جنّدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلايا إصغاء ومتابعة نفسية للطلبة، وذلك من خلال إنشاء وحدات داخل إقامات المدينة الجامعية في علي منجلي بقسنطينة، من أجل توفير الرعاية الصحية والنفسية خصوصا للملتحقين الجدد بالصرح العلمي، لمساعدتهم على الاندماج والتأقلم بسهولة، والقدرة على التواصل الفعال مع الزملاء والأساتذة، وكذا بناء شخصية قوية قادرة على المواجهة بعد رفع الثقة بالنفس وتطوير الذات. أوضح مُنسِّق مديرية الخدمات الجامعية بعين الباي، الدكتور محمد رياض، أن هذه الخلايا جاءت في إطار تعزيز الصحة النفسية داخل الوسط الجامعي، تنفيذا لتوصيات وزير التعليم العالي والبحث العلمي وبإشراف مدير ديوان الخدمات الجامعية عين الباي، أين تم تخصيص ست خلايا إصغاء ومتابعة نفسية، موزعة على 13 إقامة للبنات والذكور، لمرافقة الطلبة والمقيمين خصوصا، ومساعدتهم على الاندماج والتأقلم، حيث تتكفل بنحو 20 ألف طالب جامعي. وتعمل خلايا الإصغاء على تفعيل دور الأخصائيين النفسانيين في الوسط الجامعي، مع التركيز على سُبل التشخيص والكشف المُبكِّر للمعاناة، خصوصا الاضطرابات السُّلوكية التي تُؤدّي للتفكير بالإدمان أو الانتحار مع تقديم متابعة مستمرة لهم. وأضاف المُتحدّث، أن الأخصائيين النفسانيين، يعملون بشكل متكامل لوضع آليات استشارة نفسية للطلبة، ومُواكبة خصوصيّة المجتمع والجيل الطّلابي، بوضع رقم أخضر لتسهيل عملية التواصل السريع مع النفسانيين دون الحاجة إلى التنقل أو الانتظار إلى وقت حلول الموعِد، وكذا تنظيم مجمُوعات للعِلاج الجماعي حضورية أو افتراضية بتطبيقي «ماسِنجر» أو «فايبر»، حيث تُعطي أريحية للطالب، مع الحفاظ على خصوصية الفرد، لاسيما أن البعض يرفضون حُضور جلسات العِلاج الجماعي، فيفضلون الاستشارات الفردية، التي تلقى إقبالا كبيرا من الطلبة. طالبات الطب أكثر عرضة للضغوطات وأكّد المتحدث، أن الأخصائيين يقومون بعمل جيد، إذ تمكنوا من مساعدة كثيرين على تجاوُزِ مِحنِهم ولحظاتهم الصّعبة، وفي كل سداسي تُقدّم قائمة إحصائية بعدد الطلبة الذين تم الإشراف عليهم ومتابعتهم، حيثُ سُجِّلت بالسّنة الماضية على مستوى خلية الإقامة الجامعية عين الباي 3 بنات، إقبال 130 طالبة، تحصلن على استشارة ومرافقة نفسية دائمة، وهنّ من تخصص طب، وهذا راجع لحجم الضغط الدراسي الواقع عليهن، وكثرة الاختبارات والتقييمات الدورية، ما يتسبب في ضغط وتوتر وقلق خصوصا لطالبات السنة الأولى، ناهيك عن صعوبة التأقلم مع الأوضاع والثقافات الجديدة. وأكد المتحدث، أن هناك اختلافا كبيرا بين عقلية الذكور وطريقة تفكير الإناث، فالطالبات أكثر انفتاحا على العلاج النفسي بالمقارنة مع الجنس الآخر الذي يتميز بالتحفظ ورفض مشاركة الآخرين ما يجُول في داخله. وقالت الأخصائية النفسانية المسؤولة عن خلية الإصغاء والمتابعة بالإقامة رقم 2 و8 ذكور، رميساء جحا، في هذا الخصوص، إن الفتيات أكثر عاطفية من الذكور، ولهذا يُقبلن بشكل كبير على الاستشارات النفسية، بمجرد الوقوع في مشكلة أو التّعرض لضغط نفسي وتوتُّر جراء مشاكل أسرية أو عاطفية أو دراسية، مؤكدة أنّها خلال فترة عملها بإقامة الإناث، كانت تستقبل عددا كبيرا من الطالبات مقارنة بما تسجّله الآن في إقامة الذكور الذين يعتبرون العلاج النفسي عيبا وضعفا، مشيرة إلى أن بعض الطلبة يرغبون في الحصول على استشارة ومرافقة، لكنهم يرفضون تسجيل معلوماتهم الشخصية، ولكسب ثقتهم ومساعدتهم فالأخصائية لا تدوّن التفاصيل الخاصة بهم. أبواب مفتوحة للتعريف بالخلايا النفسية وأضافت المتحدثة، أن كسب ثقة المريض ليس بالأمر الهين، خصوصا لمن يعيشون وضعا يعتبرونه وفق تفكيرهم عار ومرفوض في المجتمع، لهذا فهي تعمد إلى استمالتهم شيئا فشيئا دون الضغط عليهم، مع محاولة تغيير نظرتهم حول الموضوع، وأنه ليس بذلك السوء الذي يعتقدونه، مع تحسيسهم بالأمان دون إطلاق أحكام على تجاربهم الخاصة، ما أدى إلى تحصيل نتائج إيجابية، فأصبح هناك إقبال بمجرد وجود ضغط ولو ضئيل، خصوصا في فترة الاختبارات. وقال المنسق، إن الجامعة تشرف على تنظيم أبواب مفتوحة للطلبة والطالبات عند كل دخول جامعي، من تنشيط النفسانيين والأطباء، في إطار الوقاية الصحية والمرافقة النفسية، للتعريف بوحدات الطب الوقائي ومصالح الوقاية النفسية، والتوعية بأهمية الحصول على جلسات مرافقة. وأضافت السيدة جحا، إنّ الهدف من الأيّام التّحسيسيّة، هو إعلام الطلبة بوجود طاقم من الأخصائيين النفسانيين، مكلفين بمساعدة الطلبة ومرافقتهم، في إطار الوقاية الصحية والمرافقة النفسية، وإطلاعهم على أهمية العناية بالجانب النفسي ومتابعته لكسر حاجز الخوف، قائلة إن التوعية قد لاقت استحسانا من الطلبة الذين تجاوبوا معها، فضلا عن تخصيص صفحات «فيسبوك» لكل خلية، تُعنى بنشر مواضيع مرفقة بمجموعة من الصور، من أجل نشر الثقافة النفسية، وحتى يتسنى للطلبة حجز المواعيد والتواصل مع الخلية الأقرب لهم. إقبال يزيد خلال فترة الامتحانات ويؤكد النفساني العيادي بالإقامة الجامعية بنات عين الباي 7، أمين أوشن، أن الهدف من الخلايا النفسية، هو تنشيط الإصغاء والتكفل النفسي بالمقيمات الجدد اللائي يعشن تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية، فالوسط الجامعي واسع ويحتوي شرائح من مختلف الولايات والثقافات ومن شتى الطبقات الاجتماعية، لهذا السبب قد يجدن صعوبات في التأقلم مع الأوضاع الجديدة، وهنا يأتي دور الأخصائي النفسي، من أجل مساعدتهن على التعايش والاندماج الاجتماعي داخل الإقامة والحرم الجامعي ككل، مؤكدا أن أكبر مشكل تعاني منه المقيمات هو الابتعاد عن أسرهن. وقال المتحدث، إنه بعد حجز الطالبة لموعد من خلال التقدم إلى مكتب الأخصائي، أو عبر بريد صفحة الفيسبوك، يباشر النفساني في جلسات للتعرف على حالة المريضة، من أجل مرافقتها نفسيا وحتى بيداغوجيا لتسريع عملية إدماجها بالمحيط الجامعي، مضيفا أن غالبية الحالات التي تم الإشراف عليها، تأتي خلال فترة الاختبارات، نظرا للضغوطات التي تميز تلك المرحلة، فهناك فتيات يصلن إلى درجة الإرهاق والإجهاد، بسبب الضغوطات الدراسية أو العائلية، كما توجد عينات لمن يعانين من اضطرابات نفسية مسبقا، لظروف ومشاكل ومواقف صعبة مررن بها في حياتهن. ارتفاع الوعي بالثقافة النفسية وأكد المتحدث أن الإقبال على العلاج النفسي يعرف تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، أين تغيرت نظرة المجتمع للأخصائي النفساني، مع التطورات التي يشهدها المجال، فأضحى هناك إدراك لأهمية الاستشارات النفسية في تخطي مراحل صعبة، مشيرا إلى أنه تم تسجيل ما لا يقل عن 20 طالبة استفادت منها ما بين شهري ماي وجويلية الماضيين. وأفاد المتحدث كذلك، أن الاستشارات موجهة حتى للطلبة الأجانب، إذ استقبل طالبتين، اشتكتا في البداية من صعوبة التأقلم من الوسط الجامعي نظرا للاختلافات بين المجتمعين، لكنهما فيما بعد تأقلمتا وغيّرتا نظرتهما عن طبيعة الفرد الجزائري. وقال أوشن، إن الأخصائيين النفسانيين، يعملون كذلك ضمن مصلحة النشاطات العلمية والثقافية والرياضية والوقائية الصحية بالإقامة الجامعية، خصوصا في الأيام التحسيسية حول المخدرات أو مخاطر التدخين والأمراض المُزمنة والمنتقلة والخطيرة، للمساهمة في نشر الثقافة الصحية والتوعية بالآفات والانحرافات بالوسط الجامعي. حالات تستدعي مختصا في الأمراض العقلية وقالت طبيبة في وحدة الطب الوقائي 2 ذكور، هدى زبوشي، إنه وخلال تسجيلات بداية السنة للطلبة المقيمين، يُلاحظ أثناء الحديث مع بعض العينات، أنها تعاني من الخجل الزائد، أو الهدوء المفرط أو الرهاب الاجتماعي أو الخواف، من خلال طريقة الكلام والتواصل، فتوضح لهم بداية أنهم سيلتقون بطلبة لا يعرفونهم يختلفون عنهم في كثير من النقاط، كما يُنصح البعض منهم بأخذ استشارة مع الطبيب النفسي للحصول على المساعدة، ليتم تشخيص الحالة أكثر والنظر إن كانت تحتاج فقط إلى أخصائي نفساني، أو يجب توجيهها إلى مختص الأعصاب، مع عدم تدوين المعلومات الشخصية للمريض. كما يتم التدخل في حالة النزاعات بين المقيمين في نفس الغرفة، من أجل فصلهما أو إعطاء غرفة انفرادية للمصاب، وقد لا يكون السبب اضطرابا نفسيا، بل ربما عدم اتفاق، فمثلا شخص لا يدخن لا يُفضِّل البقاء مع شخص مدخِّن خوفا من أن تتأثر حالته الصحية. وأكدت المتحدّثة، أن غالبية الحالات التي كشفت عنها، تقصد الخلية في فترة الامتحانات، نظرا لمعاناتها من الإجهاد والإرهاق والتوتر والخوف والقلق والتعب، أين توصف لهم أدوية ومكملات للتنشيط كفيتامين «سي»، أو مهدئات مثل كالسيبرونات والمغنزيوم، لكن في الحالات المستعصية يتم توجيههم إلى طبيب أمراض عقلية، أما الذين يعانون من الإدمان الحاد، فيتم توجيههم إلى مراكز معالجة مختلف أنواع الإدمان، لكن دون إجبار الطالب على ذلك، مع نصحهم بالرياضة للاسترخاء والتخلص من الضغط، أما من يعانون مشاكل في القولون جراء القلق أو لديهم شره فيوجهون لأخصائي التغذية. أنشطة للمساعدة على بناء شخصية قوية وقالت السيدة جحا، إنه لمحافظة الطالب على صحته النفسية، عليه تقدير ذاته ورفع ثقته بنفسه وتعزيزها، حتى يبني شخصية قوية، مع تنظيم النوم وإتباع نمط غذاء صحي، فهناك حالات توجه إلى أخصائية التغذية في الإقامة من أجل الخروج بنتائج متكاملة على كل الأصعدة، إلى جانب ضرورة ممارسة أنشطة مختلفة لملء أوقات الفراغ وشغلها بما هو مفيد، كممارسة الرياضة، خصوصا أن الإقامات الجامعية تحتوي قاعات رياضة مجهزة، ودائما ما يُنصح من يفتقد للثقة، بتعلم الملاكمة أو الكيغ بوكسينغ، لتعلم المواجهة، أو أن يمارس كرة القدم، وتختلف الأنشطة بحسب الحالة النفسية التي يعاني منها الشخص. من جهتها، أوصت السيدة بن العيد، الطلبة بمواكبة العصرنة وتكوين ثقافة نفسية، وألا يترددوا في الاتصال بخلايا الإصغاء والمتابعة النفسية، فليس عيبا أن يعاني الشخص من مرض أو اضطراب أو مشكلة أو عائق، فكل ما عليه هو أن يقدر ذاته ويدرك إنه مخلوق مميز وأن الجميع لديهم نقطة ضعف في حياتهم. وقالت بن العيد، إن هناك حالات ممن تعرضوا لصدمة معينة، يعيشون حالة نكران، لعدم تقبل الحادثة ومجرياتها، لهذا فقلة من يعترفون بالصدمات والأزمات التي يمرون بها في حياتهم، وهنا يكون التكفل النفسي مطولا ويتطلب أزيد من 10 جلسات، كما أن كل من يعاني رهابا اجتماعيا فهو بالضرورة يعاني رهاب الاختبارات، بحيث يفقد القدرة على الإجابة بشكل صحيح، ويرجع هذا للتنشئة الاجتماعية الخاطئة، إلى جانب ضغط الأولياء والمراقبة المستمرة مع تعنيفهم وضربهم في مراحل عمرية سابقة، ما خلف لديهم ذكريات مؤلمة يتم استرجاعها لحظة الامتحان، فضلا عن الذين يجدون صعوبة في التكيف مع البيئة الجديدة، مع قلق وتوتر من التخصصات والمواد العلمية الجديدة عليهم، مع العلم أن الجلسات النفسية لم تقدم للطلبة فقط بل شملت حتى الموظفين والأساتذة. رهاب اجتماعي وإدمان ومحاولات انتحار كما قالت الأخصائية النفسانية في الإقامة رقم 4 ذكور، أسماء درويش، إن الثقة والإرادة والعزيمة، سبل للعلاج وتخطي الاضطرابات والانفعالات النفسية مهما كان نوعها، سواء كانت خوفا أو قلقا أو توترا أو رهابا اجتماعيا، فالمهم هو أخذ العلاج والالتزام به، مضيفة أن الشخص المنطوي عليه المواجهة ومن يعاني صعوبة في التواصل مع الآخرين عليه أن يدمج نفسه بين الأشخاص ولا ينغلق على نفسه حتى يكسب الثقة وتتكون لديه ملامح شخصية قوية. ومن أكثر الحالات التي سجلت منذ الدخول الجامعي، بحسب الأخصائيين النفسانيين، طلبة يعانون من الرهاب الاجتماعي، ويرغبون في الحصول على غرف منفردة، لإيجادهم صعوبة في التأقلم مع زميل الغرفة، كما سُجلت السنة الماضية محاولتان للانتحار ومحاولة واحدة مع بداية السنة، بسبب مرور الحالات بفترات صعبة بسبب الانفصال، أو وجود طلاق بالعائلة.أما المدمنون على المؤثرات العقلية، فتمت مساعدتهم على تقليص الكمية المستهلكة، وفي بداية التعارف يتم الاستفسار عن الكمية التي يتم تعاطيها ومدة الإدمان، أما من بدأوا الإدمان في الجامعة فلا يصنفون كمدمنين بل مستهلكين، ويُتبع معهم العلاج السلوكي المعرفي لمدة أربعة حصص أو أكثر متتالية، وبعدها الاسترخاء بالعمل على التخيل والتنفس، لمساعدة الذين يعانون من الذعر والخوف والتعرق ونبضات القلب المتسارعة على تجاوز هذه الحالة. عناية خاصة بالطلبة الفلسطينيين وأكدت من جهتها، الأخصائية النفسانية العيادية بالإقامة الجامعية عين الباي 6 ذكور، فضيلة بن العيد، أن غالبية الحالات التي صادفتها لحد الآن، تُعاني رُهابا اجتماعيا بدرجة أولى، إلى جانب نُقص تقدير الذّات، مضيفة أن الأسباب تختلف حسب سمات الشخصية، فهناك من يتأثر بالمحيط الأسري، ويقتدي بأفعال الأب أو الأخ، وآخرون عانوا الحرمان العاطفي، فكثير من الأولياء يعمدون إلى توفير الجانب المادي فقط، دون توفير الرعاية المعنوية. ويتم إيلاء أهمية كبرى للطلبة الأجانب، على وجه الخصوص الفلسطينيين، فمؤخرا ركزت خلايا الإصغاء عليهم بشكل كبير، أين تتنقل إليهم للاستفسار عن أوضاعهم ومعرفة انشغالاتهم، وتوفير الرعاية النفسية لهم، حيث أن هناك حالة لطالب فلسطيني بالإقامة الجامعية 8 فقد 40 شخصا من أفراد عائلته خلال العدوان على غزة، إذ تعرض لصدمة كبيرة منعته من الكلام ودخل في حالة انهيار، لكن الجيد في الأمر أن كل الطلبة في الإقامة خففوا عنه.