الجزائر تفقد أحد كبار مخططي ثورة التحرير توفي المجاهد والقيادي في الحركة الوطنية علي محساس المعروف بأحمد محساس أمس متأثرا بنزيف في الدماغ، أصيب به أول أمس حسبما ذكره مقربون منه ، وسيوارى جثمانه التراب بعد ظهر اليوم في مقبرة العالية إلى جانب رفقائه من قادة الحركة الوطنية و الثورة. و انطفأ المجاهد والوزير الأسبق وعضو مجلس الأمة عن عمر 90 سنة ، قضى اغلب لحظاتها في النضال السياسي والعمل المسلح، و استمر نضاله السياسي والفكري إلى الأعوام الأخيرة رغم تقدمه في السن و مرضه. و يشهد رفقاؤه بعبقرية الرجل، و قال عنه عامر رخيلة مساعده في حزب اتحاد القوى الديمقراطية بمناسبة تكريمه في نوفمبر الماضي أنه بطل من أبطال أول نوفمبر، و وصفه بالرجل الصلب سياسيا و المتشدد في المواقف السياسية والفكرية، وصاحب رؤية تحليلية شاملة، فيما اعتبره مدير دار النشر هومة بأكبر مخططي الثورات التي عرفها العالم منذ بداية القرن العشرين وتحدث عنه عبد الرزّاق بوحارة الذي سبقه هذا الشهر إلى الدار الدائمة أن أحمد محساس مُجسّد مدرسة الثورة الوطنية، ويُعتبر المناضل الجزائري محساس نتاج الظروف الاستثنائية لتاريخ الجزائر. و في سيرته الذاتية يذكر الرجل أنه حمل منذ نعومة أظافره بذرة معاداة الاستعمار الذي جرد عائلته من ممتلكاتها وأراضيها عقابا على مشاركة جده في ثورة المقراني سنة 1871 ، و بدأ النضال في صفوف حزب الشعب الجزائري في أواخر ثلاثينات القرن الماضي في بودواو شرق العاصمة، والتي فر منها إلى العاصمة واعتقل أكثر من مرة ، و كان من بين المسؤولين البارزين في الحزب إلى درجة تبوئه عضوية اللجنة المركزية، ليساهم بفعالية في تأسيس المنظمة السرية التي أوكلت لها مهمة تفجير الثورة لكن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمره واعتقلته سنة 1950 لكنه استطاع الفرار من سجن البليدة رفقة أحمد بن بلة. وكان في طليعة مفجري الثورة، وأول مسؤول ينشر خلايا للجبهة في الأراضي الفرنسية، وعند الاستقلال كان أول وزير للفلاحة، واثر الانقلاب الذي قاده العقيد هواري بومدين على أحمد بن بلة، اضطر مهساس لمغادرة البلاد سنة 1966 ليتكون ثقافيا وسياسيا ويحصل في الغربة على درجة الدكتوراه، وظل مسكونا بهاجس النضال ورغبة المساهمة في صناعة تاريخ الجزائر المستقلة بعد عودته إلى البلاد سنة 1981 بعد وفاة العقيد هواري بومدين بحوالي سنتين، ولأنه لم يكن راضيا على أداء الطبقة السياسية، فقد سارع إلى تأسيس حزب سياسي وحصل على الاعتماد بعد أحداث أكتوبر 1988 تحت تسمية "اتحاد القوى الديمقراطية"، ذلك الحزب الذي لم ينتشر بالشكل المطلوب وبقي نخبويا إلى أن جاء دستور 1996 الذي طلب من الأحزاب التكيف مع مقتضياته، وهنا تم حل الحزب تلقائيا بعد أن رأى مؤسسه وزعيمه عدم جدوى العمل الحزبي في وضع كانت فيه البلاد تتخبط في الدوامة الدموية. وجلبت له مواقفه من بعض قيادات الثورة وخصوصا الشهيد عبان رمضان عداوات كثيرة ، حيث يرى المرحوم أن عبّان رمضان كان ألعوبة في يد مجموعة، وكان طموحه الجامح للمسؤولية هو الذي أوصله لنهايته الأليمة. و رغم ما تعرض له من هجمات بقي الرجل مصرا على مواقفه إلى غاية أيامه الأخيرة. اثرى الراحل المكتبة الوطنية بعدة مؤلفات منها "التسيير الذاتي في الجزائر" و "الجزائر : الديمقراطية و الثورة" و "الحركة الثورية في الجزائر". ج ع ع الرئيس بوتفليقة محساس كان من طينة الرجال الذين أنكروا الذات وجعلوا الوطن قبلتهم أكد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أمس الأحد بالعاصمة، أن الفقيد المجاهد أحمد محساس الذي وافته المنية عن عمر ناهز 90 سنة وهب حياته كلها لخدمة قضية وطنه التي آمن بها. وجاء في برقية تعزية بعث بها الرئيس بوتفليقة إلى كافة أفراد أسرة المرحوم "أفل اليوم في سمائنا نجم من نجوم الجزائر الوطنيين الذين أضاءوا لجيلهم ولمن يأتي بعدهم درب الحرية والإستقلال ولم يدخروا جهدا ولا وقتا لا نفسا ولا نفيسا ولا ما وهبهم الله من إبداع تفتقت عنه عقولهم زمن النضال السياسي والكفاح المسلح فخاضوا معركة شاملة ضد الاحتلال بإيمان لا يتزعزع وثقة في الانتصار لا نظير لها". وأضاف رئيس الدولة أن الفقيد المجاهد احمد محساس "وهب حياته كلها لخدمة قضية وطنه التي آمن بها شابا، فوقف عليها جهاده مناضلا في صفوف حزب الشعب الجزائري وحركة الانتصار للحريات الديمقراطية والمنظمة الخاصة ثم جبهة التحرير الوطني وعانى في سبيل ذلك ما عانى تجرع مرارة التعذيب والسجون ولم يقل ذلك من عزيمته و إرادته واستمر يعمل في تنظيم الخلايا السرية ودعوة الشباب إلى الالتحاق بصفوف الحركة الوطنية متنقلا في مناطق الوطن منظما وحاثا على الاستعداد للمعركة الحاسمة. وقد ارتبط نضاله من أربعينيات القرن المنصرم بالزعيم أحمد بن بلة لا سيما في الجناح العسكري في حركة الانتصار". و جاء في الرسالة أيضا "ولئن اتسم نضاله بالجرأة والإقدام فقد تميز في طبيعته بالهدوء والرزانة يؤثر الصمت ويتجنب الظهور ويجنح إلى المهادنة كان من طينة الرجال الذين أنكروا الذات ونذروا العمر وجعلوا الوطن قبلتهم وناضلوا من أجل تحريره حتى الرمق الأخير ومن الجماعة الأولى التي انتصرت للعمل المسلح واختارت نهج الثورة المباركة". وواصل بأن الراحل " برز دوره الفعال ضمن الفئة الأولى التي خططت وفجرت العمل المسلح وهو نهج لعمري طافح بالدروس والعبر ومصدر مكين تستلهم منه الاجيال دروسا في الوطنية والخلاص والموقف النبيل". وأضاف أن المغفور له "قد أبلى بلاء حسنا على مدى السنوات الاولى للثورة الظافرة الى ان وضعت الحرب اوزارها فكان مع طليعة الرجال الذين اقاموا مؤسسات الدولة الحديثة وتقلد فيها مناصب سامية ساعده في ذلك ما اتسم به من تجربة وثقافة". وخلص الرئيس بوتفليقة إلى القول أنه "أمام هذا الرزء الجلل ليس لي الا ان اسال الله العلي القدير ان يكرم وفادته ويجزل له الثواب الاوفى بما قدم من اعمال لوطنه وان ينزله منزلا مباركا بين الصديقين من عباده في جنات النعيم وينزل في قلوب اسرته وذويه ورفاق دربه جميل الصبر والسلوان".