بانوراما تاريخية تسقط الواقع الجزائري على حقبة البايات عادت مسرحية " القفطان" للمخرج طيب الدهيمي في عرضها الشرفي الأول عشية أمس بالمسرح الجهوي لقسنطينة، إلى عهد البايات لتسلط الضوء على هذه الحقبة المليئة بالأحداث التاريخية المهمة العالقة في الذاكرة الجماعية القسنطينية، مع استحضار الواقع الجزائري في مشاهد المسرحية بكيفية تورط الجمهور في خطاب فني واعي، يستعيد الواقع الحالي الذي يعيشه المشاهد و يبلوره في قالب جمالي ذكي، تفاعل معه الجمهور من خلال العديد من الصدمات الفنية التي تثير نوعا من الضحك الذكي لديه بأسلوب يغربه عن واقعه اليومي الحالي، نحو ماض ساحر مليء بالألوان و الطرائف و الأحداث ثم يفاجئه في غفلة منه، بعبارات ترجعه بقوة إلى انشغالاته الحياتية التي يسخر منها تلقائيا. هذه المسرحية هي آخر ما أنتجه المسرح الجهوي لمدينة قسنطينة لسنة 2012، من تأليف الكاتب علاوة بوجادي الذي عاد من خلال نصه الدرامي التاريخي الغني الجو القسنطيني لفترة حكم البايات و تواجد الجيش الإنكشاري بالمدينة، و ذلك من خلال حادثة قتل الباي بأمر من داي الجزائر و العديد من المؤامرات الداخلية في قصر الباي الجديد و الخطط الخفية للجيش و الحاشية، بالإضافة إلى الكثير من الألفاظ و المصطلحات القسنطينية العتيقة التي كانت مستعملة في ذلك الوقت كمحور للحوار بين شخوص من مختلف الطبقات الاجتماعية و الثقافية. المخرج طيب دهيمي استعرض في هذا العمل بانوراما تاريخية و ثقافية تحتفي بالدرجة الأولى بقسنطينة، وأظهر تحكما كبيرا في الحبكة الدرامية و في تقنيات الإخراج الذي أبدع فيه مستغلا كل التفاصيل المهمة، للدلالة على تلك الفترة و التي كان لديكور و سينوغرافيا الفنان حليم رحموني دورا كبيرا في إبرازها، بفضل تشكيلة مميزة من الألوان و الزخارف و النقوش، أما بدل الممثلين و ملابسهم فكانت وحدها كفيلة بنقل جو البايات المبهرج و المليئ بالزخارف المبالغ فيها خاصة بالنسبة لألبسة الباي و اإبنته الأميرة، التي جسدت دورها الممثلة الشابة موني بوعلام صاحبة لقب أحسن ممثلة في مهرجان المسرح المحترف بالعاصمة لسنة 2011 عن مسرحية " ليلة الليالي " لنفس المخرج، و التي بدت مرتاحة جدا في تحركاتها و انفعالاتها على الركح و هي تعبر عن حبها و شغفها بالجندي الإنكشاري الذي تتزوجه في نهاية المسرحية بموافقة أبيها و مساعدة شخصية الأحدب التي أداها بإبداع الممثل سرحان داودي، حيث كان لها دورا محوريا في ربط العلاقات بين مختلف الشخوص، أما الموسيقى التي رافقت بإبداع مختلف لوحات المسرحية داخل بلاط قصر الباي و في أورقة الحكم و الجيش فتنوعة نغماتها بين الموسيقى الأندلسية و المالوف و الموسيقى التركية التي تعود لفترة الحكم العثماني، كما أخبرنا الملحن و الموسيقي عميرش محمد الذي تميز من خلال العديد من المقاطع التي ألفها شخصيا أو التي ركبها من مكتبته الصوتية الغنية.و تطمح هذه المسرحية التي لا تخلو من مشاهد الضحك و الفكاهة الذكية، التي نالت إعجاب المختصين و الجمهور الكثيف الذي ملأ القاعة عن آخرها، للمشاركة في مهرجان المسرح المحترف بالعاصمة الذي سيحتضنه قريبا المسرح الوطني بالجزائر العاصمة.