العائلة والمدرسة لا يشجعان على القراءة هل المناهج الدراسية في الجزائر تشجع على المطالعة والقراءة، وما الأهمية التي يشكلها المنهج، وكيف يتعاطى الأساتذة معه ومع من وضعوه؟. ماذا عن القراءة في الوسط المدرسي والجامعي؟، هل هذا الجيل من الطلبة والتلاميذ يطالع حقا وله علاقة وطيدة أو طيبة بالقراءة، هل هناك مناهج تساهم في تفعيل المطالعة كما يجب، وفي شحن وتحريض الحس القرائي لدى الفرد؟. ما الخلل الذي يجعل المقروئية متدنية وفي تراجع مستمر، ما الخلل الذي تعانيه المناهج، لماذا أزمة المطالعة متفشية في خارطة الفرد الجزائري/ الطالب والتلميذ، هل هي أزمة مناهج، أم أزمة قراءة وكفى؟. هذه أسئلة طرحها كراس الثقافة في ملفه اليوم على بعض الأساتذة والأكادميين. هنا تشريح للظاهرة عبر هذه الآراء المختلفة التي حاولت مسائلة ومقاربة الأزمة. إستطلاع/نوّارة لحرش د. عبد الغني بن الشيخ/ أستاذ محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة المسيلة طرائق القراءة في حد ذاتها سلبية القراءة سلوك حضاري جليل، وإذا غاب كفعل مُمارَس في مجتمع ما، دلّ ذلك على تدهور الوضع الثقافي عامة، أمّا إذا غاب كمظهر من مظاهر حركية الفضاء الجامعي، فالحال أسوأ بكثير من مجرد تدهور وضع ثقافي. لعلّ ما نلاحظه في فضاء الجامعة الجزائرية بصفة عامة هو غياب القراءة كمظهر دال على اهتمام الطلبة بفعل القراءة دون إلزام أكاديمي، بمعنى غياب القراءة كسلوك معرفي من أجل توسيع المدارك العلمية والأدبية وتهذيب الذوق وتحسين المهارات بمبادرة من الطالب نفسه، بدءا بما نلاحظه في ساحات التجمّع في الجامعة، وانتهاء بالمحيط الذي يحيط بها أو هو تابع لها، كفضاء حافلات نقل الطلبة والمقاهي والنوادي والأحياء الجامعية، إذ يندر أن نصادف طالبا وهو يطالع كتابا مهما كان نوعه، دون أن يكون ملزما بفعل ذلك، أما المكان الأوحد الذي يظل يجلب الطلبة، فتبقى المكتبة الجامعية، والمكتبة الجامعية لا تحظى بحضور مكثف من طرف الطلبة، إلا حين يقترب موعد الامتحانات الرسمية، أو حين يُلزَمُ الطالبُ بإنجاز بحث من طرف أستاذه في الحصص التطبيقية أو البحوث الموجّهة، فحتى هذه البحوث بدورها، عادة ما تكشف عن لامبالاة عدد كبير من الطلبة، بطرائق وفنيات إنجاز بحث علمي أكاديمي، فالمهم انجاز البحث بأي طريقة كانت وكفى، وهذا دليل على سلبية طرائق القراءة في حد ذاتها، باستثناء نسبة قليلة من الطلبة تحرص على إبراز التميّز في البحث والعرض والآداء. طبعا لا نُحمّل الطالبَ وحده مسؤولية النفور من القراءة بالشكل الذي نتوق إليه، كسلوك اعتيادي هو مطالب بالقيام به تلقائيا، في أي وقت وفي أي مكان، بل أرى المسؤولية مشتركة، إذْ يتحمّل الأستاذ جزءا من تلك المسؤولية، من باب طريقة توجيهه لطلبته ومتابعة نشاطاتهم القرائية والإبداعية، والمشرفون على المكتبة يتحملون جزءا آخر من المسؤولية، إذ يشكو الطلبة غياب نسخ كافية من الكتب، هم في أمَسّ الحاجة إلى مطالعتها. حتى المجالس العلمية للأقسام التي ينتمي إليها الطلبة ضمن تخصصهم، مطالبة بتفعيل حركية القراءة من خلال إقامة ملتقيات علمية، تشرّح الظاهرة وتبرز الأسباب وتقترح الحلول لتفعيل حركية القراءة بالشكل الذي يتماشى والمستوى العلمي نفسه، مع مسايرة التحوّلات الجديدة للقراءة الإلكترونية من أجل التأسيس لسلوك حضاري جديد اسمه القراءة الإلكترونية. إلى جانب الاهتمام بالقراءة في شكلها الورقي التقليدي. والتي لا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عنها. أما السؤال المطروح كإشكال: من أين نبدأ؟. محمد تحريشي/ دكتور في النقد الأدبي وعميد كلية الآداب للغات بجامعة بشار مواقع الويب هي المرغوب فيها وهي أمل كل مطالعة أرى أن ما نحمل من طروحات نظرية قد لا تتماشى مع واقع الحال. ففي الوقت الذي يوظف التلاميذ تكنولوجيات الإعلام والاتصال ما زال المكونون يتمسكون بالوسائل التقليدية للمطالعة، وما تطرحه كتب المطالعة في المدرسة والجامعة قد لا تستجيب لتطلعات التلاميذ والطلبة، ومن ثم فإن الشبكة العنكبوتية/ الإنترنت هي البديل المفضل. ولكن هذه المطالعة قد تضر فهي تُبعد المُطالع عن الأهداف الإستراتيجية للأمة. إن ما تعرضه هذه المصنفات لا يحقق طموح المريدين. ومن ثم فهم في وادٍ والكتب في واد آخر، ومن ثم فالمطالعة أصبحت رقمية وصورية وافتراضية. إن مواقع الويب هي المرغوب فيها وهي أمل كل مطالعة. في رأيي إن المناهج الدراسية لا تشجع على المطالعة الدائمة والقراءة المستمرة بل تجعلها مناسباتية، فالطالب أو التلميذ يطالع اضطرارا لا رغبة من نفسه، إن للمنهج أهمية في فعل القراءة والمطالعة من حيث رسم إستراتيجية هذا الفعل وتوجيهه نحو غايات معرفية وأهداف تربوية، ويجب على المنهج أن يتطور باستمرار حتى يواكب التطورات الحاصلة في المجتمع، وخاصة توظيف تكنولوجيات الإعلام والاتصال. عادة تعامل الأستاذ مع المنهج يأتي في ثلاثة أنماط: فهناك من يتلقى المنهج ولا يتمكن من الاستفادة منه، لأنه لم يدرك الأبعاد الفلسفية والمرتكزات الفكرية والتوجهات الجمالية والفنية للمنهج، ومن ثم يصبح هو والمنهج اثنين والنمط الثاني من يسلبه المنهج ويسيطر عليه ولا يستطيع الفكاك منه للوصول إلى مرحلة الإنتاج والإبداع انطلاقا من هذا المنهج أو ذاك. ومن ثم يصبح مسلوب الإرادة. والنمط الثالث من يستطيع إستوعاب المنهج والسيطرة عليه، فيوظفه توظيفا مبدعا ليسمو به نحو غايات قرائية تستلهم التراث والمعاصر في آن واحد. طبعا، المنهج له روافد مهمة، هي المنهجية والمنهاج، وأرى أن بدونهما لا يمكن لفعل المطالعة والقراءة أن يحقق وجودا فاعلا. يزيد بوعنان/ أستاذ وكاتب صحفي العلاقة بالقراءة سيئة، والعزوف عنها أصبح ظاهرة متفشية المناهج الدراسية حاليا فيها الغث والسمين، وهي تتضمن مواضيع مفيدة وأحيانا مواضيع لا أرى أي جدوى من وضعها واعتمادها، والأستاذ مطالب بأن يتعاطى مع هذه المناهج وفق التوجيهات البيداغوجية التي تقدم له من طرف المشرفين والمسؤولين البيداغوجيين على مستوى الوزارة التي يتبعها سواء كانت وزارة التربية الوطنية أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أي أنه ليس لديه مجال للحرية من أجل حث الطلبة على المطالعة، ونظرا لأن المناهج البيداغوجية مرتبطة بوقت معين ونظرا لكون الطالب لاسيما في مرحلة التعليم الثانوي ليس لديه الوقت الكافي بفعل عامل الزمن الضاغط، فإن المطالعة أصبحت لا تشكل الشغل الشاغل سواء للطالب أو حتى الأستاذ، هذا إضافة إلى تغير اهتمام الناس الآن بفعل الانتشار الواسع للوسائط الإعلامية الحديثة من إنترنيت وفضائيات وغيرها مما جعل فعل القراءة محصورا فقط في دوائر ضيقة عند المثقفين والكُتاب والمتتبعين، فالعلاقة بالقراءة أصبحت سيئة حتى من قِبل المثقفين والأساتذة، فما بالك بالنسبة للطلاب والتلاميذ، فالمشكلة ليست في المناهج ولكن في استعداد الناس وقابليتهم للقراءة أصلا، والكاتب الجزائري في أحسن الحالات لا يبيع من كتابه المنشور سوى عشرات قليلة من النسخ، وأحيانا فإن كتابه لا يحظى بالقراءة سوى من قِبل فئة قليلة من معارفه وأصدقائه وزملائه وذلك حتى وإن كان الكتاب ذا قيمة علمية أو فنية راقية. العزوف عن المطالعة والقراءة أصبح ظاهرة متفشية بفعل عوامل اجتماعية وثقافية مرتبطة بالتحولات السريعة التي يشهدها المجتمع وعلى رأسها طغيان ثقافة الاستهلاك على جميع الأصعدة. طبعا ما يمكن تأكيده، أن أزمة المطالعة أصبحت متفشية في خارطة جميع المعنيين بها وليس فقط في محيط الطالب أو التلميذ، إذ أنه ليس من المبالغة أن نقول بأن الأستاذ الجامعي لا يقرأ والصحفي لا يقرأ فما بالك بالطالب الذي أصبح همه الوحيد هو الحصول على المقياس أو المعدل والنجاح من أجل تحصيل الشهادة، وهكذا أصبح المستوى متدنيا جدا، ولا نستطيع أن نقول أن أفقها مسدود، ولكن يمكن إعادة الاعتبار لها بتكثيف الجهود وتحبيب القراءة في النفوس عبر برامج وخطط ترسمها المؤسسات المعنية بالفعل الثقافي على العموم. فالحل يكمن في إعادة الاعتبار لهذا الفعل الحضاري (القراءة) والذي يتطلب دراسات معمقة وتكاتفا لجميع الجهات، على أمل بعدها أن تصبح القراءة، كما كانت من ذي قبل ببريقها وأبهتها. سعاد حمداش/ باحثة وأستاذة جامعية المناهج تعاني من سرعة التخطيط والتغيير غير الدقيق المطالعة تغذية روح الفكر وهي مرحلة تأسيسية في تكوين الذات في فهم الأشياء ورسم جسر التواصل والآخر. بالنسبة لي الكتب رفقة دائمة باعتبار انشغالي كباحثة، وبالنسبة للطلبة في الجامعة رأيت أن الأقلية القليلة التي تبادر للبحث عن كتب لإثراء مسار تكوينهم الجامعي إلا من استلزم عليه أمر تقديم بحث في الحصة التطبيقية وبالتالي سيلجأ لاختيار قائمة من المراجع يعتمدها في انجاز ذاك البحث لكن علاقته تنتهي بانتهاء كتابة أسطر البحث. ومن جهة أرى أن الأقلية النادرة التي تهتم بالمطالعة وباللغتين هي أقلية مهتمة بقراءة الروايات من جهة تشويقية وملأ الفراغ أحيانا، أو من أجل توسيع دائرة التعلم باللغة الأجنبية. أكيد أن المطالعة تبقى مهمة لأنها بؤرة الارتقاء ثقافيا في أفق الفكر حيث أنه أسمى مراحل وجود الذات الفاعلة في الحياة. أما بالنسبة للمناهج في الجزائر فإنها تعاني من سرعة التخطيط والتغيير غير الدقيق، ألاحظ ذلك على مختلف المؤسسات التعليمية لأن من يضع تلك المناهج لا يمارس أصلا الميدان، وفي المعرفة لا وجود لأي تصور دون ملامسة الميدان. سليمة ماضوي / كاتبة وأستاذة المناهج والمقررات مجرد نصوص مبتورة ماذا أقول في هذا الموضوع غير أن أمة اقرأ لا تقرأ، فعلا هناك نشاط المطالعة في المقرر السنوي لجميع المستويات بالنسبة للثانوي لكن مجرد نصوص مبتورة لبعض الأدباء سواء في مجال الروايات أو المجال الفكري أو مقالات اجتماعية، حتى هذه النصوص لا تحفز التلميذ على المطالعة والبحث. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى البرامج مكثفة جدا بالنسبة للتلميذ، فصار هذا الأخير يكتفي فقط بما هو مقرر وابتعد عن المطالعة الخارجية تماما، وبطبيعة الأمر يَرجع هذا إلى أن هناك عوامل اجتماعية أخرى ساهمت في جعل التلميذ لا يطالع برغم توفر المكتبات والزخم الهائل من الكتب، على العموم لابدّ من إعادة النظر في برامج المنظومة التربوية والمناهج، نحن في كل مرة نتناقش مع مفتش المادة حول المناهج والبرامج بشكل عام وليس فقط المطالعة لكن دون جدوى وتبقى لكل أستاذ طريقته في التعاطي مع هذه المناهج. فتيحة الباي/ أستاذة وباحثة مع تزايد الإقبال على الإنترنت ومواقع الدردشة، المقروئية في تراجع مستمر تعاني المقروئية في بلادنا من تراجع مستمر، خاصة في الأوساط المدرسية، مع تزايد الإقبال على الإنترنت ومواقع الدردشة، باعتبار أن المعلوماتية أصبحت لغة العصر، حيث عقدت عدة ندوات في مطلع هذه السنة بمديرية التربية، تبحث عن سبل تحفيز حب المطالعة لدى الأطفال بالدرجة الأولى، بالتعاون بين المدرسة والبيت، كما ينص القانون التوجيهي، الذي يوصي بضرورة إكساب التلاميذ مناعة فعالة لدرء الإختلالات الفكرية الثقافية والعلمية والتاريخية والتراثية، وقد أدرجت عدة مواضيع في إطار هذا المسعى، من قِبل أساتذة متخصصين وخبراء في الميدان، حيث تطرق المحاضرون إلى عدة نقاط، منها تكوين عادة القراءة لدى الطفل، وتكريسها كمتعة لا غنى عنها. ومع تزايد دور النشر الجزائرية في السنوات الأخيرة، أصبحت هناك سياسة جديدة لصناعة الكتاب، تبشر بالخير، وإن كانت في بدايتها، إلا أن هذا المشروع يتطلب تضافر كل الجهود. محمد نور الدين جباب/ كاتب وأستاذ جامعي بجامعة الجزائر المطالعة لا تنزل من السماء ولا "تطلع" من الماء، إنها تربية وتنشئة وتقاليد هذا الموضوع متشعب ويحتاج إلى معالجة هادئة، لا أعلم مدى دور المناهج في ذلك لأن المسألة اجتماعية وحضارية لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية ودور المحيط. أعطيك أمثلة سريعة، مثلا حي مثل باب الزوار أو باش جراح أو عين النعجة، بعض هذه الأحياء عدد سكانها يقارب عدد سكان بعض دول الخليج ومع ذلك لا تجدين بها مكتبة عمومية ولا مكتبة بلدية، ناهيك عن قاعة مسرح أو سينما، نعود إلى أعلى مؤسسة ثقافية وهي الجامعة، هل تعلمين أنه في إحدى الفترات ونتيجة الاكتظاظ اضطرت الجامعة أن تنظم الدخول إلى المكتبة حيث كانت تمنع دخول طلبة السنة الأولى، هذا فضلا عن غياب التقاليد عند الأسرة الجزائرية التي لا تفكر في تكوين مكتبة البيت وفوق كل ذلك الغلاء "الفاحش" لسعر الكتاب، في تقدري هذا هو المدخل لمناقشة أزمة المطالعة بالإضافة إلى أسباب أخرى مختلفة. المطالعة لا تنزل من السماء ولا "تطلع" من الماء، إنها تربية وتنشئة وتقاليد ينشأ عليها الطفل منذ الصغر. كم من عائلة تهدي لابنها في عيد ميلاده كتابا فكريا أو راوية جديدة لهذا الكاتب أو ذاك. أما الحديث عن الأفق المسدود للقراءة، فهذا لا يعود إلى الفرد إنما للأمة إذا كانت تملك مشروعا حضاريا فتعمل على تنشئة أفرادها وتخلق لديهم الرغبة في التثقيف من خلال نشر المكتبات وتعميم الكِتاب الذي يكون في متناول الجميع. بدون شك ثورة الاتصال لعبت دورا حاسما في إعادة النظر إلى المطالعة "التقليدية" أي الاعتماد على الكتاب والبقاء بجانبه طول الليل وكأنه ولي حميم. لكن ذلك خلق تشوهات كبيرة داخل الأجيال الجديدة التي أصبحت تعتمد على المعلومة المعلبة الجاهزة عكس الجيل القديم الذي كان ينتقل من فكرة إلى أخرى نتيجة قراءات متنوعة ومقارنات مختلفة، ذلك كله يجعل عقله ينبني بطريقة متينة ومؤسسة فتصبح لديه القدرة على المحاكمة المنطقية والاستخلاص العقلاني. المسألة اجتماعية وحضارية وأيضا سياسية.