ترجي قالمة فريق الشهداء الذي أرعب فرنسا و زاوج بين معركة "القدم" والسلاح يعتبر ترجي قالمة من أعرق النوادي الجزائرية، وقد انتزع تسمية فريق الشهداء عن جدارة و استحقاق، لأن جذوره تمتد في أعماق تاريخ الجزائر، حيث رأى النور قبل اندلاع ثورة التحرير المجيدة بمبادرة من مجموعة من أبناء المدينة، الذين حاولوا إستغلال رياضة كرة القدم لأجل تحريك المجتمع والترويج لمخطط الثورة، لتكون الحصيلة سقوط 42 شهيدا بين مؤسسين ولاعبين، بعضهم في مجازر 8 ماي 1945، و البعض الآخر خلال ثورة التحرير، مع تميز الترجي بموقفه المتخذ بعد سنتين من انطلاق أول رصاصة، حيث قاطع المنافسات الرياضية التي كانت تشرف عليها السلطات الفرنسية، مع تفضيل العديد من عناصره لحمل السلاح والجهاد من أجل تحرير البلاد. أول ظهور لفريق مدينة قالمة لكرة القدم يعود إلى تاريخ 04 أفريل 1924، عندما قررت مجموعة من الشبان من أمثال محمد الصالح براهم و بوتفيرة ... تأسيس فريق ينشط تحت غطاء كرة القدم، من أجل الترويج للنضال في أوساط مختلف شرائح المجتمع، و قد حمل الفريق تسمية المشعل الرياضي القالمي، لكن نشاط هذا النادي لم يدم سوى 7 سنوات، لأن السلطات الفرنسية قررت توقيف الفريق عن الممارسة الكروية، بحجة عدم تطابق تسمية "المشعل" مع ما هو منصوص عليه في قانون المنافسة حسب الإدارة الفرنسية، ولو أن تواجد أغلب أعضاء النادي ضمن حزب نجم شمال إفريقيا، دفع بالسلطات الفرنسية إلى تجميد نشاط هذا الفريق. 6 من المسيرين و اللاعبين شهداء مجازر 8 ماي للتذكير عاد النادي القالمي إلى النشاط مجددا سنة 1939 في ثوب جديد ، مع تغيير التسمية إلى النجم الرياضي، على اعتبار أن أغلب أعضائه كانوا ينشطون ضمن فوج كشفي يحمل اسم "النجوم "، في صورة خوالدية، باباس، بوكحول، عبد الله بوكردين، عمر عبدة، ورتسي مبروك، الطيب سلايمية وحميدة سيريدي، و هو الفريق الذي ضم ترسانة من الشبان الذين كانوا يتميزون بالروح الوطنية، بدليل تحول ممارستهم لكرة القدم ذات 8 ماي 1945، إلى نضال وطني، حيث شارك أغلب أعضاء ه في المسيرة الحاشدة تنديدا بالمستعمر الفرنسي، وقد كانت الحصيلة سقوط 6 شهداء من الفريق إثر المجازر التي اقترفتها القوات الفرنسية، ويتعلق الأمر بالعضو المؤسس عمر عبدة، وابنيه علي و إسماعيل اللذين كانا ضمن تعداد الفريق، إضافة إلى 3 أعضاء مؤسسين (مبروك ورتسي، حميدة سيريدي و الطيب سلايمية). ارتفاع الحصيلة إلى 42 شهيدا وتغيير اللون الأزرق بالأسود و رغم هذه الحصيلة تواصلت مسيرة الفريق القالمي بعد تلك المجازر، وقد تم تغيير التسمية إلى الترجي الرياضي القالمي، مع الإصرار على تغيير اللون الرسمي من الأزرق إلى الأسود، حزنا على ضحايا مجازر 8 ماي 1945، فالهدف لم يكن الممارسة الكروية، بل الترويج للثورة. للإشارة فقد حمل اللونين الأسود والأبيض في الفريق الأساسي والاحتياطي، العديد من اللاعبين الذين التحقوا بعدها بجيش التحرير الوطني، على غرار حسان حرشة، سويداني بوجمعة، عبد الرحمان طابوش، عياش إسماعيل، مصطفى سيريدي، حمر العين، رياش وغيرهم .... قائمة امتدت لتشمل 42 شهيدا، لأن الفريق القالمي كان محل مراقبة مستمرة من طرف المستعمر، لضمه شبان يتمتعون بالروح الوطنية يجيدون ممارسة الكرة، بدليل انتزاعهم لقب بطولة الشرق مطلع الخمسينيات. تدشين الملعب الجديد عشية اندلاع ثورة نوفمبر على صعيد آخر فقد دشنت السلطات الفرنسية يوم 31 أكتوبر 1954 ملعبا جديدا بمدينة قالمة، يحمل حاليا تسمية الشهيد علي عبدة، وهو الملعب الذي تم افتتاحه بمباراة بين الترجي و الجمعية الرياضية لمدينة بونة، انتهت بالتعادل (1/1)، للعلم فإن تلك المواجهة سبقت اندلاع ثورة نوفمبر بسويعات، ما حول الملعب إلى مركز لإيواء جنود المستعمر وعتاده، في الوقت واصل الترجي مسيرته الكروية والنضالية، ليكون يوم 29 ماي 1955، موعدا تاريخيا في سجل الكرة الجزائرية و القالمية، فالترجي تألق بمدينة الدارالبيضاء المغربية، أين توج بكأس شمال إفريقيا، بعد فوزه على وداد كازا بلانكا بنتيجة (2 / 1)، في مواجهة سجل فيها هدفا الترجي مرزوقي العربي وبارة المعروف باسم "بايزة" في الوقت الإضافي، و هو أول تتويج للكرة الجزائرية على الصعيد القاري. الفرقاني و ريمون نشطا حفلا كبيرا بعد العودة من "كازا" عن هذا الإنجاز كانت لنا دردشة مع أحد العناصر التي كانت حاضرة ضمن تشكيلة الترجي المجيد شرفي، والذي كان أصغر عنصر في التشكيلة التي سافرت إلى المغرب بقيادة الرئيس محمد كرميش، حيث أكد: "الرحلة كانت على متن القطار انطلاقا من محطة الخروب (قسنطينة)، وأن الوداد كان يضم في صفوفه العملاق الفرانكو- مغربي العربي بن مبارك، الذي كان من أبرز نجوم أولمبيك مرسيليا في تلك الفترة، لكنه لم يتمكن من توظيف خبرته للتفوق على إرادة القالميين الذين أصروا على ضرورة رفع العلم الجزائري عاليا، وكان التتويج مستحقا، لأن الترجي كان عبارة عن مجموعة منسجمة ومتكاملة، مكونة من شقيقه محمد الصالح، بلجودي، بلحواس، بن طبولة، رقيني، بارة، مرزوقي، حساني وبوجمعة المعروف في الشارع القالمي باسم "قافاز" وآخرين.... وقد كانت رحلة العودة إلى أرض الوطن طويلة وشاقة، لكن فرحة التتويج أنست الجميع مشقة السفر، حيث حل الجميع بمحطة الخروب يوم 5 جوان 1955، وكان في استقبالنا- استطرد محدثنا- وفدا يتشكل من مولودية وشباب قسنطينة وكذا جمعية الخروب، إضافة إلى المغني محمد الطاهر الفرقاني، وجمع غفير من الأنصار، و قد عاد الفريق إلى قالمة في موكب بهيج صنعه بعض اصحاب السيارات ". و أضاف ذات المتحدث: "فرحة التتويج كانت كبيرة بمدينة قالمة، حيث أقيم حفل فني سهرة السابع جوان، أحياه كل من الفرقاني والفنان ريمون اعترافا بمجهودات الفريق وتتويجه بلقب شمال إفريقيا. بعد هذا الإنجاز لم تستمر مسيرة الترجي مع الكرة طويلا، بعد أن قرر مقاطعة المنافسات التي كانت تشرف عليها السلطات الفرنسية، وذلك استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني سنة 1956، حيث كان الترجي ضمن قائمة الفرق التي قاطعت البطولة على مستوى الناحية الشرقية، رفقة نوادي اتحاد سطيف، شبيبة سكيكدة، مولودية وشباب قسنطينة، جمعية مدينة عنابة، ما جعل بعض اللاعبين يتحولون إلى فريق هيليوبوليس، بينما قررت الأغلبية الالتحاق بالجبال من أجل تحرير البلاد، وقد كان الشريف سيريدي، الذي يشتهر بتسمية "السردة" من بين الذين زج بهم في السجون إبان الثورة، حاله حال رقيني الذي قضى فترة بسجن القصبة بولاية عنابة، في حين ظل الترجي القالمي بعيدا عن أجواء المنافسة من سنة 1956 إلى غاية الاستقلال". سرب أسود بعد الاستقلال وبأجنحته مكسورة حاليا و عن تسمية السرب الأسود التي اشتهر بها الترجي، أكد الكثير ممن واكبوا الفريق خلال الخمسينيات والستينيات، بأن أحد الإعلاميين هو من إستمد هذه التسمية من عنوان فيلم أمريكي عرض سنة 1940، بالنظر للنتائج العريضة التي كان يسجلها في بطولة شرق البلاد، التي نظمت مباشرة بعد الإستقلال، لأن فريق قالمة كان يكتسح منافسيه بنتائج ثقيلة تفوق في معظم الحيان 10 أهداف، الأمر الذي دفع بأحد أعمدة الإعلام بالولاية في تلك الفترة المرحوم إيصالحي يستلهم تسمية السرب السود من عنوان الفيلم الأمريكي، تعبيرا منه عن الفعالية الكبيرة التي يكتسح بها هجوم الترجي كل منافسيه، لكن عجلة الزمن تواصلت وانجازات الترجي القالمي توقفت، بعدما فقد الفريق بريقه وأصبح ينشط في المستوى الرابع مع فرق تمثل الأحياء و البلديات والدوائر، بعدما كان قد دوّن إسمه بأحرف من دم 42 شهيدا إبان الحقبة الإستعمارية، وتتويج بكأس شمال إفريقيا كأول لقب في تاريخ الكرة الجزائرية في فترة الثورة التحريرية.