صونيا تبدع في تصوير ثورة الفلاحين بالشمال القسنطيني استمتع الجمهور ليلة أول أمس بالعرض الذي قدمته فرقة المسرح الجهوي لمدينة سكيكدة "ثورة بلحرش" في إطار الأيام القسنطينية للمسرح المحترف التي ينتظر ان تختتم فعالياتها اليوم الخميس بعد عشرة أيام من النشاطات التي أعادت الدفء لركح المسرح الجهوي لمدينة قسنطينة. مسرحية ثورة بلحرش من اخراج السيدة صونيا عن نص كتبه سليم سوهالي، سلطت الأضواء على الثورة التي قادها بلحرش سنة 1808 بالشمال القسنطيني الذي انتفض بكل أريافه ومداشره على ظلم الباي عثمان وحاشيته، فكانت هذه الثورة مقدمة لحركة شعبية استمدت قوتها من دعم الناس المظلومين الذين هضمت حقوقهم فلم يصبروا على طغيان الاتراك واليولداش والانكشارية. اعتمدت المخرجة في تقديمها لهذا النص على الشكل الاستعراضي وهذا لإضفاء الحيوية على الخشبة، حيث كانت المسرحية تنتقل من مرحلة الى مرحلة بلوحات تصويرية يقطعها بهلوان القرية "سعيد المجنون" الذي يطل بين الفينة والاخرى ببعض التنبؤات مثل ترديده ( يجيكم حاكم القصور، بيده يخرب القصور، الكلاب تنابح وتدور، لا ناصر ولا منصور). حيث ينزل رجال الباي الى العروش لجمع "الدنوش" الضرائب ويضربون بيد من حديد كل من يتأخر في دفعها، ولكن الفلاحين الذين تعرضت زراعتهم للهلاك نتيجة الجفاف قرروا عدم الامتثال لتهديدات الآغا ممثل الباي عثمان، وأوفدوا عن كل عرش ممثل يقودهم (الحاج عيسى) الذي يقتل على يد الآغا، وهنا يبدأ العد التنازلي للمواجهة بين بلحرش والباي، تسبقها تنبؤات مجنون القرية الذي يطلق صيحاته (الجوع والموت ومعاهم حفارين القبور) وينضم أتباع الشاب أحسن نجل الحاج عيسى المتوفي على يد الآغا، الى بلحرش، وهو التحالف الذي أربك حاشية الباي ويهود قسنطينة ويلتقى الثائر بلحرش بغريمه الباي عثمان بواد زهور وهناك تندلع المعركة بين الجيشين ويسقط الباي على يد بلحرش في مشهد صورته المخرجة في أبهى حالات انتصار الحق على الباطل. وما زاد في نجاح هذه المسرحية التاريخية التي تركز على فترة هامة من تاريخ الجزائر الحافل بالثورات، سينوغرافيا الألوان واللباس، حيث استطاعت المخرجة صونيا استحضار أجواء الحكم العثماني خياليا على خشبة استعرضت مشاهد تاريخية بزخم روائي تتبعه الجمهور باهتمام كبير واعجاب بالممثلين الذين جسدوا بآداءهم الجيد مرحلة تتميز بخصوصية نظام الحكم في تلك الفترة قبل مجيئ الاستعمار الفرنسي. وفي نهاية العرض قدمت لوحات لخصت المسرحية في شكل ومضات خاطفة بطريقة تقنية عالية المستوى تركت الجمهور في حالة من الذهول والاعجاب خاصة عندما يظهر تحت الأضواء الكاشفة الممثلون بنفس الادوار التي قدموها طيلة المسرحية، وهذا ما يشير الى استعمال تقنيات عالية وظفت فيها كل الامكانيات والتجارب التي تملكها السيدة صونيا مخرجة هذا العمل الرائع التي ترك انطباعا ايجابيا لدى الجمهور الذي فرج راضيا عن المستوى الذي بلغه المسرح في بلادنا. ان مسرحية ثورة بلحرش قدمت في شكل عمل دراسي وقالب فني يفتح شهية المتفرج لتتبع مراحل التاريخ وصناع الثورات عبر كل الحقب. ع. مرزوق