انتحار ثلاثة أطفال خلال العطلة الربيعية بتيزي وزو خلف حزنا لا مثيل له عادة ترتفع حالات الانتحارات بولاية تيزي وزو خلال شهر مارس والملقب محليا "بموسم الانتحارات الربيعية "،حيث كثيرا ما يفضل البعض ممن يئسوا من الحياة وهمومها لأسباب كثيرة وضع حد لحياتهم خلال هذا الفصل الذي يحصد كل سنة ما بين 20 الى 32 ضحية على الأقل تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 60 سنة ،لكن على غير العادة وفى العطلة المدرسية قرر كل من "موموح "،"صادق "و"زيدان "وهم اطفال أبرياء تتراوح أعمارهم بين 11 و12 سنة وضع حد لحياتهم عن طريق الشنق بأماكن متفرقة ،و بطريقة حيرت الجميع خاصة ممن هم في سنهم من زملائهم وغيرهم من الصغار الذين صدموا لسماعهم خبر انتحار الضحايا. كما خلفت هذه الحوادث المأساوية التي وقعت الأحد والاثنين الفارطين بكل من أغريب ،ايرجن ،وتيزي راشد بولاية تيزي وزو حيرة كبيرة وسط الأولياء الذين يضعون يدهم على قلبهم خوفا من تكرار هذه الحوادث المؤلمة التي انتقلت إلى أطفال أبرياء ، بدل أن تشع عيونهم بالسعادة والبهجة سقطوا في براثين الإحباط و الأفكار السوداوية لأسباب كثيرة تدفعهم للتفكير فى الانتحار، ووضع حد لحياتهم، فيما كانت حالات الإنتحار تمس إلى وقت قريب فئة الكبار من شباب ونساء وكهول وأخبارهم تغطي صفحات الجرائد يوميا إلى حد التعود على سماعها ، لكن الجديد والمثير للدهشة وما لا يتقبله العقل أيضا ،هو أن يزحف غول الانتحار إلى عالم البراءة. كان يحب كرة القدم ومتابعة أفلام الرعب وللوقوف على أحوال عائلات الضحايا الثلاث والذين استقبلهم خلال اليومين الأخيرين والي تيزي وزو بتوصية من وزير الداخلية والجماعات المحلية للتكفل بهم ،ارتأت "النصر" أمس التنقل إلى قرية "أخربان "الواقعة على بعد 2 كلم من مدينة تيزي راشد للوقوف على حقيقة مأساة عائلة ما زالت تتألم وتبكي ليلا ونهارا ابنها "زيدان "البالغ من العمر 12 سنة ، من خلال العودة إلى تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم الذي عثر فيه الأطفال على جثة صديقهم وهي مشنوقة بواسطة حبل داخل مسكن قديم غير بعيد عن المسكن العائلي . والده الذي لم تجف عيونه من ذرف الدموع على فقدان صغيره، قال بأسى كبير أنه إلى غاية الساعة لا يصدق أن ابنه المدلل "زيدان "قد انتحر ، وأنه من الصعب بالنسبة له أن يصدق الرواية ، رغم انه كان حاضرا أثناء تنقل عناصر الحماية المدنية رفقة الشرطة لتحويل الجثة إلى القاعة المتعددة الخدمات بتيزي راشد وبعدها إلى مستشفى الأربعاء نايث ايراثن . أكد لنا أن ابنه لا يعانى من أي مشاكل بل يتميز بحيوية ونشاط لا مثيل لهما وكل سكان القرية يحبونه بل يعتبرونه الطفل المدلل بقرية "اخربان "و التي لم تشهد من قبل مثل هذه الحوادث المأساوية . قال أن إبنه كان يحب لعب كرة القدم بالقرية رفقة الاطفال ،وكان خلال الساعات الأخيرة قبل انتحاره رفقة العشرات من أصدقائه والذين لعب معهم ، وفى حدود الرابعة مساءا اشترى الحلويات ووزعها على أصدقائه الذين غادروا المكان فيما بقي هو وأحد أصدقائه ، إلى أن توجه مباشرة إلى مكان وقوع الجريمة ليضع حد لحياته عن طريق الشنق .وبعد قرابة نصف ساعة عاد الأطفال إلى المكان الذي تركوا فيه صديقهم "زيدان "ليجدوه جثة هامدة ، وهذا ما خلف حالة من الفزع لدى أطفال المنطقة خاصة أبناء عمه الصغار الذين افتقدوا لطعم النوم ويعانون من الكوابيس تحت وقع هذه الصدمة الكبيرة . و أكد العديد من الأطفال الذين التقيناهم بقرية "أخربان "انه لم يسبق لزيدان أن تحدث أمامهم عن رغبته فى الموت بل كان دائما جد مرحا وسعيدا مع الجميع . وبخصوص نتائجه الدراسية فان الضحية "زيدان "سبق له وأن أعاد السنة الدراسية مرتين على التوالي ، ولم يعد يهتم بالدراسة بل أراد رغم صغر سنه أن يلتحق بعالم التجارة كوالده. وبخصوص اهتمامات الضحية بالإضافة إلى كرة القدم فانه كان يحب مشاهدة أفلام الرعب والرسوم المتحركة ليلا ونهارا خاصة في أيام العطل. حادثتا انتحار في نفس التوقيت وغير بعيد عن قرية "اخربان " إلا ببضعة كيلومترات اهتزت قرية "باهلال "ببلدية ايرجن في نفس اليوم وفي نفس اللحظة التي انتحر فيها "زيدان "على خبر انتحار طفل آخر عمره لا يتعدى أيضا 12 سنة ، ويتعلق الأمر بالطفل "بصادق "حيث تم العثور عليه مشنوقا بحزام على خزانة إحدى غرف بيتهم. وقد شاءت الصدفة أن يتم نقل المنتحيين في نفس الوقت من طرف الحماية المدنية إلى القاعة المتعددة الخدمات بتيزي راشد حيث لم يصدق أي احد أن الأمر يتعلق بجثث طفلين انتحرا في نفس التوقيت،مما طرح التساؤل حول العلاقة بين الانتحار الأول والثاني ، وإذا ما كان قد اتفقا على شنق نفسيهما . حول وجود مثل هذا الإحتمال بسبب الصدفة التي جمعت بين الحادثتين ، نفى والد "زيدان " وجود أي علاقة بين إبنه و الطفل المنتحر "بابهلال " وأكد أنهما لا يدرسان في نفس المدرسة ولم يتعارفا على بعضهما أصلا ،خاصة وان التلميذ المنتحر بايرجن يزاول دراسته بالطور الثاني عكس منتحر تيزي راشد الذي أعاد السنة مرتين وما يزال في الطور الإبتدائي . "المحقق كونان " شجع إبني على الإنتحار ضحية ايرجن تقول عائلته أنه طفل موهوب ، وحقق نتائج جيدة وبالدليل انه متفوقا على التلاميذ الآخرين ، لكنه يحب العزلة ،ويغتنم أوقات الفراغ في متابعة الرسوم المتحركة والتي أصبح مولوعا بها ، وقد وصل الحد بوالدته التي ما تزال تحت وقع الصدمة إلى القول أن المحقق "كونان "هو الذي اثر على إبنها وأرغمه على الانتحار شنقا . وأكد أصدقاءه أن الضحية يحب العزلة حتى في المدرسة ونادرا ما يتبادل أطراف الحديث مع الغير. لكن رغم كل ما يقال ورغم كثرة الروايات التي تم نسجها بعد انتحار الأطفال الثلاث إلا أن هؤلاء انتحروا واخذوا معهم أسرارهم تاركين العائلة والأهل والأصدقاء فى حزن وحيرة لا مثيل لها. مدلل وآخر العنقود في قائمة المنتحرين نفس الغموض يكتنف قضية وفاة الطفل "د،مجمد " المدعو "موموح "البالغ من العمر 11 سنة والذي كان قد دشن قائمة انتحار الصغار بولاية تيزي وزو بإقدامه على وضع حد لحياته قبل يوم واحد من انتحار الطفلين زيدان وبصادق . وحسب شهادة أفراد عائلته فان ابنهم كان هو الآخر الطفل المدلل على مستوى العائلة المتكونة من العديد من الأبناء. ونفس الشيء بقرية "اذرار ناث قطيعة "الواقعة على بعد 3 كلم من مدينة أغريب بدائرة ازفون "حوالي 70 كلم من عاصمة ولاية تيزي وزو "التي كان فيها الطفل المنتحر هو الآخر في عطلة مدرسية ليست كغيرها من العطل ، كونه يرفض تضييع الوقت ، وهو ذلك التلميذ النجيب الذي تحصل على نتائج جيدة خلال الموسم الفارط ، و يحب قضاء أوقاته رفقة أشقائه بالمقهى الذي تملكه العائلة بالقرية ، و أحيانا يرافق والده أو والدته إلى الحقل . وكان طفلا مميزا يحب الحياة ويعشق كل ما هو جميل فيها ، حيث قضى الساعات الأخيرة قبل أن يغادر حياة الدنيا رفقة والدته بالحقل الواقع بمدخل القرية . و أثناء عودتهما في حدود السابعة مساءا طلب من والدته أن تسمح له ليتوجه من أجل لعب كرة القدم مع أصدقائه بالقرية ، فوافقت على طلبه ، وليتها لم توافق على ذلك كما تردد لمن حولها بكل حسرة وآسى عن هذه اللحظة التي ضيعت فيها فلذة كبدها. حيث أنه سارع فرحا للإلتحاق بأصدقائه لمعانقة كرة القدم التي تسكن قلبه كما هو حال العديد من الأطفال إلى أن شعر بالتعب ، فتوقف عائدا إلى البيت عبر طريق الغابة . وفي لحظة ما زالت هي الأخرى غامضة اختار أن يموت في الظلام بشنق نفسه من على جذع شجرة الزيتون. ولما تأخر في العودة إلى البيت خرج إخوته للبحث عنه في كل أرجاء القرية ،وقد أغمى على شقيقه الأكبر لما عثر عليه مشنوقا بالغابة ،و ادخل عائلة في حزن شديد لفراق مدللهم بهذه الطريقة البشعة .