اختارت الكثير من النساء الجزائريات رهن مصوغاتهن لتغطية مصاريف رمضان، الدخول المدرسي والعيد هذا الأخير الذي ألزم الكثير منهن على رهن مجوهراتهن فكسوة العيد أمر لا استغناء عنه حتى ولو كان السبيل إليه رهن ما تبقى من الذهب فالحدايد كما يقول المثل الشعبي للشدايد. دفعت الظروف المعيشية الصعبة الكثير من العائلات إلى التفكير في حلول عاجلة تمكنهم من تجاوز العقبات التي وضعها أمامهم الفقر وقلة ذات اليد وقد لجأت الكثير من النساء وأمام استحالة توفير المال اللازم لتغطية مصاريف الدخول المدرسي والعيد إلى رهن مجوهراتهن في البنوك من أجل كسب مبلغ من المال يكفيهن لشراء لوازم الدخول المدرسي وملابس العيد وحتى اتمام شهر رمضان الكريم. وتشهد مختلف البنوك على مستوى الجزائر العاصمة والولايات الأخرى اقبالا كثيفا للنساء على رهن مجوهراتهن وتقدر قيمة الرهن حسب أحد عمال بنك التنمية المحلية ب 500 دج للغرام الوحد وهي قيمة رغم ضآلتها إلا أن الكثير من النساء وجدن فيها حلا لادخال الفرحة في قلوب أطفالهن ففي الجزائر العاصمة وأمام مدخل أحد البنوك لاحظنا تواجد عدد كبير للنسوة اللاتي حضرن من أجل رهن مصوغاتهن. وقد أكدت إحداهن أنها جاءت من ولاية مجاورة لأنها ترفض أن يعرف أهلها أو الجيران أنها تقوم برهن ذهبها وقد تعودت على هذه العملية منذ 4 سنوات فكل عام تقول السيدة ''فتيحة'' في السابق كان رمضان يأتي بعد فترة من الدخول المدرسي قد نكون قد استرجعنا فيه أنفاسنا أما السنوات الأخيرة أصبح رمضان يتزامن مع الدخول المدرسي وهو أمر ارهقنا فعلا ودفعني إلى رهن مصوغاتي مع اقتراب العيد فالراتب الذي يتقاضاه زوجي يكفي لرمضان فقط وقد استدان زوجي هذا العام لتغطية بعض مصاريف الدخول المدرسي. اما فيما يخص العيد فقد رفع زوجي راية الاستسلام مبكرا وطلب مني أن أرهن المصوغات ككل عام، لدينا أربعة أطفال كلهم متمدرسون وقد استطعنا أن نقنعهم أن يتغاضوا عن لباس المدرسة ونعوضهم بلباس العيد وهي وعود قطعناها ويجب أن نفي بها، شخصيا لا يمكنني أن أرى أبنائي صبيحة العيد بدون ملابس حتى ولو اضطررت لرهن البيت وليس المصوغات فقط. وغير بعيد عن السيدة فتيحة كانت تجلس مجموعة من النسوة كل واحدة منهن تحكي للأخرى سبب إقدامها على رهن مجوهراتها وان اختلفت أسبابهن فقد اجتمعن على هدف واحد هو التحضير للعيد وكسوة الأطفال مع أن البنوك لم تعد تقبل الا بالذهب المطبوع بالطابع الجزائري إلا أن الاقبال على الرهن ما زال مرتفعا خاصة في المناسبات الدينية والأعياد بصورة أكبر لعدم قدرة الجزائريين على الاستغناء عن جزء بسيط من مظاهرها خاصة ما يتعلق بالأطفال. السيد ''زينب'' دوامت كما تقول كل عام على رهن أساورها بمبلغ يتجاوز الثلاثة ملايين سنتيم للتمكن من شراء ملابس العيد لأبنائها ومصاريف الدراسة تقول السيدة زينب إن العملية أصبحت روتينا بالنسبة لها ومع أنها كما تقول موظفة إلا أن يواكب الارتفاع الجنوني في الأسعار خاصة وأن الأطفال أصبحوا يختارون بأنفسهم ألبتسهم ويواكبون الموضة التي تجاوزت أسعارها الحدود المعقول في كثير من الأحيان، فقد وجدت أن الرهن طريق سهل يمكنها من تحصيل المال والمحافظة على مصوغاتها في آن واحد. ويبدو أن شبح الرهن قد طال العديد من الأسر وهذا ما يفسره شدة الإقبال هذه الأيام على مختلف فروع البنوك التي تقوم بتلبية رغبات العائلات خاصة وأن مبلغ الرهن ارتفع هذه السنة ووصل إلى 500 دج للغرام بالإضافة إلى أن البنوك تتعامل برأفة مع هذه العائلات ولا تقوم بحجز المصوغات مباشرة بعد انتهاء فترة الرهن، بل أصبحت تمنحهن المزيد من الوقت لاسترجاعها وهذا الأمر قد شجع النساء اللاتي قمن بهذه العملية لأول مرة وازال تخوفهن فيكفي أن تحضر المرأة نسخة من بطاقة التعريف وتتم اجراءات الرهن بسرعة وهي اجراءات ازاحت فعلا الكثير من هموم العائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل ورفعت عنهم ذل الإستدانة ومد يدها للغير وهذا ما أكدته السيدة زينب وذكرت أنها لم تعد تجد حتى ممن تستدين فالجميع قد أنهكهم رمضان والدخول المدرسي والعيد. أدى عدم قبول البنوك رهن الذهب الإيطالي وغيره واكتفائها برهن الذهب المطبوع في الجزائر إلى لجوء النساء مجبرات إلى ''الدلالات'' بائعات الذهب واللاتي وجدناهن مصطفات أمام البنوك لانتهاز فرصة كسب زبونة ما لم تتمكن من رهن مصوغات والتي تضطر كغيرها من النساء إلى بيع مصوغاتهن وترفض أن تعود خاوية اليدين ويصل سعر الغرام من الذهب عند الدلالات إلى حدود 1400 دج للغرام الواحد يوفر للنساء البائعات مبلغا محترما يمكنهن من تغطية تكاليف العيد حتى وإن كان ذلك يكلفهن خسارة قطعهن الذهبية إلى الأبد. تقول ''رشيدة'' وهي بائعة ذهب في ساحة الشهداء إن النساء يقبلن على رهن مجوهراتهن خلال فترة العيد والدخول المدرسي، كما أن هناك فئة كبيرة وأمام استحالة رهن مصوغاتهن لأسباب مختلفة كرفض البنك أو غير ذلك يلجأن إلى الدلالات، وأكبر فترة تشهد فيها سوق دلالة الذهب نشاطا هي فترة الأعياد وحين تكثر نسبة النساء المقبلات على بيع مصوغاتهن والمبالغ والاقتراحات التي نعطيها للزبونة غالبا ما ترضيها. ''رشيدة'' كانت بصدد التفاوض مع احدى السيدات التي قررت بيع مجموعة من القطع الذهبية ووصل المبلغ المتفق عليه إلى حدود الأربعة ملايين سنتيم وهو مبلغ تقول السيدة ''فطيمة'' إنه يكفيها لتغطية نفقات العيد وقد اضطرت إلى بيع مصوغاتها كما قالت لانها تدرك أنه ولا أحد سيلتفت إليها لمساعدتها ولا أحد من العائلة يهمه ان ارتدى أبناؤها لباس العيد أم لا، وكل واحد له من المشاكل ما يغنيه عن السؤال عن أحوالها. ربما حال السيدة ''فطيمة'' يشبه حال الكثير من الأسر التي دفعها الفقر والحاجة واجتماع المناسبات الثلاث مع بعضها، رمضان، العيد والدخول المدرسي إلى انتهاج طريق الرهن كحل مثالي لتجاوز هذه العقبات وإدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال.