كان بنك الرهن الواقع بحي طاطاش بلقاسم المعروف باسم « الشارع» بمدينة قسنطينة صباح أمس الأول شبه فارغ إلا من أعداد قليلة من الزبائن أغلبهن نساء حضرن كما قلن لاستعادة مصوغاتهن لتلبية دعوات الأعراس التي عادت بقوة بعد انتهاء شهر رمضان، في مفارقة غريبة لم تكن مألوفة في هذا المرفق الذي كان يشهد حشودا تمتد طوابيرها إلى الشارع استعدادا للدخول المدرسي وغيرها من المناسبات التي تتطلب مصاريف إضافية . وجود عدد قليل من الزبائن بعد حوالي ساعة ونصف من افتتاح بنك الرهن ، فسره عدد من الزبائن الذين تحدثنا معهم برفض البنك قبول ودائع الذهب التي لا تحمل دمغة الضريبة أي المصوغات» غير المطبوعة « وهو نفس التفسير الذي قدمه لنا مدير البنك الذي اعتذر عن الإجابة عن أسئلتنا تبعا لتعليمات المديرية العامة بالعاصمة التي تمنعهم من التعامل مع الصحافة ، حيث فهمنا من سياق حديث جانبي معه إلى أن البنك تأثر كثيرا بسبب هذا القرار الذي اتخذته وزارة المالية من أجل إرغام الصايغية على طبع ذهبهم و رفع مداخيل مصالح الضرائب ، وقد وقفنا على حالة رفض قبول مصوغات سيدة في العقد الرابع من عمرها ، تفاجأت بأن « مسايسها «الأربعة الذهبية التي تقدمت لرهنها إثنتان منهن لا تحمل دمغة أي « غير مطبوعة» رغم أنها اشترتها من محل صائغي ، حيث أخبرها المكتب المختص في معاينة الذهب بأنها لا تحمل « العنقود» الخاص بدمغة الضريبة ، ولا يمكنها أن تعود إلى الصائغي لأنه مرت أكثر من 20 سنة على شراء « المسايس» ، وليس لديها ورقة ضمان ترجع إليها للمطالبة بحقها باعتبارها ضحية تزوير . وهذه السيدة التي حضرت إلى مقر البنك بعد اتصال والدتها بها مباشرة بعد رفض « مسايسها» المزورة ، قالت لنا أنها لجأت إلى رهن مصوغاتها لتسديد كراء البيت الذي تقيم به مع أطفالها وزوجها منذ أن فرضت عليها أزمة سكن حادة الإنتقال من مسكن إلى آخر مثل الرحل في انتظار الحصول على سكن اجتماعي تقدمت بطلب الحصول عليه منذ 8 سنوات ، لأن المسكن الذي تقيم به مع حماتها والواقع بحي سيدي مسيد والمتكون من غرفتين لم يعد يسع لجميع أفراد هذه العائلة الكبيرة ، وهي في كل عام مطالبة بدفع مبلغ 12 مليون سنتيم ، يزيد في كل سنة ، مما يضطرهم إلى مغادرته والبحث عن مكان آخر ، لأن مدخول زوجها الوحيد لا يتحمل مثل هذه الزيادات دون الحديث عن مضايقة أصحاب هذه البيوت لإرغامهم على مغادرتها ، ولا تجد غير رهن مصوغاتها ، حيث تعمد مباشرة بعد عملية رهنها إلى فتح دفتر التسديد بالتقسيط الذي يخفف عنها العبء ويساعدها في توفير مبلغ الكراء في كل مرة ، في انتظار أن تفك هذه الضائقة وينعمون بالسكن الحلم. و تحسرت عجوز قدمت مع كنتها لاستعادة « مقياسها» الذي رهنه حماها من أجل تسديد مصاريف العمرة منذ أربع سنوات ، لأن البنك لم يعد يقبل الذهب غير المطبوع ، وقد كان في سنوات الإستقلال وما قبلها يقبل برهن أواني النحاس وقنادر القطيفة لفك ضائقة زبائنه ، وصياغتها كلها غير مطبوعة لأنها لم تكن تحرص على توفر هذا الشرط ما دامت من المعدن الأصفر الخالص . فيما راحت زبونة أخرى تشكو لشابة تجلس بالقرب منها من إجراءات التدقيق في ملامح وجهها وبطاقة تعريفها التي خضعت لها للتو من العاملة على مستوى مكتب استعادة ودائع الذهب وكأنها لصة ، فردت عليها بأنها هي أيضا خضعت لنفس المعاملة وقد انزعجت من هذا التصرف أيضا. ومثل هذه التدابير الصارمة قد تجد تفسيرا لها في غياب توضيحات الإدارة بالفضيحة الكبيرة التي هزت مصداقية هذا البنك في السنوات الأخيرة بسبب سرقة وتزوير مصوغات زبائنه ، في واحدة من أكبر قضايا الإختلاس التي نظرت فيها العدالة ، و أدت إلى تراجع عدد كبير من المواطنين من التعامل معه ، و هرع من كانت لديه وديعة باسترجاعها . و من قدموا في هذا اليوم للبنك ، بالإضافة لاستعادة المصوغات لحضور الأعراس ، حيث صبت عدة إجابات في نفس المنحى ، فقالت زبونة وهي تضحك « نخرجوا ذهبنا فالصيف ونرجعوه فالشتا» واعترفت عروس ستزف بعد ثلاثة أيام بأنها حملت بعض مصوغات أخواتها لرهنها من أجل إتمام جهازها ، التقينا بعجوز صحبة ابنها الشاب في مكتب استلام ودائع الذهب ، كان الحزن باديا على وجهها النحيل ، فقد حضرت لترهن مصوغاتها الذهبية من أجل مساعدة ابنها البكر الذي تعرض إلى حادث مرور في اليوم الثاني من العيد على مستوى بلدية الحامة بوزيان ، ولطف الله به ومن كان معه من أفراد عائلتها ، لكن السيارة تضررت كثيرا و قد حضرت من أجل أخذ قرض يساعده في تصليحها ، وهي تحمد الله على نجاتهم ، فالمهم سلامة أبنائها و» لحدايد لشدايد». كما حضرت زبونة رفقة زوجها لرهن « مقياسها « من أجل تصليح السيارة التي اشتراها السنة الماضية وتعرضت لعطب ، وقالت أخرى أنها رهنت ذهبها لتسديد أقساط السيارة التي اشتروها بالتقسيط ، وتعذر عليهم مع مصاريف شهر رمضان والعيد دفع مستحقات بنك البركة ، فيما ذكرت زبونة كانت ترتدي عباءة من النوع الرفيع أنها تعودت التعامل مع البنك باعتبارها سيدة أعمال تحضر إليه كلما تعذر عليها تسديد مبلغ السلع التي تصلها ، وما تملكه من ذهب يفك ضائقتها ، فزبائن بنك رهن الذهب تغيرت حاجتهم ، ولم تعد الظروف الإجتماعية القاهرة وراء طرق باب «الشدايد» وهو يستقبل زبائن جدد تغيرت مطالبهم ، أزاحوا من طريقهم طوابير الرهن التي ارتبطت بهذا البنك في مناسبات اجتماعية ودينية ومنها الدخول المدرسي الذي هو على الأبواب. صفية /ب