي احتضنته العاصمة إنعقد من الفترة 15 مارس إلى 18 من نفس الشهر. لكن وبعيدا عن أجواء وسياقات هذا الملتقى كيف نستحضر فرعون في خمسينية اغتياله، كيف نقرأ أدبه بعد كل هذه السنوات، وهل أخذ حقه من النقد العربي والجزائري ومن الاحتفاء الحقيقي البعيد عن الكليشيهات والبهرجة، ماذا عن عوالمه الأدبية، ما الذي يميزها، وهل حقا رواية "نجل الفقير" هي أهم أعماله كما يقول أغلب النقاد والدارسين لأدبه، وهل قيمتها تكمن في كونها أكثر الأعمال قربا إلى ذات وحياة الكاتب وهي بشكل ما تعتبر سيرته الذاتية، وسيرة مرحلة تاريخية فارقة في ذات اللحظة، أم قيمتها في إبداعيتها وحساسيتها الفنية اللافتة؟. كراس الثقافة بدوره يحتفي بالكاتب والشهيد ونجل الجزائر الكبير مولود فرعون، حيث يخصص عدده اليوم له ولذكراه من خلال هذا الملف الذي يتحدث فيه بعض الكتاب عن فرعون وأدبه في شهادات مختلفة ومُحتفية.
استطلاع/ نوّارة لحرش
حبيب مونسي/ روائي وناقد وأستاذ الأدب العربي بجامعة سيدي بلعباس
الاستعمار قتل فرعون لأنه خلّد الجريمة
إن الاستعمار لا يقتل جزافا، تلك حقيقة يمكن أن ندرك فظاعتها اليوم حينما نراجع نص "مولود فرعون" الروائي. لم يكن "فرعون" يكتب الرواية كما يكتبها جيلنا اليوم للشهرة، والتسلية، والجائزة، أو ليقال عنه أنه روائي، كل ذلك لم يكن ليخطر على بال "مولود فرعون" لأن الكتابة في تصوره كانت تتجاوز حد المتعة الأدبية الخالصة إلى التسجيل التاريخي والشهادة الحضارية على وضع قائم، ستحتاج إليها الأجيال القادمة لتسجيل تاريخها من جديد. حينما تمتد إليه أيادي الطمس والمحو. إن فصلا من "الدروب والوعرة" أو من "نجل الفقير" في لغته وتصوير مشاهده، يتجاوز بخطوات عديدة التسجيل التاريخي البارد الذي يكتفي بالعرض الشاخص للأحداث. ذلك لأن التاريخ يفتقد حرارة التوصيل العاطفي، بينما الرواية تحمل شحناتها العاطفية في كل جملة وسطر، لأنها في واقعيتها ومتخيلها، إنما تحاول دوما أن تقتطع من الحياتي اليومي شريحة حية تنبض بحرارة المواقف المختلفة لترفعها إلى عالم الفن. ولا يفهم من ذلك أن الفن مجرد متحف تتكدس فيه هذه الشرائح الطازجة التي تقطر دما أو تنزع ألما، وإنما القصد أن يكون الفن شاهدا على فظاعة اللحظة، يخرجها من سيرورة الزمن الجاري الذي يرقبه المؤرخ، إلى زمن آخر تطل عليه حدقة الأدب. فتظل الذاكرة به حية لا يعتريها فتور ولا يتخونها نسيان. إن الاستعمار قتل الرجل، لأنه رآه يحول بقلمه الواقع الجاري إلى فلذات مشهدية يؤثث به عالم الفن ليخرجها من اليومي الذي سريعا ما تتراكم فيه أسباب النسيان إلى الكتابة التي تحتفظ بوقع الجريمة وفظاعتها تتكرر في كل قراءة، وتتجدد في كل بحث. إن القارئ حين يُقبل على "نجل الفقير" و"الدروب الوعرة" أو غيرها من الكتابات، إنما يقبل على مواقف من حياة الجزائري في حقبة زمنية شديدة الحساسية، شديدة التوتر، اختلطت فيها الأصوات، وتداخلت فيها اللهجات. وليس أمامه سوي المشهد الروائي يعيد عليه من جديد حركية المواقف باختلاف ملابساتها. أما اليوم، فلن ينفعنا أن نستعيد ذكرى استشهاد مولود فرعون لنكرر سيرته التي غدت على كل لسان، وإنما علينا أن ننظر في أدبه، في تقنية كتابته، في أسلوبه، في رسالته، ليعلم الجيل الذي يكتب الرواية اليوم أنه إن أراد أن ينجح على النحو الذي نجح به فرعون إلى درجة الاغتيال. أن يجعل من الكتابة ذلك الشاهد على العصر الذي يتخطى المؤرخ المحكوم بالخبر والتوثيق، إلى رحاب بعث الواقع حيا متجددا مع كل قراءة، وأخطر ما في الرواية أن تلبس هذا الرداء، وترتفع إلى هذا المصاف، لتطل على الواقع من شارف عال ترقب منه أسباب التحول الجارية فيه، فتسجل الحفيف الخافت، والدبيب الخفي، لتتنبأ بالآتي.. وهنا مكمن الخطورة في الفعل الكتابي. كان الرجل يعلم يقينا أن فعله سيظل في أعين المستعمر فعلا إجراميا، وأنه سيُقرأ قراءة أمنية، وأنه سيُفسر في ضوء النبوءات التي يمكن للكتابة أن تضمرها في حروفها وبين أسطرها. لذلك قال: "لأقول للفرنسي" وهذا خطاب متعال، يتجاوز محض السرد الذي يصف حال الفقر والفقراء تحت نير الاستعمار، إلى الأثر الذي يبقى. فالكتابة أثر. وأثرها بالغ الحدة، حينما تعيد بعث الماضي بعثا حيا تضطرب فيه الحياة مجددا، وتتحرك المشاهد المأساوية مفعمة بأحاسيسها التي كانت لها من قبل. ويرتكب النقد مغالطة أخرى، حينما يصنف كتابات "مولود فرعون" و"معمري" و"ديب" ضمن الكتابة الكلاسيكية للرواية، ويفوته حتما أن هؤلاء إنما كانوا يعاصرون التيارات الجديدة للرواية في أوروبا، ويخالطون كثيرا من كَتَبتها، أو على الأقل يقرأون عنهم في المجلات والجرائد. وأنه إنتهى إليهم ميراث الواقعية، والرومانسية، والرمزية، وإرهاصات الرواية الجديدة. وأن ذلك الخليط غير المتجانس، تبلور في كتاباتهم في شكل تيارات تخترق الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية ك "البوفارية" (نسبة إلى "غوستاف فلوبير" في روايته "مدام بوفاري") مثلا و"البروستية" (نسبة إلى بروست في "البحث عن الزمن المفقود"). وغواية الرواية الانسيابية. ذلك ما نشهده في اللوحات المشهدية الرائعة التي رسمتها ريشة "مولود فرعون" في "الدروب الوعرة" و"ابن الفقير". وكأننا أمام لوحات الانطباعيين بأضوائها، وحركتها، وصدق تعابيرها. لقد استحالت الكتابة، في ريشة "مولود فرعون" إلى ضرب من التصوير الدقيق المعبر الذي يتخير من الحدث أعلى ما فيه من التوتر والإثارة، ليعيده إلى الحياة من جديد. كما أننا واجدون في الحوار الذي يتخلل الحدث الروائي تكثيفا آخر، يرفع الحوار من بساطة الدارج اليومي، إلى ما يتخيره الروائي مُمَثِّلا للتواصل بين الشخصيات. ومن ثم فلا تجد ما تضج به الروايات اليوم من حوارات مسِفّة كان في إمكان الروائي الاستغناء عنها. بل يركز "مولود فرعون" على العلاقة ذات الدلالة في الموقف العام والتي تجسد في لغتها وحرارتها كل حيثيات اللحظة المعاشة. ذلك هو سر نجاح "مولود فرعون" و"محمد ديب" و"مولود معمري".
بوداود عمير / باحث وكاتب ومترجم
الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ولد مع "ابن الفقير"
يعتبر مولود فرعون لدى العديد من الباحثين في الجزائر والبلدان المغاربية، أحد رواد الأدب الجزائري الناطق باللغة الفرنسية وأحد مؤسسيه الأوائل إلى جانب محمد ديب، مولود معمري وكاتب ياسين، قال عنه الكاتب المغربي المعروف إدريس الشرايبي: "كان مولود فرعون وبمسافة بعيدة جدا أحسن كاتب من بيننا جميعا...". تتميز كتاباته في محاولة الجمع بين المزج في التحقيق الميداني والقصة التوثيقية، فقد كان يصوغ مقالاته على المراقبة العينية والمعرفة الوثائقية المقربة وهو لون من الكتابة استدعته ظروف القهر والمعاناة التي عاش مرارتها الشعب الجزائري في العهد الاستعماري. يرى المختص في الأدب الجزائري والناقد الفرنسي جان ديجو Jean Dejeux في كتابه "الأدب الجزائري المعاصر"، أن الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ولد في واقع الأمر مع ظهور "ابن الفقير" سنة 1952. ولرواية "نجل الفقير" أو "ابن الفقير" منزلة خاصة في نفس مولود فرعون فهي إلى جانب انتشارها عبر العالم من خلال ترجمتها إلى عدد كبير من لغات العالم، والمبيعات التي أنجزتها فضلا عن الحظوة التي حققتها بتدريس مقاطع منها من خلال المناهج المدرسية وهو ما لم يتحقق للعديد من الكتاب الجزائريين المعاصرين، كانت بمثابة الحافز الشديد من وراء كتابة العديد من المؤلفات الأخرى: "الأرض والدم"، "يوم القبائل"، "الدروب الوعرة"، "أشعار سي محند أومحند"، رسائل إلى أصدقائه... قال بخصوصها مولود فرعون: "لقد كتبت رواية "ابن الفقير" أثناء سنوات الحرب المظلمة تحت ضوء مصباح تقليدي... في هذه الرواية يمكن القول أنني وضعت أحسن ما عندي". وفي سؤال آخر طرحه الصحفي الفرنسي موريس مونوايي حول إن كانت الرواية سيرة ذاتية، يجيب فرعون: "نعم أنا متمسك وبشكل كبير بهذا الكتاب، أولا لكوني لم أكن آكل إلا عندما كنت أحس بالجوع، زيادة على ذلك جعلتني هذه الرواية أتفطن لإمكاناتي، ولهذا فإن النجاح الكبير الذي حققته شجعني على المضي قدما في كتابة روايات أخرى...". الكاتب والصحفي الفرنسي موريس مونوايي Maurice Monnoye، كان صديقا لمولود فرعون وكان يشغل في سنوات الخمسينيات منصب رئيس تحرير صحيفة l'effort Algerien، وقد تبادل معه الكثير من الرسائل تم جمعهما في كتاب عن دار الأمل بعنوان: "مولود فرعون – موريس مونوايي: قصة صداقة ""Mouloud Feraoun - Maurice Monnoyer : Histoire d'une amitié.، يصف أول لقاء له مع مولود فرعون قبل أن يجري حوارا مهما معه: "كلمني عنه ايمانويل روبليس، بعد نصف ساعة دخل إلى مكتبي، سيبقى بالنسبة إلي "ابن الفقير"، يداه كانتا مربكتين بحمل مظلة ومحفظة من الجلد، تخلص من هذه الأشياء قبل أن يصافحني بمحبة، كان مولود فرعون يبدو حذرا، متواضعا، خجولا تقريبا، ولكن ما إن يتوافر جو الثقة حتى ينشط ويفتح قلبه، إنه الإنسان الأكثر روعة من بين الذين عرفتهم، عندما كان يتكلم كنت ألاحظه خفية، من خلف زجاج نظارته المتميزة، تتلألأ عيناه الرائعتين حيث ترتعد من خلالهما بارقة قادمة من عمق حياة داخلية". يعترف "موريس مونوايي" أنه عندما بلغه نبأ اغتياله بكى بحرقة لأنه فقد شخصا عزيزا جمعت بينهما صداقة ومحبة ورسائل كثيرة. كان الراحل يعرف أنه مهدد في أي لحظة بالموت وكان يتوقع ذلك بشجاعة نادرة: "أعرف أنني ربما سأموت اليوم، قد أعدم بالرصاص غدا، ولكني أعلم أنني أنتمي إلى شعب عظيم يملك عزة النفس، استطاع أن يزعزع قرن من السبات أغرقه في ظلم قاهر، وأن لا شيء يمكنه منذ الآن إعادته إلى سابق عهده".
محمد تحريشي/ أستاذ النقد الأدبي وعميد كلية الآداب للغات بجامعة بشار
"ابن الفقير" إشهار هوية
إن الاستحضار هو استحضار لمرجعية هوية ومرجعية فنية ومرجعية جمالية، فمولود فرعون هوية جزائرية مؤسسة على الامتداد في التاريخ والتواصل في الحاضر والاستمرار في المستقبل وقد ترك موته أثرا مفجعا في نفوس الأحرار، وفي نفوس كل من كان يدعم القضية الجزائرية، وفي الوقت ذاته إن موته فَعَّل الإحساس بالوطنية وساهم ويسهم في إيقاظ الوعي بالذات الجزائرية. إن هذا الاستحضار يمثل مرجعية فنية ومرجعية جمالية للكتابة السردية الجزائرية باللغة الفرنسية التي تتميز بخصوصية لغوية تنزع عن اللغة الفرنسية جنسيتها، فابن الفقير le fils du pauvre يمثل مرحلة مهمة في تاريخ الرواية الجزائرية. إن القراءة فعل يستمر بالتواصل وينتج معرفة بالنص، والنص الخالد هو كل نص يتقبل أنماط القراءة المتعددة، ومما لا شك فيه إن نصوص مولود فرعون هي نصوص تتجدد مع كل قراءة مهما كان نوعها تفسيرية أو تأويلية أو إسقاطية، وبعد كل هذه السنوات فإن هذه النصوص تمثل تراكما معرفيا لدى القارئ المتحرر من قيود القراءة الصارمة أو تلك التي تفترض النتائج قبل الأسباب. إن ما كتبه فرعون هو لوحة فنية راقية تنشد الجمالي في أبهى صوره، حتى وإن كان ما صوره يمثل طفولة الكتابة السردية البريئة وإسهاما ذا بال مع ما كتبه محمد ولد الشيخ ومحمد ديب ومالك حداد وكاتب ياسين. إن ما يميز الرجل هو بساطة في الكتابة ورهافة في التصوير الفني وتميز في البناء الدرامي للرواية. يكفي مولود فرعون أنه رقم لا يمكن حذفه أو تجاوزه أو نسيانه لما يتعلق الأمر بالرواية في الجزائر ومن ثم الرواية في البلدان العربية، ويكفيه فخرا أنه من رواد هذه الكتابة، إن الاحتفاء الحقيقي بالرجل يكون على مدرجات الجامعة عبر ما أنجز وما ينجز من مذكرات ورسائل وبحوث، والحبل جرار. إن "أيام قبائلية" و"نجل الفقير" و"الدروب الوعرة" أعمال ترصد واقع الجزائر إبان الاستعمار وتعتصر معاناة الجزائريين من ويلات الاستعمار، وقفة مستميتة مقابل المحاولات العديدة لطمس هويته بالتجهيل والتفقير، وقلب الحقائق والوقائع.
إن "نجل الفقير" نص روائي بامتياز وخطاب سردي نوعي يدنو من القارئ ويتودد للمتلقي، فهو من جهة يندرج ضمن السيرة، رواية تعكس جوانب من حياة الرجل بطريقة فنية درامية متميزة، فهي تصف طفولة الكاتب ومراهقته، ومن ثم فهي أقرب إلى ذات الكاتب وحياته. ومن زاوية أخرى فإن هذه الرواية هي أول خطوة يخطوها قارئ الخطاب الروائي في الجزائر. إن "نجل الفقير" تجربة في الكتابة ومعاينة للواقع المعيش في زمن الاستعمار.
محمد عاطف بريكي/ كاتب وناقد ومترجم
فرعون، لم يكن مجرد روائي بل شاهد عيان غير طبيعي على زمانه
تقترن ذكرى وفاة مولود فرعون هذه السنة مع إحياء خمسينية الإستقلال. ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل المناسبتين عن بعضهما، فهناك روابط زمنية وإحالات معنوية تجعل من ذكرى إغتيال فرعون هذه السنة أكثر حضورا وتوهجا، وهو ذلك الرجل الذي لم يدخر قلمه ولا أفكاره ولا أدبه في سبيل إنصاف قضية بلده. لقد كان شاهد عيان غير طبيعي على زمانه وكانت له مواقف وآراء لم تكن لتصدر عنه لو لا وعيه كمثقف متنور واع، أدى به الأمر في النهاية من الوعي الأدبي إلى الوعي الثوري كانت نتيجته ميتة مشرفة لا يزال التاريخ يذكرها بفخر. ففرعون لم ينبطح يوما أمام الأفكار الكولونيالية المؤدلجة برغم إيمانه في مرحلة ما من مسيرته بإمكانية التقارب والتعايش بين المسلمين والكولون عن طريق وسائط ثقافية وسلمية. هي ذات الأفكار التي إستمدها الرجل من مدرسة الجمهورية الثالثة والتي جعلت منه إنسانا مسالما خاضعا لفكرة اللاعنف التي قال عنها "ماشينو" بصدد قراءته لرواية "الدروب الوعرة" أو الصاعدة في ترجمة أخرى ، "بأنها فكرة مزيفة". إن الوعي الذي تولد عند مولود فرعون بحساسية زمانه، كمثقف متنور أدى به إلى قراءة الخطاب الكولونيالي بتمعن وبصورة شمولية أدى به في الأخير إلى إسقاط إيمانه بفكرة التعايش والاندماج، هذه الكذبة كما وصفها فرعون تحطمت بمعول المستعمر ذاته الذي كان يمعن في إذلال ذوي الوعي الوطني ويدفع بهم إلى الراديكالية الثورية من خلال نبذهم و تهميشهم. "إن مظاهر طبيعتهم نحونا ليست سوى مظاهر كراهيتهم لنا، لكن كراهيتهم هذه كانت ذكية لدرجة أننا لم نفهم، لقد أخذناها على أنها طيبة، فأصبحوا هم الطيبين ونحن السيئين، هم المتحضرون ونحن البرابرة، هم المؤمنون ونحن الكفرة، هم السادة ونحن السفلة، هذا ما نجحوا في إدخاله في اعتقادنا". إنه مسح مبرمج وكلي لهوية شعب. فعلى محمل مثل هذا الكلام يجب أن نقرأ أعمال مولود فرعون ومن تلك الزاوية الأشد حدة في كشف الخطاب الكولونيالي فتلك الهدايا التي كان يوزعها من حين لآخر على الشعب المضطهد في شكلها الجميل كانت في الحقيقة هدايا مسمومة، مبطنة بالحقد والكراهية ألم يعرض ديغول على الجزائريين سنة 1958 ما أطلق عليه "سلم الشجعان". كأنه يناول علبة شكولاطة لطفل صغير، لم يفهم الإستعمار يوما عقلية الجزائري وكذلك كانت طينة مولود فرعون الذي لم تنحني سنابله يوما لأفكارهم وبالتالي يجب قراءة أعمال فرعون ضمن سياق تاريخي مرتبط بمرحلة الإستعما، بدون إسقاط قيمتها الإبداعية وحساسيتها الفنية التي لا يختلف عليها إثنان. كما يجب إعطاء الرجل وزنه بمقدار وعيه ونظرته الثاقبة وتحليله الشامل ومن ثمة بآرائه الرجولية الصريحة. فلم يكن فرعون يكتب الرواية ليتسلى أو يسلي غيره، بل كان أكثر من روائي ويتجلى ذلك في روايته "نجل الفقير" التي بدأ كتابتها مع مطلع الحرب العالمية الثانية 1939 وصدرت سنة 1952 وترجمت إلى أكثر من 25 لغة، عبر فرعون من خلالها عن سخطه من طبيعة الإستعمار، لقد كانت صرخة فجيعة فيما كان يؤمن به يوما من قيم التسامح والتقارب وفيها أعلن عن كفره وانزوى إلى ظلال الثورة قائما. فطبيعة الإستبداد هي سمة المستعمر الأبدية "إن كل الناس مشكوك في نواياهم، ومن أجل هذا لابد أن يحنوا ظهورهم كي يتلقوا لسعات السياط الملهبة" يقول فرعون. ومن على "الدروب الوعرة" الرواية الصادرة سنة 1957 في أوج الثورة التحريرية تأكد كفاح الرجل وولائه للثورة عندما جاء في مقطع من الرواية يعبر من خلاله برمزية موقفه قائلا: "وأنتِ يا أمي كوني مطمئنة، فقد آن الأوان أن أسلك معكِ الطريق إلى أعالي الجبال وسيكون طريقا وعرا كغيره من الطرق ولكنه طريق مجهول لا يعرفه أحد.". فالأم التي تكلم عنها فرعون لم تكون سوى الجزائر وأما الطريق الوعرة التي اختار أن يسلكها فلم تكن سوى طريق الثورة التحريرية. وبذلك تتحقق مقولته التي أطلقها قبل أكثر من 50 سنة "إن الإصرار على الكذب لا يؤذي الحقيقة، بل يؤذي الكاذبين ويمزق القلوب ويقتل الأرواح ويبذر الحقد والجنون". هاهي فرنسا اليوم كأي يوم مضى تمعن في إصرارها بالاحتفال بعصرها الكولونيالي المظلم وتحتفل بما قدمته للشعوب التي إستعمرتها من حضارة وتقدم وإنسانية!. هل سيأتي يوم تعتذر فيه فرنسا عن جرائمها في الجزائر لنوقع معا معاهدة الصداقة والتعاون؟ أرجوكم إقرأوا مولود فرعون لتعرفوا الإجابة.
الكاتب المصري شعبان يوسف للنصر
فرعون أسس لأدب المقاومة والهوية ولم يأخذ حظه من القراءة والنقد
حاورته/ نوّارة لحرش
في إطار الملتقى الدولي الأول الذي احتفى بفرعون وأدبه والذي تزامن مع الذكرى الخمسينية لاغتياله، حضر من عدة دول أكثر من 11 كاتبا وباحثا مهتما بأدب فرعون، نشطوا الملتقى بدراساتهم ومقارباتهم التي حاولت تقديم أدب فرعون من زاوية نقدية وإنسانية بحتة، ومن بين الذين حضروا، الكاتب والناقد المصري شعبان يوسف الذي ساهم في أشغال الملتقى وشارك في فعالياته ببعض المداخلات والنقاشات، كما تحدث عن كتاب فرعون «يوميات معركة الجزائر» الذي يرى أنه كتاب لا يسجل وقائع المقاومة بشكل جاف، ولكنه يرصد حالات ووقائع الجزائريين منذ أواخر عام 1955 حتى قبل رحيله بأيام، كما يرى أنه من الأعمال التي استرشدت بها النخبة المصرية. في هذا الحوار يتحدث شعبان يوسف عن مولود فرعون وأدبه، ويعتقد أن تكريم فرعون هذا العام سيفتح نافذة جديدة للإطلالة على أدبه عربيا.
كيف تقرأ أدب مولود فرعون، وما الذي شدك إليه أكثر؟
شعبان يوسف: أننى أعتبر أدب مولود فرعون هو أدب مقاومة بشكل كبير، وهو أدب البحث عن هوية، وتأكيد الشخصية الجزائرية بشكل عام، أمام كافة الظواهر الاستعمارية التي تعرضت لها الشخصية الجزائرية، في ظل محو وإلغاء ونفي ونسف، وكان لابد أن تأتي إبداعات فرعون في هذا السياق لتكشف عن شخصيات صلبة وعنيدة وتقاوم كافة أنواع الظلم والتهتك، لذلك أنا أعتبر أن مولود فرعون هو أديب مقاومة من طراز أول، ويضاف إلى كافة أدباء العالم المقاومين.
شاركت في ملتقى ملود فرعون، وتحدثت عن أدبه وكتابه «يوميات معركة الجزائر»، لماذا هذا الكتاب بالذات؟
شعبان يوسف: كتاب (يوميات معركة الجزائر) كتاب لا يسجل وقائع المقاومة بشكل جاف، ولكنه يرصد حالات ووقائع الجزائريين منذ أواخر عام 1955 حتى قبل رحيله بأيام، والجدير بالذكر أن هذا الكتاب كانت ترجمته الأولى _على ما أعتقد_ في القاهرة، ونشر مسلسلا في جريدة المساء القاهرية، عام 1963، ويعتبر من الأعمال التي استرشدت بها النخبة المصرية، وكانت ترجمته في القاهرة بمثابة نوع من المشاركة للجزائريين في ثورتهم، خاصة أن مصر كانت إحدى القلاع الكبرى التي تساند الجزائر بشكل قوى، وتعتبر أن قضية الجزائر قضية عربية في المقام الأول، وكان الكتاب سفير قوي لتبيان تفاصيل ربما لم تتضح في كتابات أخرى.
ما هي الخطوط العريضة لمداخلتك في الملتقى غير حديثك عن كتاب «يوميات معركة الجزائر»؟، هل يمكن أن تورد بعض تفاصيلها؟
شعبان يوسف: مداخلتي كانت تتلخص في إيضاح بعض المشاركات الأدبية والشعرية التي كان المصريون يبدعونها، ومدى تفاعل المصريين مع أدب مولود فرعون، وذلك عبر مقالات وأشعار ومسرحيات.
ماذا عن عوالم مولود الأدبية، ما الذي يميزها، ماذا تقول عنها كقاريء ومهتم ودارس لأدبه؟
شعبان يوسف: يمتاز أدب مولود فرعون بالحس الإنساني العالي والمتفرد، وربما تكون شخصياته واضحة ومحددة القسمات، ولا توجد أشكال من اللبس في الشخصيات والأحداث، والتركيز على الأماكن، خاصة أن إبداع فرعون قد نال الكثير من التقدير والاحترام.
هناك من يرى أن كتاب «نجل الفقير»، أهم كتب فرعون، ما رأيك؟
شعبان يوسف: رواية «ابن الفقير» هي واحدة من كتابات فرعون المتميزة، وربما تكون نالت قدرا من التقدير يختلف عن أعماله الأخرى، لسبب أنها تتماس مع حياة المؤلف شخصيا، وربما تكون سيرته الذاتية، ونحن في العالم العربي نقدر هذا النوع من الكتابة، مثل «أيام» طه حسين و»سارة» للعقاد، و»أشواك» لسيد قطب، وغيرها من كتابات تشرح وتبوح، مما يفسح مساحة كبيرة للعالم الخاص للكاتب، حتى لو كان النص أقل فنيا عن نصوص أخرى للكاتب، وفي حالة «ابن الفقير» لفرعون فهي تمتاز بالجانبين، جانبها الفني والإنساني، والجانب الآخر الذي تعشقه الذائقة العربية، وهو جانب البوح والذات التي تتعرى.
برأيك هل فرعون أخذ حقه من النقد العربي أو من الاحتفاء الحقيقي البعيد عن الكليشيهات والبهرجة؟
شعبان يوسف: لا أظن أن فرعون أخذ حقه من النقد والقراءة، وأعتقد أن تكريمه هذا العام سيفتح نافذة جديدة للإطلال على أدبه عربيا، والجدير بالذكر أن القُراء العرب يختصرون الأقطار الأخرى في أديب أو اثنين، فشهرة الطيب صالح السوداني، قد جنت على انتشار كتاب آخرين، وظلت الإبداعات السودانية محصورة في الطيب صالح كروائي والفيتوري كشاعر، كذلك فإن الأدب الجزائري انحصر في عدد قليل من الكُتاب الجزائريين العظام مثل محمد ديب ومالك حداد وكاتب ياسين الذين ترجموا بشكل واسع وكبير، ورغم أن كِتاب مولود فرعون (يوميات معركة الجزائر) نُشر مترجما في القاهرة، وترجمه عبد العاطي جلال، ثم أعيد نشره ككتاب في هيئة الكتاب عام 1970، إلا أن مولود فرعون لم ينل القدر الكافي من النقد على المستويين المصري والعربي.
كلمة تود قولها لنجل الفقير/ مولود فرعون وأنت تحل ضيفا عليه في الذكرى ال50 لاغتياله؟
شعبان يوسف: أقول لفرعون في ذكرى اغتياله: (إن صوتك يا صديقي سيظل يدوي في عالمنا الإنساني بشكل رائع، هذا الصوت الذي يهدر أحيانا، ويرق في أحيان أخرى، ويصخب في أحيان ثالثة، ليصنع عالما إنسانيا بديلا عن كل هذه العوالم الإنسانية، ولن تستطيع أي قوة في العالم أو التاريخ أن تغيب صوتك، بل أستطيع أن أقول إن صوتك يزداد وضوحا وقوة وشرعية في كل الأزمنة القادمة وتحياتي لك من مساحة عربية تحاول بقدر ما تستطيع أن تجد لنفسها مكانها تحت شمس ثورة فتية، وبالتأكيد فإن أدبك الإنساني والمقاوم سيساعد هذه الأمة على هذا الوجود، دمت حيا ومبدعا ومقاوما يا رفيقي العزيز).
سيرة فرعون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.